أهلاً.. وسهلاً

مرحبا بكم في موقع الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال

مقالات علمية وسياسية - محاضرات في الكيمياء - بحوث علمية - كتب علمية في الكيمياء وتطبيقاتها - استشارات علمية (كيميائية وبيئية)















هل لديك استشارة علمية؟

الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال - استشاري الدراسات الكيميائية والبيئية
للاستشارات العلمية:
ناسوخ (فاكس): 0020222670296 القاهرة
جوال: 0020115811500



الصفحة الرئيسية

الأربعاء، ١ ديسمبر ٢٠١٠

* اغتصاب مصر.. في عرض الطريق!

اغتصاب مصر.. في عرض الطريق!

بقلم د. عبد الله هلال


يقولون إن مصر بلد العجائب.. وأعجب ما شهدته مسرحية الانتخابات الأخيرة ليس فقط التزوير الشامل، فقد توَعّد أهل الحكم أنفسهم به، وتوقعنا حدوثه في المقال السابق، ولكن ما يدعو للغرابة والقلق على مستقبل الوطن هو مستوى (الذكاء) لأولئك الذين فضحونا في العالمِين- دون أن يستتروا- وأظهرونا كدولة متخلفة، ويصرون على استمرار حزب بهذا (الذكاء) في حكم الوطن المنكوب بهم. فالمسئول (بالغ الذكاء) الذي أخرج مسرحية 28 نوفمبر 2010 كان غشيما وجشعا بدرجة أذهلت المراقبين المحليين والدوليين، إذ أثبت للقاصي والداني أنها مذبحة جماعية مقصودة، ولم يفلح الإعلام- الغبي أيضا- في إقناع أحد بأن هذه إرادة الجماهير، ولكنه زاد الطين بلة وأظهر أن الحكومة على رأسها "بطحة" وأنها فعلت فعلة شنيعة عليه أن يعتم عليها. وأصبح الظاهر وكأن مصر دولتين، أو أن المصريين جميعا مصابون بانفصام في الشخصية.. إعلام حكومي مخادع- بلا خجل أو حياء- يراها بيضاء ناصعة وليس في الإمكان أبدع مما كان، وإعلام خارج سيطرة الحكومة (ومعه الحق) يراها سوداء حالكة السواد، ولا توجد مساحة مشتركة بينهما، وشعب (مزدوج) يكره الحكومة ويتمنى تغييرها؛ وتظهر النتائج أنه يموت في حبها!، ووزراء يكذبون على الهواء بأنه ليس هناك تزوير. لقد كشفوا أنفسهم بغبائهم، ولعل الله تعالى أراد أن يفضحهم، فقرروا استخدام (كل) وسائل التزييف والتزوير دفعة واحدة، مع أن وسيلة واحدة كانت كفيلة بتمكينهم من اغتصاب مصر.. فإذا كانوا قد منعوا المنافسين من الترشح رغم أحكام القضاء، فما الداعي للتقفيل والتزوير؟، وما الداعي لمنع الرقابة الأهلية (التي لا تملك وسيلة لمنع التزوير) ومنع وكلاء المرشحين غير الحكوميين؟، وإذا كانوا قد قاموا بالتقفيل العلني البشع الذي تتناقله الفضائيات والمواقع الإلكترونية بالصوت والصورة وحصلوا على كل الأصوات دون حضور أصحابها؛ فماذا كان الداعي لمنع المندوبين من حضور الفرز؟، ألم نقل أنهم في غاية الذكاء؟.

فالنتائج العجيبة تظهر الشعب المصري وكأنه يحب جلاديه.. يعشق الطوارئ.. يؤيد الفساد.. سعيد بالبطالة وانهيار التعليم والرعاية الصحية.. شعب لا يطمح إلى تحسين مستوى المعيشة التي صارت ضنكا.. شعب عقيم لا يستطيع أن ينجب حكاما غير هؤلاء المزورين (الأذكياء).. بل شعب أعمى لا يرى الفساد ولا يشعر بالقذارة التي تحيط به ولا بالتلوث الذي يخنقه.... وحاش لله أن يكون شعبنا هكذا، فهو شعب مغلوب على أمره. ومما يدل على "الذكاء" الخارق أيضا ذلك التناقض العجيب الذي تظهره النتائج.. فالشعب الذي (أجمع) على مبايعة حزب حكومة التجار هو شعب آخر غير ذلك الذي (أجمع) على لفظهم في الانتخابات السابقة وفي كل انتخابات لا يسيطرون على مقاليد إجرائها مثل النقابات ونوادي هيئات التدريس.. والشعب الذي اختار المعارضة الإسلامية والوطنية في الانتخابات السابقة لم يعد له وجود وانقلب حاله فجأة ليتحول من النقيض إلى النقيض، من الأبيض إلى الأسود، دون مبررات!!. بل يبدوا أن المرشحين المعارضين أنفسهم قد فتنوا بالكفاءة العالية لحزب الفساد فصوتوا ضد أنفسهم!. لقد ساد الرويبضة.. قال صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.. قيل وما الرويبضة؟، قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة"؛ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ما رأي رؤساء اللجان الآن؟

أهم أدوات التزوير أثناء مسرحية 28 نوفمبر كانت فئة من الموظفين المساكين الذين تولوا رئاسة وأمانة لجان التصويت وبالتالي الفرز.. إما بسكوتهم وقبولهم لتصويت غير ذوي الشأن خلافا للقانون، وإما بمشاركتهم الفعلية في التقفيل كما شاهدنا في شرائط الفيديو. والشيء العجيب أنهم من الفئة المطحونة التي تتمنى التغيير وسيادة العدل والحرية تحسينا لأوضاعهم المتردية ومرتباتهم المتدنية. كان في يد هؤلاء- والقانون معهم- أن يسهموا في إنقاذ مصر ونقلها إلى مصاف الدول المتحضرة.. ولكنهم للأسف لم يفعلوا!. فهل هذا نتيجة الجهل أم الفقر أم الخوف؟!، هل هم- كما قال بعضهم- في حاجة إلى المكافأة الحقيرة الملوثة بدماء شعبهم، لدرجة الخوف على ضياعها؟!.. هذا أمر تجدر دراسته. والسؤال لهؤلاء الآن: ما رأيكم بعد أن أسهمتم في بقاء حالكم أولا على ما هو عليه، بالإضافة إلى التخلف والفقر الذي ينتظر مصر بأجيالها الحالية والمستقبلة؟.

لو أن الطاقة الهائلة التي تبذلها حكومتنا وأجهزتها لكي تظل جاثمة على صدورنا.. لو أن هذه الطاقة تنفق من أجل خدمة الشعب المصري المنكوب بها والقيام بدور "الحكومة" كأية حكومة محترمة لكان حالنا غير الحال، ولبذلنا كل جهودنا لمساعدتهم ولتثبيت مقاعدهم. طاقة عظيمة تبدد في خداع الشعب والاحتيال عليه.. وطاقة مقابلة يبذلها الشعب لمقاومة هذا التسلط والجبروت، طاقات يمكن أن تعمر الكون وتجعل بلادنا أم الدنيا بحق، فإلى متى نظل نهدر طاقتنا الإنسانية فيما يضر ولا يفيد؟!.

تحية إلى قضاة مصر

مهما انتشر التزوير والفساد والاستبداد.. يظل القضاء العادل هو الملاذ الأخير والأمل المتبقي لضبط شئون الحياة في هذا الوطن لتعود إلى الفطرة السليمة التي فطر الله تعالى الناس عليها. فعلى مر العصور؛ كلما ارتفعت راية الاستبداد وعم الظلم وانتشرت الفوضى.. يفاجأ الطغاة بقاض عادل يقلب حساباتهم ويزرع الأمل في نفوس المظلومين ويبشر بأن الفجر قد اقترب وأن ضوء الشمس سوف يطهر الأرض من الظلم والفساد. فالقاضي هو ظل الله في الأرض، وكل قاض يعلم أن "قاض في الجنة وقاضيان في النار".. ولذلك فأغلب القضاة كانوا دائما عظماء، لا يخافون من الحكام، وينصرون المظلوم؛ حتى وإن كان الظالم يملك ذهب المعز وسيفه. إن مسيرة القضاء العادل في مصر تشرف كل قاض، بل كل مصري.. وفي ظل شيوع آفة التزوير والفساد ومخالفة القانون والدستور؛ ارتفع شأن القضاء وتوالت الأحكام التي تفضح المزورين واللصوص. وبعد سيطرة الحكومة على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وكذلك على السلطة الرابعة (الصحافة)، لم يعد أمامها من عقبات سوى السلطة القضائية، فعبثت بالدستور للتخلص من ورطة الإشراف القضائي على الانتخابات.. ولكن قضاءنا الشامخ أثبت وجوده رغما عن العابثين بالدستور وقضى بإدراج أسماء المستبعدين، ثم قضى بوقف إجراء الانتخابات؛ صحيح أن حكومة التجار لم تستجب لأحكام القضاء، ولكنها وقعت في شر أعمالها وفتحت الباب لإبطال المجلس كله. ويحاول المزورون الإساءة إلى الهيئة القضائية وتلويثها بمحاولة إلصاق تهمة تزوير الانتخابات بالقضاة بزعم أن الانتخابات تجرى تحت إشراف قضائي!. والواقع أن القضاة لا يشرفون على الانتخابات بالمرة.. إذ كيف يراقب قاض واحد مئات اللجان في طول المحافظة وعرضها؟!، إنها فرية حكومية للاحتماء بالقضاة واكتساب شرعية مزيفة، وهي في الوقت نفسه محاولة دنيئة لتشويه القضاة الذين يحكمون للشعب ضد الحكومة. ويبدو أن القضاة المزعوم بأنهم يشرفون على اللجان (العامة فقط) ليسوا قضاة حقيقيين، بل ربما محامين من هيئة قضايا الدولة أو موظفين حكوميين.. إذ لا يعقل أن قاضيا حقيقيا يمكن أن يرى عمليات التزوير الفاضحة التي سادت كل اللجان ويسكت، ولا يعقل أن قاضيا حقيقيا يمكن أن يقبل مهمة صعبة كهذه وهو يعرف أنه لا يستطيع القيام بها بضمير القاضي. لذا فإننا نتوجه إلى قضاتنا العظماء الأجلاء، لكي يتكلموا ويدافعوا عن محراب العدالة وعن شعبهم المقهور.. قولوا لهم لا تتمسحوا بالقضاء، وإذا أردتم نسبة الإشراف إلى القضاة فليكن إشرافا حقيقيا وكاملا على كل مراحل العملية الانتخابية.. امنعوهم من المتاجرة بالهيئة الشريفة الوحيدة المتبقية. إن الشعب المصري ينتظر الكلمة الصادقة من أهل الصدق والعدل.. إن مستقبل مصر الآن أصبح في أيديكم وحدكم يا قضاة مصر، فتكلموا وتحركوا كما فعل قضاة إيطاليا الذين أنقذوا وطنهم من الفساد والمفسدين، حماكم الله ورفع راية الحق على أيديكم، والله ناصركم.

• في اليوم نفسه الذي شهد مذبحة الحرية في مصر، ومع بث الأخبار والمشاهد المحرجة لنا في أنحاء العالم- الذي يعتبر يوم الانتخاب يوم عرس.. جاءت صور ومشاهد انتخابات ساحل العاج- التي تعاني عدم الاستقرار- لتضعنا في غاية الحرج: فوضى وبلطجة وهمجية وقمامة وقذارة على الجانب المصري، ونظام وهدوء وطوابير متحضرة ونظافة على الجانب العاجي، ألا يخجل هؤلاء الذين يصرون على إبقاء هذا النظام الهمجي.. لتسهيل التزوير؟!.

• يجب على كل من استطاع تسجيل وقائع التزوير ألا ينشغل بدائرته فقط، وألا يركز جهوده على إثبات حقه بمفرده وطلب التعويض.. ينبغي تضافر الجهود لإبطال هذا المجلس المزور كله، والأمر في غاية السهولة لأنهم كانوا من الجرأة والبجاحة بحيث (لم يستتروا). كما يجب تفعيل قضية الطعن على التعديات (التعديلات) الدستورية الباطلة التي جرى الاستفتاء الهمجي عليها دون إشراف قضائي. وينبغي عدم تفويت فرصة الإمساك بالمزورين المتلبسين في تسجيلات الفيديو.. لمحاكمتهم وسجنهم ليكونوا عبرة.

• بعد أن أشبع الحزب الحاكم نهمه وضمن الانفراد بالمجلس المزور، فسوف يحاولون تجميل الصورة في مسرحية الإعادة التي يلاعب فيها الحزب الحاكم نفسه، فهم لن يخسروا شيئا إذا ما أجريت بنزاهة.. وسوف يركز الإعلام الحكومي عليها للادعاء بأن الانتخابات عموما كانت نزيهة، ويستطيع الشعب المصري أن يفوت عليهم هذه المسرحية بالمقاطعة الجماعية الواضحة.... يجب ألا يذهب أحد إلى اللجان، أو لنذهب أمام اللجان حاملين لافتات (باطل) مع عدم الدخول للتصويت.

• مصر اغتصبت نهارا جهارا، وهذا المجلس باطل.. وكل ما يصدر عنه باطل باطل، وغارق في البطلان.

abdallah_helal@hotmail.com

http://abdallahhelal.blogspot.com

السبت، ١٣ نوفمبر ٢٠١٠

* الانتخابات.. بين التزوير والمقاطعة !

