أشواق التغيير .. وأشواكه
بقلم د/ عبد الله هلال
الوسط 19 يونية 2010
التغيير سُنَّة من سنن الله تعالى في الأرض .. سُنَّة كونية أساسية لا غنى عنها ولا تصلح دونها الحياة. فالخلايا في أجسام كل الكائنات الحية تتغير باستمرار، والأشجار لا تكف عن تغيير أوراقها، والكون كله يتغير بالاتساع. وعلى المستوى السياسي والإداري .. فالتغيير الواعي المنضبط هو الذي يفتح الباب لتجديد الدماء وزيادة الحيوية واكتشاف المواهب القيادية الشابة والاستفادة من كل طاقة إنسانية مبدعة. لقد صدق المثل الشعبي (كل غربال جديد له شَدّة) ... أي أن وجود كفاءات جديدة كل فترة زمنية معقولة يجدد النشاط ويكسر الرتابة المملة في العمل وينشط الالتزام والاحترام تجاه القيادات بمواقع العمل، كما يقلل من فرص اللصوص والمفسدين. ونقيض التغيير أو المقابل له هو الجمود والشلل.. الذي يؤدي إلى التخلف والانحدار. وفي التاريخ الحديث مثال حي للدول التي استفادت من سنة التغيير وحصدت فوائده ومزاياه (المعسكر الغربي)، وتلك التي انهارت بسبب الجمود والهرب من التغيير (الاتحاد السوفيتي ومعسكره الشرقي).
وليس هناك شك أن من أهم أسباب الجمود السياسي في مصر تكلس أحزاب المعارضة (التي يسمونها شرعية!) وخضوعها للتحجيم وتقليم الأظافر، واستسلامها لهذه السياسة الاستبدادية أمام الحزب الحاكم.. لأن أحدا لا يتطوع بترك الحكم وفتح الباب للتغيير ما لم يُجبر على ذلك. لذا فقد سئم الشعب هذه الأحزاب بعد أن انخدع فيها لردح من الزمن، وبعد أن منحها العديد من الفرص لفعل شيء؛ فلم تفعل، بل لم تحاول.. واكتفى قادتها بقطعة بائسة من الجزرة التي يلقيها الحزب الحاكم لمن يرضى بالخضوع والانحناء، مقابل العصا لمن يتمرد على هذه السياسة. ونظرا لأن التغيير سُنّة- كما أسلفنا .. ونظرا لأن الشعوب أذكى مما يتصور المُنظرون والمخططون؛ كان لابد أن يظهر بديل لهذه الأحزاب الهلامية التي تضر الوطن ولا تنفعه، فظهرت القوى الشبابية الجديدة التي استفادت من ثورة المعلومات وخلقت لنفسها منابر لمخاطبة الرأي العام غير خاضعة للجنة شئون الأحزاب التابعة لحزب الحكومة.. ولم تدخر هذه القوى المستنيرة الواعية جهدا لخدمة الوطن، رغم بعدها الكامل عن السياسة بأحزابها وجزرتها وعصاها. فهم شباب (وشيوخ) أحبوا الوطن ونظروا حولهم فلم يجدوا سوى الجمود والتخلف والإحباط، فضلا عن الفقر والجوع والمرض والبطالة... إلى آخر ما حصده الشعب من سياسة الجمود الفاشلة. فبدأ هؤلاء المبدعون في التحرك الطبيعي الذي عادة ما يفعله أي تجمع بشري طبيعي أو عاقل. ويُحمد لهذه القوى الجديدة أنها تتحرك بوعي وفهم لما يدور حولها في العالم، وبطريقة سلمية بعيدة عن العنف.. على عكس الجيل السابق الذي لجأ إلى العنف فأضر بنفسه ولم يقدم شيئا مفيدا للوطن.
