أهلاً.. وسهلاً

مرحبا بكم في موقع الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال

مقالات علمية وسياسية - محاضرات في الكيمياء - بحوث علمية - كتب علمية في الكيمياء وتطبيقاتها - استشارات علمية (كيميائية وبيئية)















هل لديك استشارة علمية؟

الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال - استشاري الدراسات الكيميائية والبيئية
للاستشارات العلمية:
ناسوخ (فاكس): 0020222670296 القاهرة
جوال: 0020115811500



الصفحة الرئيسية

الاثنين، ١٤ نوفمبر ٢٠١١

عاجل.. لمنع اختطاف الثورة
 د. عبد الله هلال

  المصريون 11-02-2011 - الوسط 10- 2- 2010

الثورة المباركة تتصاعد وتتوسع أفقيا ورأسيا.. والشعب المصري الأصيل يثبت لحظة بعد لحظة أنه شعب واعٍ، وأن محاولات النظام لتجاهل الثورة أو اختطافها تبوء بالفشل. يا له من شعب عظيم، شعب قنوع صبور.. تحمّل بقناعته وكرمه شظف العيش وسوء أحوال المعيشة على أمل أن تتحسن ظروف البلاد للأبناء والأحفاد، وصبر على الفراعنة الطغاة صبر أيوب، وتحمل ما لا يتحمله بشر من معاملة قاسية وقتل واعتقال وتعذيب وإهمال حكومي لكل شيء حتى ظن بعض اليائسين أنه شعب واهن ليس فيه أمل. والأخطر من ذلك أن الطغاة أنفسهم استقر في يقينهم هذا الظن السيء، وتعاملوا مع الشعب على أنه مجموعة من العبيد تفرقهم العصا وتجمعهم الجزرة، فطغوا وبغوا وتجبروا، واجتاحوا البلاد والعباد وكأنهم قوات احتلال، ولم يدر بخلدهم لحظة أن هناك يوم للحساب؛ لا في الدنيا ولا في الآخرة!. لم يفهم الطغاة أن الشعب الصبور لا يمكن أن يكون ميتا، وأن نفاد الصبر هو الزلزال أو الطوفان الذي لا قِبل لأحد به.. ولقد نبهناهم كثيرا إلى هذه النقطة، ولكن مَن نحن لكي يستمعوا إلينا؟!. وسبحان من يمهل ولا يهمل، فقد استيقظ المارد وانفجر البركان، وتملك الرعب والفزع الطغاة واللصوص.. كل يبحث عن مهرب أو جبل يعصمه من الطوفان، ولكن لا عاصم اليوم من أمر الله. لم يفهم النظام المترنح أنه فقد شرعيته بانطلاق الثورة وترسيخ الشرعية الثورية.. كل هذه الملايين الثائرة ليس لها اعتبار لدى النظام!. ونقول لهؤلاء البؤساء الواهمين إن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء، وأن ما انكسر يستحيل جبره أو ترميمه، وأن تلك (التناحة) ومحاولات البقاء رغم هذه الثورة غير المسبوقة في التاريخ البشري لن تزيد الثورة إلا اشتعالا. وبالطبع لن ينطلي على أحد أن هذه المقاومة للثورة والاستموات في السلطة هو من أجل مصر!.. فلو كانت مصر في بالهم يوما لما حدث ما حدث، ولما كان هناك داعٍ للثورة أصلا، ولكن الجميع يفهم أن التشبث بالحكم الآن- رغم الثورة التي أتت على شرعيتهم المزعومة- ما هو إلا تمترس خلف متاريس السلطة لحماية كل مَن على رأسه ‘بطحة‘- وهم كُثُر- من المحاسبة، حتى وإن خربت مصر، ولسان حال هؤلاء الآن هو (أنا ومن بعدي الطوفان). لابد للثورة من قائد إن الثورة ماضية بعون الله وقدرته.. وعلى الثوار وأهل الفكر والرأي والحكمة الاستعداد فورًا لاحتمال أن يفقد (الذين على رؤوسهم بطحة) رشدهم ويلجأوا إلى الخيار (شمشون). نعلم أن المصريين جميعا عرفوا طريقهم وقرروا راضين محتسبين دفع مهر الحرية وأنهم لن يعودوا إلى الوراء، ولكن ينبغي السعي لتقليل الخسائر.. ويكفي ما قدمته مصر من شهداء ومصابين. مطلوب تنظيم الصفوف والتجهيز ليوم انتصار الثورة.. لابد من توافر البديل من الآن حتى لا يحدث فراغ أو اختلاف بين الثوار. ونعتقد أنه من الواجب الآن وفورا الاتفاق على قائد للمرحلة القادمة.. ونذَكّر بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم واحدا. وهذه الثورة العظيمة لها في الميدان بالطبع قادتها المبدعون الذين نجحوا في تفجير هذا البركان الثوري، وهم يستحقون- وقادرون- على أن يقودوا دولا، وليس دولة واحدة. ولكن لابد من وجود (رئيس مؤقت) لتنظيم الصفوف واستلام الحكم عند انتصار الثورة. وإذا كانت الثورة قد نزعت الشرعية عن رأس النظام فهي لم تمنحها لغيره، مما يعطيه الحجة للبقاء بادعاء منع الفوضى!. ولا شك أن التوافق على شخصية لقيادة هذه المرحلة مشكلة كبيرة، إذ يستحيل إجماع الآراء، والاختلاف وارد. ولكن من قال إن الدنيا لا بد أن تسير بالإجماع؟.. إن الدول الحرة التي سبقتنا بالاستمتاع بالحرية تدار بقيادات تحصل بالكاد على 51%، لذا فليس مطلوبا إجماع الآراء. ولو تم الاتفاق على شخصية معينة بأغلبية معقولة ولم تعجب البعض فعزاء الرافضين أنها فترة انتقالية، وأن الفرصة سوف تأتي بعد ستة أشهر مثلا لاختيار من نشاء. لذا أقترح الاتفاق بسرعة على إحدى الشخصيات الموجودة بالساحة والمستعدة للقبول بهذه المهمة الفدائية (البرادعي، عمرو موسى، أيمن نور.... الخ)، أو إحدى الشخصيات القانونية (المستشار طارق البشري، .... الخ)، لكي يتقدم الصفوف ويرفع المتظاهرون صورته ويضعوا النظام الفاقد للشرعية أمام الأمر الواقع، ويمكن تنصيبه بأداء اليمين في ميدان التحرير أمام الملايين الثائرة. استفتاء على الثورة ليس مطلوبا بالطبع أن يخرج الثمانون مليون مصري في مسيرة واحدة لكي يقتنع النظام البائد بأن الشعب سحب الشرعية منه، فأغلب الثورات انتصرت بأقل من مليون متظاهر.. ولكنهم لا يخجلون ويقولون إن المتظاهرين لا يمثلون أغلبية الشعب المصري!. وهم يعلمون جيدا أن الشعب كله قد لفظهم باستثناء القلة الفاسدة المنتفعة من النظام.. ولكن لا بأس من دعوة الشعب الثائر بأسره للتعبير عن رفضه للنظام بالأساليب البسيطة الممكنة التي يستطيع كل الناس فعلها، مثل اختيار يوم (وليكن يوم إجازة المولد النبوي الشريف- الثلاثاء القادم) لرفع علم مصر (أو راية بيضاء لمن لا يتوفر له العلم) على الشرفات والنوافذ في مصر كلها، ولبس ملابس بيضاء مثلا طوال هذا اليوم. وهناك أساليب كثيرة يمكن إحصاؤها وإبرازها بواسطة وسائل الإعلام مثل تحديد يوم للامتناع عن شراء صحف الحكومة. وهناك نقطة أخرى مهمة: إننا نثق ثقة كاملة في وطنية كل أفراد الجيش المصري وأنهم لن ينحازوا إلا إلى الشعب، ولكن في ظل تصاعد التهديدات بانقلاب عسكري فهناك احتمال لمحاولة لجوء النظام البائد إلى الإيقاع بين الجيش والشعب الثائر.. لذا نقترح في حالة الاضطرار للزحف إلى القصر الجمهوري، أو ما شابه؛ دعوة أشقاء وأبناء وأسر ضباط وجنود القوات المسلحة للتواجد بالمسيرة والإحاطة بجموع المتظاهرين لكي نوفر لهم الفرصة لرفض إطلاق النار على أهليهم.

الاثنين، ٤ أبريل ٢٠١١

* ثورة 25 يناير.. في خطر

ثورة 25 يناير.. في خطر

بقلم د. عبد الله هلال


المصريون 2/4/2011 - الوسط 29/3/2011


الثورات لا تقوم فقط من أجل الإطاحة بالطاغية، رأس النظام.. ولكنها تكون (ثورة) على النظام المتخلف كله، بحيث يتجه المجتمع بكامل مؤسساته وقواه وأفراده من الاتجاه الخاطئ إلى الاتجاه الصواب بزاوية 180 درجة.. فهل كانت ثورة 25 يناير من القوة والسرعة بما يجعل الزاوية تتسع لتصل إلى 360 درجة، أي العودة إلى نقطة الصفر؟!. إن حالة البطء والمَوات التي تواجهها الثورة حاليا تنبئ بذلك للأسف.. إذ تم خلع رأس النظام بثورة شعبية أذهلت العالم، ولكن النظام نفسه لازال جاثما من خلال المسئولين المنتشرين في كل المواقع بطول البلاد وعرضها كالمحافظين، بل وبعض الوزراء الحاليين، ورؤساء المدن والأحياء ورؤساء الجامعات والعمداء والمجالس المحلية وعمد القرى.. الخ. والأخطر من ذلك أن الآلة الإعلامية القذرة للنظام البائد لازالت تسيطر على البلاد وتنْفُس سمومها وتحاول إيقاع الفتنة بالمجتمع، وتدس السم في العسل. ويساعد وسائل الإعلام في بث الفتنة والفرقة بالمجتمع تلك الأحزاب الورقية (حفريات النظام المخلوع) التي أوقعتها الثورة في حرج كبير، لأن الانتخابات الحرة سوف تكشف حجمها الحقيقي، فبدأ قادتها حملة هستيرية للتحريض على التيار الإسلامي، واستخدامه من جديد كفزاعة سواء للداخل أو الخارج.. وهؤلاء بالطبع أبعد ما يكونون عن الثورة وفكرها ونقائها، بل إنهم يقودون، عن جهل أو قصد، الثورة المضادة. ومما يثير العجب أن هؤلاء المضطربون بعد الثورة كانوا في السابق سعداء بالتيار السلفي الذي كان ينأى بنفسه عن السياسة، ولكن عندما تغير الحال بعد الثورة وقرر السلفيون المشاركة في خدمة المجتمع وأسهموا في الدعوة إلى الإقبال على الاستفتاء.. انزعجت الحفريات الحزبية والإعلامية، وأعلنوها حربا عليهم وعلى التيار الإسلامي كله. ومشكلة وسائل الإعلام المصرية أن السياسة الأمنية للنظام المخلوع كانت قاطعة ومانعة لتسرب أي من غير أهل الثقة إليها.. لتمتلئ هذه المؤسسات (إلا قليلا) بالمتسلقين والمنافقين والمخبرين الأمنيين، الذين تربوا في أحضان النظام ورضعوا من أمواله الحرام، ويصعب عليهم أن يكونوا ثوريين أو أن يخلصوا لمصر وثورتها. وهؤلاء لا يملكون إلا التلوُّن ومسايرة الواقع.. ولكن الاستفتاء على التعديلات الدستورية وما صاحبه من جدل ومناقشات وحوارات كشف حقيقة أغلبهم. فقد عادت نبرة النظام المخلوع حول الادعاء الزائف (بجهل) الشعب المصري الذي فجر أعظم ثورة!، وعدم استعداده لمناخ حرية الرأي، وأنه شعب يسهل خداعه وتوجيهه إلى اتجاهات خاطئة، وأنه بالتالي يحتاج إلى إعادة فرض الوصاية عليه!. كما عادت سياسة التخويف من الدين والمتدينين، وعاد مصطلح (استخدام الدين).. وكأن الشعب المصري لا يحب الدين ولا التدين. وينبغي أن يكون واضحا أن الشعب المصري في أغلبه شعب متدين، بصرف النظر عن كونه مسلما أو مسيحيا، ومهما كانت التوجهات السياسية فلن يستطيع أحد تغييب هذه الحقيقة. كما ينبغي أن يدرك كل من يسعى (أو يدعي السعي) إلى تحقيق المصالح العليا لمصر أن مصر دولة المتدينين، وأن هذه ميزة كبرى لأن الشعوب المتدينة تكون أسلس قيادا وأسهل توجيها لفعل الخير، وأكثر انتماء للوطن من الشعوب المتجاهلة للدين. إن مخاطبة المتدينين بما يحبون ليس استخداما للدين كما يدعي هؤلاء الجاهلون، ولكنه اعتراف بواقع أن الشعب المصري متدين بالفطرة.. ولو كان هؤلاء لديهم ما يقدمونه للجماهير المحبة للدين لكانوا الأسبق في فيما يسمونه (استخدام الدين)، ولكن أغلبهم لا يعترف بالدين أساسا!. والمخاطر التي تواجهها مصر الثورة من التيارات العلمانية المسيطرة على أغلب وسائل الإعلام مخاطر كبيرة، لأن مشكلتهم الكبرى هي الافتقار إلى الصدق والصراحة، لأنهم يعلمون جيدا أن الشعب المتدين يلفظهم ولا يثق بهم.. فلا يجدون إلا النفاق سبيلا للتواصل مع الناس. وهم يخلطون الأوراق والمصطلحات لتضليل الجماهير، فيصورون العَلمانية على أنها مشتقة من العِلم، والحقيقة أنها مشتقة من العالَم، أي الدنيا.. وهي تقوم على أساس فصل الدين وما يدعو إليه من أخلاق وقيم وعبادات عن الحياة، أي حبسه في دور العبادة فقط، فلسان حالهم كما جاء في سورة المؤمنون بالقرآن الكريم: (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ- 37). كما لا يملّون من الحديث عن الدولة المدنية في مقابل الدولة الدينية، على الرغم من يقينهم أن الدولة الإسلامية عموما لا يمكن أن تكون دولة دينية بالمفهوم (الثيوقراطي) الذي عرف في أوربا القرون الوسطى حيث كانت هذه الدول تُحكم بنظرية الحق الإلهي للملوك أو رجال الدين، إذ كان الواحد من هؤلاء يعتبر بمثابة ممثل لله على الأرض، فكلمته وحي من السماء، وقراراته تنزيل، ومعارضته كفر!، أما في الإسلام فالحاكم أجير لدى الشعب، ومن متطلبات التدين معارضته وانتقاده إن أخطأ (أعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر)، ويمكن عزله.. فأين هي الدولة الدينية؟!. وكما أوضح د. صلاح الصاوي بصحيفة الوسط فإن (من أبجديات العقائد أن السيادة للشرع وحده، وأن كل الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب الرسالة، وأن العصمة لا تكون لأحد بعد الأنبياء إلا لمجموع الأمة، فقد عصمها الله تعالى من أن تجتمع على ضلالة، وأن السلطة لجماعة المسلمين.. فإذا كان النظام القانوني مصدره الشرع فإن السلطة مصدرها الأمة، وإن الخلفاء أو الولاة تختارهم الأمة بواسطة أهل الحل والعقد، وأن سند مشروعيتهم يتمثل في طاعتهم لله تعالى وقيامهم بمصالح الأمة، وأن الله تعبد الأمة بطاعتهم ما أطاعوا الله عز وجل، فإن عصوه فلا طاعة لهم. وقد قال أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم". والأمة هي صاحبة الحق في الهيمنة على الولاة والأئمة تولية ورقابة وعزلا، وهذه مقولة البغدادي رحمه الله قبل أن يعرف العالم الديمقراطيات المعاصرة بمئات السنين. وقد جعل الله تعالى الأرض مشتركا لعباده جميعا، فجُلّ ما ينتجه العالم في باب الترتيبات الإدارية والآليات الدنيوية مشترك إنساني عام، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التقطها وهو أولى الناس بها، فلا يظنن أحد أنه عندما يناقش على سبيل المثال قضية إدارية بحته سينبري له فقيه ليرد عليه بالنصوص القطعية ويخرجه من الملة عند المخالفة!.. هذا وهم لا وجود له إلا في خيالات الواهمين. لقد جاءت الشريعة على سبيل المثال في باب الشورى بإعلاء المبدأ وإرساء القيمة، وبيان أن الشورى تكون في دائرة المباحات ومنطقة العفو التشريعي، ثم أحالت فيما وراء ذلك من التفصيلات والآليات إلى الاجتهاد البشري يطور من الآليات ما يشاء ويبدع فيها كما يشاء، ويستفيد من خبرات الآخرين كما يشاء، ولا تثريب عليه في ذلك ولا حرج إذ لا يزال في دائرة السعة، وقل مثل ذلك في كثير من النظم والترتيبات الإدارية). والخلاصة أن ثورتنا المجيدة معرضة للخطر، وهي لن تكون ثورة بالفعل ما لم تقتلع الفساد والمفسدين، سواء في وسائل الإعلام أو مؤسسات الدولة. واقتلاع شجرة الفساد لا يكون بقص أطرافها، ولا حتى جذعها.. ولكن لا بديل عن إزالة الجذور حتى لا تنبت من جديد. فهل لابد من الذهاب إلى التحرير من جديد وتذكير المجلس العسكري بأن أهداف الثورة لم تتحقق بعد؟!.. إن مصر في حاجة إلى الاستقرار وبناء الدولة، ورحم الله تعالى الشيخ الشعراوي الذي قال (الثائر الحق الذي يثور ليهدم الفساد، ثم يهدأ ليبني الأمجاد). إننا نريد أن نهدأ ونبني الأمجاد.. فكيف سنتمكن من بناء الأمجاد في ظل سيطرة بقايا النظام المخلوع؟!. ماذا فعلت الحكومة القائمة لمحاسبة اللصوص واسترداد الأموال المنهوبة؟، وماذا فعلت لمنع بقايا المفسدين من مواصلة السرقة؟، وماذا فعلت لرد المظالم وإعادة مصر إلى شعبها؟، ولماذا لم تغير طريقة النظام المخلوع في تجاهل متطلبات الجودة في المشاريع القائمة التي تستكمل حاليا؟..... يبدو أنه لا بديل عن العودة إلى التحرير استئناف التظاهر لاستكمال الثورة!. همســـات: • يبدو أن عملية السطو على بيت الدكتور محمد بديع مرشد الإخوان المسلمين محاولة من أمن الدولة لتحريض المجلس العسكري على الجماعة؛ بدس شيء يقلق قادة الجيش، وإقناعهم بضرورة استمرار جهاز أمن الدولة. • تحية للدكتور عصام شرف الذي توجه في أول رحلة خارجية له إلى نصفنا الجنوبي السودان، ونرجو أن تُستكمل الصورة بدعم الثورة الليبية، وفك الحصار عن غزة وتشجيع إعادة بنائها. • مع التقدير والتحية للثورة الليبية والدعاء إلى الله تعالى بنصرها وتوفيق شعبها.. فإننا نتعجب من استهداف الغارات الغربية لمنشآت ومرافق كان يمكن تركها على حالها طالما شُلت يد العقيد عن استخدام الطائرات لقصف مواطنيه الثائرين.. هل هي فرصة لفتح السوق الليبية لمنتجات الغرب وأسلحته وشركات مقاولاته؟. • لا نستطيع أن نطمئن لعدم وجود خطة سرية غربية لتقسيم ليبيا.. نرجو أن ينتبه الثوار (خصوصا في طرابلس المحبوسة) والمجلس الانتقالي.. لا تمنحوهم هذه الفرصة، وحافظوا على وحدة ليبيا. • طمأنت وزيرة الخارجية الأمريكية بشار الأسد بأن الغرب لا يفكر (الآن) بالتدخل في سوريا مثل ليبيا، لتشجيعه على ضرب الثورة السورية وفتح الباب للتدخل وضرب قواعد الصواريخ والمطارات والقواعد العسكرية وتقسيم سوريا؛ خدمة للعدو الصهيوني.. ليته يتعظ بما يحدث حوله ولا يمنحهم الفرصة.