الانتخابات.. بين التزوير والمقاطعة!
بقلم د. عبد الله هلال
الوســـط 14-11-2010
نزاهة الانتخابات.. ليست مجرد كلمة تقال، أو وعودا تنثر في الهواء؛ ملّ الشعب من تكرار سماعها في كل مرة. النزاهة تتطلب آليات وإجراءات وقواعد وخطوات ولوائح معلنة ومقنعة ومفهومة، وتتطلب لإدارتها والإشراف عليها مؤسسات مستقلة لا تخضع للحكومة أو غيرها. هل يستطيع أحد أن يدلني على انتخابات سابقة لم تـُبذل فيها الوعود الفضفاضة بنزاهة العملية الانتخابية؟.. أو على انتخابات سابقة لم تزور؟.. هل نسي هؤلاء مقولاتهم السابقة المتكررة في كل مرة: هذه (أول) انتخابات نزيهة؟!. والأمر في منتهى البساطة.. فالكل يعلم أن حكومة الحزب المسمى بالوطني لا يمكن أن تجرؤ على إجراء انتخابات نزيهة، لأنها تعلم جيدا وزنها (الحقيقي) في الشارع المصري، وأقطابها يعرفون رأي الشعب فيهم, وليسوا من الغفلة أو الجنون لكي يعطوا الناخب الذي يكرههم ويكرهونه الفرصة لإظهار شعبيتهم الحقيقية وفضح اغتصابهم للسلطة؛ بالتزوير المتكرر للانتخابات.
لوكان الحزب المسمى بالوطني يجرؤ على خوض انتخابات نزيهة لقام بمصالحة الشعب (المسكين) قبيل الانتخابات؛ بتحسين ظروف معيشته ولو قليلا، ولكن- كما نرى- فالأحوال عموما في هذه الأيام أسوأ من أي وقت مضى؛ والشعب يعاني البؤس في جميع المجالات. أما عن القرارات والتصرفات المستفزة للشعب فقد تزايدت في موسم الانتخابات بدلا من تأجيلها ولو قليلا، وكأنهم يؤكدون للجميع أنهم (غير مزنوقين) في أصواتنا. فهم لا يعتمدون على الناخبين ولا ينتظرون الأصوات (الحقيقية) للجماهير، فهي أساسا ليست لهم.. ولكنهم يعولون على الأصوات المزورة التي ربما تم حشو الصناديق (أو أجهزة الحاسوب) بها من الآن. لوكان الحزب المسمى بالوطني يجرؤ على خوض انتخابات نزيهة لما اضطر للعبث بالدستور لإلغاء الإشراف القضائي الذي لم يُطِيقوه.. وتناسوا نغمة التغني به؛ التي صدّعونا بها عندما طبق لأول مرة, وأخذوا يمُنّون علينا ويتفاخرون بأنه العصر الذي حقق نزاهة الانتخابات لأول مرة في التاريخ (وليت بعض الصحف تعيد نشر هذه الزفة العجيبة).. وتناسوا اعترافاتهم حينئذ بأن كل الانتخابات السابقة كانت مزورة وأن (انتخابات الإشراف القضائي) هي أول انتخابات نزيهة, رغم أنهم لم يحتملوا ما حدث في المرحلة الأولى منها وحدث الانقلاب الفوري في المرحلتين التاليتين. وليتهم ابتلعوا كل ذلك وتواروا وفعلوا ما بدا لهم في صمت.. ولكنهم وبكل جرأة و«عين قوية» تلاعبوا بالدستور لإلغاء هذا الإشراف القضائي، الذي تغنوا به يوما!، وكأنهم اكتشفوا فجأة أن الإشراف القضائي عيب, أو أنه لا يساعد على تدعيم حرية الرأي, أو أنه يؤدي إلى تزييف إرادة الشعب.. هكذا دون خجل أو حياء. وللأسف فقد مرت هذه التعديلات (أو التعديات) الدستورية في صمت عجيب رغم عدم دستوريتها، إذ تم الاستفتاء عليها بالطريقة الهمجية المعتادة؛ دون إشراف قضائي. وبغياب القضاة فلن يكون المزورون بحاجة إلى نقل آلاف العمال للتصويت المتكرر، ولا لمنع أنصار المعارضة من الوصول للجان، ولا لإرهاب الناخبين وصرفهم عن تأييد المعارضين.. فالنتيجة جاهزة من الآن بالصناديق البديلة وأجهزة الحاسوب، وقد اختاروا بعناية مراقبي اللجان ممن يطيعون الأوامر ولا يهمهم سوى المكافأة السخية مقابل التزوير.
لوكان الحزب المسمى بالوطني يجرؤ على خوض انتخابات نزيهة لما رفض بإصرار الرقابة الدولية على الانتخابات، مدّعين بالباطل أن هذا تدخل في شئوننا!، هل معنى ذلك أن أغلب دول العالم (التي تسمح بهذه الرقابة) يتم التدخل في شئونها؟، وهل نحن نتدخل في شئون الدول التي شاركنا في مراقبة انتخاباتها؟، ما هذا الهراء؟!. لوكان الحزب المسمى بالوطني يجرؤ على خوض انتخابات نزيهة لما شكل (على هواه) لجنة (عليا) للانتخابات.. فهذه اللجنة حكومية بامتياز، وليست مستقلة، ولا يمكن أن تكون محايدة. لوكان الحزب المسمى بالوطني يجرؤ على خوض انتخابات نزيهة لما شن غاراته الأخيرة على وسائل الإعلام المستقلة لكي يُعتّم من الآن على جرائم التزوير المتوقعة، والتي تخشى الحكومة من فضحها خارجيا؛ إذ أصبح من اليسير تسجيل كل شيء وإذاعته عالميا في لحظات. هل تعلم الحكومة أن اللصوص فقط هم الذين يرتعدون من رؤية الميزان?!.. ألا تدّعون أنكم أصحاب الأغلبية المطلقة.. فلماذا تخافون الميزان?. لقد نادى منادي الحكومة، في هذه الانتخابات: «للخلف در», وسوف يعود الموتى إلى التصويت, وسوف تعود نسب الحضور المئوية, وسوف تتناسى وسائل الإعلام الحكومية كل ما تشدقت به من قبل عن انتهاء عصور التزوير وعن روعة الإشراف القضائي, وسوف يحصل حزب الحكومة على ما خطط له تاركا بعض الفتات لمن اتفق معهم من المعارضين (الغشاشين)؛ ذرا للرماد في العيون!. والشيء المؤسف أن هذا الحزب المسمى بالوطني استطاع أن يعبث برؤوس بعض الأحزاب التي تخدع الشعب وتدعي أنها معارضة، وأن يعدهم ببعض المقاعد التي قررت الحكومة انتزاعها من الإخوان- بالتزوير- فمشوا في ركابه ورفضوا المقاطعة، وأخذوا يدلسون علينا بأن الحكومة (منحتهم) ضمانات بنزاهة الانتخابات.. ولم يقل لنا أحد منهم ما هي هذه الضمانات (السرية)؟!، الواضح أن هذه الضمانات هي مجرد وعود بعدم التزوير ضدهم، لأن المسرحية الديمقراطية تقتضي أن تكون هناك معارضة شكلية، وهذه المعارضة لابد أن تكون غير فعالة بالطبع، ومعروف أن الحدأة لا يمكن أن تلقي للناس بالكتاكيت.
مكافأة نهاية الخدمة.. حزب (شرعي)
كان الواجب، في ظل هذا الواقع البائس والنية المبيتة للتزوير، أن تكون هناك مقاطعة حقيقية لهذه المسرحية. ولكن المقاطعة الفعالة يعوقها أمر مهم وهو وجوب أن تكون جماعية.. بحيث يظهر للعالم كله أن الحزب المسمى بالوطني يلعب مع نفسه، وينكشف بالتالي تزويره. ولكن الحكومة بالطبع كانت تحسب حساب خطورة المقاطعة فابتكرت مبكرًا فكرة الأحزاب الورقية.. وهي أحزاب يقودها عملاء للحكومة سبق أن دستهم على الأحزاب القائمة للتجسس عليها وتخريبها من الداخل، وعندما ينكشف أمر الواحد منهم ويُطرد من الحزب المدسوس عليه، تمنحه الحكومة مكافأة نهاية الخدمة، وهي عبارة عن حزب (شرعي)، وتعيّنه في مجلس الشورى أو غيره. وهذه الأحزاب ليس بها أعضاء سوى رئيس الحزب وزوجته وأولاده، وهي مجرد مقر وجريدة فقط، ولكنها مدعومة من الحكومة، كوسيلة للاسترزاق لهؤلاء الذين خدموا الحزب الحاكم ويجب ألا يعاملوا معاملة خيل الحكومة التي انتهت خدمتها. وقد أصبح لدى الحكومة أكثر من عشرة أحزاب من هذا الصنف المغشوش، جاهزة للاستخدام في حالات الطوارئ، مثل: ترشيح بعض رؤسائها للرئاسة إظهارا للتعددية، تأييد الحكومة في القضايا المثيرة للجدل التي ترفضها المعارضة فتردد وسائل الإعلام أن عشرة أحزاب (في عين العدو) تؤيد الحكومة، الإعلان أن هذه الأحزاب حصلت على (تأكيدات مقنعة) بنزاهة العملية الانتخابية، والاستخدام الأهم في إحباط فكرة المقاطعة، بمشاركة (عشرة أحزاب!) أمام حزب الحكومة.
ليس هناك أدنى شك أن انتخابات 2010 سوف تشهد عمليات تزوير غير مسبوقة وغير تقليدية (لصالح حزب الحكومة وبعض أحزاب المعارضة)، وأن الخريطة السياسية للمرحلة القادمة موضوعة مبكرا؛ بتدبير حكومة (التجار). والواقع أن أقطاب الحزب إيّاه يتحدثون بثقة غير مبررة عن اكتساح غير مسبوق، وكأنهم (جابوا الديب من ديله)، أو حققوا للشعب المسكين- الذي يعاني المرض والجوع والبطالة والتلوث- ما لم تحققه حكومة أخرى!. ولكنهم رغم هذه "البجاحة" مضطربون ومتخبطون وكأن على رأسهم بطحة، ومرعوبون من إمكانية فضح عمليات التزوير الواسع المرتقبة، لدرجة أنهم فعلوا ما لم يفعله الأولون ولا الآخرون؛ بترشيح الأخوة الأعداء متنافسين في كثير من الدوائر؛ لعل الله تعالى أراد أن يسلط المزورين بعضهم على بعض.. فأغلب مرشحيهم من فئة استخدام السنج والجنازير والمطاوي لإرهاب المعارضين والمنافسين- بمباركة حكومة الحزب، فما الذي يمنع من استخدامها ضد بعضهم البعض؟، ندعوا الله ألا يحرقوا البلاد بهذه التصرفات الغشيمة. وليتهم لا يفعلوا مثلما فعلوا في جامعة عين شمس.. إذا انكشفت جرائم التزوير، أو إذا شعروا بالخطر. سألت أحدهم: لماذا تتكالبون على ترشيح حزب الحكومة وأنتم تعلمون أن الانتساب إليه ينفر الناخبين منكم؟.. قال: ومن قال إن رأي الناخبين يؤخذ في الاعتبار؟!، أنني أحرص على ترشيح الحزب لأضمن وقوف الشرطة معي، فإذا لم يزوروا لصالحي فعلى الأقل لا يزورون ضدي!.
المقاطعة الآن ممكنة.. ومثمرة
والآن ماذا يمكن للقوى السياسية أن تفعل بعد أن تبين لكل ذي عقل أن تزوير 2010 سوف يكون تزويرا غير مسبوق؟.. لا شك أن أغلب القوى السياسية كانت مقتنعة بحتمية المقاطعة، ولكنها ترددت لعدم جدواها مادامت الحكومة جاهزة بالأحزاب الورقية، ومادام البعض يسيل لعابه على جَزَرِ الحزب الحاكم. إن تجاهل فكرة المقاطعة وإغلاق باب الترشيح قد حرق ورقة استخدام الحكومة للأحزاب الورقية، وأصبحت المقاطعة الآن ممكنة ومؤثرة. على القوى السياسية المشاركة أن تجتمع وتضع شروطها للاستمرار في العملية الانتخابية، فإما وجود آليات وقواعد صريحة ومفهومة لمراقبة نزاهة الانتخابات ومنع التزوير وإما المقاطعة. وآليات النزاهة وضماناتها معروفة في العالم كله: لجنة مستقلة محايدة لإدارة الانتخابات- إشراف قضائي- التصويت بالرقم القومي- رقابة مقننة وفعالة- شفافية وحرية إعلامية... الخ، ومن يرفض هذه الآليات يكون كالتاجر الذي يرفض الميزان. ونذكر الذين فرحوا بجَزَر حزب الحكومة أن الحدأة لن تلقي لهم بالكتاكيت، وأنهم سوف يكونون مجرد ديكور مكشوف يحتقره الشعب، وأن أمامهم الفرصة لترسيخ ممارسة سياسية حقيقية تنقذ مصر، ويمكن أن تحملهم يوما إلى مواقع المسئولية لخدمة الشعب.. لا تثقوا في وعود حكومة التجار، فطالما كذبوا علينا.
حكمة: الشرفاء فقط هم الذين لا يخافون من ذلك اليوم الذي يغادرون فيه مقاعد السلطة.

abdallah_helal@hotmail.com
http://abdallahhelal.blogspot.com

الأحد، ٢٤ أكتوبر ٢٠١٠

* ترويج السلع المغشوشة.. بالوسائل الحديثة!