لقد انتشرت (أشواق التغيير) بسرعة شديدة كانتشار النار في الهشيم؛ مما أدى إلى ظهور (أشواك التغيير) على الجانب الآخر.. إذ يصعب بالطبع على المستفيدين من وضع الجمود القائم أن يقبلوا بسنة التغيير التي تهددهم (على الأقل) بالإزاحة من مواقعهم. ولكنهم الآن في وضع محرج أمام تحركات سلمية قانونية يصعب التصدي لها (كالمعتاد) أو افتراسها أمام العالم؛ الذي يراقب كل شيء. ونحن لا نخشى على هذه القوى العاقلة الصاعدة، ولا نخشى بالطبع على الحزب الحاكم.. ولكننا نخشى على الوطن الذي بدأ يتعرض لاستقطاب طائفي وتآمر حتى من بعض أبنائه المغرر بهم. لذا فليس أمام الحزب الحاكم- إن كان فيه من يقلق على مستقبل مصر- ليس أمامه سوى التعامل العاقل مع هذه القوى الجديدة، والاعتراف بأهمية التغيير وحتميته، حتى لا نعرض الوطن لمخاطر نحن في غنى عنها.. والأمثلة المخيفة حولنا كثيرة. ولكن يبدو أن أقطاب هذا الحزب لديهم ثقة كاذبة في النفس، أو أنهم غائبون عن الوعي ولا يدركون أهمية وخطورة ما يدور حولهم.. فقد مارسوا- في وقت عصيب وغير مناسب- عادتهم البغيضة في تزوير انتخابات مجلس الشورى بطريقة فجة ومستفزة وكأنهم يخرجون لسانهم للشعب ويقولون للمواطنين (موتوا بغيظكم) فنحن (فيها أو نفنيها)، وأن التغيير حلم بعيد المنال!. لو كان من بين هؤلاء بعض العقلاء الذين يخشون على مستقبل الوطن لغيروا كثيرا من سلوكياتهم المنفرة للشعب، ولتبرأوا من كل فاسد أو منحرف، ولأمعنوا البحث في كل ما يؤدي إلى المصالحة مع الشعب الصابر الذي يكتم غضبه ولا ندري إلى أي مدى يستطيع الصبر على هذا الهوان. لقد تزايدت وتواترت الانفجارات الاجتماعية الخطرة، التي باتت تحدث بشكل شبه يومي هنا وهناك، وأهل الحكم يكتفون بالتعامل الأمني معها، لدرجة أن أحدهم طالب من تحت قبة المجلس النيابي بإطلاق النار على المحتجين والمتظاهرين وكأنه يعيش في العصر الحجري!، وما زال عضوا بهذا المجلس!.. ألا يدل ذلك على أن هؤلاء القوم يعانون غيبوبة خطرة يمكن أن تعصف بالوطن المفترى عليه؟!.
يبدو أن مصر سوف تظل بلد العجائب.. فمن أعجب ما شهده القرن الأخير ظاهرة الجمود السياسي والحكومات المعمًّرة!. قد يكون هناك مبرر للبقاء «الدائم» في الحكم إن كان ذلك برغبة الشعب وكانت الحكومة ناجحة وتقدم كل يوم جديدا.. أما أن يطول البقاء في السلطة لحكومة خائبة وفاشلة وليس لديها خطة مستقبلية لعلاج هذا الفشل, فذلك ما يدعو إلى السخرية والعجب. فمثلا؛ تنفرد مصر - على عكس الدنيا كلها- بتخلف القطاع الحكومي عن القطاع الخاص, مع أن الحكومة هي التي تملك ميزانية الدولة وهي التي تخطط وتنفذ ما تشاء من الأعمال وتستطيع أن تستحوذ على أفضل العقول وأعلى الكفاءات. وفي أي دولة صغرت أم كبرت تجد التنافس بين الناس للالتحاق بالمستشفى الحكومي أو الجامعة الحكومية أو المدارس الرسمية؛ سعيًا للحصول على أعلى المرتبات وأفضل المزايا العلاجية والتأمينية.. أما في مصر العجيبة فالناس يفرون من الحكومة فرار السليم من الأجرب, فالمنشأة الحكومية هي الأقذر وخدماتها هي الأسوأ والشئ الغريب أن العاملين الفاشلين في الصباح (بالمرافق الحكومية) هم أنفسهم الناجحون في المساء (بالقطاع الخاص).