الخميس، ١٧ مارس ٢٠١١

* لماذا نقول (نعم) للتعديلات الدستورية؟

لماذا نقول (نعم) للتعديلات الدستورية؟
بقلم د. عبد الله هلال
المصريون 17/03/2011

الدستور هو أبو القوانين.. وعادة ما تناضل الشعوب من أجل دستور جيد ضمانا للحريات وتأكيدا على الحقوق والواجبات للأفراد والمؤسسات. وكما يعرفه الفقه الدستوري؛ فهو القانون الأساسي الذى يبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها وينظم السلطات العامة من حيث تكوينها واختصاصاتها وعلاقاتها بعضها ببعض، ويقرر حقوق الأفراد وحرياتهم ويضع الضمانات الأساسية لهذه الحقوق والحريات. والدستور هو الذي يسهر على كل السلطات في الدولة، ومن ثم كان طبيعيا أن تظهر قاعدة دستورية القوانين التي تقضى بألا يصدر قانون على خلاف الدستور وإلا كان ذلك قانونا باطلا يتعين على القضاء الامتناع عن تطبيقه. وبمطالعة تاريخ مصر مع الدستور نجد أنه قد مر بمراحل متعددة كافح فيها الشعب المصري كفاحا مشرفا من أجل الدستور، وصمد فيها أمام سلطات الاحتلال الإنجليزي التي قاومته بشتى الوسائل والطرق. ففي الفترة ما بين 1882- 1805 شهدت البلاد نضالا مريرا للشعب المصري انتهى بإصدار دستور سنة 1882، ثم ما لبثت سلطات الاحتلال الإنجليزي أن ألغته، ولكن الشعب واصل كفاحه ولم يتوقف جهاده في سبيل الدستور إلى أن صدر في 19 أبريل سنة 1923 دستور سنة 1923، ووفقا لهذا الدستور انعقد أول برلمان مصري في 15 مارس سنة 1924.

ونحن بلا شك في حاجة ماسة إلى دستور جديد يتناغم مع أوضاع ما بعد الثورة، ويفتح الباب لانطلاقة تنموية وحضارية تناسب شعب مصر الذي فجر أعظم ثورة في التاريخ. وقد جاءت التعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء لتفتح الباب لاستقرار الأوضاع أولا بوجود حكومة منتخبة من الشعب لأول مرة، ثم البدء في إعداد الدستور الجديد مع تذوق الشعب لطعم الحرية والتفكير بهدوء وروية في وضع أفضل دستور عصري. وللأسف فقد تزايد الجدل حول قبول أو رفض التعديلات الدستورية، على الرغم من النص صراحة بالمادة 189 مكرر من هذه التعديلات على: )يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة أشهر من انتخابهم، وذلك كله وفقا لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 189). وهذه الفقرة الأخيرة تنص على: (وتتولى جمعية تأسيسية من مئة عضو، ينتخبهم أغلبية أعضاء المجلسين من غير المعينين في اجتماع مشترك، إعداد مشروع الدستور في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض رئيس الجمهورية المشروع، خلال خمسة عشر يوما من إعداده، على الشعب لاستفتائه في شأنه، ويُعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء).. وهذا يبين بوضوح السعي الصادق لإصدار دستور جديد. وعلى الرغم من حُسن نية أغلب المترددين والمرتابين خصوصا من بعض الشباب المغرر بهم، حيث تتاح الفرصة لأول مرة للتعبير الحر عن الرأي دون غش أو تزوير، وربما تدفع بعضهم الرغبة في مجرد الاستمتاع بحرية قول (لا) التي كانت ممنوعة في الماضي.. إلا أن هناك الكثيرين الذين يدفعهم سوء النية. فالأحزاب الهلامية (الشرعية!) التي كانت مستسلمة للنظام المخلوع بعصاه وجزرته؛ تسعى لرفض التعديلات الدستورية.. لا لأنها غير مناسبة، ولا لأنها لن تؤدي إلى دستور جديد، ولكن لأن هذه الأحزاب تريد إيقاف عجلة الثورة بتعطيل إجراء الانتخابات النيابية، وقد قال بعضهم صراحة إنهم في حاجة إلى وقت لإعداد أنفسهم للانتخابات!، تماما مثل التلميذ الخائب الذي يتمنى تأجيل الامتحان أو إلغائه. ولو جاءت هذه الرغبة من قوى الثورة- الجديدة على العمل السياسي، أو من الأحزاب الناشئة بعد الثورة، أو من القوى التي كان النظام المخلوع يضطهدها ويمنعها من التحرك بين الجماهير على أساس أنها غير شرعية لالتمسنا لهم العذر.. أما الأحزاب الموجودة في الساحة منذ عشرات السنين؛ فما عذرها؟، لقد كانت حجتهم في الماضي أن النظام الهالك يزور الانتخابات ضدهم، أما الآن فقد سقطت هذه الحجة، وسوف يظهر الحجم الحقيقي لكل حزب، وهذا ما يرعبهم ويدفعهم لتعطيل المسيرة بحجة الدستور الجديد، أو بحجة أن بقايا الحزب المسمى بالوطني سوف تستولي على مقاعد مجلس الشعب. والكل يعلم أن الحجة الأخيرة باطلة تماما لأنه لا يوجد كيان حقيقي لهذا الحزب المخلوع.. اللهم إلا مجموعة من المتسلقين والمنافقين المنتفعين الذين لا يفهمون أصلا ما معنى الانتماء الحزبي، وقد رأينا في كل الانتخابات السابقة انصراف الرأي العام عنهم، ويعلم كل من يمارس العمل السياسي أن نسبة قليلة من نزاهة الانتخابات كانت كفيلة بإقصائهم تماما عن الساحة، كما حدث في المرحلة الأولى لأول انتخابات تحت الإشراف القضائي، فما بالك وقد فتحت الثورة آفاق الحرية والشفافية والرقابة الحرة على الانتخابات؟، صدقوني لا يوجد حزب اسمه الوطني.

لنحسب معا المكاسب والخسائر التي تعود على مصر من نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية؛ ففي حالة الموافقة عليها سوف يفتح الباب لأول انتخابات نيابية حرة، وسوف تشكل حكومة منتخبة لأول مرة، ثم نبدأ بهدوء في الإعداد لدستور جديد (بعد استقرار أحوال البلاد) يرسي دعائم النظام البرلماني ويقلل من الصلاحيات غير المحدودة لرئيس الدولة، ثم يُفتح الباب لانتخاب رئيس جديد بعد إقرار الدستور حتى لا يقاوم الرئيس القادم- من خلال منصبه- التعديلات التي تقلل من صلاحياته؛ إن انتخب قبل إصدار الدستور الجديد.

وفي حالة رفض التعديلات الدستورية فسوف تكون هذه دعوة شعبية للجيش ليستمر في إدارة البلاد مؤقتا لفترات طويلة، تتبدد فيها الطاقة الثورية، وتضيع علينا فرصة استثمار روح الثورة في إصلاح الخرائب التي تركها لنا النظام المخلوع.. وتكون هذه أول مرة في التاريخ نرى الجيش يريد تسليم السلطة للمدنيين، وبعض المثقفين والسياسيين يرفضون!. والنتيجة سوف تكون إعلان دستوري يصدره الجيش لن يكون بأي حال أفضل من الدستور الحالي بعد تعديله، ثم فتح الباب للجدل الواسع حول من يحق له وضع الدستور الجديد، وتهيئة الفرصة- في هذا الوقت المضطرب- للمتربصين بالمادة الثانية من الدستور لإثارة القلاقل وبذر بذور الشقاق والفتنة.. ويعلم الله وحده إلى أي مدى يمكن أن يستمر الجدل والشد والجذب في مرحلة خطرة الدولة فيها مضطربة والاقتصاد شبه متوقف. اتقوا الله في مصر.


* مهام عاجلة أمام حكومة شرف

مهام عاجلة أمام حكومة شرف
بقلم د. عبد الله هلال
المصريون 13/3/2011 - الوسط 10/3/2011

أخيرا.. وبعد ثورة عظيمة؛ أصبح لمصر رئيس وزراء يحظى بقبول ورضا الشعب الثائر. ومع تمنياتنا ودعائنا للدكتور عصام شرف بالتوفيق في هذه المهمة الصعبة، والتي تأتي في وقت حرج، وبفريق عمل أغلبه غير ثوري.. فإننا نرجو ألا تكون هذه الحكومة مجرد حكومة تصريف أعمال، إذ ليس من الحكمة التفريط في هذا المد الثوري الذي أيقظ الشعب كله وأعاد إظهار معدنه الأصلي. لابد من استثمار روح الثورة، والاستفادة من الطاقة الثورية التي تم شحن المجتمع كله بها.. سعيا للتغيير الإيجابي لكل ما تعاني منه البلاد والعباد، وهو كثير.

ونعتقد أن الأولوية يجب أن تكون لإصلاح الجهاز الإداري للدولة.. فقد أثبتت الوثائق المضبوطة لدى جهاز أمن الدولة ما كان يشعر به الجميع من أن الخبز لم يعط يوما لخبازه في الغالبية العظمى من مرافق الدولة، ليحظى أهل الثقة من الجهلاء والأغبياء والعملاء بكل المناصب، ويستبعد أهل الخبرة من العلماء والأذكياء والخبراء من كل المواقع. وبالطبع كان لابد لدولة تدار هكذا بهؤلاء الجهلاء أن تتخلف وتنحدر وتتراجع في جميع الميادين.. وهذا ما حدث للأسف. فقد خلـَّف النظام البائد بنية أساسية رديئة ومنعدمة الجودة، ومنظومة تعليمية منهارة، ونظام صحي ‘مريض‘، وعلاقات خارجية سيئة، ومكانة دولية ضعيفة، ووضع اقتصادي متردي، وعلاقات اجتماعية وسلوكية منهارة، وتراجع خطير في فضيلة الشعور بالانتماء للوطن. وقد جاءت الثورة لتزلزل كل هذه المنظومة السيئة.. فهل ننتظر لحين تشكيل حكومة منتخبة بعد شهور طويلة تكون كفيلة بانحسار المد الثوري وتبديد هذه الطاقة الثورية الخلاقة؟.. هذا أمر غير معقول!.

لذا فإننا نطالب الدكتور عصام شرف بالبدء فورا في إجراء عملية مصالحة مع الوطن وإعادة مصر عمليا إلى شعبها.. ببعض الإجراءات العاجلة؛ مثل:

• فتح باب التوبة، ومنح مهلة لكل من نهب شيئا من أموال الدولة، أو حصل على أية مزايا دون وجه حق.. ليرد إلى الدولة حقوقها، مع إعفائه من العقوبة إن تقدم خلال مدة المهلة. وتشكل لهذا الغرض هيئة قضائية مستقلة.. تحافظ على سرية أسماء التائبين.

• تغيير المحافظين ورؤساء المدن والأحياء، والقيادات الإعلامية المنافقة، لبعث روح جديدة في العمل الإداري، مع وضع نظام جديد يكفل انتخاب المسؤولين ليشارك الشعب في تحمل مسئولية مصالحه.

• مراجعة كل المناصب القيادية، ومنها سفراء مصر بالخارج، لإحلال أهل الخبرة والعلم محل أهل الثقة.. وإعادة نظام الانتخاب للمناصب التي ابتليت بنظام التعيين في عصر النظام المخلوع، مثل عميد الكلية، عمدة القرية، الخ.

• البدء فورا في تأسيس نظام جديد لنظافة المدن والقرى، ومنع النظام الهمجي المتخلف لتكديس القمامة بالشوارع.. لأن هيئة ‘النظافة‘ تبخل عن شراء حاويات بدلا من تلك التالفة، رغم توافر الأموال المحصلة إجباريا من الشعب كله.

• العمل على وقف تلوث الهواء بمنح مهلة ثلاثة شهور لإصلاح السيارات الكثيرة التي تبث أدخنة العادم الملوثة للبيئة، ومنع أقسام المرور من السماح بترخيص هذه السيارات، ووضع عقوبة رادعة لمن يرخص لها.

• وضع خطة لترميم الطرق.. إذ تعتبر من أسوأ ما خلفه النظام المخلوع الذي لم يكن يهتم بنظام الجودة في أعمال البنية الأساسية، حيث كانت مقاولات الرصف تسند للأقارب والأصدقاء ودافعي الرِّشَا، لذا لا نجد مترا واحدا مطابقا للمواصفات في كل الطرق والشوارع. وليس ممكنا بالطبع إعادة رصف كل الطرق، ولكن يمكن بسهولة ترميمها بخطة زمنية معقولة، وهذا سوف يوفر الملايين التي تهدر في استيراد قطع غيار السيارات، ويقلل من حوادث الطرق، ويسهم في تيسير حركة المرور.

• التخلص من مشكلة المرور الجنائزي التي صارت مزمنة ومرهقة ومكلفة، وهي مشكلة كبيرة بسبب الكثافة السكانية العالية، ولكن يمكن تقليلها بنسبة كبيرة بقليل من الإجراءات التنظيمية الذكية مع ترميم وتخطيط الطرق والشوارع.

• عقد مؤتمر علمي لإنقاذ التعليم.. يدعى إليه أهل العلم والخبرة؛ لوضع نظام جديد للتعليم يكفل حق كل من المعلم والطالب ويرفع مستوى العملية التعليمية، ويلغي الحاجة للدروس الخصوصية التي صارت عبئا ثقيلا على المجتمع.

• وضع نظام جديد للرعاية الصحية.. يوفر لكل مواطن حد أدنى معلوم من العلاج المجاني، مع الاستفادة من آلاف المستوصفات والمراكز الطبية الخيرية المنتشرة في طول البلاد وعرضها؛ بتقنين أوضاعها، وإشراف وزارة الصحة عليها، ودعم الجاد منها.

• إنقاذ الأجيال الجديدة من كارثة انتشار التهاب الكبد الوبائي بفرض التعقيم الإجباري على الأدوات بالمستشفيات والعيادات ومحلات الحلاقة، مع توفير أجهزة التعقيم وتشجيع اقتنائها.. ووضع آلية للتفتيش على ذلك.

• وضع نظام متحضر للإعلان بالشوارع يفرض النظام والذوق العام على المعلنين، ويمنع السلوك الهمجي بالكتابة واللصق على الحوائط والأسوار والمرافق.

• الاستفادة من شباب الثورة، المستعد الآن للعطاء، بوضع خطة زمنية لمحو الأمية.. مع تحديد سقف زمني كمهلة يمنع بعدها تعيين الأميين أو منحهم رخص، الخ.

• وضع نظام لتسجيل الحرفيين في نقابات، ومنح من ينجح في الاختبار منهم رخص لمزاولة المهنة.. لمنع الهواة من مزاولة حرف لا يجيدونها، ولرفع مستوى الجودة المنعدمة تقريبا في معظم مرافقنا.

ويلاحظ أن أغلب هذه الإجراءات المطلوبة على وجه السرعة سهلة التحقق، ولا تحتاج إلى ميزانيات كبيرة.. فكل ما نحتاجه بعض القرارات الثورية مع وضع اللوائح والقواعد أو حتى القوانين التي ينبغي أن تجد من يسهر عليها ويراقب تنفيذها. ولدينا الآن كنز من شباب الثورة المستعد للتضحية بكل شيء والعمل ليل نهار لصالح مصر وازدهارها.

همسة:

o أفهم أن يكون من نتائج الثورة الإفراج عن كل مسجون أو معتقل سياسي مظلوم، بل وتعويضه.. وهذا ما نطالب به ونرجو تحقيقه على وجه السرعة. أما أن يفرج عن سجين "جنائي" بعينه تحت ضغط المظاهرات الطائفية غير المبررة، ودون غيره من الجنائيين المحكوم عليهم في جرائم مشابهة، فهذا خلل خطير يضر بالمجتمع ويفتح الباب لانهيار دولة القانون، ويشجع على ارتكاب جرائم التزوير والسرقة وغيرها. لو كان هناك ما يدل على أن هذا السجين الجنائي مظلوما فالجهة الوحيدة التي يمكن أن تقرر ذلك هي المحكمة.. بإعادة نظر قضيته. لا تفتحوا الباب للفوضى!.