ترويج السلع المغشوشة.. بالوسائل الحديثة!
بقلم د. عبد الله هلال
أدت ثورة المعلومات والاتصالات إلى تغيير حياة الإنسان إلى الأفضل.. وتغيرت الدنيا تغيرا كبيرا، بفضل الاكتشافات العلمية الحديثة التي استثمرتها البشرية في تحسين ظروف حياتها، كما وكيفا. ولم يقتصر هذا التغير على انتشار قيم الحرية وحقوق الإنسان والانتخابات الحرة وغيرها، ولكن الأهم أن أنظمة الحكم الرشيدة التي انتشرت في أركان المعمورة استفادت من هذه الثورة لتعظيم عمليات رقابة وتوكيد الجودة خدمة لمواطنيها، وبدأنا نرى تطورا كبيرا في جودة السلع المختلفة على الرغم من الاتجاه المحموم لزيادة الإنتاج، بالتوازي مع الزيادة السكانية، لكي يلبي الطلب المتزايد على السلع الجيدة والفاخرة. وهذا بالطبع لم ولن يمنع عمليات الغش والتقليد واختلاس حقوق الملكية وسرقة حقوق الغير.. ولكن ثورة المعلومات والاتصالات أفادت أيضا في تحسين عمليات الرقابة وحماية المستهلكين من عصابات الغشاشين. وهذا الأمر المهم يحتاج في المقام الأول إلى دولة يقظة تحمي مواطنيها.. دولة بها حكومة رشيدة واعية فاهمة أمينة تدرك خطورة ترك الحبل على الغارب لعصابات الغش والتدليس، دولة تحرص على وضع مواصفات دقيقة لكل شيء، وتقوي أجهزة الرقابة لديها وتمنع دخول أو تداول السلع غير المطابقة للمواصفات، دولة تدعم وتشجع الرقابة الشعبية بتسهيل إرجاع السلع المغشوشة إلى أصحابها الغشاشين، سواء كانوا مستوردين أو منتجين محليين، وإنزال العقاب بهم. وغني عن البيان أن المصدرين للسلع المختلفة يَدرُسون أحوال الدول المستوردة وقوة أو ضعف أجهزة الرقابة بها، وهل يمكن رشوتها أم أنها عصية على الرشوة: فإذا كانت دولة خربة تباع الذمم فيها وتُشترى، أو دولة عديمة الرقابة؛ صدّرت إليها السلع الرديئة، وإن كانت دولة يقظة وبها حكومة رشيدة وأجهزة رقابية نزيهة صدّرت إليها أفضل السلع. وكذلك الحال بالنسبة للمنتجين المحليين؛ فإذا كانت السلع المنتجة توزع بالأسواق أيا كان مستوى جودتها، فما الذي يمنع منعدمي الضمير من الغش وسرقة المواطنين المساكين؟.
ترى ما هو موقع مصرنا الغالية بين الدول المختلفة إذا ما نظرنا إلى الواقع الحالي أو أجرينا مقارنة مع دول أخرى؟.. هل لدينا أجهزة رقابية مستقلة تقوم بالواجب وتحمي المواطنين من الغش وتمنع تداول السلع غير المطابقة للمواصفات؟.. هل استفدنا من ثورة المعلومات والاتصالات لتعظيم دور الرقابة وتحسين ظروف وإمكانات الأجهزة الرقابية؟.. هل لدينا رقابة شعبية فعالة؟. الجواب للأسف الشديد لا يسُرّ.. فالسوق المصرية مفتوحة على مصراعيها لكل من لديه سلعة رديئة ويبحث عن مكان (أو مكَبّ) للتخلص منها!. والرقابة الشعبية متعثرة، إما لأن الدولة لا تحمي المستهلك وتمكنه من إرجاع السلع الرديئة لأصحابها، وإما لأن المستهلك لا يستطيع أن يعرف مصدر هذه السلعة بسبب القصور الحكومي الخطير في عمليات الرقابة والتفتيش وضبط السلع مجهولة المصدر. والأخطر من ذلك أن الاستفادة من ثورة المعلومات والاتصالات جاءت في بلادنا المسكينة لتدعيم عمليات الغش وليس العكس!. كيف ذلك؟؛ في الماضي القريب كان اللصوص والغشاشون يعملون في الظلام وفي الخفاء بعيدا عن الأعين، كما كانوا يوزعون سلعهم الرديئة في جنح الظلام دون دعاية، وكنا نطلق على هذه السلع المغشوشة التي لم تُنتج في مكان محترم أو معتمد (سلع بير السلم).. أما الآن فقد استفاد هؤلاء اللصوص من الإمكانات الحديثة لترويج سلعهم المضروبة والاختفاء بعيدا عن الأعين بحيث يستحيل الوصول إليهم. وفي الواقعة الآتية مثال حي- حدث بالفعل- يثبت أن عمليات الغش وسرقة المستهلك تطورت واستفادت من الإمكانات الحديثة على حساب الشعب المسكين.. في غياب تام لأجهزة الرقابة الحكومية.
اتصل بي صديق عربي راجيا مساعدته في الحصول على نوع من الكريم (المستخلص من دهن أحد أنواع الطيور!) يباع في مصر ويعلن عنه في إحدى القنوات الفضائية.. سألته عن الاسم التجاري وعن الجهة المنتِجة لكي أتمكن من الوصول إليه، فقال إنه لا يعرف شيئا سوى رقم الهاتف الجوال الذي يذاع مع الإعلان. سألت عن هذا المنتج الغريب بالصيدليات فلم أجد أحدا سمع عنه، سوى في الإعلانات!. لم أجد مفرا من الاتصال بالهاتف الجوال الذي يذاع رقمه مع الإعلان، وسألت السيدة التي أجابت على المكالمة عن العنوان الذي يمكن أن أذهب إليه لشراء هذا المنتج لأفاجأ برد غريب: ليس لنا عنوان والوسيلة الوحيدة للحصول على منتجاتنا هي أن تترك لنا عنوانك ونحن نقوم بالتوصيل لك في بيتك!. ساورني الشك في أن يكون هذا المنتج واحدا من منتجات "بير السلم" وشعرت بأنه لا يجوز أن أورط صديقي (المغرر به تلفازيا) في سلعة من الواضح جدا أنها مغشوشة أو غير حقيقية.. إذ لا يوجد عنوان أو رقم هاتف أرضي، أو أي شيء يدل على أصحاب هذا المنتج "السري"، فقررت بحاستي الصحفية أن أطلب منها إرسال عبوة واحدة (ثمنها 99 جنيها) على عنوان بيتي لأرى ما الحكاية. وبالفعل جاء المندوب وحاول أن يستفيد هو الآخر بابتزاز مقابل للتوصيل (30 جنيها)!، فقلت له اصبر لكي أرى المنتج أولا، فتغير وجهه محاولا إلهائي بتاريخ الصلاحية.. ولكنني أمسكت بالعلبة وتفحصتها لأجد منتجا رديئا سيء المظهر وغريب من جميع الوجوه، والمهم أنني بحثت عن الجهة المنتجة فلم أجد، وبحثت عن رقم أو تاريخ لموافقة وزارة الصحة أو غيرها فلم أجد، بحثت عن أي عنوان أو رقم هاتف فلم أجد، بحثت عن التركيب أو المكونات فلم أجد شيئا. تزايد القلق على وجه المندوب وفوجئت به يخطف العلبة- جسم الجريمة- ويفر هاربا!. والشيء المحزن أن هذه الطريقة الإعلانية ليست الوسيلة الوحيدة للغش، فالسوق المصرية الآن مليئة بالسلع الرديئة التي لا يملك المواطن وسيلة للتأكد من صلاحيتها.. فنأكل ونشرب ونستعمل الكثير مما يضر بالصحة دون أن ندري، ولا يملك من يكتشف أنه تعرض للغش والابتزاز سوى (الدعاء على الحكومة!) لأنه لا يجد حتى من يشكو إليه، ورغم ذلك يظل استخدام القنوات الفضائية لترويج هذه السلع هو الأكثر ضررا وتحديا لسلطة الحكومة وللمجتمع.
والسؤال المحيّر الذي يدين الحكومة ويقلق المواطن البريء هو كيف يسمح للقنوات الفضائية بالإعلان عن سلع غير حقيقية أو مجهولة المصدر والعنوان؟.. وأين الأجهزة الرقابية؟.. ولماذا لم تفرض هذه الأجهزة أو الوزارة المختصة على القنوات التي تذيع تلك الإعلانات توضيح الجهة المنتجة أو على الأقل الحصول على موافقة الوزارة المختصة على إذاعة الإعلان. إن وسائل الإعلام لها وقعها على المشاهدين، والناس- للأسف- يعتبرون أن مجرد إذاعة الإعلان دليل على أن الدولة تراقب هذه المنتجات مما يمنحهم ثقة غير مبررة في كل ما يذاع. وحل هذه المشكلة لا يكون بالطبع بقرارات غشيمة تؤدي إلى وقف بث هذه القنوات، ولكن المطلوب هو وضع آلية أو نظام للمراجعة والاطمئنان إلى أن هذه الإعلانات لسلع معروفة ومطابقة للمواصفات، فليس من حق أية قناة أن تذيع الإعلانات دون مراجعة لمحتواها وصدقيتها.. وتكفينا اللغة الركيكة والرديئة التي تقدم بها الإعلانات، وما يصاحبها من حركات مبتذلة ولقطات لا تليق بمجتمع متحضر أو متدين. والواجب على الحكومة أن تسابق الزمن وتستفيد من الإمكانات العلمية والتقنية الحديثة لتعظيم دور الرقابة وفرض هيبة الدولة ومؤسساتها.. لا أن تترك هذه الإمكانات للغشاشين وبائعي الوهم. أفيقوا يرحمكم الله.
abdallah_helal@hotmail.com

http://abdallahhelal.blogspot.com

* الكوارث تحوم حولنا.. ونحن نائمون!

الكوارث تحوم حولنا.. ونحن نائمون!
بقلم د. عبد الله هلال
المصريون 12-10-2010 & الوســـط 31-10-2010
تزايدت وتيرة الكوارث الطبيعية مع التغير الواضح في أحوال الطقس، كما شهدنا في موجة الحر الأخيرة التي كشفت اهتراء مرافقنا. ومن الواضح أن كوكب الأرض ينتظر المزيد من الكوارث بسبب غباء الإنسان (الظلوم الجهول)؛ الذي تسبب في نشر الفساد البيئي في البر والبحر، ليذيق المفسدين بعض الذي عملوا!. ففي روسيا (الباردة) تسبب ارتفاع درجة الحرارة في إضرام النار واشتعال الحرائق في الحقول والغابات.. وفي اليمن والجزائر، وباكستان والصين والهند وغيرهم، تسببت الأمطار الغزيرة والفيضانات في إزالة القرى وتشريد الملايين. وقبل ذلك ضرب الإعصار سلطنة عمان وسبب لها خسائر فادحة.. كما أن الناس لا زالوا يذكرون كارثة تسونامي الرهيبة وما سببته من خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة. والحمد لله كثيرا أن مَنّ علينا بمناخ معتدل وأبعد عنا هذه الكوارث الطبيعية التي لا عاصم منها إلا الله سبحانه وتعالى. ولكن هذا يجب ألا يجعلنا نغفل وننام في العسل، ونعتبر أن بلادنا آمنة ولا نكون مستعدين لمواجهة أية كوارث مفاجأة.
في الدول التي تحترم آدمية مواطنيها هناك هيئات دائمة مدربة وجاهزة للتعامل مع أية ظروف طارئة أو غير طبيعية.. وعندما تحدث كارثة مفاجأة تجد هذه القوات وقد انتشرت بخطة واضحة ومفهومة، وبسرعة عجيبة، لإنقاذ الضحايا وتقليل الخسائر بقدر الإمكان. وهذا لا يتأتى بالطبع دون تدريب كاف ومستمر طوال العام، تدريب عملي حقيقي على كوارث وهمية شبيهة بكل ما هو محتمل من كوارث على اختلاف أنواعها ومصادرها. ولذلك نجد أن ضحايا الكوارث في هذه الدول يكون عددهم أقل ما يمكن، مقارنة بالدول المتخلفة التي تفقد آلاف الأرواح دفعة واحدة، دون داع.
ماذا فعلت حكومتنا (الرشيدة) لتكون مستعدة لمواجهة أية كوارث مفاجأة محتملة؟.. الواقع والخبرات السابقة (الزلزال، حريق قطار الصعيد، حرائق الأبراج المرتفعة، حرائق المصانع، غرق العبارة.. الخ) يشهدان أن مصرنا الغالية المهمَلة غير مستعدة لمواجهة أية كارثة- طبيعية كانت أو مصطنعة بإهمالنا. فحكومتنا لا تحسن التعامل حتى مع الأمطار القليلة التي توقف حالنا وتُظهر عجزنا كمن يغرق في شبر ماء. وأجهزة الدفاع المدني لا نكاد نشعر بها، لأنها إن تدربت تدريبا حقيقيا على كوارث وهمية لابد أن تُشرك الشعب معها؛ كما يحدث في الدنيا كلها.. فمتى وأين حدث ذلك؟.. هذا لا يحدث بالطبع كما يرى كل الناس؛ من المسئول إذاً؟. ولنضرب مثالا لحادث وقع منذ وقت قريب: عندما شب حريق محدود بمخزن مواد خطرة في إحدى المؤسسات العلمية المهمة جاءت عربة المطافئ بخراطيم المياه لتزيد الطين بلة وتنشر وتزيد التلوث بدلا من أن توقفه، وكان ينبغي استخدام المسحوق للإطفاء بدلا من الماء لأن هذه المواد الخطرة تذوب في الماء وتتحرك معه لتنتشر في المكان، ولكن رجال الإطفاء (وهم بالمناسبة مقيمون بالموقع نفسه وكان الواجب تدريبهم بما يناسب المكان المتواجدين فيه) لم يكونوا على دراية بفنون الإطفاء ولا بأي شيء.. وتبادل الطرفان اللوم والاتهامات بالمسئولية عن الخطأ؛ حيث قال الإطفائيون: أنتم لم تخبرونا أن الإطفاء بالماء خطر، وقال المختصون بالمكان: كنا نظن أنكم إطفائيون متخصصون!. وهذا يدل دلالة قاطعة على أن أجهزة الدفاع المدني في بلادنا مجرد (ميراث من الماضي الجميل) وأنها لا تتدرب، وأنها ليست مستعدة ولا جاهزة لفعل أي شيء.. وهذا أمر خطير للغاية، ولكننا لا نشعر بخطورته إلا بعد وقوع الكارثة. وقد تعودنا على أخبار مفزعة مثل: حريق كبير بمصنع كذا والخسائر بالملايين، انهيار منزل بمدينة كذا ومقتل العشرات، غرق ركاب حافلة سقطت في ترعة أو مصرف زراعي.. وتتوالى مثل هذه الحوادث المخجلة دون أن يسأل مسئول نفسه؛ ما هي أوجه التقصير أو الخلل التي تسببت في تلك الكوارث المتعاقبة والمتكررة؟، ولماذا تحصد هذه الحوادث الكثير والكثير من الأرواح؟، وهل من سبيل لتقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات؟. إذا لم يكن هناك من يشغل نفسه بمثل هذه القضايا، فما هي الجدوى من وجود حكومة؟!.
• يا أهل الحكم؛ الكوارث ليست بعيدة عنا، وحتى إذا كنا في مأمن نسبيا من الكوارث الطبيعية، فما يحدث عندنا من كوارث مصطنعة، نتيجة انعدام التخطيط والإهمال واستبعاد أهل الخبرة لحساب أهل الثقة؛ يزهق أرواح الآلاف دون داع.. ألا يستحق الأمر الدراسة واستخلاص العبر، والاستعداد الجدي والتدريب الحقيقي؟!.

abdallah_helal@hotmail.com

http://abdallahhelal.blogspot.com
/

الاثنين، ٢٧ سبتمبر ٢٠١٠

* السودان.. يا عرب!


السودان.. يا عرب!
(مصر والسودان.. بين فكي الكماشة الصهيونية!)