فهل يرجع ذلك إلي خلل مزمن وتخلف في الإدارات الحكومية أم إلى تداخل مريب بين القطاعين?.. وإذا كانت الأولى فلماذا تعمر حكومة متخلفة, وإذا كانت الثانية فمن المستفيد ومن الذي يقف خلف تخريب القطاع الحكومي لصالح الأعمال الخاصة، ومن الذي سمح بانتشار الرشا في كل شبر من أرض المحروسة؟!. خذ مثلا قطاع التعليم, تجد كتابا حكوميا يعلم الجميع أنه يلقى بالقمامة.. وبالمقابل هناك كتب خاصة هي الرائجة وتحقق المليارات لأصحابها, وإذا فتشنا عن أصحاب هذه الكتب فسوف نكتشف بسهولة السر في سوء حالة الكتب الحكومية, وقس على ذلك مملكة الدروس الخصوصية والجامعات والمدارس الخاصة وغير ذلك الكثير. لذلك فليس متوقعا, في ظل هذه الفلسفة الحكومية, أن تفلح الحكومة في صنع أي شيء مفيد.. فقد تخلفنا في جميع الميادين ولم ننجح في تطوير صناعة أو التفوق في إنتاج سلعة وتصديرها أو حتى الحفاظ على تفوقنا التاريخي في الزراعة, فصرنا كمن يمشي للخلف, لأن كل فرد يعمل لصالحه هو وليس لصالح الوطن. وقد استسلمت الحكومات المتعاقبة لهذا الفشل والشعور بالعجز ولم نجد حكومة واحدة تحاول أن تضع خطة لحل أي مشكلة مزمنة مثل الأمية أو انتشار مرض الالتهاب الكبدي أو البطالة أو حتى النظافة، رغم الطنين الإعلامي وإدعاءات تحقيق ما يسمونه المشروعات الكبرى.. ولا ندري لماذا لا يخجلون مثلا من هذه القذارة التي تملأ شوارعنا أو الحفر والمطبات التي لايخلو منها شارع أو الحوادث المرورية التي تحصد آلاف الأرواح دون أن يقلق أحد أو يأمر بدراسة تلك الظاهرة، لماذا لا يخجلون من الفشل في حل مشكلة الاشتباك المروري اليومي?. ولماذا يلقون باللوم على المواطن الذي لم يجد نظاما ليتبعه?، لو أنهم قالوا هذه خطتنا لإنهاء الأمية أو البطالة مثلا ولو بعد مئة سنة لالتمسنا لهم العذر, ولكنهم لا يملون من النظر تحت أقدامهم, والتغني بالإنجازات الوهمية!. وأخطر ما في الأمر أن هناك جهات عديدة- داخلية وخارجية- بدأت تستغل ضعف الحكومة وحالة الغيبوبة التي تلازمها في إهانة الدولة والتضييق عليها ونهب مكاسب وامتيازات دون وجه حق. ألا يدرك أولي الأمر أن مصر صارت (دولا) مفككة، متناحرة، للأسف؟.. مالكم؛ كيف تحكمون؟!.
أليس من حق الشعب- في ظل هذا الحال المائل- أن يحلم بالتغيير؟، وإذا كان الأمر كذلك فهل يظل حزب الحكومة في غيبوبته؛ راكبا رأسه؟.. ألا يحاول حتى أن يصالح الشعب ويبادر هو بالتغيير، وينقذ الوطن من كوارث لا داعي لها؟..... أم إنها الغيبوبة كما أسلفنا؟!.
يا أهل الحكم.. إني لكم ناصح أمين؛ أفيقوا فالدنيا تغيرت، وطريقتكم في إدارة الدولة لم تعد تصلح لهذا الزمان.. إن لم يظهر من بينكم (أو من غيركم) رجل رشيد ينقذكم من أنفسكم وينقذ الوطن فسوف تضيعون أنفسكم، والأخطر أنكم سوف تضيعون الوطن.
وليس هناك شك أن من أهم أسباب الجمود السياسي في مصر تكلس أحزاب المعارضة (التي يسمونها شرعية!) وخضوعها للتحجيم وتقليم الأظافر، واستسلامها لهذه السياسة الاستبدادية أمام الحزب الحاكم.. لأن أحدا لا يتطوع بترك الحكم وفتح الباب للتغيير ما لم يُجبر على ذلك. لذا فقد سئم الشعب هذه الأحزاب بعد أن انخدع فيها لردح من الزمن، وبعد أن منحها العديد من الفرص لفعل شيء؛ فلم تفعل، بل لم تحاول.. واكتفى قادتها بقطعة بائسة من الجزرة التي يلقيها الحزب الحاكم لمن يرضى بالخضوع والانحناء، مقابل العصا لمن يتمرد على هذه السياسة. ونظرا لأن التغيير سُنّة- كما أسلفنا .. ونظرا لأن الشعوب أذكى مما يتصور المُنظرون والمخططون؛ كان لابد أن يظهر بديل لهذه الأحزاب الهلامية التي تضر الوطن ولا تنفعه، فظهرت القوى الشبابية الجديدة التي استفادت من ثورة المعلومات وخلقت لنفسها منابر لمخاطبة الرأي العام غير خاضعة للجنة شئون الأحزاب التابعة لحزب الحكومة.. ولم تدخر هذه القوى المستنيرة الواعية جهدا لخدمة الوطن، رغم بعدها الكامل عن السياسة بأحزابها وجزرتها وعصاها. فهم شباب (وشيوخ) أحبوا الوطن ونظروا حولهم فلم يجدوا سوى الجمود والتخلف والإحباط، فضلا عن الفقر والجوع والمرض والبطالة... إلى آخر ما حصده الشعب من سياسة الجمود الفاشلة. فبدأ هؤلاء المبدعون في التحرك الطبيعي الذي عادة ما يفعله أي تجمع بشري طبيعي أو عاقل. ويُحمد لهذه القوى الجديدة أنها تتحرك بوعي وفهم لما يدور حولها في العالم، وبطريقة سلمية بعيدة عن العنف.. على عكس الجيل السابق الذي لجأ إلى العنف فأضر بنفسه ولم يقدم شيئا مفيدا للوطن.