* هل اختطفت الثورة؟

هل اختطفت الثورة؟
بقلم د. عبد الله هلال
المصريون 5/3/2010 - الوسط 3/3/2011

ليس هناك أدنى شك في أن هنالك من يتآمر على ثورة 25 يناير العظيمة، سواء بالداخل أو بالخارج.. ففي الداخل هناك بقايا النظام المخلوع، وكل المستفيدين منه دون وجه حق، وكل من أفسد ويخشى أن تطوله يد الثورة عند بدء عمليات التطهير. أما في الخارج فهناك الحلف الصهيوني الأمريكي الذي فوجئ بثورة فريدة سوف تتبعها ثورات عربية أخرى، لأن العرب ينهضون بنهوض مصر ويتخلفون بتخلفها، بصفتها الشقيقة الكبرى ذات الجذور الحضارية الراسخة. وقد كان هذا الحلف مستريحا بالتعامل مع الطغاة الذين يأمرهم فيأتمروا ويزجرهم فينحنوا وينظر إليهم فيرتعدوا.. وهذا لا يصلح مع الحكومات المنتخبة انتخابا حرا دون تزوير، وهم يعلمون أن الشعوب الحرة لا تخضع للابتزاز، ويدركون أن الحرية سوف تأتي بالوحدة العربية؛ أي أن هناك خطر على الكيان الصهيوني الذي (كانت) له الكلمة العليا بسبب تفرق العرب واستبداد أنظمتهم. لذا فينبغي علينا اليقظة التامة والحرص على عدم السماح باختطاف الثورة أو تبديد أحلام الثوار.. وأخطر ما يواجهنا الآن هو البطء الشديد في التفاعل مع هذه الطاقة الثورية الهائلة التي ولدتها الثورة مما يفتح الباب لاختطافها أو إنجاح المؤامرات التي تحاك ضدها.

فالثورات الناجحة تتميز بسرعة اقتلاع الفساد والمفسدين وبسرعة التغيير الشامل المدروس لكل الأوضاع البالية التي تراكمت خلال عقود الطغيان. ولكن ثورتنا تواجه واقعا غريبا ببقاء الحكومة التي وضع بذرتها الطاغية المخلوع، وهذا بلا شك يعرقل خطوات الثورة، ويسبب خسائر فادحة لمصر على المدى القريب والبعيد. وإذا دققنا النظر في المكاسب أو الإنجازات التي تحققت بعد الثورة نجد أنها- بمعايير الثورات؛ محدودة جدا. فأغلب أركان النظام، الذي ثَبُت أنه نظام لصوصي بعد الكشف عن الحسابات السرية بالبنوك المصرية، لازالوا في أوكارهم يواصلون النهب استباقا لخلعهم، ويزيلون آثار فسادهم بالتخلص من المستندات والأدلة التي يمكن أن تكشفهم أو تدينهم. والإجراءات القانونية التي اتخذت ضد المفسدين واللصوص كانت بطيئة جدا وبعد فوات الأوان، بما يُمَكّن هؤلاء من الهرب بأموالهم وأنفسهم. فمثلا قرار منع الرئيس المخلوع وأسرته من السفر وتجميد أموالهم؛ لم يصدر إلا بعد فوات الأوان ونفاد مفعوله ليصبح عديم الفائدة.. فقد هُرّبت الأموال مبكرا، وسافر من سافر، ولا يستطيع أحد تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع. وليس منطقيا أن نتصور أن (الفكة) التي وجدت بالبنوك المصرية (مصروف جيب أولاد الرئيس وزوجته: مئات الملايين)؛ أنها هي كل الأموال المنهوبة، أو أن هذه الأسرة وحدها هي التي نهبت وسرقت المال العام المستباح، لأن دائرة النظام والمستفيدين منه كانت واسعة جدا.. ولو تمت مراجعة الفساد في مجال واحد وهو "توزيع أراضي الدولة على الأقارب واللصوص" فسوف نكتشف بسهولة حجم المأساة التي كانت البلاد غارقة في أوحالها، ولو تم استرداد هذه الأموال فقط فسوف تكون كافية لحل أغلب مشكلاتنا الاقتصادية.

كان المفروض أن تأتي الثورة بحكومة ثورية تبدأ باقتلاع الفساد، وتُشرع (بالاستفادة من طاقة الثوار) في مصالحة الشعب بالإسراع في حل المشكلات العاجلة مثل النظافة العامة وترميم الطرق وتقليل الاختناقات المرورية.. حكومة تسرع بوضع يدها على الأموال المنهوبة وتعيدها للشعب قبل تهريبها.. حكومة مقبولة من الشعب تضع جدولا زمنيا لحل مشكلات البطالة والأجور والأسعار لكي يطمئن الناس ويعودوا إلى عملهم. وخسائر البطء في عملية التغيير كثيرة.. فالجهاز الإداري للدولة أصبح الآن في وضع شبه مشلول؛ لأن المحافظين (ومن في مستواهم) من بقايا النظام المخلوع لا يؤدون عملهم كما ينبغي لشعورهم برفض الجماهير لهم وإحساسهم بقرب الرحيل من الوظيفة، وجهاز الشرطة لازال في أغلبه خارج نطاق الخدمة ولم يوجد وزير "سياسي" ليعالج الشرخ الذي حدث بين الشرطة والشعب، وتوابع الزلزال الثوري لا زالت تؤثر على العمل والإنتاج بكثرة الإضرابات والاعتصامات في مواقع العمل.. وشباب الثورة يبددون طاقاتهم المباركة في محاولة إصلاح ما أفسده النظام المخلوع بإمكاناتهم المحدودة لغياب الحكومة الثورية التي تتفاعل معهم وتوفر لهم الإمكانات. والأخطر أن يؤدي البطء في تشكيل حكومة ثورية إلى منح أعدائنا الفرصة للتآمر علينا بعد الرعب الذي أصابهم من اليقظة العربية المفاجئة التي سوف تقود إلى حرية الشعوب العربية. وهكذا فالخسائر كثيرة.. ولا مفر من وجود حكومة ثورية لتستثمر هذه الطاقة الهائلة التي وفرتها الثورة، ولتدفع العجلة إلى الأمام.

هل هناك سر وراء التمسك بحكومة مرفوضة شعبيا؟.. أم أن الثورة قد اختطفت مبكرا- والعياذ بالله؟. إن استمرار الأوضاع على هذا الحال وبتلك الوتيرة البطيئة سوف يمكن بقايا النظام الفاسد المخلوع من القيام بالثورة المضادة حماية لأنفسهم.. لنعود إلى نقطة الصفر من جديد، وتضيع دماء الشهداء الأبرار هدرا. لابد من تشكيل حكومة ثورية، حتى وإن كانت مؤقتة، لتستفيد من روح الثورة التي تسري الآن في أوصال المجتمع، ولتبدأ في عملية تأسيس مصر الحديثة الحرة التي قامت الثورة من أجلها.

ملاحظة مؤسفة:

• شاءت الأقدار أن تبرز مشكلة المصريين الفارين من ليبيا، والذين ظنوا أن (مصر الثورة) سوف لن تتأخر في رعايتهم وسرعة إعادتهم إلى الوطن.. ولكن للأسف الشديد فقد أثبتت هذه المشكلة أن الحكومة التي عين الطاغية المخلوع رئيسها هي إحدى حكومات الحزب المسمى بالوطني الذي اشتهر باحتقار الشعب، وأن كل شيء على حاله، وكأنه ليست هناك ثورة ولا يحزنون!.. يا ألف خسارة.

* سياسة الترقيع.. لا تناسب الثورات

سياسة الترقيع.. لا تناسب الثورات
بقلم د. عبد الله هلال
المصريون26/2/2022 - الوسط 25/2/2011

روح الثورة تتغلغل بين كل أفراد الشعب المصري.. ولكنها عصيَّة على بقايا النظام المخلوع، إذ يستمر رئيس الحكومة في ممارسة هواية القص واللصق، للوصول إلى حكومة يقبل بها الشعب الثائر!. ألا يدرك هؤلاء البائسين أن الثورات لا يمكن أن يُجدي معها أسلوب الترقيع؟.. وهل سياسة الترقيع الوزاري يمكن أن تنطلي على الثوار الذين فجروا أعظم ثورة عرفها التاريخ البشري؟.. لماذا تصرون على سرقة الفرح من قلوب المصريين الذين فرحوا لأول مرة منذ عشرات السنين، بعد عقود من الكآبة والحزن؟. يستحيل أن تقوم ثورة شعبية يشارك فيها الملايين ويشهد العالم كله بعظمتها وتميزها وريادتها.. ثم يتمخض جبل النظام العتيق فلا يلد إلا فأرا.

لقد ظن البعض خطأ أن روح الثورة يمكن أن تصيب بعض بقايا النظام فتغيرهم إلى الأفضل.. فيتصرفون بما يناسب الحالة الثورية التي تسري في أوصال المجتمع كله. ولكن من الواضح أن هذا الظن بعيد عن الواقع.. فرئيس الحكومة- في محاولاته لإنجاب حكومة يقبل بها الشعب (لينصرف عن الثوار!)- برهن على أن روح الثورة لم تصبه ومن معه؛ فتوجه إلى الأحزاب الهلامية التي أسقطتها الثورة مع النظام الهالك لأنها كانت جزءًا لا يتجزأ منه، سواء بالتحالف المشين معه أو بالخضوع له والخوف منه، وهذا يدل على أن هناك إصرار على التحايل لإبقاء الهيكل الأساسي للنظام. ماذا فعلت هذه الأحزاب لعشرات السنين سوى خداع الشعب بإكمال الشكل الزخرفي للديمقراطية التي كان يتشدق بها النظام المخلوع؟.. وكيف تحصد هذه الأحزاب الورقية ثمرة الثورة التي فوجئت بها ولم تسهم فيها؟.. هل نسيتم أن الحزب (الوحيد) الذي مارس المعارضة السياسية الحقيقية (حزب العمل) تم تجميده بمباركة أو صمت باقي الأحزاب، وصودرت صحيفته (الشعب)، واعتقل أغلب قادته؟.. ألا ينبغي أن تلحق هذه الأحزاب الشكلية العميلة أو الخائبة- في أحسن الأحوال- بالنظام المخلوع؟.

والشيء المؤسف أن أغلب أركان النظام المخلوع وأفراد حزبه لا زالوا جاثمين على أنفاسنا.. فكيف تقوم ثورة ولا يتم اقتلاع رؤساء الصحف والقنوات الإذاعية والتلفازية الذين خدعوا الشعب وضللوه وساهموا في إطالة عمر النظام الفاسد، ولا تلغى المجالس المحلية الغارقة في الفساد، ولا يتم تغيير المحافظين الذين كانوا ذراع النظام وحزبه في تزييف إرادة الشعب، ويظل رؤساء الجامعات الذين جاء بهم الأمن وزيفوا انتخابات الاتحادات الطلابية وحولوا الجامعات (المستقلة قانونا) إلى فروع للحزب الهالك، وكذلك عمداء الكليات الخاضعين كليا لعمداء الشرطة.. وهكذا كل القيادات في جميع المستويات؛ وهل خربت مصر وثار شعبها إلا نتيجة لعدم كفاءة وانحراف هذه القيادات؟. ولقد وصل التغلغل العجيب لهذا الصنف من القيادات إلى أوسع دائرة وصولا إلى المستويات الدنيا، ولنضرب مثالا بعمدة القرية الذي كان بالانتخاب رجلا وقورا صالحا مضيافا: فبعد إلغاء نظام الانتخاب واستبدال نظام التعيين به؛ لا ندري كيف استطاع جهاز أمن الدولة الذي اختار هؤلاء العمد أن يوفر هذا العدد الضخم (في مصر أربعة آلاف قرية) من المفسدين (في أغلبهم) لدرجة أنهم أفسدوا قراهم ونشروا فيها الرذائل والصراعات والرشا.. وقد تصادف أن أقر نظام التخطيط المعماري ورخص البناء في القرى بعد تطبيق أسلوب التعيين، وهذا النظام يُلزم من يقوم بالبناء بترك مساحة لتوسيع الشارع، فقام أغلب العمد بإفساد هذا النظام بالحصول على قيمة رسوم الترخيص كرشوة مع ترك من يقوم بالبناء ليفعل ما يشاء دون ترخيص، ناهيك عن البناء في الأراضي الزراعية وخلافه.

ويرى البعض- خطأ- ألا وجه للاستعجال بتحقيق كل مطالب الثورة لأن الإدارة الحالية للدولة مؤقتة، وينبغي تأجيل عملية التغيير الشامل لحين انتخاب إدارة جديدة.. وهذا التصور بعيد تماما عن الصواب، لأن ستة شهور تكفي وزيادة لإعادة تنظيم فلول النظام المخلوع والسيطرة على الأوضاع، خصوصا وأنهم يملكون الكثير من الأموال المنهوبة التي تمكنهم من شراء الأصوات والذمم. وإذا كان أغلب من خُلعوا حتى الآن ثبت فسادهم، ويتم التحقيق معهم.. فما الذي يضمن أن الباقين شرفاء، أو أنهم لن يستغلوا مواقعهم في التغطية على الجرائم أو المفاسد التي اقترفوها؟.

ملاحظات:

• بارك الله في شباب الثورة الذين انطلقوا في كل مكان يزيلون القذارة- التي نشرها النظام المخلوع- من على وجه مصر.. وكما قلنا سابقا فهذه هي أخلاق الثوار، والثورات تغسل الناس وتزيل الصدأ ليعود المعدن الأصلي للشعب، ولو كانت الإدارة الحكومية ثورية هي الأخرى لتضافرت الجهود وأمكن إصلاح الخراب الذي يعم البلاد في بنيتها الأساسية خصوصا، ولكن صبرا أيها الأحرار فالتغيير الحقيقي قادم لا محالة.

• اسوأ ما أنجزه النظام المخلوع هو عملية المسخ التي استطاع أن يصبغ بها حياتنا لعقود، لدرجة التفريط في اللغة الوطنية وإهمالها.. فانتشرت الكتابة بالعامية على جميع المستويات، والواجب الآن بعد انتصار الثورة أن نعود إلى لغتنا الجميلة ونرفض الكتابة بالعامية، وعلى شباب الثورة البدء بأنفسهم لتكون بالفعل ثورة على كل الأوضاع البالية.

• كان من المتوقع أن يكون للزلزال الثوري الذي هز مصر كلها توابع؛ تتمثل في انتشار الاعتصامات والإضرابات في أغلب المرافق للتعبير عن الظلم الذي عانى منه المصريون طويلا.. ولا نستطيع أن نلوم المظلوم عندما يصرخ من الظلم، ولكن الحل الأمثل ليس في محاولة منع هذه الظواهر الطبيعية على أساس أن الوقت غير مناسب، فالأفضل بث الطمأنينة في قلوب الشعب الذي عادة لا يشعر بالأمان من كثرة المعاناة، وخير وسيلة هي سرعة إحداث التغيير الذي طالبت به الثورة ليجد المنتفضون من يثقون به عندما يضع لهم جدولا زمنيا لتحقيق المطالب المشروعة التي ينادون بها.

الجمعة، ١٨ فبراير ٢٠١١

* خطاب مفتوح إلى المشير طنطاوي

خطاب مفتوح إلى المشير طنطاوي

بقلم د. عبد الله هلال
المصريون 18/2/2011 ، الوسط 17/2/2011
لا يختلف اثنان على أن قواتنا المسلحة بكل أفرادها تتميز بالاستقامة والوطنية والتفاني في خدمة الوطن وحمايته، وقد أثبتت بُعدها الكامل عن فساد النظام المخلوع بانحيازها إلى ثورة 25 يناير المجيدة. أما المشير طنطاوي فقد عرفناه منذ عشرين عاما رجلا يعمل في صمت ولا يهتم بالظهور الإعلامي. لذا فالشعب مطمئن إلى أن ثورته العظيمة لن تموت، وأن جيشه سوف يظل يحتضن الثورة لأنه يدرك أنها ليست مجرد انتفاضة ضد نظام فاسد، ولكنها ثورة كاملة على كل أوضاعنا البالية. ومعروف أن الشعوب تولَد من جديد في أعقاب الثورات.. فالثورة تغسل الناس وتزيل عنهم الصدأ فيظهر معدنهم الأصلي، ويتسابقون في حب الوطن والعمل على تنميته ورفع شأنه بين الأمم. والثورات تعالج الشعوب من حالة اليأس وتزيل العاهات والأورام التي تراكمت خلال عصور الطغيان والانحدار. وأهم ما في ثورتنا أن الطاقة الثورية ودرجة الشحن المعنوي المصاحب لها عالية جدا لأن الشباب بروحهم الوثابة كانوا هم وقودها والقوة الدافعة لها.. وأخشى ما نخشاه ألا ننجح في سرعة استثمار هذه الطاقة الثورية الهائلة وحالة الفرح غير المسبوق لشعبنا الصابر، لتعويض ما فاتنا والانتقال بمصر إلى مكانتها الحضارية التي تستحقها، فلقد جاء دورنا في قيادة العالم؛ بلا أية مبالغة. وإذا انتبهنا إلى ردود الأفعال بالعالم- المبهور بثورتنا، التي أضاءت الطريق وفتحت باب الأمل لكل الشعوب المقهورة، فسوف ندرك أهمية الكنز الثمين الذي أصبح بين أيدينا. فمما قاله زعماء العالم المتحضر عن الثورة المصرية: (يـجب أن نربي أبـناءنا ليصبحوا كشباب مصر- لا جديد في مصر، فقد صنع المصريون التاريخ كالعادة- اليوم كلنا مصريون- شعب مصر أعظم شعوب الأرض و يستحق جائزة نوبل للسلام- لأول مرة نرى شعبا يقوم بثورة ثم ينظف الشوارع بعدها- يجب أن نُدَرّس الثورة المصرية في المدارس- شعب مصر قدم درسا عبقريا في النضج السياسي والديمقراطي، .....).