بقلم د. عبد الله هلال


هل هي عادة عربية لتضييع الفرص والتفريط في الوطن والمقدسات والثروات؛ ثم البكاء على اللبن المسكوب؟.. أم هي الانهزامية والتسليم الكامل للأعداء ليفعلوا بنا ما يشاءون؟. لم يعد هناك مجال للشك في أن الحلف الصهيوني الغربي بقيادة أمريكا يستهدف المسلمين دينا ووطنا وثقافة.. كل الأحداث تشير إلى أن ما يحدث لنا منذ عقود هو استئناف للحرب الصليبية دون إعلان رسمي، وتحت لافتات مخادعة كالإرهاب. الجيوش الصليبية منتشرة في أوصال أوطاننا، ولا تكُفًّ يوما عن قتل المدنيين العزل؛ من فلسطين، إلى العراق، إلى أفغانستان وباكستان، وإلى الصومال واليمن، وإلى سوريا ولبنان، وقبل ذلك ليبيا والسودان.. الخ... ولا تكف هذه الأوطان عن الاحتفال بأعياد الاستقلال!.
ولعل أخطر ما في هذه الحرب الصليبية الثانية هو سياسة تقسيم المقسَّم للوطن الإسلامي.. لم تكفهم حدود سايكس بيكو، إذ وجدوا أن هناك دولا كبيرة تستطيع شعوبها- إن نالت حريتها يوما- أن تكون دولة قوية تجمع حولها أشقاءها وتعرقل خطط ومؤامرات الحرب الصليبية الثانية؛ ألم يفعلها صلاح الدين الأيوبي في ظروف مشابهة؟!. لذا فقد وضعوا خططهم لتقسيم كل الكيانات الكبيرة مثل مصر والعراق والسعودية والسودان وإندونيسيا وباكستان وإيران، بل وحليفتهم تركيا. وترتكز الطريقة الشيطانية لتحقيق ذلك على سياسة استغلال الاختلافات العرقية والدينية والمذهبية. لم ينسوا أن الإسلام استطاع من خلال دولة الخلافة الإسلامية أن يجمع كل هذه المتناقضات في دولة موحدة لا فرق فيها بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.. دولة استوعبت كل اللغات، وصهرت كل العرقيات والقوميات، واحترمت كل الديانات؛ فانتصرت وتوسعت بالفتوحات المرحب بها وحققت العدل والرفاهية للجميع. لابد إذاً من تأجيج كل هذه الاختلافات والنفخ في نيرانها لتسهيل التقسيم ولمنع توحد المسلمين مرة أخرى. وهذا كله واضح وضوح الشمس، وتتم مناقشته بيننا والتحذير من نتائجه الكارثية، بل وبدأنا نكتوي بناره.. والأنظمة الحاكمة في غيبوبتها مستسلمة استسلاما كاملا شاملا أمام الأعداء. فها هو العراق؛ لم يقسم فعليا أو رسميا، ولكنهم استطاعوا- في ظل الاحتلال- أن يقسموه واقعيا بين القوميات والمذاهب في ظل خلافات يستحيل تجاوزها، وخير دليل على ذلك الفشل في تشكيل الوزارة لشهور عديدة.
أما عن السودان المهمل عربيا، فحدث ولا حرج.. فهي دولة بكر كل شيء فيها يدعو إلى الطمع والتنمُّر من قِبل المستعمرين الجدد. فالسودان دولة واسعة مترامية الأطراف، خيراتها كثيرة وإن كانت غير مستغلة جيدا، والأهم أنها ميدان للربط بين الشمال العربي المسلم والجنوب الأفريقي الوثني الذي يتحول شيئا فشيئا للإسلام. وبالطبع كان لابد من كسر هذه الرابطة، وتقسيم السودان المتمرد على الغرب إلى دويلات يسهل ابتلاعها وسرقة واستغلال خيراتها.. ناهيك عن وقف المد الإسلامي. ولم يكن صعبا أن تحاك المؤامرات لزرع الفتن في أرجاء السودان شرقا وغربا وجنوبا؛ لتشجيع الانفصال وتقطيع أوصال الدولة. ولا شك أن الأعداء المتآمرين استغلوا الغياب المصري والعربي واستثمروا ضعف إمكانات الدولة السودانية في بسط سيطرتها على تلك المساحات الشاسعة، وأخذوا يدعمون الأطراف المرشحة للانفصال علنا.. والعرب في النفط نائمون!.
لم يدرك العرب أن تقسيم السودان سوف يكون مقدمة لتقسيم العديد من الدول العربية، ولم يفهم العرب أن ضياع السودان (بوابتهم الجنوبية) سوف يضعهم مستقبلا في مآذق عديدة يصعب بل يستحيل تجاوزها، ولم ينتبه العرب إلى المصائد التي تعد لهم لخلق مشكلات اقتصادية واجتماعية من جراء ندرة المياه وضعف وانهيار الإنتاج الزراعي.. والتي ليس لها حل سوى الاتجاه للاستثمار في السودان الذي وصف بأنه "سلة غذاء العالم العربي".
لماذا يصمت العرب على مؤامرات تقسيم السودان، وهي موجهة لهم قبل السودان؟.. ألم يرو كيف يصر الحلف الصهيوني الغربي على فصل جنوب السودان، ويعلنها قادة أمريكا صراحة، ويحشد أوباما لهذا الغرض الخبيث 48 دولة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة؟. لماذا لم نجد حاكما عربيا يرد على ذلك ولو بالتساؤل: ما هي المصلحة في تقسيم دولة عضو في الأمم المتحدة؟، وماذا يحدث لو طالب البعض مثلا بفصل ولاية فلوريدا عن الولايات المتحدة، أو بإلغاء الاتحاد الأوربي؟. كان بوسع العرب أن يوجهوا جزءا من أموالهم المكتنزة للاستثمار في جنوب السودان المتعطش للتنمية والوظائف والخدمات.. لو وجد الجنوبيون أن مصلحتهم في الوحدة لما استجابوا لهذه المؤامرات الغربية.
إن انفصال الجنوب السوداني سوف ينشئ دولة خنجر في ظهر العرب، مثل الكيان الصهيوني تماما، لأن ولاءها لن يكون إلا لهذه القوى المغرضة التي ساعدتهم، وجاءت لهم بما يعتبرونه ‘الاستقلال‘ وهو في الحقيقة ‘الاستغلال‘.. كما ينطقونها. وإذا كان اللوم يقع على العرب أجمعين لإهمالهم وتقصيرهم وضعف بصيرتهم، فاللوم الأكبر يقع على الشقيقة الكبرى مصر، المتضرر الأول والأكبر.. لأن الانفصال يزيد من مشكلاتنا مع دول منابع النيل، ومهما قدمنا من رشا لقادة الانفصال فلن يكون ولاؤهم لنا، وهذا بديهي لمن يفهم أو يعقل. ولا شك أن إضعاف الدولة السودانية (بالانفصال) يضعف مصر، كما أن ضعف مصر هو الذي أضعف السودان وعرضه لما يتعرض له.
إن المؤامرة كبيرة وخطيرة، ومازال أمام الحكومة السودانية أن تصالح أهل الجنوب وتمد لهم يد الصداقة والتعاون؛ وإن كان قد فاتها أن تفعل ذلك أثناء الانتخابات السودانية الأخيرة.. كان ينبغي إشراك أهل الجنوب بصورة أكبر في حكم الدولة، حتى وإن أدى ذلك إلى خسارة الحزب الحاكم، فخسارة مقاعد السلطة أهون كثيرا من اقتطاع وخسارة جزء كبير ومهم من أرض الوطن. مازال في يد الحكومة السودانية أن تجري إصلاحات سياسية ودستورية تطمئن النخبة الجنوبية أن لهم نصيبا من الثروة والسلطة، لأن هذه النخبة هي التي تنفخ في نار الانفصال. كما لابد من تنشيط وتحريك أهل الجنوب المقيمين في الشمال والمستفيدين من الوحدة.. وتوضيح أن الانفصال سوف يكون وبالا عليهم، إذ نلاحظ أن الجنوبيين يسيرون المظاهرات والمسيرات المطالبة بالانفصال ولا نجد بالمقابل مسيرات تؤيد الوحدة.. كما ينبغي غلق الأبواب أمام المتآمرين على السودان، وعدم تمكينهم من دخول البلاد وتأجيج الفتن. أين سلطة الدولة؟، ولماذا تصمت ولا تحتج على تصريحات المنادين والمشجعين لانفصال الجنوب؛ مثل أمريكا وحلفها. أين مؤتمرات الرئيس البشير الذي أكثر منها في طول البلاد وعرضها ليرد على وقاحة أوكامبو والمحكمة الدولية؟. لو كان لدى العرب قليلا من العافية والإدراك والشعور بالمسئولية لأنذروا هذه الدول المتآمرة بأن تشجيع الانفصال سوف يؤدي إلى التأثير على العلاقات الاقتصادية والسياسية معهم؛ فالدنيا مصالح متبادلة.. ولكن أين هم العرب؟، وأين الجامعة العربية؟.
أما عن إخواننا في جنوب السودان؛ فندعوهم إلى تحكيم العقل بدلا من العاطفة وحسابها بالمنطق والمكسب القريب والخسارة البعيدة.. فالانتماء إلى دولة كبيرة غنية أفضل بكثير من الانتماء إلى دويلة فقيرة مطموع فيها وتعيش على المعونات التي يستحيل أن تدوم. صحيح أن هناك مشكلات سياسية واقتصادية حاليا، ولكن من قال إنها ستستمر إلى ما لا نهاية؟.. إن الشعوب في العصر الحديث بدأت تتحرر شيئا فشيئا، والإصلاح السياسي بالمنطقة كلها قادم بلا محالة، وساعتها سوف يكون هناك سودان كبير قوي يعيش أبناؤه في عزة ورفاهية، والأمم الذكية تتوجه هذه الأيام إلى الاتحاد في كيانات كبيرة، مثل الاتحاد الأوربي، وانتماء السودان إلى عمقيه الأفريقي والعربي يجعل منه قوة إقليمية لا يستهان بها.
• وختاما نذكر أهلنا في الجنوب بدويلة (تيمور الشرقية) التي شجعها الغرب على الانفصال لإضعاف اندونيسيا، ثم تركها تعاني الفقر والمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. لدرجة أن البعض هناك ينادي بالعودة إلى الاندماج مع اندونيسيا. كما نذكرهم بخسارة السودان نفسه عندما صوت السودانيون بالانفصال عن مصر.. والتاريخ يعيد نفسه، فهل من معتبر؟.

الأربعاء، ١٨ أغسطس ٢٠١٠

* قف في ربوع المجد وابكِ الأزهرَ...!

قف في ربوع المجد وابكِ الأزهرَ...!

بقلم: د/ عبد الله هلال
وكأني أرى الشاعر الراحل هاشم الرفاعي يقف في فناء الأزهر، بعد كارثة تسليم كاميليا المسلمة إلى جلاديها قبيل إشهار إسلامها، ليصرخ من جديد في وجه المتخاذلين المفرطين؛ قائلا:
قف في ربوع المجد وابك الأزهرا..... واندبه روضًا للمكارم أقفرا

واكتب رثاءَكَ فيهِ نفثةَ موجَعٍ..... واجعل مدادَكَ دمعَك المتحدرا

المعهد الفردُ الذي بجهاده..... بلغت بلاد الضاد أعراف الذُّرَى

سار الجميع إلى الأمام وإنه..... في موكب العلياء سار القهقرَى

وليت أزهر اليوم مثل الأزهر يوم صرخ الشاعر هذه الصرخة الباكية، فالفرق كبير للأسف. رحم الله هاشم الرفاعي، ورحم شيوخ الأزهر القدامى الذين حافظوا على استقلال الأزهر ونقائه، أو كما قال شاعرنا نفسه: (عاشوا أئمة دينهم وحماته..... لا يسمحون بأن يباع ويشترى). فبعد نشر صحيفة (المصريون) لقصة إسلام "كاميليا شحاتة" زوجة كاهن دير مواس وحادثة اختطافها واختفائها، تبين أن الأزهر الشريف للأسف هو المُدان الأول في هذه المأساة، رغم إدانتنا للحكومة وأجهزة الأمن والكنيسة.. إذ كيف يتحول الأزهر (الشريف) من ملاذ آمن لمن اختارت الإسلام دينا- اختيار شخصي بحرية كاملة، وسافرت مئات الأميال لتوثق إسلامها وتحمي نفسها.. كيف يتحول إلى مصيدة لاختطاف سيدة رغما عنها ومنعها من إشهار إسلامها؟. هل نسي شيوخنا الكرام الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا....)؟. إن ما حدث من قرصنة وخطف يخالف كل الشرائع والأعراف والقوانين، ويدل على انتهاء دور الدولة المصرية كدولة مستقلة، كما يلغي تماما دور الأزهر التاريخي والشرعي كجهة معتمدة لإشهار الإسلام.. ويعلم شيوخنا الأفاضل أن اعتناق الإسلام لا يحتاج إلى شهادة وأختام، فهذه وسيلة إدارية بحتة لمن يحتاج إلى وثيقة كإجراء روتيني، وشهادة الإشهار على أهميتها الإدارية ليست لها أهمية شرعية، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وهناك الآلاف ممن أسلموا لله ويكتمون إيمانهم بسبب هذه المشكلات، والإرهاب الذي يتهددهم. وكان واجب الأزهر كما تأمرنا الآية الكريمة أن يُحسن استقبال الأخت المسلمة ويستضيفها ويدافع عنها. ولا شك أن هذه الحادثة المؤسفة سوف تؤدي إلى إلغاء دور الأزهر كجهة معتمدة لإشهار الإسلام، إذ يكفي من يريد الدخول في الإسلام ترديد الشهادتين بمساعدة إمام أقرب مسجد لبيته، وليفرح مشايخ الأزهر بضياع ما تبقى له من دور!.. وسوف تبرز بالطبع عشرات الجهات الخيرية التي تستطيع ملئ هذا الفراغ الخطير. ونعود فنردد قول هاشم الرفاعي:
لهفي على صرحٍ تهاوى ركنه..... قد كان نبعاً بالفخار تفجَّرا