لقد انتشرت (أشواق التغيير) بسرعة شديدة كانتشار النار في الهشيم؛ مما أدى إلى ظهور (أشواك التغيير) على الجانب الآخر.. إذ يصعب بالطبع على المستفيدين من وضع الجمود القائم أن يقبلوا بسنة التغيير التي تهددهم (على الأقل) بالإزاحة من مواقعهم. ولكنهم الآن في وضع محرج أمام تحركات سلمية قانونية يصعب التصدي لها (كالمعتاد) أو افتراسها أمام العالم؛ الذي يراقب كل شيء. ونحن لا نخشى على هذه القوى العاقلة الصاعدة، ولا نخشى بالطبع على الحزب الحاكم.. ولكننا نخشى على الوطن الذي بدأ يتعرض لاستقطاب طائفي وتآمر حتى من بعض أبنائه المغرر بهم. لذا فليس أمام الحزب الحاكم- إن كان فيه من يقلق على مستقبل مصر- ليس أمامه سوى التعامل العاقل مع هذه القوى الجديدة، والاعتراف بأهمية التغيير وحتميته، حتى لا نعرض الوطن لمخاطر نحن في غنى عنها.. والأمثلة المخيفة حولنا كثيرة. ولكن يبدو أن أقطاب هذا الحزب لديهم ثقة كاذبة في النفس، أو أنهم غائبون عن الوعي ولا يدركون أهمية وخطورة ما يدور حولهم.. فقد مارسوا- في وقت عصيب وغير مناسب- عادتهم البغيضة في تزوير انتخابات مجلس الشورى بطريقة فجة ومستفزة وكأنهم يخرجون لسانهم للشعب ويقولون للمواطنين (موتوا بغيظكم) فنحن (فيها أو نفنيها)، وأن التغيير حلم بعيد المنال!. لو كان من بين هؤلاء بعض العقلاء الذين يخشون على مستقبل الوطن لغيروا كثيرا من سلوكياتهم المنفرة للشعب، ولتبرأوا من كل فاسد أو منحرف، ولأمعنوا البحث في كل ما يؤدي إلى المصالحة مع الشعب الصابر الذي يكتم غضبه ولا ندري إلى أي مدى يستطيع الصبر على هذا الهوان. لقد تزايدت وتواترت الانفجارات الاجتماعية الخطرة، التي باتت تحدث بشكل شبه يومي هنا وهناك، وأهل الحكم يكتفون بالتعامل الأمني معها، لدرجة أن أحدهم طالب من تحت قبة المجلس النيابي بإطلاق النار على المحتجين والمتظاهرين وكأنه يعيش في العصر الحجري!، وما زال عضوا بهذا المجلس!.. ألا يدل ذلك على أن هؤلاء القوم يعانون غيبوبة خطرة يمكن أن تعصف بالوطن المفترى عليه؟!.
يبدو أن مصر سوف تظل بلد العجائب.. فمن أعجب ما شهده القرن الأخير ظاهرة الجمود السياسي والحكومات المعمًّرة!. قد يكون هناك مبرر للبقاء «الدائم» في الحكم إن كان ذلك برغبة الشعب وكانت الحكومة ناجحة وتقدم كل يوم جديدا.. أما أن يطول البقاء في السلطة لحكومة خائبة وفاشلة وليس لديها خطة مستقبلية لعلاج هذا الفشل, فذلك ما يدعو إلى السخرية والعجب. فمثلا؛ تنفرد مصر - على عكس الدنيا كلها- بتخلف القطاع الحكومي عن القطاع الخاص, مع أن الحكومة هي التي تملك ميزانية الدولة وهي التي تخطط وتنفذ ما تشاء من الأعمال وتستطيع أن تستحوذ على أفضل العقول وأعلى الكفاءات. وفي أي دولة صغرت أم كبرت تجد التنافس بين الناس للالتحاق بالمستشفى الحكومي أو الجامعة الحكومية أو المدارس الرسمية؛ سعيًا للحصول على أعلى المرتبات وأفضل المزايا العلاجية والتأمينية.. أما في مصر العجيبة فالناس يفرون من الحكومة فرار السليم من الأجرب, فالمنشأة الحكومية هي الأقذر وخدماتها هي الأسوأ والشئ الغريب أن العاملين الفاشلين في الصباح (بالمرافق الحكومية) هم أنفسهم الناجحون في المساء (بالقطاع الخاص).