ولكي ندرك حجم المسئولية التي وضعتها الثورة على أكتافنا، لابد أن نقرأ تاريخ الثورات العالمية السابقة لنكتشف بلا أية مبالغة أن ثورتنا هي الأعظم وأنها هي الأولى في العالم الحديث والقديم. وكما حدث في كل الثورات فمن المتوقع أن مصرنا الجديدة التي تولد الآن مع الثورة سوف تكون مختلفة تماما عن مصرنا الحالية التي استطاع الطغاة مسخها ومنعها من اللحاق بالعالم المتقدم.. وكما كانت حضارتنا القديمة هي الأولى والأقوى والأعظم، فإن حضارتنا المرتقبة سوف تكون كذلك وسوف تغير وجه العالم بإذن الله. ولكن لكي يحدث ذلك، ولكي نجني ثمار الثورة.. فلا يجوز أن نطلب من الثوار أن يعودوا إلى بيوتهم ويتركوا الأمر لمن يتولى زمام الأمور، حتى وإن كانوا أكثر ثورية من الثوار. فالثورة كوسيلة للتغيير إلى الأفضل تختلف كثيرا عن وسائل التغيير الأخرى مثل الانقلابات والانتخابات الحرة، فالانقلابات لا يشارك فيها الشعب عادة، حتى وإن رحب بها.. ولا يرافقها الحماس والوعي الثوري الذي تكتسبه الشعوب من الثورات، والانتخابات الحرة تكون رغم أهميتها وسيلة رتيبة ينطفئ حماسها سريعا لوجود الفائز والخاسر. ولذلك يصعب تغيير العادات السيئة مثل انتشار الرشا والسلبية وتدني الإنتاج والتهرب من الضرائب إلا في حالة الثورات. وها نحن نشهد الآن انتشار الدعوات بين المصريين للعودة إلى الأخلاق الحميدة بالامتناع عن دفع الرشا والحفاظ على النظافة، ...الخ. والمقصود بعدم ذهاب الثوار إلى بيوتهم أن يكون أولي الأمر من الفطنة بحيث يتم توظيف هذه الطاقة الثورية للبدء في تأسيس دولة جديدة في كل شيء.. فالشعب المصري الآن على استعداد لبذل الجهد والمبادرة بفعل الخير لوجه الله والوطن. ولقد بدأ الناس من تلقاء أنفسهم، ولكن أليس من الأفضل تنظيم هذا الأمر مركزيا بحيث نحصل على أقصى ما نستطيع من فوائد؟.

لذا نتوجه إلى السيد المشير طنطاوي بالرجاء لسرعة استغلال الطاقة الثورية وسرعة الاستفادة من حالة النقاء والوعي الثوري للبدء في تغيير الواقع المتردي.. فالانتظار إلى ما بعد الفترة الانتقالية سوف يؤدي إلى تبديد هذه الطاقة. نستطيع الآن أن نجند الشباب لتنظيف وتنظيم وتشجير المدن والقرى، ولنشر الثقافة والوعي ومحو الأمية، والمساهمة في رفع مستوى التعليم أهليا للخلاص من آفة الدروس الخصوصية، وإجراء مسح طبي لحصر الأمراض التي تفتك بالشعب ووضع خطة للتخلص منها.. وغير ذلك الكثير مما نحتاج إليه بسرعة لبدء عملية النهضة. والشعب المصري شعب كريم وسوف يسهم بجهوده الذاتية التي اعتدناها منه في تغيير الحال إلى الأفضل. والحقيقة أن هناك حالة من البطء الشديد في التصرف في الأمور، وربما يرى البعض أن هذا هو الفرق بين استعجال الشباب الثائر وحكمة الشيوخ وانضباط الجيش.. ولكن ينبغي أن ندرك أن الثورة عبارة عن عجلة سريعة الدوران، ينبغي الاستفادة من الطاقة المتولدة عنها بدلا من محاولة تبطيئها، فهذا شيء خطر. لابد من تحقيق أهداف الثورة التي قدمت الشهداء وشهد لها العالم، بالسرعة الكافية وبالشمول أيضا. لا يجوز أن نتباطأ في مسح كل ما يذكرنا بالماضي المؤلم الذي أدى إلى الثورة، ولا يجوز أن يبقى أحد من رموز النظام البائد لأن معنى ذلك أن هذه ليست ثورة، فالثورات عادة تؤدي إلى التغيير الجذري بدءا من الصفر. ولا يقتصر الأمر على ضرورة تغيير الوزراء والمسئولين الكبار، ولكن هناك جيش من المسئولين عديمي الكفاءة الذين وصلوا إلى مواقعهم بوسائل التسلق والرشا والمحسوبية وسياسة تفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة، فهؤلاء عالة على الوطن وعقبة في طريق التنمية. والمسألة ليست تصفية حسابات.. ولكن بقاء هؤلاء سوف يعطل ويعرقل عملية التغيير الثوري، ولا شك أن من حق الثوار بتميزهم وطاقتهم الثورية أن يتسلموا قيادة هذه المواقع التي تنتشر في طول البلاد وعرضها، بناء على نظام دقيق للاختيار.

أقترح على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إن كان يرى ترحيل عمليات التغيير المرتقبة إلى الحكومة المنتخبة، ونرجو ألا يكون الأمر كذلك، ألا يضيع فرصة الاستفادة من الطاقة الثورية قبل أن تخبو.. ولو بتعيين وزير لشباب الثورة بالحكومة المؤقتة للبدء فورا في تجنيد الشباب وإقامة المعسكرات لإصلاح شئون البلاد، فهناك الكثير جدا من الإصلاحات التي حان وقتها وتعجز الهيئات الحكومية عن إنجازها بالسرعة المطلوبة.

الخميس، ١٧ فبراير ٢٠١١

* أخلاق الثورة: هيا نتصالح مع مصر

أخلاق الثورة: هيا نتصالح مع مصر
بقلم د. عبد الله هلال
المصريون 14/2/2011 ، الوسط 13/2/2010

نسجد لله تعالى حمدًا وشكرًا على نعمته وفضله ونصره، ونهنئ شعب مصر وكل الشعوب المحبة له بانتصار ثورة الصابرين المحتسبين. هذا حدث تاريخي غير مسبوق.. وهذه هي مصر الحقيقية التي أعادها ثوارها إلينا بعد طول غياب. لقد سدد الشعب المصري الكريم فاتورة الحرية ومهرها الغالي من دماء شهدائه، فصدق فيه قول الحق تبارك وتعالى (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)- الحج 40، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)- محمد 7.. وأشرقت شمس الحرية على أرض الكنانة.

لقد برهن التاريخ على أن حصاد وثمرات الثورات الشعبية الناجحة لا يقتصر على الجانب السياسي ومجرد تغيير نظم الحكم.. ولكنها تكون ثورات شاملة تشمل كل جوانب الحياة. فالثورة تثير في الإنسان كل جوانب الخير وتوقظ الضمائر وتدفع اليأس وتغذي الشعور بالانتماء. وكما قلنا سابقا فأهم ما في الثورات العظيمة أنها تنجب شعبا مختلفا عن ذلك الذي كان قبل الثورة، فهي ثورة في جميع المجالات والميادين.. لذا فالدول والأنظمة التي جاءت بها ثورة شعبية تنجح في إدارة عمليات واسعة وسريعة للتنمية والتقدم، لأن النظام الناجح هو الذي يمثل شعبا يحبه وبالتالي يطيعه، فنجد أن الشعب كله مع حكومته على قلب رجل واحد.. وليس هناك أفضل من الثورات وما تحدثه من شحن معنوي لتحقيق هذا التناغم بين الشعب وقادته. إن الشعب المصري الآن في قمة الحماس والوعي والنضج، وهذه هي اللحظة المناسبة لاستثمار حالة النقاء والصدق الثوري لتجنيد كل الطاقات الشعبية المصرية لتغيير حياتنا إلى الأفضل والتخلص من كل رواسب الاستبداد والطغيان. لقد حان الوقت للتصالح مع مصر بالعودة إلى حضنها والخوف عليها والبدء في إصلاح كل ما أفسده الطغيان. وحان الوقت للتخلق بأخلاق الثوار.. لنتصافح جميعا ونتسامح ويحب بعضنا البعض.. لنرمي وراء ظهورنا حالات اليأس من الإصلاح التي أدت إلى إضراب غير معلن عن العمل. كان الكثيرون يعتقدون أن العمل المخلص وزيادة الإنتاج لا يعود بالنفع عليهم ولا على الوطن ولكن يعود على اللصوص، وكان كل من يستطيع التهرب من تسديد الضرائب يقنع نفسه بأنه يفعل الخير لأن أغلب الميزانية كان يخصص لأجهزة الأمن التي تؤذي الشعب وأجهزة الإعلام التي تخدع الشعب. الآن وبعد انتصار الثورة؛ حان الوقت لتغيير هذا الوضع، هيا نعمل معا بصدق وإخلاص لنعوّض عقودا من التخلف كادت أن تقضي على مصرنا الحبيبة. لقد أثبتت تجارب الشعوب المتقدمة أن الإنسان الحر إنسان صادق، منتج، شجاع.. وقد حان الوقت بعد أن منّ الله تعالى علينا بالحرية أن نتخلق بأخلاق الثوار والأحرار، وأن نبدأ فورا في إزالة رواسب الطغيان من على وجه مصر.

وليعلم شباب مصر وثوارها أن الثورة مستمرة، ولم تنته برحيل الطاغية.. لا زال أمامنا الكثير كقادة ثوريين لنقدمه لمصر وشعبها استثمارا لحالة الفوران الثوري التي عادة لا تخمد بسهولة أو سرعة. لنستمر في تطوير عمل اللجان الشعبية، ولنبدأ بأسوأ مظهر يسيء إلينا ويحرجنا أمام السياح والضيوف وأمام أنفسنا؛ وهو حالة النظافة. لا يمكن أن نرضى لأنفسنا ولمصرنا الغالية هذا الوضع المخجل، ولنبدأ في تنظيم معسكرات شبابية في كل حي للقيام بعمليات شاملة للنظافة والترتيب والتنظيم التي غابت عن حياتنا طوال فترة الطغيان. ولا تقتصر النظافة على مجرد رفع القمامة ووضع نظام متحضر لجمعها والتخلص (بل والاستفادة) منها.. ولكننا في حاجة لتقليم الأشجار وضبط وترميم الأرصفة والبالوعات وأماكن انتظار السيارات، ومناور العمارات، وفي حاجة ماسة للإزالة الفورية للإعلانات الهمجية التي تشوه حوائط وأسوار كل المباني في مصر... الخ. ويتطلب التصالح مع مصر سرعة التصالح مع لغتنا القومية التي أهملها وشوهها الطغاة بالانتشار الواسع للإعلانات والكتابات العامية والأجنبية بحروف عربية.. لقد كنا في غيبوبة وكادت لغتنا الجميلة أن تفلت من أيدينا، فلنكف عن الكتابة بالعامية، ولنبدأ- في إطار عملية التنظيف الشاملة- بإزالة الكتابات العامية والأعجمية ونشر العربية البسيطة المفهومة. كما يتطلب التصالح مع مصر العمل الجماعي والفوري على وقف ظاهرة الرشا التي انتشرت انتشارا مرضيا في كل مرافقنا، ليمتنع كل فرد منا عن تلويث يده بهذه العادة الخبيثة.. ونعتقد أن من كانوا يرضون لأنفسهم مد اليد والقبول بالمال الحرام سوف تصيبهم عدوى الثورة وسيحاولون التخلص من هذه العادة الكريهة والجالبة للعار. ونطمئن الجميع بأن أخلاق الثورة كانت سائدة طوال أيام الثورة فلم نجد موظفا يؤخر مصلحة، ولم نجد أزمة في أية سلعة، ولم يحاول أحد استغلال حظر التجوال لزيادة الأسعار، ولم نجد حوادث أمنية رغم غياب الشرطة.. إنها فعلا أخلاق الثوار وأجواء التصالح مع الوطن.

وليعلم الحكام الجدد أن أهم وأغلى ثروات مصر هي الثروة البشرية.. لدينا أعظم ثروة بشرية، ولكنها لم تجد من يستثمرها ويستفيد منها. إن الطاقة الإنسانية هي أهم الطاقات، ولكن الطغاة كانوا ينظرون إلى ثروتنا البشرية على أنها مجرد أفواه تأكل وليست سواعد تنتج. لذا ينبغي البدء بعملية التنمية البشرية التي أهملت وشُوهت وأدى تجاهلها إلى تخلفنا في جميع المجالات. هذه قضية عاجلة لا تحتمل الانتظار لما بعد الفترة الانتقالية.. وكانت بداية الانحدار هي شيوع ظاهرة تفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة، وتجلّت في إلغاء مبدأ الانتخاب واستبدال التعيين به؛ بدءا من عمدة القرية.. إلى عميد الكلية!. فالطاغية عندما يجد أن مقاس الوطن كبير عليه وعلى حاشيته.. فهو لا يحاول أن يرتفع لمستوى هذا الوطن الكبير لانعدام الثقة في النفس، ويعمل على تقزيم الوطن ليناسب مقاسه ومقاس رجاله. وهذا ما حدث لمصر التي تدار في أغلبها منذ فترة طويلة بأنصاف وأرباع الرجال.. وهناك مثل شعبي يقول: نصف الرجل لا يستعين إلا بأرباع الرجال!. وهذا هو السبب في تقهقرنا في جميع المجالات. فإذا كنا حريصين على الاستفادة القصوى من الطاقة الثورية الهائلة التي ولدتها ثورة 25 يناير، فلابد من إعادة النظر وبسرعة في كل القيادات التي جاءت بالتعيين.. على الأقل بإعادة نظام الانتخاب. وإذا كنا ندعوا للتسامح ونُبشّر بالأخلاق الثورية.. فهذا لا ينطبق على من أفسدوا الحياة السياسية وسرقوا ونهبوا (من أهل الحكم)؛ فهؤلاء لابد أن يكونوا عبرة لمنع تكرار ما حدث.

* عاجل.. لمنع اختطاف الثورة

عاجل.. لمنع اختطاف الثورة
بقلم د. عبد الله هلال
المصريون 12/2/2010 الوسط 10/2/2010
الثورة المباركة تتصاعد وتتوسع أفقيا ورأسيا.. والشعب المصري الأصيل يثبت لحظة بعد لحظة أنه شعب واعٍ، وأن محاولات النظام لتجاهل الثورة أو اختطافها تبوء بالفشل. يا له من شعب عظيم، شعب قنوع صبور.. تحمّل بقناعته وكرمه شظف العيش وسوء أحوال المعيشة على أمل أن تتحسن ظروف البلاد للأبناء والأحفاد، وصبر على الفراعنة الطغاة صبر أيوب، وتحمل ما لا يتحمله بشر من معاملة قاسية وقتل واعتقال وتعذيب وإهمال حكومي لكل شيء حتى ظن بعض اليائسين أنه شعب واهن ليس فيه أمل. والأخطر من ذلك أن الطغاة أنفسهم استقر في يقينهم هذا الظن السيء، وتعاملوا مع الشعب على أنه مجموعة من العبيد تفرقهم العصا وتجمعهم الجزرة، فطغوا وبغوا وتجبروا، واجتاحوا البلاد والعباد وكأنهم قوات احتلال، ولم يدر بخلدهم لحظة أن هناك يوم للحساب؛ لا في الدنيا ولا في الآخرة!. لم يفهم الطغاة أن الشعب الصبور لا يمكن أن يكون ميتا، وأن نفاد الصبر هو الزلزال أو الطوفان الذي لا قِبل لأحد به.. ولقد نبهناهم كثيرا إلى هذه النقطة، ولكن مَن نحن لكي يستمعوا إلينا؟!. وسبحان من يمهل ولا يهمل، فقد استيقظ المارد وانفجر البركان، وتملك الرعب والفزع الطغاة واللصوص.. كل يبحث عن مهرب أو جبل يعصمه من الطوفان، ولكن لا عاصم اليوم من أمر الله.

لم يفهم النظام المترنح أنه فقد شرعيته بانطلاق الثورة وترسيخ الشرعية الثورية.. كل هذه الملايين الثائرة ليس لها اعتبار لدى النظام!. ونقول لهؤلاء البؤساء الواهمين إن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء، وأن ما انكسر يستحيل جبره أو ترميمه، وأن تلك (التناحة) ومحاولات البقاء رغم هذه الثورة غير المسبوقة في التاريخ البشري لن تزيد الثورة إلا اشتعالا. وبالطبع لن ينطلي على أحد أن هذه المقاومة للثورة والاستموات في السلطة هو من أجل مصر!.. فلو كانت مصر في بالهم يوما لما حدث ما حدث، ولما كان هناك داعٍ للثورة أصلا، ولكن الجميع يفهم أن التشبث بالحكم الآن- رغم الثورة التي أتت على شرعيتهم المزعومة- ما هو إلا تمترس خلف متاريس السلطة لحماية كل مَن على رأسه ‘بطحة‘- وهم كُثُر- من المحاسبة، حتى وإن خربت مصر، ولسان حال هؤلاء الآن هو (أنا ومن بعدي الطوفان).

لابد للثورة من قائد

إن الثورة ماضية بعون الله وقدرته.. وعلى الثوار وأهل الفكر والرأي والحكمة الاستعداد فورًا لاحتمال أن يفقد (الذين على رؤوسهم بطحة) رشدهم ويلجأوا إلى الخيار (شمشون). نعلم أن المصريين جميعا عرفوا طريقهم وقرروا راضين محتسبين دفع مهر الحرية وأنهم لن يعودوا إلى الوراء، ولكن ينبغي السعي لتقليل الخسائر.. ويكفي ما قدمته مصر من شهداء ومصابين. مطلوب تنظيم الصفوف والتجهيز ليوم انتصار الثورة.. لابد من توافر البديل من الآن حتى لا يحدث فراغ أو اختلاف بين الثوار. ونعتقد أنه من الواجب الآن وفورا الاتفاق على قائد للمرحلة القادمة.. ونذَكّر بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم واحدا. وهذه الثورة العظيمة لها في الميدان بالطبع قادتها المبدعون الذين نجحوا في تفجير هذا البركان الثوري، وهم يستحقون- وقادرون- على أن يقودوا دولا، وليس دولة واحدة. ولكن لابد من وجود (رئيس مؤقت) لتنظيم الصفوف واستلام الحكم عند انتصار الثورة. وإذا كانت الثورة قد نزعت الشرعية عن رأس النظام فهي لم تمنحها لغيره، مما يعطيه الحجة للبقاء بادعاء منع الفوضى!.