إن أخطر ما في هذه الحادثة ومثيلاتها أن حكومتنا الغبية استسلمت لمخططات الحلف الصهيوني الأمريكي بتقسيم كل الكيانات الإسلامية الكبيرة، وهم يعلمون علم اليقين أن مصر بطبيعتها تعتبر عصيّة على هذه المخططات، نظرا لتميزها بكونها بوتقة لصهر كل الطوائف والقبائل والأديان وإنتاج شعب أقرب إلى التجانس. وكانت تغيظهم دوما ميزة التسامح والعلاقات الحميمة التي تربط بين المسلمين والمسيحيين على مر العصور، بحيث لا يستطيع المراقب أن يميز بين المسلم والمسيحي. وتختلف مصر عن أغلب دول المنطقة والعالم في هذه الميزة، ففي العراق مثلا هناك طائفة معروفة من أصل تركي، لهم كيانهم التركماني المشهور ولم ينصهروا في دولة كبيرة وقديمة مثل العراق.. وهنا في مصر من الأتراك ما يفوق عددهم في العراق- ومنهم جدتي رحمها الله والتي كانت تفاخر بمصريتها، ولكن أين هم الأتراك الآن؟، لقد اندمجوا في الشعب المصري مثل غيرهم بحيث لا تستطيع أن تميز بين المصري ذي الأصول الفرعونية والمصري ذي الأصول التركية أو العربية، وهناك أيضا الأرمن واليونانيين وغيرهم. هذه الميزة جعلت من مصر على مر التاريخ كيانا قويا شامخا يستحيل تقسيمه على أساس عرقي أو طائفي. ولكن الحلف المعادي لم ييأس، ففكروا في النوبة جنوب مصر وفشلوا بالطبع، ولم يعد أمامهم سوى الفرز الطائفي على أساس ديني. ولا شك أن هذه مهمة صعبة، ولكنهم وجدوا ضالتهم فيما سمي أقباط المهجر.. هؤلاء الذين عاشوا بعيدا عن الوطن المتسامح ووجدوا من يزرع فيهم التعصب الأعمى، ولم يرفضوا أن يكونوا أبواقا للحلف الصهيوني الأمريكي، وأداة من أدواته، على عكس الأغلبية العظمى من أهلهم في داخل الوطن، الذين يبادلون المسلمين ودا بود وتسامحا بتسامح. ولقد تطرف هؤلاء المهاجرون المتعصبون لدرجة (إعلان الحرب) على الأغلبية المسلمة بادعائهم أن المسلمين المصريين عرب محتلون ينبغي طردهم إلى الجزيرة العربية!، ولم يخفوا تحالفهم الآثم مع العدو الصهيوني والاستقواء به وبأمريكا، وبدأوا يتجرأون ويعلنون عن هذه التخاريف، فضلا عن (إعلان الحرب)، كما أسلفنا.. وعلى الرغم من ذلك لم تتأثر الأغلبية المسلمة بهذا اللعب بالنار، ولم تتأثر بالتالي العلاقات الحميمة بين المسلمين والمسيحيين.
ولكن لا شك أن هناك نسبة من التأثير السلبي لهذه المؤامرات على الداخل المصري.. فالتعصب الأعمى لابد أن يقابله تعصبا أعمى كرد فعل طبيعي، ولا يختلف اثنان على أن التعصب يعمي البصر ويلغي العقل ويجعل المتعصب الجاهل ألعوبة هشة في يد من يحركه. وبالطبع فكلما ازداد عدد المتعصبين كلما سهل للحلف المعادي أن يغذي الشحن الطائفي، والمطلوب في النهاية الوصول إلى حالة من الفرز الطائفي ليسهل صب الوقود على النار وإشعال الحرائق التي تزيد من حالة اللاوعي وتغييب العقل. وعلى الرغم من تسليمنا بأن التعصب صار مزروعا على الجانبين الإسلامي والمسيحي، إلا أن بعض المسئولين في الكنيسة المصرية لم يتعاملوا مع هذه المشكلة بالحكمة المطلوبة، ومنهم من تبنى تخاريف أقباط المهجر، وطفا على السطح اتجاه غريب لاستغلال ضعف الحكومة في تغذية الفرز الطائفي، وشحن الشباب في اتجاهات خاطئة، والتهديد بالتظاهر بمناسبة ودون مناسبة، مما يزيد من التعصب ويقلل من الرشد والحكمة. وأغرب ما في هذا الاتجاه العجيب هو التسرع في اتهام المسلمين (بخطف) الفتيات أو السيدات المسيحيات، كلما غضبت زوجة من زوجها وتركت البيت، أو كلما أسلمت مسيحية!. هل من المعقول أن تترك سيدة بالغة راشدة دينها هكذا بسهولة لمجرد خطفها- كما يدعون- أو التحدث معها؟، فما بالك لو كانت زوجة كاهن؟!.. وهل انعدمت الوسائل للحديث مع هذه السيدة أو تلك للتأكد من (عدم خطفها!) وأنها تصرفت واتخذت قرارها بحرية كاملة؟. لا أدري ما هو المطلوب من المسلمين بالضبط عندما تطلب زوجة كاهن أو غيرها اعتناق الإسلام؟، هل من حق أحد أيا كان أن يسلبها حقها الإنساني في اختيار الدين الذي ترتاح له؟، وإذا كان الكاهن نفسه لم يستطع أن يقنع زوجته وشريكة حياته بالبقاء في دينه.. فماذا يستطيع غيره أن يفعل؟. إن التعامل مع هذا الموضوع بعصبية و (زرزرة) لن يزيد المشكلة إلا تعقيدا.. لأن موضوع اعتناق الإسلام لن ينته، وقد ازدادت هذه الظاهرة حتى في الغرب بعد الحملة الإرهابية على الإسلام كدين بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فمعروف أن من يقرأ عن الإسلام ويتبين حقيقته- بعيدا عن التزوير والتدليس والتشويه المتعمد- يتجه فورا إلى اعتناقه. كما أن هذه الظاهرة لم تتوقف يوما في مصر، سواء أعلن المعتنق إسلامه أو كتم إيمانه.. خصوصا وأن التحول من أي دين سماوي إلى الإسلام لا يعتبر كفرا بالدين السابق لأن الإسلام يفرض الإيمان بالرسل السابقين وبكتبهم، أي أن اعتناق الإسلام مجرد إضافة وزيادة في الإيمان بالخالق سبحانه، وليس ردة عن الدين الأصلي. فإذا كان العنف الذي تمارسه الكنيسة مع معتنقي الإسلام يهدف إلى إرهاب الآخرين لوقف هذه الظاهرة فأين الدولة؟، وأين منظمات حقوق الإنسان؟.
إن الاستجابة لمخططات زيادة التعصب والفرز الطائفي لن تفيد أحدا؛ بل إن خطورتها وأضرارها مؤكدة، والنار عندما تنتشر فجأة فهي تحرق اللاعبين بها أولا.. والوطن المظلوم من أبنائه لا يمكن في ظروفه السيئة الحالية أن يتحمل هذا العبث. اتقوا الله في مصر وفي شعبها.

الخميس، ١٢ أغسطس ٢٠١٠

* برنامج الاتجاه المعاكس- قناة الجزيرة

دخول إيران النادي النووي (25/4/2006)

دوافع التحركات العربية ضد مساعي إيران النووية
...........................................................
فيصل القاسم: جميل جدا، الدكتور عبد الله هلال من القاهرة، تفضل يا سيدي.

عبد الله هلال- القاهرة: السلام عليكم ورحمة الله.

فيصل القاسم: وعليكم السلام تفضل يا سيدي.

عبد الله هلال: تحية لكم وللسادة المشاهدين جميعا.

فيصل القاسم: أهلا وسهلا.


عبد الله هلال: الحقيقة الحوار ابتعد قليلا عن موضوع الحلقة ولكن أود أن أقول إن الحلف الصهيوني الأميركي لجأ إلى الخداع والتزوير وإيهام العرب بخطورة امتلاك إيران للسلاح النووي وأن هذا السلاح سوف يكون خطرا على العرب أنفسهم، فهل صحيح أن امتلاك إيران للمعرفة النووية أو حتى للسلاح النووي يشكل خطرا على العرب؟ وهل من حق الحلف الصهيوني الأميركي أو غيره منع العرب والمسلمين أو غيرهم من امتلاك السلاح النووي كأداة ردع ضد من يهدد وجودهم بالترسانات نووية؟ قبل أن نجيب على هاذين السؤالين هناك ما يعرف بالاستراتيجية النووية.. هذه الاستراتيجية تسعى الدول المستهدفة من عدو.. أي عدو إلى تحقيقها وترتكز على أربعة خيارات، الخيار الأول منع العدو من امتلاك السلاح النووي بكافة الوسائل الممكنة حتى وإن أدى ذلك إلى تدمير المنشئات النووية للعدو وقد فعلت ذلك إسرائيل عام 1981 ضد المفاعل النووي العراقي وقبلها في أحد الموانع الفرنسية ضد مفاعل عراقي أيضا وحاولت أيضا ضد مصر أثناء حرب الاستنزاف ولكن أخطأت الهدف ودمرت مصنع مجاور، الخيار الثاني إذا لم تتمكن الدولة من منع العدو من امتلاك السلاح النووي.. الواجب عليها السعي لامتلاك هذا السلاح وقد فعل ذلك في عدد كثير من الدول الاتحاد السوفيتي وكوريا وحتى باكستان أخيرا، الخيار الثالث إذا عجزت الدولة عن تحقيق أحد الخيارين السابقين فيجب عليها امتلاك خيار بديل يصلح رادعا لمنع العدو من استخدام سلاحه النووي مثل الأسلحة الكيميائية أو حتى الأسلحة التقليدية بشرط استخدامها بكثافة بطرق يعني تستطيع أن تردع العدو بحيث يفهم أن الرد سوف يكون موجعا ولا قبل له به، الخيار الأخير..

فيصل القاسم: باختصار لو سمحت، باختصار.

عبد الله هلال: لحظة بس، الخيار الأخير إذا كانت الدولة عاجزة عن تحقيق أي من الخيارات السابقة فعليها اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستيعاب الضربة النووية وتقليل الخسائر بقدر الإمكان كي تظل على قيد الحياة وهذا خيار العاجز، الواقع أن كل الدول العربية عجزت عن التفكير في الاستراتيجية النووية على الرغم من أن الكيان الصهيوني يمتلك السلاح النووي ويهدد الجميع بلا شك لأنه يعني ببساطة شديدة هذه العصابة الصهيونية لا يمكن أن تشعر بالأمان أو الراحة ما بقي عربي على قيد الحياة، فاللص بالطبع لا يمكن أن يستمتع بالنوم في البيت المسروق والآن نجيب عن السؤالين.. هل من حق العرب والمسلمين امتلاك السلاح النووي؟ هذا سؤال استراتيجي مهم بالطبع، فمادام هناك عدو يمتلك سلاحا فتاكا فمن السذاجة النوم والتغافل عن هذا الموضوع، لابد من وجود رادع..

فيصل القاسم: طيب باختصار، تريد.. ماذا عن إيران؟ أرجوك دون أن نسرد كل هذا الكلام، يعني هل من حق.. ليس من حق إيران.. من واجب إيران أن تمتلك وكيف يمكن أن تستخدم سلاحها؟

عبد الله هلال: كيف يمكن أن تستخدم سلاحها؟

سرمد عبد الكريم: ضد من؟

فيصل القاسم: ضد من؟

عبد الله هلال: أولا لا يمكن.. يعني ده سؤال مهم، هل يمكن أن تهدد إيران جيرانها العرب بالسلاح النووي؟ السؤال ده لا محل له لأنه لا يمكن لدولة أن تستخدم سلاحا نوويا ضد جيرانها لأن أكبر مشكلة لاستخدام هذا السلاح هي التلوث الإشعاعي الناشئ عنه والذي ينتشر خلال مساحة واسعة جدا ويستمر لأزمان طويلة، فالتدمير والحرق وخلافه مقدور عليه طبعا ويحدث بالأسلحة التقليدية أما التلوث الإشعاعي فهو المشكلة الأخطر والتي لا سبيل لمواجهتها بسهولة، حادثة تشرنوبل مثلا خير مثال وكلنا نعلم ماذا حدث بعد تشرنوبل، لذلك..

فيصل القاسم: طيب أشكرك جزيل الشكر، وصلت الفكرة، سيدي سمعت هذا الكلام.. أنا أسأل سؤال وذكره يعني الأستاذ أنيس قبل قليل بخصوص إنه.. يعني لماذا ثارت برأيك الآن ثائرة العرب فجأة ضد السلاح وضد القدرة النووية يعني لمجرد أنه إيران امتلكتها؟ يعني مثلا وزير الخارجية المصري.. مصر لن تقبل بوجود قوى نووية عسكرية في المنطقة، الإعلام العربي بدأ يتحرك شيئا فشيئا ضد إيران، لماذا كانوا ساكتين كل هذا الوقت عن مائتي رأس نووي إسرائيلي والآن أحسوا بإيران؟ لماذا يعني لماذا بدؤوا يتحدثون عن الجزر المحتلة؟ عندما كان الشاه موجودا لم يتحدث أحد لا عن الجزر المحتلة، أحد الأنظمة العربية قال عن الجزر المحتلة هذه شوية صخور.. شوية صخور، ليش الآن أصبحت الجزر مهمة وليش صار السلاح خطر وصار كذا؟ القصة وما فيها أنه السلاح ضد إسرائيل والأنظمة العربية ربطت مصيرها بمصير إسرائيل.

سرمد عبد الكريم: يا دكتور إسرائيل في المنطقة صار لها خمسين سنة.. ستين سنة ومنذ الخمسينات إسرائيل عندها السلاح النووي وهذا ليس سرا وتستخدم إسرائيل هذا السلاح معروف وهناك معارضة عربية واضحة وعلنية لهذا الكلام من بداية أيام المرحوم عبد الناصر وصولا إلى هذه الأيام، كل المناسبات الدولية واللقاءات تطالب بنزع السلاح أو السيطرة على السلاح الإسرائيلي، لكن لم نتعرض في هذه الفترة لتهديد فعلي إسرائيلي ذري على المنطقة على الأقل..

فيصل القاسم: ومن قال إنك ستتعرض من الإيرانيين؟

سرمد عبد الكريم: لا طبعا..

فيصل القاسم: الدكتور عبد الله هلال قبل قليل بالمناسبة.. الدكتور عبد الله هلال علم نووي..

سرمد عبد الكريم: أهلا وسهلا..

فيصل القاسم: يقول لك إنه من المستحيل أن تستخدم هذه الأسلحة ضد العرب لأسباب يعني هو يعرفها أكثر منا..

سرمد عبد الكريم: أنا ما يهمني.. هو رجل متخصص نوويا على عيننا ورأسنا لكن إحنا عندنا الأهداف الاستراتيجية الإيرانية، ما يهمنا بهذا الوضع السلاح النووي الإيراني هذه المناورات اللي سبقت الإعلان بيومين أو ثلاثة وحدثت في المنطقة، هذه الصواريخ اللي أرسلت باتجاه قطر وأرسلت باتجاه الإمارات وباتجاه الكويت، ما هذه الصواريخ؟ وما الهدف من هذه المناورات؟ ولماذا في هذا الوقت؟ ولماذا هذا التسليح؟ ولماذا هذه الغواصات اللي تم شراؤهم وملئ الخليج فيها؟ هل المقصود فيها أميركا؟ الأسطول الخامس الموجود في الخليج؟ هل هي ضد أميركا؟ وهل هذه الصواريخ ستصل أميركا وتصل أوروبا؟

فيصل القاسم: يا رجل أنت تتحدث عن دول الخليج كما لو كانت تشكل تهديدا لإيران وإيران تريد أن تهاجمها، هذه الدول العربية لا أحد يستطيع أن يهدد إيران..