فهل يرجع ذلك إلي خلل مزمن وتخلف في الإدارات الحكومية أم إلى تداخل مريب بين القطاعين?.. وإذا كانت الأولى فلماذا تعمر حكومة متخلفة, وإذا كانت الثانية فمن المستفيد ومن الذي يقف خلف تخريب القطاع الحكومي لصالح الأعمال الخاصة، ومن الذي سمح بانتشار الرشا في كل شبر من أرض المحروسة؟!. خذ مثلا قطاع التعليم, تجد كتابا حكوميا يعلم الجميع أنه يلقى بالقمامة.. وبالمقابل هناك كتب خاصة هي الرائجة وتحقق المليارات لأصحابها, وإذا فتشنا عن أصحاب هذه الكتب فسوف نكتشف بسهولة السر في سوء حالة الكتب الحكومية, وقس على ذلك مملكة الدروس الخصوصية والجامعات والمدارس الخاصة وغير ذلك الكثير. لذلك فليس متوقعا, في ظل هذه الفلسفة الحكومية, أن تفلح الحكومة في صنع أي شيء مفيد.. فقد تخلفنا في جميع الميادين ولم ننجح في تطوير صناعة أو التفوق في إنتاج سلعة وتصديرها أو حتى الحفاظ على تفوقنا التاريخي في الزراعة, فصرنا كمن يمشي للخلف, لأن كل فرد يعمل لصالحه هو وليس لصالح الوطن. وقد استسلمت الحكومات المتعاقبة لهذا الفشل والشعور بالعجز ولم نجد حكومة واحدة تحاول أن تضع خطة لحل أي مشكلة مزمنة مثل الأمية أو انتشار مرض الالتهاب الكبدي أو البطالة أو حتى النظافة، رغم الطنين الإعلامي وإدعاءات تحقيق ما يسمونه المشروعات الكبرى.. ولا ندري لماذا لا يخجلون مثلا من هذه القذارة التي تملأ شوارعنا أو الحفر والمطبات التي لايخلو منها شارع أو الحوادث المرورية التي تحصد آلاف الأرواح دون أن يقلق أحد أو يأمر بدراسة تلك الظاهرة، لماذا لا يخجلون من الفشل في حل مشكلة الاشتباك المروري اليومي?. ولماذا يلقون باللوم على المواطن الذي لم يجد نظاما ليتبعه?، لو أنهم قالوا هذه خطتنا لإنهاء الأمية أو البطالة مثلا ولو بعد مئة سنة لالتمسنا لهم العذر, ولكنهم لا يملون من النظر تحت أقدامهم, والتغني بالإنجازات الوهمية!. وأخطر ما في الأمر أن هناك جهات عديدة- داخلية وخارجية- بدأت تستغل ضعف الحكومة وحالة الغيبوبة التي تلازمها في إهانة الدولة والتضييق عليها ونهب مكاسب وامتيازات دون وجه حق. ألا يدرك أولي الأمر أن مصر صارت (دولا) مفككة، متناحرة، للأسف؟.. مالكم؛ كيف تحكمون؟!.
أليس من حق الشعب- في ظل هذا الحال المائل- أن يحلم بالتغيير؟، وإذا كان الأمر كذلك فهل يظل حزب الحكومة في غيبوبته؛ راكبا رأسه؟.. ألا يحاول حتى أن يصالح الشعب ويبادر هو بالتغيير، وينقذ الوطن من كوارث لا داعي لها؟..... أم إنها الغيبوبة كما أسلفنا؟!.
يا أهل الحكم.. إني لكم ناصح أمين؛ أفيقوا فالدنيا تغيرت، وطريقتكم في إدارة الدولة لم تعد تصلح لهذا الزمان.. إن لم يظهر من بينكم (أو من غيركم) رجل رشيد ينقذكم من أنفسكم وينقذ الوطن فسوف تضيعون أنفسكم، والأخطر أنكم سوف تضيعون الوطن.
abdallah_helal@hotmail.com
http://abdallahhelal.blogspot.com/