ولا شك أن التوافق على شخصية لقيادة هذه المرحلة مشكلة كبيرة، إذ يستحيل إجماع الآراء، والاختلاف وارد. ولكن من قال إن الدنيا لا بد أن تسير بالإجماع؟.. إن الدول الحرة التي سبقتنا بالاستمتاع بالحرية تدار بقيادات تحصل بالكاد على 51%، لذا فليس مطلوبا إجماع الآراء. ولو تم الاتفاق على شخصية معينة بأغلبية معقولة ولم تعجب البعض فعزاء الرافضين أنها فترة انتقالية، وأن الفرصة سوف تأتي بعد ستة أشهر مثلا لاختيار من نشاء. لذا أقترح الاتفاق بسرعة على إحدى الشخصيات الموجودة بالساحة والمستعدة للقبول بهذه المهمة الفدائية (البرادعي، عمرو موسى، أيمن نور.... الخ)، أو إحدى الشخصيات القانونية (المستشار طارق البشري، .... الخ)، لكي يتقدم الصفوف ويرفع المتظاهرون صورته ويضعوا النظام الفاقد للشرعية أمام الأمر الواقع، ويمكن تنصيبه بأداء اليمين في ميدان التحرير أمام الملايين الثائرة.

استفتاء على الثورة

ليس مطلوبا بالطبع أن يخرج الثمانون مليون مصري في مسيرة واحدة لكي يقتنع النظام البائد بأن الشعب سحب الشرعية منه، فأغلب الثورات انتصرت بأقل من مليون متظاهر.. ولكنهم لا يخجلون ويقولون إن المتظاهرين لا يمثلون أغلبية الشعب المصري!. وهم يعلمون جيدا أن الشعب كله قد لفظهم باستثناء القلة الفاسدة المنتفعة من النظام.. ولكن لا بأس من دعوة الشعب الثائر بأسره للتعبير عن رفضه للنظام بالأساليب البسيطة الممكنة التي يستطيع كل الناس فعلها، مثل اختيار يوم (وليكن يوم إجازة المولد النبوي الشريف- الثلاثاء القادم) لرفع علم مصر (أو راية بيضاء لمن لا يتوفر له العلم) على الشرفات والنوافذ في مصر كلها، ولبس ملابس بيضاء مثلا طوال هذا اليوم. وهناك أساليب كثيرة يمكن إحصاؤها وإبرازها بواسطة وسائل الإعلام مثل تحديد يوم للامتناع عن شراء صحف الحكومة.

وهناك نقطة أخرى مهمة: إننا نثق ثقة كاملة في وطنية كل أفراد الجيش المصري وأنهم لن ينحازوا إلا إلى الشعب، ولكن في ظل تصاعد التهديدات بانقلاب عسكري فهناك احتمال لمحاولة لجوء النظام البائد إلى الإيقاع بين الجيش والشعب الثائر.. لذا نقترح في حالة الاضطرار للزحف إلى القصر الجمهوري، أو ما شابه؛ دعوة أشقاء وأبناء وأسر ضباط وجنود القوات المسلحة للتواجد بالمسيرة والإحاطة بجموع المتظاهرين لكي نوفر لهم الفرصة لرفض إطلاق النار على أهليهم.

الأربعاء، ٩ فبراير ٢٠١١

* الثورات العظيمة.. لا يمكن سرقتها

ثورة 25 يناير.. لن تسرق
بقلم د/ عبد الله هلال
الوسط - المصريون: 08 فبراير 2011

الثورة هي التغيير الذي يحدثه الشعب الثائر ويؤدي إلى تحولات سياسية واجتماعية كبرى في المجتمع. والثورات الشعبية عادة ما تعكس وتعبر عن القيم النبيلة التي يتحلى بها الشعب الثائر. والثورة الحقيقية هي حدث عظيم نادر الحدوث، فلم يشهد التاريخ الحديث أو القديم الكثير من الثورات الحقيقية على الرغم من كثرة المظالم التي من المفروض أن تدفع الشعوب إلى الثورة.. ولذلك فالثورات لا تتكرر كثيرا بواسطة أي شعب، ولو كل بضعة قرون. وأهم ما في الثورات العظيمة أنها تنجب شعبا مختلفا عن ذلك الذي كان قبل الثورة، فهي ثورة في جميع المجالات والميادين.. ولذلك نجد أن الدول والأنظمة التي جاءت بها ثورة شعبية تنجح في إدارة عمليات واسعة للتنمية والتقدم، لأن النظام الناجح هو الذي يمثل شعبا يحبه وبالتالي يطيعه، فنجد أن الشعب كله مع حكومته على قلب رجل واحد.. وليس هناك أفضل من الثورات وما تحدثه من شحن معنوي لتحقيق هذا التناغم بين الشعب وقادته. ولا شك أن الثورة المصرية الراهنة ثورة عظيمة من جميع الوجوه، وأعظم ما فيها قادتها ومفجروها الشباب الذين أثبتوا بإدارتهم الواعية لملايين المتظاهرين أنهم قادة مبدعون، وأنهم يستحقون أن يقودوا هذا الوطن؛ بعد نجاح الثورة.

فالحمد لله أن نزع من قلوبنا الخوف والوهن وأمدنا بهذه الطاقة العظيمة التي يمكن أن تمكننا من خلع أعتى الطغاة والفراعنة.. فهذه هي مصر الحقيقية التي ظن الكثيرون خطأ أنها صارت واهنة وأن الجيل الجديد جيل سطحي استطاع الطغاة وأعوانهم أن يمسخوه وأن ينزعوا منه الانتماء إلى هذا الوطن، فإذا بهذا الجيل نفسه يثبت أنه أكثر انتماء من الجميع، وإذا به يقدم أرواحه الطاهرة وقودا لهذه الثورة العظيمة الواعية التي سوف تسطر حقبة جديدة تغير كل الحسابات، وتعيد ترتيب كل الأولويات، وتعيد إلى مصر مكانها ومكانتها، وللعرب وحدتهم. لقد كشفت الثورة المصرية معدن جماهير الشعب المصري في مقابل معدن المتحكمين فيه من أركان النظام الفاسد البائد، الذين يدهسون المواطنين بالسيارات، ولا يجدون في قاموسهم المتخلف سوى استخدام (الخيل والبغال والحمير) والاستعانة بالبلطجية للقتل والترويع. ولكن هل يمكن أن تُسرق الثورات؟.. هذا وارد بالطبع، والأسوأ أن تُسرق بواسطة النظام الذي تمت الثورة عليه، فعندما يركب العناد الطاغية، وتأخذه العزة بالإثم، تزداد الثورة اشتعالا، فيبدأ بالتنازل قطعة قطعة سعيا لكسب الوقت والالتفاف على الثورة، ويظل يقاوم ويقاوم محتميا بالجيش، أو ما شابه، سعيا لإحداث الملل بين جماهير الشعب الثائر، حتى تطول مدة الثورة ويظن أنه قد حان الوقت لاختطافها، فينسحب وحده بعد الاتفاق مع باقي أركان النظام.. وتظن الجماهير أنها انتصرت بخلع الطاغية، فيذهب الطاغية ولكن يبقى الطغيان. وعادة.. عندما يثور الشعب ولا يجد الطاغية مخرجا فإنه يتنحى إن كان شريفا أو يهرب أو يظل يقاوم غير عابئ بالخسائر البشرية والمادية إن كان غير شريف.. ألم نقل مئة مرة أن الشرفاء فقط هم الذين لا يخافون من ذلك اليوم الذي يغادرون فيه مواقع السلطة؟!. وعلى الرغم من كل ما يدور في كواليس النظام من مكر ومحاولات للالتفاف على الثورة؛ فإننا على ثقة كاملة بأن هذه الثورة المباركة لن تُسرق.. إذ كيف يستطيع أيا من كان أن يسرق الملايين الثائرة في وقت واحد؟.

إن المتابع لتاريخ الثورات الكبرى لابد أن يدرك أهمية وحتمية بلوغ الثورات الشعبية أهدافها، فما دامت الثورة قد اشتعلت ونجحت في إحداث التغيير المنشود، فإن كل وطني حقيقي لابد أن يفرح وينخرط مع الثوار في إحداث نقلة نوعية للوطن. ولا يختلف اثنان على أن الثورة المصرية- بنوعية مفجريها وإمكاناتهم البسيطة وحجم التعبئة والتأييد الشعبي لهم- هي ثورة عظيمة لا سابق لها في العصر الحديث أو حتى القديم. وقد أعجبْتُ بحجم الإبداع في إدارة فعاليات الثورة، إذ نفاجأ كل يوم بالجديد مما يعطي زخما للثورة ويمنع التكرارية والملل. وقد نجح شبابنا وأذهلونا في إدارة فعاليات جمعة الغضب والمظاهرة المليونية وجمعة الرحيل ويوم الشهداء.. وأقترح عليهم مناسبات أخرى للأيام القادمة لإشراك فئات جديدة كل يوم، وللمساهمة في نشر وترسيخ القيم الثورية التي سوف تغير مصر تغييرا جذريا بعد نجاح الثورة، ومن هذه الأيام: يوم للاحتجاج على البطالة يدعى إليه المتعطلون وهم بالملايين- ويوم للمعتقلين يدعى إليه المعتقلون السابقون وأسر المعتقلين الحاليين- ويوم لسكان العشوائيات والمقابر والمطالبة بمسكن آدمي لكل مواطن- ويوم للقرية المصرية للاحتجاج على الإهمال التاريخي للقرى- ويوم للأمية للاحتجاج على انهيار التعليم- ويوم للاحتجاج على ظاهرة الدروس الخصوصية (من الحضانة إلى الجامعة)- ويوم لمرضى الالتهاب الكبدي والفشل الكلوي- ويوم لرفض انتشار الرشا في كل أركان الدولة- ويوم لضحايا الحوادث المرورية- ويوم لفضح المحسوبية وتوريث الوظائف الذي تغلغل خلال العقد الأخير- ويوم للاحتجاج على ظاهرة تزوير الانتخابات- ويوم لرفض انتشار الغش في حياتنا وامتحاناتنا- ويوم للغة العربية والاحتجاج على إهمالها- ويوم للقدس والاحتجاج على حصار غزة.... الخ.

ملاحظات سريعة:

• الحوار البائس الذي دار بين النظام الحاكم ومن سماهم المعارضة أثبت أن هناك محاولات للالتفاف على الثورة وسرقتها.. فالنظام يحاور نفسه بالإصرار على إشراك الأحزاب الورقية (التي يسميها ‘شرعية‘) وأغلبها كما هو معروف صناعة أمنية. ونتائج الحوار بائسة.. فمثلا رغم الاعتراف بتزوير انتخابات مجلس الشعب ووجوب حله، إلا أن النظام يفضل ترقيعه ويعتبر أن تنفيذ أحكام محكمة النقض كافٍ!. وهناك لف ودوران وتعلل بضيق الوقت وبالشرعية الدستورية التي جاءت كلها نتيجة استفتاءات شكلية وانتخابات مزورة.. والواقع أن الشرعية الثورية الراهنة هي الشرعية الوحيدة الواقعية والواجبة.
• هل يمكن لنظامٍ بالٍ ضيع الوطن وفرض عليه التخلف ودفع الشعب إلى الثورة عليه أن يكون هو نفسه الذي يشرف على تنفيذ الإصلاحات التي قامت من أجلها الثورة، حتى وإن كان الأمر بيد قلة من الشرفاء؟!.. إن دائرة الفساد التي أحاطت بالنظام وتوسعت خلال ثلاثة عقود تضم مئات الآلاف من المفسدين، وهؤلاء لا همّ لهم سوى النجاة أو التغطية على جرائمهم؛ لأن المطالبين بالثأر من النظام المتحجر بالملايين. ولماذا نذهب بعيدا؟.. لقد قال الله تعالى في محكم التنزيل: (...إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)- يونس81.
• لن يرحب بالثورة من أركان النظام الفاسد سوى الشرفاء- إن وجد- لأن المفسدين في الأرض الذين استغلوا صلتهم بالطغيان أسوأ استغلال مهددون بسلب ما نهبوا وبمواجهة من نُهبوا وليس بعيدا أن يحاكموا ويفضحوا، ولذلك فهذا الصنف من البشر الذي استمتع بالمال الحرام سوف يسعى بكل ما أوتي من قوة ومن وسائل غير شريفة لوقف الثورة بل ووأدها، ولكن هيهات؛ فالثوار الشرفاء لا يتراجعون وإن واجهوا الموت.
• كنت قد ‘طلّقت‘ إذاعة لندن وهيئة الإذاعة البريطانية منذ بدء إرسال قناة الجزيرة، ولكن النظام المتخبط أجبرنا على العودة إلى الـ (BBC) لبضعة أيام بعبثه الطفولي ضد قناة الجزيرة لأكتشف أن هذه القناة البريطانية مازالت على تحيزها ضدنا.. فالثورة غير المسبوقة مجرد (أزمة مصرية)، والمراسلون الإضافيون من الصحفيين الذين يتم الاتصال بهم من صحيفتين معينتين لا ثالث لهما، وأغلب الضيوف من طبالي وزماري الحكومة بالإعلام المصري.
• الغباء وبطء البديهة وتخبط النظام الحاكم كان من أهم العوامل التي عجلت بالثورة، فالنظام المتشبث بالسلطة ترك الدولة في أيدي مجموعة من الصبية والغلمان عديمي الخبرة الذين تصرفوا في شئون دولة كبيرة بحجم مصر وكأنها عزبة خاصة.. وكما زوروا الانتخابات الأخيرة بطريقة غبية فجرت الثورة فقد استخدموا الطريقة الغبية والوسائل الإجرامية نفسها في محاولة لإنهاء الثورة.. فهم لا يملكون سوى البلطجية، وظنوا "بذكائهم" منقطع النظير أن الثورة التي قدمت مئات الشهداء يمكن وقفها بأساليب البلطجة إياها!، إنني لا أجد وصفا يصلح لهؤلاء الصبية سوى أنهم متخلفون عقليا، ولا مكان لهم سوى مستشفى العباسية، الذي حاولوا من قبل سرقة أرضه ونقله إلى الصحراء.
• يظن الكثيرون من السذج أن ترقيع النظام الفاسد ممكن.. ولذلك فالنظام- أسير العناد- يحاول كلما زاد التضييق عليه أن يلقي للشعب الثائر بقليل من الفتات من حين لآخر ويعتبر ذلك تنازلا، فلم يلغِ حالة الطوارئ، وعندما قبل إعادة ترقيع الدستور لم يتطرق إلى المادة 88 التي مكنت بلطجيته من تزوير الانتخابات، والمادة 93 التي تقنن التزوير، وواضح أن كل محاولات بقايا النظام لسرقة الثورة- بتقديم بعض التنازلات الشكلية- يتجنبون إمكانية تنظيم انتخابات حرة تحت إشراف قضائي؛ لأنهم يعلمون أن هذه هي النهاية الحقيقية للنظام.. الذي لا وجود له دون تزوير.




* صحوة عربية.. حذار من الحلف الصهيوأمريكي!

صحوة عربية.. حذار من الحلف الصهيوأمريكي!
بقلم د. عبد الله هلال

حُلْم هذا.. أم علم؟!. نحمد الله تبارك وتعالى على نعمة نزع الوهن والخوف عن كاهل المواطن العربي لكي يلحق بركب الأمم المتقدمة. فكما توقعنا في مقال الأسبوع الماضي؛ توسع الثقب الذي أحدثته الثورة التونسية في جدار الاستبداد العربي، وها نحن نعيش بحول الله حتى نرى نذر الثورة تنتقل من عاصمة عربية إلى أخرى. ولا شك أن انتفاضة المصريين التي بدأت 25 يناير لها طعمها وتميزها بحكم الحجم والموقع والتاريخ والعمق الحضاري والتأثير في محيطها، على الرغم من سبق الثورة التونسية. وكما شهد الأسبوعين الماضيين جرحا مؤلما ولطمة مؤثرة على الخد العربي بالتسليم باقتطاع جزء من الوطن العربي جنوب السودان بتآمر واضح للحلف الصهيوأمريكي مع أطراف عربية آثمة، فقد شهدا أيضا حراكا جماهيريا في عدد من العواصم العربية ينبئ بتلاشي حالة الوهن العربي التي استمرت لعقود طويلة، دون أي داع.. وكأن هذه مقابل تلك والحمد لله. وقد توالت الأحداث التي تضع الحلف الصهيوأمريكي في مأزق، ولكنها تشع أنوار عودة الوعي العربي وتراجع عملاء هذا الحلف. ونستطيع أن نرصد الآن أربعة أحداث كبرى تصب في خانة الصحوة العربية التي انطلقت في أوقات متقاربة بعد مخاض عسير وطويل، هي: الثورة التونسية، وانهيار التحالف الصهيوأمريكي في لبنان، وفضح التآمر الوقح للسلطة الفلسطينية مع العدو الصهيوني ضد المقاومة، وأخيرا وليس آخرا إن شاء الله الانتفاضة المصرية المباركة. وقد تزامنت هذه الأحداث أيضا مع نشر تسريبات ويكيليكس وحالة الرعب التي سيطرت على الكثيرين من حكام العرب خشية فضح ممارساتهم وأرصدتهم، مع ما يصاحب ذلك من فضح للإدارة الأمريكية المتحالفة علنا مع العدو الصهيوني ومع الأنظمة العميلة لها ضد الإنسان العربي.

تحية للشعب التونسي

التحية والإكبار واجبان للشعب العربي التونسي الأبي الذي صبر طويلا على الطاغية الهارب، وتحمل ما لا يتحمله بشر حتى فاض الكيل فانفجر غير آبه بالرصاص الحي لزبانية الطاغية. وقد نال هذا الشعب احترام الجميع بإدارته لاحتجاجات سلمية متحضرة، وبإصراره على خلع كل أعوان الطاغية لتكون الثورة ثورة حقيقية ضد الطغيان بكل صوره، فلم يفرحوا بهروب الطاغية المتوحش ويكتفوا بهذا النصر، ولكنهم أثبتوا وعيهم وتميزهم برفض عودة الطغيان من النافذة تحت مسمى آخر زائف.. فاستمرت الثورة لتؤكد أن من كانوا عونا للطاغية وذراعه اليمنى المعتدية على الشعب لا يمكن أن يكونوا رسل الحرية، ومصداقا لقول الحق تبارك وتعالى (إن الله لا يصلح عمل المفسدين). وقد فوجئ الحلف الصهيوأمريكي بهذه الثورة المباركة التي أخذته على غرة، وشعر بالخطر خصوصا إن امتدت عدواها إلى دول عربية أخرى، لأنهم يعلمون جيدا ألا مكان لهم ولا مكانة بالمنطقة العربية إلا في حماية الاستبداد الرسمي العربي. وقد أسرع أوباما بإيفاد مساعد وزيرة الخارجية لشئون الشرق العربي كمبعوث رسمي، بصفة عاجلة إلى تونس؛ للتأكيد على والتأكد من عدم وصول الإسلاميين أو أية حركة أو حزب مستقل إلى السلطة، ولكن (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).. فالشعب التونسي برهن على وعيه وحرصه على ثورته، وإن شاء الله ينتصر الشعب الحر وتكون تونس أول دولة عربية تستمتع بالديمقراطية الحقيقية.