سرمد عبد الكريم: لا مو هذه القضية، يا دكتور عندهم مشكلة الإيرانيين وهذه مشكلة خطيرة.. أولا النفط الإيراني نفط ناضب ووفق الدراسات سينضب يعني في المستقبل القريب وتصبح إيران خارج النادي النفطي إن صح التعبير ومن ضمن أهدافها الاستراتيجية تأمين مصادر بديلة وهي تتحدث عن المصادر النووية كونها على أساس مصادر للطاقة لكنها عينها على أهم مصدر نفطي في المنطقة اللي هو المصدر النفطي العراقي اللي هو نفط مهم جدا وجيد واحتياطي هائل والنفط السعودي والنفط الكويتي والنفط الإماراتي، هذه المناطق النفطية هي البديل المحتمل لديمومة الحياة سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو بالنسبة لإيران فلذلك إيران تريد أن تفرض نفسها بالمنطقة وأنا عندي معلومات.. وتستطيع وزارة الخارجية العراقية ترجع إلى أرشيفها، عندي معلومات مؤكدة بأنه أثناء المفاوضات الأخيرة التي جرت قبل سقوط النظام طالبت إيران.. السيد خرازي وزير الخارجية الإيراني السابق، طالب الحكومة العراقية بالتنازل عن أحد حقول النفط رسميا هذا موجود بالمحاضر ورفضت الحكومة العراقية هذا الطلب وعندما احتلت إيران حقل مجنون قالت إيران في ذلك الوقت بأنه إحنا صرنا دولة نمتلك احتياطي هائل أكبر احتياطي في المنطقة هو احتياطي مجنون، أنا أقول بأنه إيران لديها حساباتها الخاصة ولا يهم..
....................................................................................

* حلــول علميـة لمشـكلة الحــر

حلــول علميـة لمشـكلة الحــر

بقلم‏:‏ د‏.‏ عبدالله هلال

الأهرام م 24-6- 2008- الوســـط 12-8 -2010- المصريون 28-8-2010

تتميز بلادنا بالطقس الدافئ والشمس الساطعة طوال العام‏..‏ وهناك علاقة مفهومة بين الطقس الحار والكسل وضعف الإنتاج‏,‏ وبين الطقس البارد والنشاط وزيادة الحركة وبالتالي زيادة الإنتاج لذا فإننا غالبا ما نجد الشمال متقدما علي الجنوب‏...‏ وليس ذلك بالطبع هو العامل الوحيد الذي يحكم مستوي التقدم والتخلف‏,‏ ولكنه أحد العوامل المهمة ولقد شهد الجنوب حضارات متفوقة علي الشمال في مراحل مختلفة من التاريخ‏,‏ ومنها الحضارة المصرية القديمة والحضارة الإسلامية‏,‏ عندما وجد الإنسان القوي الذي يتغلب علي العوامل الجوية متسلحا بإيمانه‏,‏ ومستخدما عقله وذكاءه للتكيف مع الطقس الحار‏.‏

وقد كنا حتي وقت قريب‏,‏ وقبل أن نصاب بآفة التغريب‏,‏ نعيش في الطقس نفسه ذي الصيف الحار دون أن نعاني ما نعانيه الآن من هذا الجو الملتهب بالحرارة العالية‏.‏ كانت بيوتنا مصممة بحيث تناسب أجواء بلادنا‏..‏ كنا نستخدم خامات البيئة العازلة للحرارة‏,‏ وكانت المباني مرتفعة لتوفر كتلة مناسبة من الهواء البارد‏,‏ والنوافذ طولية متوازية لتحدث تيارا هوائيا باردا مع قليل من الشمس‏..‏ وكان الحرص علي أن تكون بعض الشرفات والنوافذ تطل علي الاتجاه البحري التماسا لنسمة هواء باردة ولذلك فقد كنا نعيش دون مكيفات أو مراوح وفي جو أفضل بكثير جدا من طقس هذا الزمن الردئ وعندما جاء الخواجة ليقلب حياتنا رأسا علي عقب فقد سرنا في ركابه معصوبي العينين دون أن نميز بين ما يمكن أن ينفعنا وما يضرنا‏..‏ فالخواجة بلاده باردة لا تري الشمس إلا نادرا ولذلك ـ وسعيا إلي الدفء ـ فقد قام بتصميم بيته علي عكس بيوتنا القديمة حيث ضيق المساحة وانخفاض المباني وكثرة الزجاج وقلة النوافذ المفتوحة‏,‏ وهو الطراز المعماري المعروف بعلبة الكبريت والذي نطلق عليه‏(‏ الحديث‏)!‏ والواجب أن نسميه الردئ‏.‏

والمستفيد الوحيد من ترك طرازنا المعماري الجميل المناسب لطقسنا واستبدال الطراز الغربي به هو الخواجة نفسه‏,‏ حيث يبيع لنا المراوح والمكيفات وأنواع الزجاج والألمنيوم الفاخر‏,‏ كما يستفيد من حالة الكسل وضعف الإنتاج بسبب الحر ليصدر لنا كل شئ‏!!‏

والآن ماذا يمكن أن نفعل بعد أن ابتلعنا الطعم وأصبح لدينا ملايين الشقق الرديئة التي لا تصلح للسكن صيفا دون مكيفات ومراوح تستزف الاقتصاد الوطني في ثمنها والطاقة العالية التي تستهلكها؟ وماذا يفعل المساكين الذين يعيشون في الأدوار الأخيرة أو الشقق‏(‏ القبلية‏)‏ ولا يستطيعون توفير أدوات التكييف أو ثمن الطاقة الكهربية؟ وما الدور الذي ينبغي أن تقوم به الإدارات المحلية لتوفير الراحة للمواطنين‏,‏ وبالتالي زيادة الإنتاج‏,‏ ووقف استنزاف الاقتصاد الوطني دون داع؟

هذه أسئلة مهمة تتحمل الجامعات والهيئات العلمية مسئولية الإجابة عنها‏,‏ وسوف نسهم في اقتراح الحلول‏..‏ مع ملاحظة أن وزارة الكهرباء تشكو زيادة الأحمال علي شبكات الطاقة الكهربية بسبب هذا الطقس الملتهب‏,‏ ولو كنت من وزير الكهرباء لجعلت قضية العودة إلي طرازنا المعماري الذي يناسبنا أولوية أولي تسبق المسئولية المباشرة للوزارة في توفير متطلبات المواطنين من الطاقة الكهربية‏...‏ لانه لا يجوز أن تقوم وزارة بالبناء وتقوم وزارة أخري بالهدم‏,‏ فوزارة الكهرباء تجتهد في توفير محطات إنتاج الطاقة ووزارة الإسكان تستنزف بتصميماتها المستوردة هذه الطاقة‏..‏ وهذه بعض المقترحات‏:‏

تجب أولا العودة إلي طرازنا المعماري الأصيل‏,‏ وكذلك الطراز الذي ابتكره العبقري المصري حسن فتحي‏,‏ وعلي وزارة الإسكان أن توفر التصميمات والخامات وتلزم القائمين بالإنشاءات مستقبلا بذلك‏.‏

هناك نوع من الطوب العازل‏(‏ يسمي الطوب الخفيف‏)‏ يصنع بتفاعل كيميائي بسيط وغير مكلف حيث تنتشر جزئيات الغاز به وتجعله خفيفا وعازلا‏.‏ يجب علي الحكومة أن توفره في كل مكان وترشد الناس اليه لاستخدامه في الواجهات التي تستقبل الشمس‏(‏ القبلية والغربية‏)‏ سواء في المباني التي تنشأ مستقبلا‏,‏ أو حتي في المباني الحالية لأن التكلفة أقل من استهلاك مكيف واحد للكهرباء في سنة‏,‏ وهذا الطوب يمكن أن يغني عن التكييف‏.‏

ينبغي توفير المواد العازلة للحرارة‏,‏ وإلزام أصحاب العمارات بتغطية أسطح المباني بها أو علي الأقل إرشاد الناس إليها وإلي طرق الحصول عليها وتركيبها‏,‏ بل وإقراض من يعجز عن دفع ثمنها وعندما تقوم أي جهة بذلك فهي تدعم الاقتصاد الوطني بالتأكيد‏,‏ ناهيك عن توفير الراحة للمواطنين وعلي سبيل المثال فإن عزل المباني في دولة الكويت شرط لتوصيل المرافق إلي العمارات والمنشآت‏.‏

هناك مشكلة الحرارة في وسائل الركوب لأنها مصنوعة من المعدن‏,‏ ولم يفكر الخواجة في حل لها لأنها لا تعنيه‏..‏ لماذا لا نفكر نحن في إنتاج سيارات تصلح للطقس الحار كأن يكون السقف من طبقتين بينهما مساحة صغيرة فارغة لإمرار الهواء وتبريد السقف؟ ولماذا لا نضع مظلة للسيارات يمكن فردها وطيها بنفس فكرة الشبكة التي تثبت أعلي السيارة؟ ولماذا لا نهتم بإنشاء مظلات مبسطة في أماكن انتظار السيارات‏,‏ وكذلك الإكثار من الأشجار؟

لم تسلم بيوت الله من مشكلة الحرارة الشديدة في أوقات الزحام‏,‏ مثل صلاة الجمعة‏,‏ رغم كثرة المراوح‏,‏ رغم أن المساجد‏(‏ أو أغلبها‏)‏ لم تصب بما أصيبت به بيوتنا من انقلاب إلي الطراز المعماري الغربي فالزحام الشديد وكثرة الزفير الساخن يسهمان في رفع درجة الخرارة ومن الناحية العلمية فالهواء الساخن يصعد لأعلي لخفة وزنه‏,‏ ويهبط الهواء البارد والمساجد عادة تصمم بحيث تحتوي علي نوافذ عادية في مستوي رأس الإنسان‏,‏ وأخري مرتفعة وهذا هو أفضل تصميم للطقس الحار‏,‏ فعندما تكون النوافذ بمستوييها مفتوحة فإن كتلة الهواء الساخن تندفع إلي أعلي ويحل محلها هواء بارد من الأبواب والنوافذ السفلية ولكن الواقع أن أغلب المساجد تغلق النوافذ العليا‏,‏ وربما السفلي أيضا‏,‏ إما لعدم وجود طريقة سهلة للفتح والغلق‏,‏ وإما لمنع العصافير والذباب والأتربة‏..‏ وينبغي أن تقوم وزارة الأوقاف بتوفير وسائل مثل تلك المستخدمة بدور السينما لفتح وغلق النوافذ العليا‏,‏ لأن ذلك سوف يوفر كثيرا من الطاقة الكهربائية التي تدير المكيفات‏,‏ وعشرات الآلاف من المراوح‏,‏ بالإضافة إلي توفير الراحة للمصلين الركع السجود‏.‏

* كارثة التعليم: نحن الآن "أمة في خطر"

كارثة التعليم: نحن الآن "أمة في خطر"
بقلم د. عبد الله هلال
الأهرام المسائي 16 يوليو 2008

برزت قضية الفساد في التعليم بمناسبة فضائح الثانوية العامة في المنيا.. وقد توقعنا أن يهتز المجتمع المصري وتسري في أوصاله الكهرباء بهذه المناسبة المُخزية، وأن يصيب الزلزال كل مؤسساتنا التعليمية بما فيها الوزارة المختصة؛ الآيلة للسقوط. ولكن وللأسف الشديد كان رد الفعل باردا جدا بسبب التغيُّر الخطير في مفهوم التعليم نفسه؛ إذ صار الهدف من التعليم في العصر الحديث هو مجرد عبور الامتحان بأية وسيلة والحصول على الشهادة- الرخصة، سواء تعلـَّم الطالب أو لم يتعلم. لقد انهارت القيم الأصيلة التي كانت تميز المدارس والجامعات المصرية.. ونعتقد أن هذا الانهيار والانحدار كانت له مقدمات كثيرة، لم تؤخذ مأخذ الجد في حينها، وتسببت ظروف عديدة في إغماض العين عنها مما أدى إلى اتساع الخرق على الراقع.. لنصل إلى حالة حرجة لم يعد يجدي معها سوى أسلوب الجراحة والاستئصال. وأخطر ما في الأمر أن المجتمع المصري بات يتقبـَّلُ حوادث الفساد في التعليم، ولا تهتز له شعرة أمام هذا الزلزال المدمر الذي يجعلنا بحق "أمة في خطر".. إذ يظن الكثيرون الآن للأسف أن مساعدة الطالب في الامتحان- سواء بالغش أو بشراء الأسئلة- هدف مشروع وحق مكتسب، وأصبح التدخل غير المعقول في امتحانات الثانوية العامة من قبل أولياء الأمور ووسائل الإعلام شيئا عاديا لا يثير الاشمئزاز ولا حتى الاحتجاج من أية جهة، وكأن المطلوب من وزارة التربية والتعليم هو منح (الدرجة النهائية) لجميع الطلاب في جميع المواد أيا كان مستواهم أو درجة تحصيلهم!. كان المفروض أن يكون التعليم هو أكثر الميادين حصانة ضد الفساد لأنه يتعلق بمستقبل الوطن، إذ لا يمكن أن تنهض أمة في ظل تعليم فاسد. فالتعليم ليس مجرد امتحان للحصول على رخصة للعمل، ولا هو مجرد تلقين للمعارف والمعلومات.. ولكنه عملية تربوية متكاملة تهدف إلى بناء الإنسان الصالح الواعي الذي يمتلك من المعارف والمهارات ما يمكـِّنه من خدمة نفسه ووطنه. ومرحلة التعليم في حياة الإنسان هي مرحلة تكوين الشخصية واستكشاف المواهب واكتساب المعرفة وتنمية المهارات والسلوكيات.. والشرط الأساسي لتحقيق ذلك هو توافر الشفافية والمساواة والقدوة الصالحة، وإذا لم يتوافر هذا الشرط في تلك المرحلة الدقيقة من حياة الإنسان فلا أمل في التعليم، لأنه سوف يصبح في هذه الحالة أداة هدم لشخصية الإنسان وسلوكياته.
والسؤال الخطير الذي يطرح نفسه في هذه المناسبة هو: لماذا تغير المجتمع المصري وصار هدف أولياء الأمور (تساندهم- بقوة- وسائل الإعلام للأسف) هو مجرد عبور أولادهم للامتحان "بتفوق" بصرف النظر عن مستواهم التعليمي؟... لقد تربينا في هذا الوطن نفسه على قيم أصيلة أساسها أن "الغش حرام"، ولم نكن نشهد في الماضي القريب هذا الاهتمام الفائق بالامتحانات "فقط" دون أدنى اهتمام بالعملية التعليمية نفسها. لم نكن نشهد هذا التكالب على لجان الامتحانات لمحاولة مساعدة الأولاد بالغش أو بشراء الأسئلة.. كانت حوادث الغش ومساعدة أولاد بعض قيادات التعليم المحليين نادرة وممقوتة ومستهجنة، وكان الطالب الذي يحظى بالمساعدة أو الغش يشعر بالخزي والعار أمام زملائه. كان هناك شعور وفهم عام بأن الغش لن يفيد؛ لأن الطالب الغشاش الذي لم يتعلم جيدا لن يستطيع المواصلة بالمراحل التالية.. وكان أولياء الأمور يتفهمون ذلك ويريحون أنفسهم من عناء اللهث وراء الامتحانات ولجانها، وكانوا بالتالي يهتمون بالعملية التعليمية نفسها، ونشأت فصول (التقوية) لمساعدة الطلاب ضعاف التحصيل، وظهرت الدروس الخصوصية من أجلهم لأنه لا حل سوى التعلـُّم الحقيقي ورفع مستوى الطالب. وكانت قصص القِلة القليلة من الطلاب الذين حصلوا- بنفوذ آبائهم- على "الدرجات العلا" في الثانوية العامة ثم فشلوا في مواصلة تعليمهم بكليات الطب وغيرها دائما حاضرة. فما السبب يا تـُرى في هذا الانقلاب الخطير في مفهوم التعليم؟، وهل هناك حل لهذه المعضلة التي تهدد مستقبل الوطن؟
لا شك أن انتقال الفساد التعليمي إلى الجامعات أيضا هو الذي يشجع أولياء الأمور على محاولة مساعدة أولادهم بالغش لعبور امتحان الثانوية العامة.. فالطالب الغشاش بالثانوي يمكن أن يكون غشاشا بالجامعة، ليتخرج ويحمل شهادة تؤهله "بجهله" لقتل المرضى الذين يوقعهم حظهم العاثر في عيادته، أو تدمير المنشآت التي يصممها أو يشرف على بنائها، أو تسميم الناس بالمياه الملوثة ...الخ. وأصحاب النفوذ والمال الذين يستطيعون شراء الامتحانات بالثانوي هم الذين يستطيعون فعل الشيء نفسه بالجامعة، وهم الذين يستطيعون تدبير وظائف لأولادهم الجاهلين فور التخرج، رغم البطالة السائدة.. فلماذا لا ينتشر الغش وشراء الذمم؟!. وقد ساعد على استفحال هذه الظاهرة- إلى جانب الانهيار الجامعي- وجود الجامعات والمعاهد الخاصة التي تؤكد بنظمها الحالية المعلنة أنها نشأت لهذا الصنف من الطلاب. فالجامعات الخاصة في الدنيا كلها تتنافس في اجتذاب الطلاب المتفوقين أكثر من التنافس على (جيوب) أولياء الأمور، لأن المستوى الأكاديمي للجامعة ومستوى خريجيها هو الأهم.. وهو الذي يجلب المال أيضا؛ لأن الطلاب في الدول الجادة يتسابقون للالتحاق بالجامعات المحترمة ذات السمعة الممتازة التي تهتم أساسا بالعملية التعليمية وبتخريج أفضل المتخصصين. وهذا واضح أيضا حتى في مدارسنا الخاصة الحالية.. فالمدارس الخاصة المتميزة لا تقبل إلا أفضل الطلاب، بل وترفض قبول الطلاب ضعاف التحصيل حفاظا على سمعتها.
وقبل أن نقترح الحل لمشكلة فساد التعليم ننبه إلى أن ما حدث في المنيا لا يمكن أن يكون قاصرا على هذه المحافظة، فقد أدى الطمع في المال وسوء الأداء وانعدام التنظيم إلى كشف الجريمة.. ولكن ليس هناك ما يؤكد أنها لم تحدث في محافظات أخرى، وحادثة اللجان الخاصة بالشقق المفروشة لا زالت ماثلة، ومحاولات الغش في اللجان عموما دون وجود أية مقاومة أو تأنيب للضمير تؤكد ما ذهبنا إليه من تشوه مفهوم التعليم ذاته؛ لدى عامة الناس وخاصتهم. وقد تسربت آفة الغش إلى كثير من الجامعات، وهناك غش (رسمي) من نوع آخر تقترفه أغلب الكليات الآن من خلال إعداد قائمة من الأسئلة (وبيعها للطلاب) تحت مسمى "الشيت".. ولا يخرج الامتحان عنها لأن الطالب اشتراها بـِحُرِّ ماله، والأستاذ حصل على هذا المال!. والشيء الذي ينذر بالخطر أن كارثة الدروس الخصوصية بالتعليم العام انتقلت كما هي إلى الجامعات الكبرى، وصارت مشكلة الطلاب الآن هي ضياع وقتهم في التنقل بين المراكز التعليمية المتناثرة في أحياء العاصمة، بل والشكوى من الازدحام بهذه المراكز. وقد ذكرت "المصريون" في عدد سابق أن هيئة تدريس إحدى الجامعات ترفض الربط بين زيادة الدخل ومشروع جودة الأداء؛ وهذا يبرز موقفا عجيبا للمجلس الأعلى للجامعات..إذ من المفروض أن جودة الأداء فرض عين على كل من يتولى وظيفة عامة، سواء كانت هناك زيادة في الدخل أو لا، فلماذا لم يتابع المجلس الموقر موضوع جودة الأداء قبل الحديث عن هذه الزيادة في الدخل؟، وهل يمكن مثلا لمن يملك المال الذي يغنيه عن هذه الزيادة في الدخل أن يهمل في عمله ولا يهتم بموضوع الجودة؟.. ما لكم، كيف تحكمون؟!.
ونأتي إلى الحل المقترح لإنقاذ التعليم من هذه الفضائح المخزية التي أفقدت الدول العربية الثقة في التعليم المصري وفي الخريجين المصريين، حيث تفضل عليهم الهنود والباكستانيين والسودانيين. وبداية فلا مفر من إعادة الانضباط إلى المدارس والجامعات بالإجراءات الإدارية العادية التي تطبق في أنحاء العالم والتي كانت مطبقة وناجحة في مصر في الماضي القريب.. ويجب ألا يكون هناك مكان لمسئول يقصر في أداء هذا الواجب. كما ينبغي أن تتضافر كل الجهود والمؤسسات لإزالة التشوه الحادث لمفهوم التعليم، وإعادة القناعة العامة للجمهور بأن من ينجح بالغش لن يستطيع مواصلة تعليمه.. وهذا لن يتأتى إلا بإعادة الانضباط والاحترام إلى الجامعات، ويساعد في تحقيق ذلك ألا تكون الشهادة بمفردها هي المؤهل الوحيد للعمل. لقد كثرت الجامعات الإقليمية والجامعات والمعاهد الخاصة في ظل هذه الأزمة التي تعصف بالعملية التعليمية، ويصعب تصور أن كل هذه الجامعات تعد خريجيها بالمستوى العالمي المطلوب، أو حتى بمستوى متقارب داخل مصر. لابد من وجود مرجعية تشير إلى مستوى الجامعة ومدى جديتها، ويتحقق ذلك بوجود جهة محايدة (سواء محلية أو خارجية) لاختبار الطلاب (أو على الأقل الخريجين) ومراجعة الحد الأدنى من المعرفة اللازمة لكل تخصص، واعتماد الشهادات بناء على هذا الاختبار. ليس معقولا أن يتساوى خريج الجامعة الخاصة الذي ربما نجح بماله، أو خريج جامعة حديثة العهد لا أحد يدري كيف تدار امتحاناتها، مع خريج جامعة كبيرة لا زالت تتمتع بالجدية. إن مصر في حاجة ماسة لإصلاح التعليم.. والإصلاح لا زال ممكنا، والبداية لابد أن تكون بإصلاح الجامعات؛ وهو ما سوف نتناوله في المقال القادم إن شاء الله.

الأربعاء، ١١ أغسطس ٢٠١٠

* إيطاليا تعترف بجرائمها الاستعمارية !

إيطاليا تعترف بجرائمها الاستعمارية !
بقلم د. عبد الله هلال
المصريون 1 - 9 - 2008

نجحت ليبيا في تحقيق أكبر إنجاز لدول العالم الثالث المتخلف، المغلوبة على أمرها، والتي لا تزال تعاني من الحقبة الاستعمارية الغربية، التي اتسمت بسرقة الموارد، والإبادة الجماعية للشعوب المحتلة المقاوِمة، والتغيير القسري للمعالم الثقافية والدينية والحضارية، ووضع الحدود المصطنعة لتفريق الأمم التي لديها ما يوحد صفوفها، وتربية وتجنيد العملاء وتوصيلهم إلى سدة الحكم.. إذ اعترف المحتل السابق بجرائمه تجاه الشعب الليبي المناضل، مقدما الاعتذار، والتعويض المادي. وعلى الرغم من ضآلة التعويض المادي (5 مليار دولار) الذي لم يتجاوز ضعف ما دفعته ليبيا لضحايا حادثة لوكربي وحدها، فقد سرقت إيطاليا من ليبيا أضعاف أضعاف ذلك.. إلا أن الإنجاز الأكبر هو في إقرار المبدأ نفسه، وهو أنه لا يجوز أن يفلت اللص بالمسروقات مادام أصحابها على قيد الحياة، فما ضاع حق وراءه مطالب. وقد سبق أن طالبنا مصر والجزائر وغيرهما من الدول العربية والإسلامية بفعل ما نجحت ليبيا في انتزاعه من بين فكي المحتل السابق، خصوصا وأننا لدينا الكثير من أوراق الضغط التي يمكن أن تجبرهم على الإذعان لهذا الحق الذي لا يسقط بالتقادم.. وقد استثمرت ليبيا حاجة إيطاليا لنفطها وأسواقها ونجحت في تحقيق هذا الإنجاز الكبير. وتستطيع مصر بسهولة أن تنتزع هذا الحق من كل من فرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني.. ولكن ذلك يتطلب وجود حكومة وطنية منتخبة انتخابا حقيقيا دون تزوير لكي يدرك هؤلاء أن الحكومة وراءها شعب يساندها، ويمكن أن يتحرك ويقاطع ويناضل بإشارة من إصبعها.
ولا شك أن مصالح المحتلين القدامى بالدول العربية والإسلامية أكبر من أن يُضحَّى بها، حتى وإن استبعدنا النفط (لأسباب "واقعية" بسبب الوهن العربي الراهن).. إذ يكفي أننا (للأسف) نستورد كل شيء من لعب الأطفال والطعام واللباس إلى الطائرات والصواريخ، وصارت بلادنا سوقا مغرية لكل منتـِج؛ فهل تتحمل أية دولة منتجة أن نغلق أسواقنا في وجهها؟. إن الأسس الاقتصادية السائدة في العصر الحديث يمكن أن تجبر هذه الدول على الإذعان لمطالبنا المشروعة لأنه لا توجد دولة يمكن أن تتحمل تراكم إنتاجها دون تصدير ولو ليوم واحد في ظل ارتفاع الأجور وسيادة القيم الرأسمالية النفعية. فهل يفهم العرب والمسلمون أن بأيديهم سلاحا جبارا يمكن أن يعيد إليهم حقوقهم ويغير واقعهم تغييرا جذريا؟. فلو علمت أمريكا- مثلا- أن يوما سيأتي لإجبارها على دفع التعويضات للشعبين العراقي والأفغاني.. هل كانت تجرؤ على استمرار احتلالها لهذين البلدين؟، ومن أين تأتي بميزانية تتجاوز دخلها القومي لتعويضهم عن جرائم الاحتلال؟.
للأسف الشديد لم تجرؤ أية حكومة عربية (باستثناء ليبيا) على مجرد التفكير في هذا الحق الطبيعي والواجب الذي لا يسقط عن عاتقنا لأي سبب.. وكيف ذلك وهم لا يجرؤون على مجرد قطع العلاقات وإلغاء الاعتراف بالعدو الصهيوني أو حتى مقاطعته?!.. بل وصل الانهيار إلى استرضاء العدو ورشوته بالتنازل عن الأرض المقدسة والاعتراف به والتطبيع الذليل معه وبشروطه مقابل وقف عدوانه, وهم يعلمون أنه سوف يستثمر هذا الاعتراف ويرسخ أقدامه أكثر دون أن يعطيهم شيئًا كما حدث مرارا، ويحدث. إن السياسات الحكومية العربية للأسف الشديد تصب كلها ضد مصالح العرب، وضد الأمن القومي العربي، ولصالح الحلف الصهيوني الأمريكي الذي يناصبنا العداء علنا.
ولا ندري- بعد أن تمكن الوهن منا- لماذا يغفل العرب عن العمق الاستراتيجي لهم, والذي منّ الله تعالى علينا به على امتداد العالم الإسلامي .. مترامي الأطراف?!. إن ألف باء السياسة الرشيدة أن تحافظ على مصادر قوتك وتنميها, ولا تسمح لأحد بالعبث في هذه المصادر أو بسلبها منك.. والواقع أن العرب تعودوا أن يهملوا العمق الإسلامي.. فسمحوا للحلف الصهيوني الأمريكي بالعبث في العلاقات العربية التركية قبل عدة سنوات؛ (ولولا وصول الإسلاميين الأتراك إلى الحكم لتزايد العداء التركي العربي), وتزايد الخطأ عندما انحازوا إلى اليونان ضد تركيا في موضوع المشكلة القبرصية.. ووقفوا على الحياد بين الهند وباكستان, ولم يساورهم القلق عند انفصال باكستان الشرقية «بنجلاديش» عن الدولة الإسلامية الوليدة في شبه القارة الهندية, رغم أن الهند أذكي من أن تعادي العرب أو تجرؤ على دفعهم إلى مقاطعتها.. وعندما انطلقت الثورة «الإسلامية» في إيران ووقفت لها أمريكا بالمرصاد, انحاز العرب للحلف الصهيوني الأمريكي ضد الدولة الإسلامية التي طردت الصهاينة وسلمت سفارتهم للفلسطينيين!.. كذلك فقد وقف العرب على الحياد (السلبي) بين أذربيجان وأرمينيا التي انتزعت إقليم ناجورنو كاراباخ, وبين روسيا والشيشان التي تناضل لانتزاع حقها في الاستقلال أو الحكم الذاتي, وبين الصرب والمسلمين في كل من (البوسنة والهرسك), و(كوسوفا), وبين الفلبين والمسلمين المضطهدين المطالبين بالحكم الذاتي, وبين الصومال وإثيوبيا التي سرقت إقليم أوجادين- وتحتل الصومال الآن, وبين الاتحاد السوفيتي البائد والدول الإسلامية في آسيا الوسطى.. إلى آخر هذه القائمة المخجلة!. كما وقف العرب مكتوفي الأيدي عندما ألغيت الحروف العربية من كتابة لغات الدول الإسلامية في تركيا وروسيا وآسيا الوسطي والدول الأفريقية وغيرها.. علما بأن العرب يملكون الكثير والعديد من وسائل الضغط مما يمكنهم من نصرة إخوانهم المضطهدين في أرجاء العالم والتشبث بالعمق الإسلامي, ودون الحاجة إلى إعلان الحرب.. في زمن "الوهن"!!.
مطلوب جهود شعبية للمطالبة بالتعويضات
• إن الممارسة العملية على الساحة السياسية العربية تثبت أن الحكومات العربية قد فقدت مبررات وجودها, ولم يعد لديها ما تقدمه في أي شأن من شئون الأمة بعد أن فقدت توازنها أمام الأعداء وانهارت مناعتها تماما, لدرجة أن المرء يشعر أن العرب ليسوا جديرين بشرف استرداد القدس الشريف.. لا سلمًا ولا حربا. لذا فإننا بمناسبة الإنجاز الليبي نتوجه إلى الشعوب العربية والإسلامية: مطلوب تشكيل جمعيات أهلية لنشر فكرة مطالبة المحتل السابق بالاعتذار ودفع التعويضات، على أن تقوم هذه الجمعيات بإجراءات الدراسات والحسابات اللازمة لمعرفة كم الثروات التي سرقت ونهبت، والخسائر المتراكمة التي تحملتها بلادنا بسبب الاحتلال للوصول إلى تصور للمبالغ التي ينبغي المطالبة بها على سبيل التعويض، علما بأن أموال الدنيا لا تعوض روحا واحدة لمجاهد كانت جريمته أنه يدافع عن وطنه.