تراجع عملاء الحلف الصهيوأمريكي بلبنان

في ظل تآمر بعض الأطراف اللبنانية مع الحلف الصهيوأمريكي للقضاء على المقاومة بحجة اغتيال الحريري- الذي قام به الموساد لإبعاد سوريا عن لبنان والقضاء على المقاومة اللبنانية- نشط الحلف مع المحكمة الدولية لتلبيس التهمة لحزب الله.. وفجأة انقلب السحر على الساحر وصارت الأغلبية أقلية، وبدأ لبنان فصلا جديدا أربك الحلف إياه، وظهرت على السطح سياسات جديدة تشجع المقاومة وتحبط التآمر والمتآمرين عليها، سبحان مغير الأحوال. ومعنى ذلك أن لبنان سيظل مقاوما، وسوف يصعب استدراجه إلى معاهدات استسلامية مثل أغلب الدول المجاورة لفلسطين المحتلة. وقد بدا الاضطراب والتناقض على المسئولين الأمريكيين والصهاينة، وعادوا للتآمر سعيا لتهييج الشارع اللبناني ضد حكومة نجيب ميقاتي، فالشارع مطلوب في لبنان ولكنه غير مرغوب فيه في بقية الدول العربية.

حان وقت الانتفاضة الفلسطينية الثالثة

شعرت بالألم والغيظ وأنا أتابع ما نشرته قناة الجزيرة من وثائق المفاوضات الفلسطينية مع العدو الصهيوني.. لم يقدر ذهني على تصور أن يقوم مناضلون أرضهم محتلة بالتعاون مع المحتل ضد إخوانهم وأهلهم، هل يمكن لإنسان عاقل أن يفعل ما فعله مسئولو السلطة الفلسطينية؟، ألم يسمعوا المثل الشعبي (أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب)؟!. هذا أمر غير طبيعي.. فهؤلاء إما مجانين وإما عملاء من نوع خاص استطاع العدو أن يورطهم في أفعال يهددهم بها ويمسك بها ذِلة لهم لكي لا يستطيعون التراجع عن الخيانة. ولا نظن أن العدو نفسه يمكن أن يحترمهم أو أن يمنحهم شيئا سوى أموال الرشا، ولذلك فهو يتلاعب بهم ويأخذ ولا يعطي. والحمد لله تعالى أن فضحهم في هذا الوقت الذي يشهد صحوة عربية، لن تكون بعيدة عن فلسطين، بل إن هذه الصحوة- عندما تؤتي أكُلها- سوف تبدأ بالدعوة لتحرير فلسطين. وقد جاء الوقت لكي يتدخل الشعب الفلسطيني بنفسه لوقف هذه الخيانة والمهانة التي تؤخر يوم التحرير، ببدء الانتفاضة الثالثة. وليعلم أهلنا المجاهدون في فلسطين بأن حل القضية في أيديهم هم وليس في أيدي أمريكا ولا العرب أو غيرهم. لقد سقط عباس وجماعته عندما فازت حماس بالانتخابات التشريعية، واستعان بالعدو وبعض الخونة العرب لعدم تمكين حماس من إثبات قدرتها على الحكم، وسقط عندما انتهت مدة ولايته واستمر في الحكم بمعاونة العدو وعملائه، وسقط مرارا عندما فضحت أسرار سلطته وعلاقات الأبناء (التجار) مع العدو... الخ، وفي كل مرة نتوقع أن يستقيل حفظا لماء الوجه، ولكنه لا يفعل. لقد حان وقت الانتفاضة الثالثة لخلع هذه السلطة المضيعة للوقت لتمكين العدو من فرض أمر واقع يمنع عودة الأراضي المحتلة، والعودة إلى المقاومة. ونعتقد أن ما كشفته الجزيرة حتى الآن يكفي لإسقاط جبل، فما بالكم بسلطة منزوعة السلطة إلا على شعبها. ألم يتنازل عباس عن دماء أهل غزة (تقرير جولدستون) مقابل "العودة لعبث المفاوضات"؟!!. إن الطرف الوحيد الذي بيده حل القضية الفلسطينية هو الشعب الفلسطيني وعمقه العربي ’المتحرر’، فلنبدأ متوكلين على الله.

الانتفاضة المصرية.. ما أشبه عام 2011 بعام 1951

هل يعيد التاريخ نفسه؟.. هل ترفض السلطة الإفراج عن المناضل مجدي أحمد حسين رغم الحكم القضائي لكي تتحرر مصر من طغيان الحزب الواحد وهو محبوس مثل أبيه الزعيم أحمد حسين عام 1951؟.. إن أهل الحكم في مصر ينظرون دائما تحت أقدامهم، وعادة ما يتصرفون ببطء وتردد، فقد ظنوا أن التحكم في عملية تكوين الأحزاب وإصدار الصحف والقنوات التلفازية سوف يمكنهم من التحكم في الشعب كله، ويضمنون بالتالي منع وجود أي بديل وإقناع الشعب بأن الأحزاب (الشرعية!) الموجودة هي أحزاب ورقية لا تسمن ولا تغني من جوع.. وأنهم هم الوحيدون القادرون على قيادة الوطن وأن البديل لهم هو الضياع. وقد أدى هذا المفهوم العجيب إلى الجرأة على الشعب وتزوير الانتخابات بطريقة فجة دون أن يستتروا.. ناسين أن الدنيا تغيرت وأن هناك قوى شبابية جديدة لديها من الوسائل الحديثة والطاقة ما يمكنها من فعل ما لم تستطع فعله الأحزاب التي تتعامل معها الحكومة بمنطق العصا والجزرة. وهذا الأمر جد خطير؛ فلا الدولة تعترف بهذه القوى الجديدة، ولا الشباب والمثقفون يعترفون بالحزب الحاكم ومجلسه المزور. لذا فليس غريبا أن ينفجر الغضب المصري بهذه القوة التي شهدناها يومي 25، 26 يناير.. فالشعب لم يعد قادرا على تحمل أعباء الحياة، والجهاز الإداري للدولة شبه متوقف، والجوع والفقر والبطالة والتلوث وانهيار التعليم وانعدام الرعاية الصحية كلها عوامل تدعو للانفجار. لذا فقد فوجئت الحكومة بثورة من لم ولن تستطع التحكم فيهم ولا في الوسائل التي يتواصلون من خلالها. وعلى الرغم من تحذيرات العقلاء لهم بعدم استخدام الرصاص وقتل المتظاهرين الذي عجل بانتصار الانتفاضة التونسية وتحولها إلى ثورة خلعت طاغية تونس.. فقد وقعوا في الخطأ نفسه لأنهم صاروا أسرى لسياسة التعامل الأمني مع كل الشئون الداخلية. لقد حدث تحول كبير في نفسية الشعب المصري، وتلاشى الخوف من الشرطة، وأصبح الموت في نظر الكثيرين أفضل من حياة الذل والجوع والمهانة، وكما قلنا سابقا فالمظاهرات عادة ما تظل سلمية ويمكن السيطرة عليها حتى تسيل أول قطرة دم؛ فتخرج عن السيطرة، لأن الدماء تستدعي الدماء وتثير الرغبة في الثأر.. تماما مثل حالة مناضل مبتدئ يظل حذرا وخائفا من الاعتقال، فيمشي إلى جوار الحائط، حتى يعتقل للمرة الأولى فيُحصّن من الخوف ولا يبالي بتكرار الاعتقالات. وبالعودة إلى موضوعنا حول موقف الحلف الصهيوأمريكي من الصحوة العربية، فقد بدا عليهم الاضطراب رغم التشدق بنشر الحريات والديمقراطية، فطمأنت هنري كلنتون نفسها وحلفها بأن النظام في مصر "مستقر"!. لو حدث في مصر ما حدث في تونس فسوف يبدأ العد التنازلي لخلع كل الطغاة العرب.. ولكن علينا الانتباه والحذر من الحلف الصهيوأمريكي، وينبغي ألا نصدق معسول الكلام، فما يهمنا هو الفعل.


الثلاثاء، ٢٥ يناير ٢٠١١

* الثورة التونسية.. ثقب في جدار الاستبداد العربي

الثورة التونسية.. ثقب في جدار الاستبداد العربي

د. عبد الله هلال
المصريون 23/1/2011 - الوسط 23/1/2011
على الرغم من حالة الخمول والاستسلام والتبعية التي أصبحت عنوانا لأغلب الأقطار العربية.. لم يكن من المعقول تصوُّر أن قطار الحرية الذي طاف العالم كلّه، شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوباً، خلال العقدين الماضيين لن يتوقف في أية محطات عربية؛ لأن هذا التصور الخاطئ ضد طبيعة الأشياء وناموس الكون. والواقع أنه كان هناك قليل من الحراك السياسي "غير المؤثر" في بعض الدول العربية.. ولكن عمليات القمع والحصار والكبت والتعتيم نجحت في قتل كل بادرة أمل في إمكانية أن يتذوق العرب طعم الحرية الحقيقية.. فسادَ الإحباط، وظن المتابعون للشأن العربي أن العرب أمة خانعة أو ميتة، وأنهم عاجزون عن تسديد مهر الحرية، التي يعرف الجميع أنها لا توهب ولكنها تُنتزع. وهكذا تجمد الموقف العربي، وسخِرت منا الأمم الحرة التي لا تزوَّر فيها الانتخابات فتستفيد من كل الثروة البشرية في تنمية وتقدم أوطانها.. وظل الأمر هكذا حتى هيأ الله تعالى لنا من يطلق الشرارة الأولى، التي كانت موجودة، ولكنها كانت حبيسة اليأس والإحباط، وليأتي طوفان الحرية من حيث لا يحتسب الطغاة.. من تونس، التي كانت سجنا حقيقيا جدرانه حدود الدولة. سبحانك ربي.. تُمْهل ولا تهمل، فمن كان يصدّق أن يفر الرئيس المتأله كالفأر المذعور تحت جنح الظلام لا يدري إلى أين يذهب، بعد أن استجدى شعبه الثائر فلم يستمع إليه أحد؟، ومن كان يظن أن ينقلب الحال بين عشية وضحاها فتفتح السجون ويعود المنفيون وتطلق حرية الصحافة وحرية تشكيل الأحزاب، وتنطلق المسيرات بلا خوفٍ وبلا قتلٍ للمتظاهرين؟. حلم هذا أم علم؟!.

إن الحرية هي أهم نعم الله على الإنسان.. وكتطبيق عملي لممارسة الإنسان لنعمة الحرية، ولكي يعطي الله سبحانه وتعالى (ولله المثل الأعلى)، لكي يعطي المثل والقدوة للطغاة والمستبدّين، فقد منح الإنسان الحرية الحقيقية بكامل أوصافها.. وإن وصل الأمر إلى الكفر بالخالق جل جلاله. وقد أثبت التطبيق العملي أن الإنسان الحر إنسان صادق، منتج، شجاع.. حتى وإن لم يكن مؤمنا. وإذا نظرنا إلى خريطة العالم وقسمنا دوله إلى قسمين، أحدهما للشعوب التي تتمتع بالحرية، والآخر للشعوب المحرومة منها، فسوف ندرك قيمة هذه النعمة العظيمة. فالحرية والتقدم (وبالتالي الرفاهية) صنوان يتقدمان معا أو يتقهقران. وأكثر الدول تقدما هي تلك التي تتمتع بالحرية.. أما الدول المتخلفة، الفقيرة، التابعة، الذليلة، فهي التي حَرمت شعوبها من الحرية. ونظرا لأن الحرية قيمة عظيمة كما أوضحنا، ولأنها سر السعادة.. فلا بد أن يكون مهرها غاليًا وعظيمًا. والشعوب التي انتزعت حريتها من بين أنياب الطغاة قدمت المهر جزءًا من أبنائها استشهدوا أو سجنوا وعذبوا من أجل أن يعيش أبناؤهم أحرارًا سعداء، بعد استرداد الحرية. هذه الأمم هي التي سبقت وقطفت الثمار.. تقدمًا وازدهارًا. وعندما تعدم أمة هذا الصنف من العظماء الشرفاء، طلائع الحرية، فقد حكمت على نفسها بالضياع والتخلف والفناء.

ونحمد الله تعالى أن أمتنا بدأت سعيها وجهادها من أجل الحرية.. وها نحن نرى طلائع العظماء الشرفاء في تونس وبعض الدول العربية مضحين بأنفسهم، بل وبأرواحهم، فداءً لشعوبهم، وقد أثبت التاريخ أن النصر في النهاية حليف الشعوب المجاهدة.. وإن تأخر. إن أهم ما يميز الثورة التونسية أنها ثورة شعبية خالصة، ذلك أن الطاغية الهارب كان قد فرّغ الوطن من القيادات والشخصيات المؤثرة، بوسائل القتل والنفي والإبعاد والسجن، وفعل مثل كل الطغاة العرب: مجلس نيابي "مسرحي" يأتمر بأوامره ولا يقدم شيئا للشعب أو الدولة، ومعارضة شكلية ليس لها دور سوى إكمال المظهر المسرحي أو الزخرفي الخادع، والحرص على عدم وجود قيادات بديلة بحيث يبدو الأمر وكأن الدولة كلها عقمت عن إنجاب مثله. وعندما بدأت الثورة ظن الطاغية- كما يعتقد كل الطغاة- أن إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين سوف يثير الرعب ويُنهي الاحتجاجات، ولكنه كان واهما وحدث العكس، فالمظاهرات عادة ما تظل سلمية ويمكن السيطرة عليها حتى تسيل أول قطرة دم؛ فتخرج عن السيطرة، لأن الدماء تستدعي الدماء وتثير الرغبة في الثأر.. تماما مثل حالة مناضل مبتدئ يظل حذرا وخائفا من الاعتقال، فيمشي إلى جوار الحائط، حتى يعتقل للمرة الأولى فيُحصن من الخوف ولا يبالي بتكرار الاعتقالات. وعلى الرغم من غياب النخبة واستسلامها لسياسة العصا والجزرة فقد انطلقت الثورة، وحرص الثوار على قطع دابر الحزب الحاكم ورموزه وحلفائه، ولم يكفهم هروب الطاغية فاستمروا في التظاهر الواعي المنظم ليتخلصوا من أية (رائحة) باقية من هذا النظام الفاسد الذي خرب الدولة وأذل شعبها. والشيء العجيب أن طاغية تونس لم يكن حاكما مستبدا فحسب، ولكنه- مثل أغلب الطغاة- كان لصا، فلم تكفه المليارات التي نهبها وأسرته طوال فترة اغتصابه للسلطة.. ولم يشغله موضوع الهرب من تونس وتدبير مأوى له عن سرقة ما يستطيع حمله من أموال، إذ نقلت الأنباء أنه وزوجته سرقا طنا ونصف من الذهب الخالص!.. لبئس ما كانوا يفعلون.

هل تنتقل عدوى الحرية لدول عربية أخرى؟.. هذا سؤال منطقي خصوصا هذه الأيام حيث تزايد الكبت والتضييق وأغلقت منافذ التنفيس وتزايد الفراغ السياسي الذي يبحث عمّن يشغله. ومعروف أن الوضع الاقتصادي للشعب التونسي- رغم الاستبداد- يعتبر أفضل بكثير من دول عربية أخرى يخنقها الاستبداد ويجوع شعبها. ولا نبالغ إن قلنا أن ما حدث في تونس سوف يغير الكثير بدول عربية كثيرة، فما بعد تونس لن يكون كما قبلها، والشعوب تجرأت وأيقنت أن الرب واحد والعمر واحد، والطغاة يتحسسون الآن عروشهم وربما رقابهم.. ولم يعد ممكنا بعد ما حدث في تونس أن يستخدم الرصاص الحي لقتل المتظاهرين، وليس ممكنا بالطبع اعتقال عشرات الآلاف والزج بهم في السجون بعد أن شاهد الناس سجون بن علي وهي تفتح ويتحرر منها الآلاف. ولو كان الطغاة العرب لديهم ذرة من عقل لسبقوا شعوبهم- التي تترقب لحظة بداية الثورة- وقاموا بما قام به ورثة طاغية تونس من تلقاء أنفسهم.. ولكن لله سبحانه وتعالى في خلقه شئون، فمن يرضى الله عنه يهديه إلى فعل الخير، ويجعل من يستحق نزع الملك عنه حليفا للشيطان الذي يورده موارد التهلكة. لقد أحدثت الثورة التونسية ثقبا في جدار الاستبداد العربي، وسوف يتحرر العرب عما قريب، ونعتقد أن الجزائر ومصر والأردن واليمن في طريقهم للتحرر من نظام الحزب الواحد، يليهم السودان وسوريا والمغرب وموريتانيا. تحية كبيرة من شعب مصر ومن كل الشعوب العربية لشعب تونس الأبي الشجاع. وننصح الأخوة في تونس أن يتفقوا على الالتفاف حول إحدى الشخصيات المحترمة لتحمل مطالبهم وأحلامهم نيابة عنهم حتى لا يسرق تلامذة الطاغية الهارب الثورة.. ونذكر بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم واحدا. كما ننصح كل الشعوب العربية التي ترغب في التحرر بالاتفاق على قائد قبل بدء الانتفاضة.

* ضحايا الأسفلت بالمئات.. أين الدولة؟

ضحايا الأســفلت بالمئات يوميا‏..‏ أين الدولة؟
بقلم د‏.‏ عبد الله هلال
المصريون 16 يناير 2011

لا نبالغ إن قلنا إن الحادث المروري على طريق بلبيس هو مذبحة حقيقية.. فكيف لم تهتز الدولة حكوميا ومجتمعيا لمقتل 37 مواطنا في لحظة واحدة ودون داع، هل هو زلزال؟، إن الزلازل في بعض الدول لا يسفر عنها مثل هذا العدد الضخم. والشيء المؤسف أن هذه الكارثة لم تحرك ساكنا، فكل ما عرفناه من ردود الفعل الحكومية هو حبس السائق المتسبب في الحادث، وكأنه هو الوحيد المسئول.. لماذا لم يحبس من وافق على أن تتحول سيارات النقل إلى سيارات ركاب تحمل السيارة الواحدة عشرات الركاب وكأنهم خراف؟، والذي ترك هذه السيارة وغيرها تمر من النقاط المرورية دون أن يوقفها؟، والذي لم يجهز البنية الأساسية للطريق لتحذر وتنبه وتكشف الرؤية أمام السائقين؟، والذي يمنح رخص قيادة لغير المؤهلين للقيادة؟ والذي جرّأ السائقين على القيادة بسرعة جنونية دون خشية من القانون؟. والأهم من ذلك أن هذه الحوادث بضحاياها الكُثر صارت "يومية".. وقد تزايدت في الآونة الأخيرة- كما وكيفا- بشكل مقلق.. وكنت قد بدأت الكتابة في هذا الموضوع ولكنني آثرت التريث في النشر حتي يجف دم ضحايا مذبحة الإسكندرية‏,‏ فقد بلغت فظاعة الحادث مبلغا تصعب معه القراءة والمتابعة‏,‏ إذ تأثر الناس بالأشلاء والدماء‏..‏ وبالتآمر الواضح على مصر‏، ثم يأتي حادث بلبيس بضحاياه الأكثر عددا من ضحايا التفجير ليثبت أن الإهمال أشد قسوة على المصريين من الإرهاب، ولكن المفزع هنا أن الإرهاب التفجيري مجهول الفاعل حتى الآن ولكن (الإرهاب الإهمالي)- إن جاز التعبير- معلوم، ولا أحد يحاسبه. ‏ وكما أوضح الأستاذ محمود سلطان في (المصريون) فإن هذه (المذبحة المرورية) على طريق بلبيس أثبتت أن هناك فرز طائفي حيث أحيل ملف قتلى بلبيس إلى أضابير الأرشيف، وكأن دماء هؤلاء الضحايا تختلف عن دماء ضحايا التفجير أو غيره. وقبل هذا الحادث بأقل من أسبوع حملت الأخبار خبرا مشابها فظيعا بتحطم (10) سيارات نقل في 3 حوادث في يوم واحد على طريق واحد (القاهرة- السويس)، وقبلها بحوالي أسبوع كانت فضيحة مصرع عدد كبير من السياح الأجانب (في حادث مروري) أيضا!.. أعداد هائلة من القتلى الذين يسعون في الأرض على أرزاقهم، وكأننا صرنا حشرات أو نمل يداس بأقدام المشاة!. ويحق لنا أن نتساءل‏:‏ ما هذا النزيف الدموي الذي لا يتوقف على الطرق المصرية؟‏!..‏ كيف تقع كل هذه الحوادث اليومية التي تنشرها الصحف ولا يتحرك أحد لبحث تلك الظاهرة المؤسفة التي تبتلع أسرا كاملة أو ركاب حافلة أو سيارة بالكامل؟‏!‏. هل كلفت أية جهة نفسها بحصر ضحايا الطرق وأسباب الحوادث، وإجراء الدراسات الاحصائية اللازمة ومقارنة أعداد القتلى والمصابين في مصر بأمثالهم في الدول الأخرى‏,‏ علما بأن ما لا ينشر من الحوادث أكثر بكثير مما ينشر؟‏!‏

وماذا فعلت الجهات المسئولة لتقليل أو منع هذه الكوارث؟ وإذا لم تكن قد فعلت وهذا هو الواقع فما الفائدة من وجودها؟. كما يحق لنا أن نتساءل‏..‏ عن شماعة القضاء والقدر التي لا نتوقف عن استخدامها‏:‏ لماذا يختارنا القضاء والقدر دون خلق الله في أغلب دول العالم؟‏,‏ ولماذا يكثر عدد الضحايا في حوادثنا‏,‏ وتتضخم الخسائر الاقتصادية بلا أي مبرر؟‏,‏ أليست هناك دلالات يمكن الاستفادة منها للعمل على تقليل الحوادث وتقليل عدد الضحايا؟‏!.‏ أفيقوا أيها النائمون‏,‏ فقد وصل الأمر إلى حد الكارثة‏,‏ ولم يقتصر على الطرق السريعة‏,‏ فلا فرق الآن بين هذه الطرق وشوارع المدن‏,‏ ومنها العاصمة‏.‏

بل لقد وصل الإهمال إلى تكرار الحوادث البشعة المتشابهة في المحافظة الواحدة‏,‏ في أيام متوالية رغم الاهتمام الرسمي والاعلامي والشعبي بالحوادث الكبيرة مما يفترض أن يدعو للانتباه واليقظة‏,‏ ولو إلى حين‏!.‏ وهذا يعني أن مشكلة الحوادث المرورية وصلت إلى مستوى مقلق لا ينبغي السكوت عنه أو تجاهل دلالاته‏,‏ كما يعني أن هناك شيئا ما خطأ لابد من البحث عنه وإيجاد السبل الكفيلة بتجاوزه‏.‏ والواقع أن هذه المشكلة تعتبر من المشكلات اليسيرة جدا التي تواجه الحكومات والادارات المحلية لو وجدت النية الصادقة لإيجاد حلول لها‏..‏ فنحن نعلم ـ على سبيل المثال ـ كيف يحصل الناس في بلادنا على رخص القيادة بسهولة غير عادية لدرجة أن بعض الدول العربية لا تعترف بالرخصة المصرية‏,‏ ونعلم ما يحدث أثناء الفحص الفني للسيارات عند تجديد رخصة السيارة,‏ ونرى بأعيننا كيف تسير السيارات بدون اضاءة خلفية وتمر على نقاط التفتيش المروري دون أن يوقفها أحد‏,‏ ونعاني من الشاحنات التي تحمل الرمل والزلط وخلافه وتقذف به على السيارات التي تسير خلفها وتصيب زجاجها بسبب إهمال تغطية الحمولة‏,‏ ونشاهد التقاطعات الخطيرة التي تحدث بها تصادمات يومية دون أن يكلف مسئول نفسه الأمر بوضع تحذير أو اشارة‏,‏ ونمر في كل مكان على المطبات والبالوعات التي تفاجئ قائدي السيارات فيضطرون إلى الانحراف المفاجئ والاصطدام بخلق الله أو بالسيارات الأخرى‏,‏ ونعاني من الشاحنات التي يصر قادتها على السير في يسار الطريق معطلين من وراءهم‏.‏

كما أن بلدنا الجميلة هي الوحيدة في العالم تقريبا التي نشاهد فيها سيارات الأجرة وقد أدمنت الوقوف لتحميل الركاب أو تفريغهم في مطالع ومنازل الجسور‏(‏الكباري‏)‏ وفي مداخل ومخارج الشوارع وفي التقاطعات الخطرة‏.‏ وهناك ظواهر الجهل التام بقواعد المرور وإهمال الصيانة الدورية للمركبات‏,‏ والسائقون المهنيون غير المؤهلين الذين لم يهتم أحد بتدريبهم وتعليمهم السلوكيات الأساسية اللازمة للتعامل مع الآخرين أثناء القيادة‏,‏ ولا حتى حمايتهم ووقايتهم من داء الشم و السكر أثناء القيادة‏..‏ فرغم أن الصحف تذكر في حوادث كثيرة أن السبب هو أن السائق كان سكرانا‏,‏ لم يحدث أي تصرف رسمي أو مجتمعي لمنع هذه الظاهرة‏.‏

المفروض أن قوانين المرور مصممة بالأساس لتعكس وتعبر عن البنية الأساسية المرورية بالطرق والشوارع‏..‏ وهذه البنية الأساسية هي الأساس الأول الذي ينبني عليه ضبط الحالة المرورية وتغريم المخالفين لقانون المرور، والطرق في مصر حالتها معروفة؛ فليس لدينا متر واحد مطابق للمواصفات‏.‏ كما أن هناك عجز خطير في وسائل الإرشاد.. فكيف يعاقب شخص مثلا لأنه توقف في مكان ممنوع دون أن تكون هناك شاخصة أو لون أصفر على الرصيف يدل على هذا المنع؟‏..‏ إننا للأسف لا نرى في بلادنا الشواخص العادية المنتشرة في أنحاء العالم والتي تحمل لافتات مثل‏:‏ قف‏,‏ أفسح الطريق‏,‏ لليمين فقط‏,‏ ممنوع الدخول‏...‏ الخ‏.‏ وعلى الرغم من أن أهم أسباب الأزمة المرورية هو كثرة السيارات المتوقفة بالشوارع بسبب النقص الحاد في أماكن الانتظار المعتمدة‏,‏ والتي تخنق الحركة وتسبب الاحتكاك بين السيارات وتكثر من المشاجرات وتعطيل الحركة‏..‏ فلم يفكر أحد في أهمية وضرورة تحديد أماكن الانتظار برسم مستطيل أبيض في الأماكن المسموح بالانتظار فيها‏,‏ وهذا يعني بالطبع أن الوقوف خارج هذه المستطيلات ممنوع ويؤدي إلى الغرامة‏.‏

ولقد غلظ القانون الجديد للمرور مثلا عقوبة السير في الاتجاه المخالف دون أن يسبق ذلك تجهيز بنية أساسية تبين بوضوح اتجاه السير رغم سهولة ذلك‏,‏ ويستطيع أي مواطن بالتالي الطعن أمام المحكمة وإلغاء العقوبة‏..‏ وقد حدث أثناء فترة دراستي بالولايات المتحدة أن أوقفني شرطي المرور وسحب الرخصة لأنني لم أهدئ السرعة في جزء من الشارع أمام مدرسة‏,‏ وعندما وجدت أن الشاخصة المكتوب عليها هدئ السرعة غير ظاهرة بسبب غصن شجرة واعترضت على هذه المخالفة استجاب الضابط على الفور وأعاد لي الرخصة‏,‏ معتبرا أن الخطأ إداري‏,‏ وأمر على الفور بتقليم الشجرة‏.‏ ومشكلتنا في مصر أن البنية الأساسية غير جاهزة بل وغير صالحة لتطبيق قوانين مرورية حازمة تستطيع أن تعيد الانضباط إلى الشارع المصري‏.‏ كما أن أفراد الشرطة المرورية غير مهيئين لفرض النظام‏,‏ فقد رأينا في كل الدول التي سافرنا إليها أن الشرطي دائما موجود ويسبق الجميع في الوصول إلي مكان العطل أو الحادث‏,‏ ولمسنا جاهزية هؤلاء الأفراد في التعامل‏ (‏تلقائيا‏)‏ مع أية أحداث طارئة يمكن أن تؤدي إلى تعطيل المرور أو وقوع حوادث‏..‏ مثل تعطل سيارة بالطريق‏,‏ أو تجمع مياه الأمطار‏,‏ أو هبوب عاصفة ترابية‏,‏ أو وجود ضباب كثيف‏,‏ أو انقطاع التيار الكهربي عن الاشارات المرورية الضوئية‏...‏ الخ‏.‏ وبالطبع فليس مطلوبا أن يوجد شرطي مروري في كل شبر من أرض المحروسة‏,‏ ولكن مطلوب أن يكون لدينا الشرطي المتحرك ‏(‏من تلقاء نفسه‏)‏ للمراقبة وتخويف المخالفين والمستهترين‏.

وهناك إجراءات كثيرة تساعد على الرقابة الذاتية وتجعل من المواطن شرطيا اعتباريا إن وجدت التعليمات الواضحة التي تفضح المخالف‏,‏ وقد سبق أن طالبنا مثلا بتحديد اتجاهات السير بالشوارع المتلاصقة ليصبح أحدها للذهاب والآخر للإياب ‏(‏بتعليمات واضحة‏),‏ وهذا من شأنه ضبط السير في هذه الشوارع دون الحاجة لوجود شرطي لأن المخطئ لن يجرؤ على المكابرة‏.‏ لن ينضبط المرور وتقل الحوادث قبل تأسيس بنية تحتيه مناسبة‏، وقبل وجود شرطي مؤهل متخصص متحرك‏.

السبت، ٨ يناير ٢٠١١

* النتيجة المأساوية.. للانسداد والفراغ السياسي في مصر

النتيجة المأساوية.. للانسداد والفراغ السياسي في مصر

بقلم د/ عبد الله هلال
القدس العربي، (ص) 8/1/2011- المصريون 7/1/2011- الوسط 5/1/2011
كيف لم يدرك أهل الحكم وأقطاب حكومة التجار والمحتكرين في مصر أن حالة الانسداد والفراغ السياسي التي وضعوا الوطن فيها يمكن أن تفتح الباب للعابثين والمتربصين بمصر لتنفيذ مخططاتهم الشيطانية وإحداث الفتنة التي لا يمكن لأحد أن ينجو منها ؟.. ألا تعلمون أيها الأذكياء أن قوانين الطبيعة قاهرة ويستحيل تجاوزها، وأن هذه القوانين تؤكد أن الانسداد يؤدي إلى الانفجار، وأن وجود فراغ في أي نظام أو مكان لا يمكن أن يدوم لأنه لا بديل عن ملء الفراغ؟. إن الذين أفقروا البلاد والعباد، وأثبتوا عدم جدارتهم لإدارة شئون وطن كبير عليهم هم الذين تجرأوا على الوطن وزيفوا الانتخابات بطريقة غبية دون أن يستتروا، ودون أن يفهموا أن الدنيا تغيرت، وأن السارق في العصر الحديث لم يعد يستطيع أن يفر بالمسروقات دون أن ينفضح أمره. وهكذا أعِد المسرح وتهيأت البيئة وانفتح الباب للمتربصين بنا، من الصهاينة وغيرهم، ليجدوا المتعصب الأعمى أو الساخط الجاهل أو الجائع المفرط أو اليائس المستعد لبيع نفسه أو وطنه لكي ينفذ عملية شيطانية ضد مواطنين أبرياء.. مذبحة بشعة تصب الزيت على النار، وتفتح الباب لإشعال نار الفتن التي يصعب إطفاؤها، دون وجود سياسات وطنية مخلصة ومقبولة من الشعب المصري كله.
إن تاريخ مصر كله يثبت أن المصريين شعب واحد مترابط، وأن الدين لم يكن يوما- على المستوى الشعبي- وسيلة للتفرقة بين مواطن وآخر، وإن وُجد بعض المتعصبين المتطرفين بين المسلمين أو المسيحيين فهم قلة معزولة لا تستجيب لها الأغلبية.. وهذا يؤكد أن حادث الإسكندرية الإجرامي ليس صناعة مصرية. وأيا كان المجرم الذي خطط أو نفذ هذه المذبحة.. فمن الواضح أن سياسة الاهتمام بالأمن السياسي على حساب الأمن الاجتماعي هي التي أوصلتنا إلى هذه الحالة المزرية. لماذا لم تتعلم حكومتنا من حكومة (إمارة) دبي التي تستخدم التقنيات الحديثة لخدمة الأمن وتوفير الأمان للمواطنين؛ وتصل إلى الجناة في لمح البصر؟!. ونحن في مصر نمتلك بالطبع كل هذه التقنيات الحديثة.. ولكن أين تزرع حكومتنا آلات التصوير والتسجيل؟: في المساجد لمراقبة المصلين، وفي مواقع المراقبة للمعارضين، ولتأمين أقطاب حزب الحكومة، وربما بالفنادق الكبرى لتأمين الأجانب. أما الميادين والأسواق المزدحمة والأماكن الحساسة فهي في نظر أولي الأمر ليست مهمة!.
وكالعادة.. تأخر أهل الحكم واضطربوا في التعامل مع هذه الأزمة الخطيرة، وتصرفوا وكأن على رأسهم بطحة!، وبدلا من أن يسرعوا لمواساة أسر الضحايا وزيارة المصابين.. ذهبوا ليكرسوا الطائفية ويواجهوا الغاضبين الذين قابلوهم بالحجارة، وهو تصرف مجنون ومرفوض، ولكن العيب على من ذهب للمكان الخطأ وفي الوقت الخطأ. مطلوب تصرف سريع للكشف عن المجرمين وتبيان الحقيقة، التي نثق أنها ستريح الجميع لأننا نعتقد أن من ارتكب هذا الجرم لا يمكن أن يكون مصريا. ويا أهل الحكم نتوسل إليكم أن تدركوا أننا في حاجة إلى حلول سياسية لا أمنية.. لا تفعلوا مثل اليمن، واحذروا الانزلاق إلى ما انزلق إليه العراق المسكين. فالأحوال في مصر يصعب التحكم فيها إن وقعت الفتنة لا قدر الله، بسبب الشيخوخة الإدارية التي تشل حركة الوطن كله.
فتش عن اليهود
ليس هناك أدنى شك أن الكيان الصهيوني لا يمكن أن يشعر بالأمان وعلى حدوده دولة كبيرة مثل مصر إن كانت عزيزة قوية.. إذ كيف ينام لص في بيت مسروق وأصحاب البيت وأقاربهم وأصدقائهم على قيد الحياة؟. هذه حقيقة مسلم بها، لذا فالعدو لا يكف عن التخطيط لتخريب مصر- وغيرها من الدول العربية، وأفضل وأرخص وسيلة للتخريب هي زرع الفتن ليتولى أهل البيت تخريبه بأيديهم. فإيقاع الفتنة بين أي طرفين يجعلهما مثل شخصين كفيفين، فإذا قام شخص ثالث بصفع أحدهما ظن أن قرينه الكفيف هو الذي صفعه؛ فيرد الصفعة وتنشأ معركة دموية (بين عميان) بلا داع. وهذا ما حدث في العراق عندما أشعل الموساد الصهيوني فتيل الفتنة بعملية شبيهة بمذبحة الإسكندرية، ليرد الطرف الآخر بعشوائية رد الفعل المتعجل بلا روية أو تدبر، ويصعب بالتالي وقف هذا التفاعل المتسلسل الذي يشبه الانفجار النووي. والحمد لله أن المصريين أثبتوا أنهم أعقل وأكبر بكثير من هذه الفتن السوداء، ولكن ينبغي الحذر من اليهود الصهاينة ومؤامراتهم ودسائسهم.
مواد التفجير.. مَشاع
لاشك أن منافذ الدولة مراقبة جيدا لمنع دخول متفجرات من الخارج، ولكن ماذا عن تصنيعها بالداخل؟. كان ينبغي على الحكومة أن تقطع الطريق على المجرمين القتلة الذين يحصلون على الكيماويات بسهولة ويصنعوا منها المتفجرات التي تحدث الدمار والخراب والقتل والفتن، وذلك بإقرار قانون مزاولة المهن الكيميائية الذي قدمته نقابة المهن العلمية مرارا، ولم تستجب الحكومة.. وتظل الكيماويات الخطرة بما فيها من سام وحارق ومتفجر ومشع.. الخ، مشاعا متاحا لمن يريد التخريب، فضلا عن خطورة تداولها بأيدي غير المتخصصين. هل يعقل أن يعطل إصدار قانون يعالج مشكلة خطيرة تخص تداول مواد خطرة.. ثم نبكي على اللبن المسكوب بعد فوات الأوان؟. من المسئول عن هذه الفوضى؟!. هل هناك دولة في الدنيا تترك المواد الخطرة للتداول بأيدي تجار أميين دون وضع قانون ينظمها ويضبط تداولها؟.
مطلوب تحكيم العقل
قد نلتمس العذر لمن صُدموا وفجعوا نتيجة لهذه المذبحة البشعة في ردود الفعل المتشنجة، فنحن بشر.. ولكن المبالغة في رد الفعل تزيد من التعصب الأعمى وتثير الغبار وتحجب الرؤية والعقل عن التفكير الهادئ الذي يضع الحلول الجذرية للخلل الذي يعاني منه المصريون جميعا. ويجب الحرص على عدم توجيه رد الفعل إلى المكان الخطأ، أو محاولة استثمار مناسبة سيئة لتحقيق مكاسب أو امتيازات يراها البعض حسنة.. فهذا يوجه القضية إلى الاتجاه الخاطئ ويمَكّن المجرمين من الفرار والتغطية على جريمتهم. إن إثارة المواطنين ودعوة قيادات دينية أتباعهم للتظاهر في هذا التوقيت الخاطئ للحصول على مكاسب طائفية ليست لهذا علاقة بالحادث الآثم الذي هز مصر كلها.. سوف يشوش على المشكلة الأصلية ويدعم الرأي القائل باحتمال تورط متعصبون بالمهجر في التخطيط لهذه الجريمة. والحقيقة التي تدعوا للفخر والاحترام أن الشعب المصري كله لم يقصر في إدانة هذه المذبحة والتنديد بمرتكبيها والمتسببين فيها، وظهرت على السطح ظاهرة فريدة من التماسك الاجتماعي والتساند والتكاتف الذي تحسدنا عليه دول كثيرة، فهذه هي مصر الحقيقية التي تبرز محاسنها ومزاياها في الشدائد والمحن. فالمصريون لم يألفوا هذا النوع من الجرائم غير الإنسانية، وهذا بلا شك لأنهم شعب متدين بطبعه، بصرف النظر عن الدين. فهلا وظفنا هذه المزايا لمحاصرة الفتن واستثمار ظاهرة التماسك الاجتماعي لخير الوطن والمواطنين؟.. مطلوب حكومة "ذكية" للقيام بهذا الواجب المقدس.

abdallah_helal@hotmail.com
http://abdallahhelal.blogspot.com

* البرنامج النووي.. لمواجهة التهديد المائي

البرنامج النووي.. لمواجهة التهديد المائي

بقلم د. عبد الله هلال

المصريون 30/12/2010 - الوسط 29/12/2010
لا يختلف اثنان على أهمية توافر المياه العذبة، وعلى أن الحضارات التي نشأت على ضفاف الأنهار لم تكن لتنشأ أو تنطلق وتمتد زمانا ومكانا لولا نعمة المياه، التي لا حياة أصلا بدونها. ولقد أنعم الله تعالى علينا بمياه النيل، فاستمتعت مصر بهذه الهبة الربانية لآلاف السنين.. فهل الظروف الحالية تسمح باستمرار هذا الخير وتلك النعمة التي لا شك أننا قصرنا في الحفاظ عليها؟. ولا نقصد في الإشارة إلى التقصير عدم حماية النيل من التلوث فحسب، ولكننا لم نفكر يوما في ترشيد استهلاك المياه، خصوصا مع الزيادة السكانية، وأهملنا مسألة التوزيع العادل للمياه بحيث تكون الأولوية لإنتاج الغذاء، ولم نجتهد في العمل على زيادة موارد مياه النيل (قناة جونجلي مثلا)، ولم نهتم بالبحث عن مصادر جديدة للمياه.. والأخطر أننا أهملنا العمق الأفريقي وهيأنا الفرصة للعدو الصهيوني لكي يعبث في منابع النيل ويهدد حياتنا. وعلى الرغم من أن النيل لا يزال يواصل عطاءه، ولم نصل بعد إلى خطر الحرمان من بعض حصتنا- وهذا للأسف أصبح الآن احتمالا واردا.. فالمشكلة بدأت تطل برأسها؛ حيث نرى الآن شبكة الري التاريخية وقد تضاءلت، ونجد الكثير من الترع والقنوات وقد جفت واندثرت، ونشاهد المزارعين وهم يستخدمون مياه الصرف الملوثة والخطرة في ري المحاصيل التي نتغذى عليها!. وليت الأمر يقتصر على ذلك؛ فالأخطر هو ما يهدد العالم- ويهددنا بالطبع- من تغيرات مناخية يمكن أن تعمل على رفع درجة الحرارة وتوسيع رقعة الجفاف وما يترتب عليه من كوارث.. وقد جربنا ورأينا رأي العين أحوالنا المتردية مع الارتفاع الطفيف في درجة حرارة الصيف الماضي.
فهل سوف نظل غافلين، ننظر تحت أقدامنا، وننتظر اليوم الذي نبكي فيه على حالنا ونقول (النيل ما جاش)؟!. إن قضية توفير المياه مسألة حياة أو موت، والتخطيط العاقل والرشيد لمستقبل المياه لا يقتصر على خطط خمسية أو عشرية، ولكن لمئة سنة قادمة على الأقل. ولا شك أن الواقع الحالي في ظل العبث الصهيوني بدول منابع النيل وبدء تمرد هذه الدول علينا، وفي ظل كارثة انفصال جنوب السودان، ومع التزايد الطبيعي لعدد السكان.. هذا الواقع يحتم علينا إعادة النظر في أولوياتنا ووضع قضية توفير المياه على رأس القائمة. وأول ما ينبغي الاهتمام به هو العمل على الاستثمار الأمثل لما بين أيدينا من مياه بترشيد استهلاك مياه النيل، ووضع خطط واضحة ومفهومة للاستفادة من المياه الجوفية.. ثم نبدأ فورا في البحث عن مصادر إضافية.
وقد بات واضحا أن هناك نية لعودة البرنامج النووي المصري بعد انتظار دام أكثر من خمسين عاما، مع الإعلان عن إعداد وزارة الكهرباء لطرح مناقصة لتصميم وبناء وتشغيل المحطة النووية الأولى بطاقة تقريبية تصل إلى 1200 ميجاوات، على أن تبدأ العمل عام 2019؛ كما أعلن السيد وزير الكهرباء.. وهذا جيد، ولكنه غير كاف. فإذا كانت الدوافع الأصلية لإنشاء محطة نووية هي توفير الطاقة الكهربية الرخيصة، وهذا مطلوب بالطبع.. فالواجب الآن توسيع المجال والتخطيط لزيادة عدد المحطات للاستفادة منها في تحلية مياه البحر. ويجب أن ينتبه المخططون وصناع القرار إلى أن الحاجة للمياه أكثر إلحاحا من الحاجة للكهرباء.. فإذا كانت بضعة محطات نووية- على المدى البعيد- تكفينا (كهربيا) فإنها لن تكفينا (مائيا) وينبغي السعي لمضاعفتها، كما ينبغي الاطمئنان إلى والتأكيد على أن المحطات النووية المصرية مصممة لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر في آن معا، وهذا أمر يسير كما هو معلوم، ولكن لا شك أنه سيكون مطلوبا- في حالة الحرص على تحلية المياه- تجهيز البنية الأساسية اللازمة لذلك مثل سُبل تخزين المياه، ووسائل توزيعها على شبكات مياه الشرب أو نقلها إلى شبكات الري. نتمنى أن تكون المناقصة شاملة، ومتضمنة لمتطلبات تحلية المياه وتوزيعها؛ فموضوع الحاجة إلى المياه لا يختلف عليه اثنان. وبالإضافة إلى ما أسلفنا من توقع حدوث أزمات مائية.. فمصر تقع على بحرين كبيرين وتمتلك في الوقت نفسه صحراء شاسعة قابلة للاستصلاح إن توافرت المياه. فالصحراء المصرية تتميز بأنها مسطحة ومستوية في أغلبها، والطقس فيها معتدل (وليس حارا جدا مثل الإمارات مثلا- التي تزرع الصحراء رغم شُح المياه). وعندما تتوافر المياه الرخيصة (من المحطات النووية) فلن يكون هناك ما يمنع من زراعة الصحراء المصرية وتغيير الواقع الاقتصادي تغييرا جذريا، فلدينا الخبرة الزراعية التاريخية، والطقس المعتدل، والصحراء الواسعة.. ولا تنقصنا سوى المياه. كما أن هناك إمكانية كبيرة لتحويل الأراضي الصحراوية إلى أراضٍ زراعية لا تقل جودة وإنتاجا عن أراضي الدلتا بنقل طمي النيل من المخزون الهائل ببحيرة السد العالي إليها.. ولا شك أن مشروعا كهذا سوف يضع مصر في مصاف الدول الزراعية الغنية. ونذكر أهل الحكم أن المجلس القومي للإنتاج والشئون الاقتصادية، التابع للمجالس القومية المتخصصة رسم صورة "مفزعة" لمستقبل مصر الغذائي.. حيث ذكر أنه في عام 2029 سيتم توجيه دخل مصر كله لاستيراد الأغذية من الخارج!.
وينبغي التأكيد أيضا على أن التقانة النووية لم تفقد بريقها رغم الحملة المضادة لها في بعض الدول التي لا تعاني من نقص المياه أو الطاقة، فالمحطات النووية تعمل بلا توقف في أنحاء العالم، وهناك العديد تحت الإنشاء، وها هي الإمارات تسابق الزمن لبدء العمل في محطتها النووية الأولى عام 2017 ضمن أربعة محطات تدخل الخدمة عام 2020، كما أن إيران على وشك تشغيل محطتها رغم الحصار والتهديد والوعيد، وها هي تركيا أيضا تلحق بالقطار النووي. وبالنسبة لنا فمن الفوائد المهمة أيضا، والتي لا يضعها الكثيرون في الاعتبار رفع المستوى العلمي والتقني لمصر.. فالتقانة النووية تتميز بحتمية الدقة الفائقة، والحرص الزائد عن الحد، والتنوع والتكامل الواسع بين التخصصات.. والمرافق النووية تكون الميدان الأكبر والأول لتدريب الكفاءات العلمية والتقنية، والتي يمكن الاستفادة منها في كافة الميادين، مما يسهم في إحداث طفرة تنموية غير مسبوقة.
وينقلنا الحديث هنا إلى موضوع العناصر البشرية المؤهلة التي من المفروض أن تدير برنامجنا النووي السلمي؛ فإذا كانت دولة مثل الإمارات مضطرة للتعاقد مع الشركات المنفذة بنظام "تسليم المفتاح" فهذا لأنها دخلت الميدان حديثا، وليست لديها الخبرة أو القيادات المؤهلة نوويا لإدارة مشروعها.. ولكن ماذا عن مصر التي بدأت المسيرة النووية منذ أكثر من نصف قرن؟!. إن الظروف التي أحاطت بالبرنامج النووي المصري وكثرة الكمون سببت بلا شك مشكلات كثيرة وهجرة غير مقننة للعلماء المصريين... وهذا الموضوع يحتاج إلى شيء من التفصيل والصراحة، والنقد الذاتي لكي نضع أقدامنا على أرض ثابتة. فواقع الأمر أن الدولة لم تهمل فكرة إعداد الخبرات البشرية منذ أن فكرت في اقتحام ميدان الطاقة النووية، ولم يخيب الشباب المصري- الذي وقع عليه الاختيار وقتها- أمل الأمة فيه، واجتهد في اكتساب الخبرة النووية، وحفلت المجلات العلمية العالمية بالبحوث المصرية المبتكرة التي نافست دول العالم المتقدم، لدرجة أن مصر صُنّفت سريعا ضمن الدول القادرة على إنتاج سلاح نووي، رغم عدم امتلاكنا لأية مفاعلات قـُوى حتى الآن. وعلى الرغم من الهجرة غير المقننة، ومن حالة اليأس التي صاحبت فترة انعدام الأمل في بدء البرنامج النووي المصري، وما نتج عنه من ضبابية واعتكاف وكمون إجباري لكثير من العلماء الجادين المبدعين عندما تم إسناد الأمور لغير أهلها أحيانا، بسبب أعراض الشيخوخة الإدارية التي أصابت العديد من مؤسساتنا.. إلا أن ذلك لا يعني خلو مصر من القيادات الشابة المدربة التي يمكننا الاعتماد عليها. مطلوب فقط إعادة تهيئة المناخ العلمي وبث الثقة في نفوس أهل العلم والخبرة؛ وهذا سيوفر لنا الكثير بدلا من البدء من نقطة الصفر. لسنا في حاجة أبدا لنظام تسليم المفتاح، فالتقدم العلمي والتقني لا يمكن أن يتحقق دون ممارسة ميدانية ودون اعتماد حقيقي على النفس.
وينبغي ألا يغيب عن البال أيضا أن الإعداد الجيد للبرنامج النووي الطموح الذي نحن بصدده يُحتم إيجاد صيغة مناسبة لدعم أسس التعاون والتنسيق والتكامل بين الهيئات النووية المتعددة التي نملكها حاليا.. فلدينا الهيئة الأم وهي هيئة الطاقة الذرية؛ المسئولة عن إعداد العناصر البشرية، وهيئة المواد النووية؛ المسئولة عن التنقيب والبحث عن الخامات النووية المطلوبة لتجهيز الوقود النووي، بالإضافة إلى هيئة المحطات النووية؛ التي تتولى مسئولية إعداد الدراسات الخاصة بإنشاء المحطات النووية، ومواصفاتها وقدراتها ... الخ، وقد تظهر هيئة رابعة بتحويل جهاز الأمان النووي إلى هيئة مستقلة!. وتصعب المطالبة الآن بإعادة دمج هذه الهيئات، فلكل واحدة كيانها وهيكلها ومواقعها؛ و(كل حزب بما لديهم فرحون)، ولكن ينبغي إيجاد مظلة واحدة تسهل التعاون بينها، وتدفع بالعمل المشترك المنظم إلى الأمام. لذا نقترح إنشاء أكاديمية للعلوم النووية، على غرار أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، بحيث تتبعها الهيئات النووية كلها. في هذه الحالة سوف تكون هناك جهة واحدة متخصصة؛ مسئولة عن تصميم وتنفيذ وإدارة البرنامج النووي.. ومسئولة أيضا- وهذا هو الأهم- عن دعم وتوجيه البحوث العلمية التي سوف تخدم الهدف النهائي، وهو الاستفادة من الطاقة النووية لإحداث طفرة تنموية نحن في أمس الحاجة إليها. كما يتطلب الأمر وضع خطة بحثية جديدة تناسب التوجه الجديد لاستخدام الطاقة النووية، فالهدف الأساسي للبحث العلمي هو تذليل العقبات التي تواجه عمليات التنمية، وإذا كنا بصدد إنشاء محطات نووية فينبغي البدء فورا- وقبل الشروع في تنفيذها- في تجنيد الباحثين لتوجيه بحوثهم لخدمة هذا الهدف.. وهذه ضريبة وطنية حتمية ولا تتعارض مع حرية الإبداع العلمي. لا يجوز أن يظل كل شيء على حاله حتى نبدأ في مشروعاتنا الكبيرة الطموحة، فالتخطيط السليم والإعداد الجيد يتطلبان وضع خطة بحثية ترتبط بالخطة العامة للدولة، وتخدمها. إن غياب الخطة البحثية التي ينبغي أن تُخدِّم على المشروعات الكبرى التي ستكلفنا الكثير والكثير، وغياب المشاركة الوطنية الواسعة لخبرائنا وشبابنا يمكن أن يؤدي إلى الوقوع في مصيدة الاحتكار للشركات المنفذة.. فنقيم مشروعات ضخمة تستنزف جانبا كبيرا من اقتصادنا دون أن ننجح في توظيفها لتوفير فرص العمل والاعتماد الحقيقي على النفس.
ولا ندري لماذا لا يفكر العرب في العمل المشترك بالمجال النووي الذي يمكن أن يخدم التنمية الاقتصادية العربية دون أية خسائر سياسية للدول المنفردة؟.. فالمحطات النووية مكلفة لكل دولة على حدة، ولكنها لا شيء إن اشتركت فيها عدة دول، وعائدها كبير ومثمر إن صممت لتخدم عددا من الدول العربية. والعرب هم أكثر الشعوب حاجة إلى المياه العذبة، وأكثرهم عرضة للتهديد بحروب المياه المتوقعة.. فلماذا لا تنشأ محطات نووية عربية لتحلية المياه وتوليد الكهرباء على البحار العربية مثل البحر الأحمر لمصر والسعودية والأردن والسودان، وعلى البحر المتوسط لمصر وليبيا وتونس، وعلى الخليج العربي للدول الواقعة عليه، وهكذا؟. متى يفهم العرب أن تعاونهم وتكاتفهم هو الطريق الوحيد للتقدم وشطب دولهم من قوائم الدول المتخلفة؟!.

abdallah_helal@hotmail.com
http://abdallahhelal.blogspot.com