* إنقاذ التعليم.. يبدأ بإصلاح نظام اللجان العلمية

إنقاذ التعليم.. يبدأ بإصلاح نظام اللجان العلمية
بقلم د. عبد الله هلال

المصريون 20 - 8 - 2008

تساءلنا في المقال السابق عن السر الكامن وراء التغيُّر السلبي للإنسان المصري.. المحب أساسا للتعليم، ولماذا أصبح هدف الآباء والأمهات هو مجرد اجتياز أولادهم للامتحان "بتفوق" بصرف النظر عن مستوى التحصيل بالسلم التعليمي؟.. وانتهينا إلى أن انتقال الفساد التعليمي إلى الجامعات أيضا هو الذي يشجع أولياء الأمور على محاولة مساعدة أولادهم بالغش لعبور امتحان الثانوية العامة، إذ أن الطالب الغشاش بالثانوي يمكن أن يكون غشاشا بالجامعة؛ إن وجد الفرصة. لابد إذاً من إصلاح الجامعة أولا لكي يمكن إصلاح التعليم بصفة عامة.. وهذا الأمر مطروح بقوة منذ أن ظهر تدني ترتيب جامعاتنا مقارنة بالجامعات العالمية لدرجة أن طلابنا الآن قلقون من عدم الاعتراف بشهاداتهم خارج الوطن. ولكن هل جامعاتنا وصلت هي الأخرى إلى المستوى نفسه الذي نعاني منه في التعليم قبل الجامعي وتحتاج بالتالي إلى سرعة التقويم والإصلاح؟، للأسف نعم.. ويكفي تقييم مستوى الخريجين هذه الأيام مقارنة بمستوى خريجي الجامعات نفسها في الماضي القريب لندرك عمق الأزمة. ولكي نصلح الجامعة فلا مفر من وجود أستاذ جامعي يستحق لقب أستاذ، وهذا موضوع كبير وخطير. ليست المشكلة إذاً في تدني دخول الأساتذة كما يدعي البعض.. ولن نجد حلا لهذه القضية بمجرد زيادة المرتبات، على أهميتها. ولكن لابد من عودة الأستاذ الجامعي إلى مكانته الأصلية المحترمة المفقودة في كثير من الجامعات والمراكز البحثية، ولكي نبين عمق الهوة السحيقة التي انحدرنا إليها؛ نورد أمثلة قليلة وبسيطة (عاينتها بنفسي) يمكن أن تدلنا على موضع الداء.. لأن الفساد هناك؛ في أعلى الرأس!.
في دولة خليجية؛ تعاقدت "أستاذة" مصرية بجامعة إقليمية لتدريس أحد التخصصات الأساسية المهمة.. وكانت المفاجأة المحزنة أن هذه الأستاذة لا تفقه شيئا في ذلك التخصص لدرجة أن الطالبات الخليجيات المهذبات اللاتي يرضَيْن بأقل القليل من العلم- إن أحسن الأستاذ تقديمه- رفضنها وطالبن بتغييرها. وعندما تدخل الزملاء لحل المشكلة، بتشجيع من عميد الكلية الذي شعر بالحرج لأنه كان رئيس اللجنة التي تعاقدت معها، اقترح البعض أن تختار المقرَّر الذي يروق لها وتستطيع أن تقنع به الطالبات (وليكن تخصصها الدقيق).. ولكنها فشلت للأسف في تقديم أي مقرَّر بحجة أنها "مقررات صعبة"، واضطر العميد لإنهاء عقدها. وقد تسببت هذه الواقعة في فتح حوار محرج للمصريين هناك عن مستوى الأساتذة وعن أزمة التعليم في مصر، وكانت فرصة للبعض من غير المصريين للاصطياد في الماء العكر لدرجة أن لجنة التعاقدات للعام التالي- التي كانت تبدأ بمصر عادة- وضعت مصر في ذيل القائمة بعد سوريا والأردن والسودان وتونس. وبالطبع احتدم النقاش بين المصريين عن اللجان العلمية، وكيف تسمح بترقية من هم دون المستوى، وعرفنا أن زوج هذه الأستاذة الموقرة عضو بإحدى اللجان العلمية؛ فبَطـُل العجب!... وذُكِرتْ في المناقشة قصص كثيرة عن التربيطات والهدايا والرِّشا؛ وتصل هذه الرشا للأسف- كما سمعت من بعض الزملاء- إلى مستويات متدنية، مخجلة!.
وقد ذكرتني هذه الحادثة بواقعة أخرى مغايرة حدثت مع زميل مبدعٍ بإحدى الجامعات الكبرى.. إذ كتب مقالا ممتازا لمجلة عالم الكيمياء، وعندما وجدت كرئيس للتحرير أن كتاباته نموذج جيد لتبسيط العلوم طلبت منه الاستمرار في الكتابة، ولكنه اختفى فجأة بعد المقال الثاني.. وبحثت عنه لأجد شخصية مختلفة يتملكها الحزن والاكتئاب، فقد أسقطته اللجنة العلمية (لدرجة أستاذ مساعد) بتوصية من أحد أساتذته لأنه تجرأ ونشر مقالين في مجلة (ثقافية!) دون أن يضع اسمه (أي اسم الأستاذ)، واعتذر المسكين عن الكتابة لحين الحصول على درجة أستاذ قائلا: يجب أن (أمشي جنب الحيط) وأسمع الكلام!.. عارٌ عليّ أمام تلامذتي أن أسقـَط مرة أخرى.
ويتبين من ذلك أن اللجان العلمية- رغم احترامنا لأغلب أعضائها- بنظامها الحالي ليست الوسيلة المثلى لمنح أخطر الألقاب العلمية وأهمها، فالمفروض أن تكون هذه اللجان هي البوصلة التي تضبط الأداء، والميزان الذي يقيم العدل، وهي التي تقرر من الذي يستحق أن يكون عالما وأستاذا نأتمنه على الحقيقة العلمية وعلى مستقبل خريجينا، أي مستقبل الوطن.. فليس معقولا أن تمسخ شخصية الإنسان الجاد لكي يحصل على لقب أستاذ، أو أن تمنح الألقاب للمتسلقين والمنافقين دون حساب. وهناك قصص كثيرة وخطيرة تبين أن التعليم والبحث العلمي في مصر في خطر حقيقي، فكثيرا ما نسمع عن زملاء ظـُلموا عمدا لأسباب شخصية وانتقامية، وزملاء دون المستوى حصلوا على الترقية في لمح البصر، بالتوصيات والمجاملات والهدايا، بل وصل الأمر إلى التغطية والتستر على من حصلوا على الترقية بالتزوير وسرقة البحوث لأنهم أطعموا الأفواه.. فاستحت العيون، والعقول!، ولدينا أمثلة وأسماء لمن يريد.
وعلى الرغم من ذلك فلجان المجلس الأعلى للجامعات تعتبر أفضل حالا من لجان المراكز والهيئات البحثية، وهي جزء لا يتجزأ من المنظومة التعليمية.. وينطبق عليها قانون الجامعات. كان المفروض أن تكون هناك لجنة واحدة قومية لكل تخصص على مستوى الجمهورية؛ تحقيقا للشفافية والحياد والعدالة.. ولكن بعض الهيئات العلمية خارج الجامعات آثرت أن تنشئ لجانا تعتبر بمثابة (دكاكين) خاصة ليظل أمر الترقيات في أيدي قياداتها. ويمكن بسهولة الحكم على مستوى هذه الدكاكين الخاصة بمطالعة أسماء بعض أعضاء هذه اللجان لنجد المزوِّر والمتهم في ذمته، بل ونجد الجاهل الذي لم يبلغ إنتاجه العلمي نصف المطلوب من المتقدمين للترقية!. وقد تعجبت من جرأة أحد مقرري هذه اللجان وهو يتحدث مع زميلته بالطرقات وبصوت عال (دون خشية أن يسمعه الناس) قائلا: والله ما استفدت شيئا من هذه الترقية سوى تعيين ابنتي!. أما أخطر ما في الأمر فهو طلب الرِّشا عيني عينك.. وهذا ما تأكدت منه بنفسي، ولولا ذلك لما صدقت، عندما سأل زميل (معار إلى إحدى دول الخليج) مقرر إحدى اللجان عن الأوراق المطلوبة للترقية؛ فأخذ (المقرر) يتوجع ويشكو سوء الحالة الاقتصادية وضيق ذات اليد وإلحاح ابنه عليه لشراء سيارة.. ثم ألمح إلى سرعة ترقية أستاذ آخر عائد من الخليج قائلا: استطعنا ترقيته قبل تطبيق اللائحة الجديدة لأنه "جدع" ويستحق.. ولكن الزميل لم يفهم الرسالة أو لم يعيرها اهتماما، لثقته في إنتاجه العلمي الذي يبلغ أكثر من ضِعف المتقدمين معه، فأسقطوه ظلما وعدوانا. إلى هنا والأمر يمكن تقديره على محمل الظن أو سوء الفهم، ولكن عندما ذهب الزميل ليتقدم للمرة الثانية استدعى المقرر مدير مكتبه دون مناسبة وطلب منه الاتصال ببنك (...) والسؤال عن الشهادات البلاتينية: فئاتها وعائدها، فأخذ مدير المكتب ينظر إلى الزميل مبتسما ويقول لقد سألت قبل ذلك وأعرف... مبينا قيمة الشهادة المطلوبة!. ولكن الزميل الواثق من مستواه العلمي ركب رأسه ولم يستجب، وبالفعل لم يستطيعوا إسقاطه ثانية، ولكنهم وجدوا طريقة أخرى لتأخيره عن زملائه بتأجيل اعتماد المجالس له دون غيره. وقد وصل الهوان إلى أن إحدى اللجان- وبتدبير من مقررها- تفرض على المتقدمين للترقية، بسيف الحياء والتهديد والابتزاز- وهم منتظرون للدخول للمناقشة- دفع مبالغ مالية كبيرة (بنظام الشحاذة، أو البقشيش) بحجة إحضار وجبة غداء لأعضاء اللجنة!.
ما أوردناه مجرد أمثلة بسيطة لقلة من المفسدين، ولكنها تبين خطورة الأمر، فعندما تتسرب كارثة الرشوة إلى هذه الأماكن الحساسة التي من المفروض أن يقتدي الناس بأهلها، فعلى مصر السلام.. وهذا يدعونا للتفكير في وسيلة أخرى أكثر عدالة وحيادية للحكم على مستوى الأساتذة والعلماء الذين يتعلق بأيديهم مستقبل التعليم والبحث العلمي، بل ومستقبل الوطن كله. وأعتقد أن أفضل طريقة هي إلغاء نظام اللجان والاستعاضة عنه بنظام القوائم.. حيث تنشأ قائمة لكل تخصص بأسماء كبار الأساتذة والعلماء ممن تنطبق عليهم الشروط، وعند تقدم عضو هيئة تدريس للترقية يوزع إنتاجه العلمي على الثلاثة الذين عليهم الدور بالقائمة. وبذلك يصعب تدبير أسماء معينة لأي شخص، ويصعب بالتالي مجاملة أحد أو الانتقام من أحد. وهذا يرفع مستوى الأساتذة ومستوى التعليم بالتالي لأن وجود وسائل غير شرعية للترقية هو الذي يشجع على الكسل وعلى عدم بذل الجهد والاهتمام بالجودة.. وهذا لا يختلف عن فضائح الغش وشراء الامتحانات بالثانوية العامة، فالمصيبة واحدة، وأسبابها ودوافعها ونتائجها واحدة. ولن يتغير ترتيب جامعاتنا بين جامعات العالم أو يُعترف بها دون إصلاح الرأس، فينصلح التعليم كله.

* احتراق وطن!

احتراق وطن!
بقلم د. عبد الله هلال

المصريون 22 - 8 - 2008

احترقت قلوبنا ونحن نشاهد النيران التي أحرقت أهم وأعرق مبني في مصر.. فلقد أتي الحريق على مبنى تاريخي مهم، وعلي أرشيف الملفات البرلمانية وعلى وثائق نادرة كثيرة- مهمة وخطيرة- لا تقدر بثمن ومحفوظة منذ عقود، وثائق لا يمكن تعويضها لأنها تسجل تاريخ مصر السياسي وتراثها النيابي. ويأتي هذا الحريق "الفضيحة" ضمن سلسلة من الحوادث والكوارث التي تؤكد انهيار الجهاز الإداري للدولة وتحلله تماما بعد أن أصيب بالشيخوخة والشلل وعشش فيه الفساد وسادت العشوائية والتخبط وانتشر الإهمال، ولم يعد هناك من يحرص على أداء واجبه الوظيفي، ناهيك عن الواجب الوطني. فلقد أثبت هذا الحريق ضعف الاستعدادات واستخدام وسائل الإطفاء العادية والتقليدية، بالإضافة إلى الغياب التام للتفكير العلمي المنطقي، وعدم الاستفادة من المنجزات العلمية والتقنية التي يتمتع بها العالم منذ زمن طويل مما أدى إلى تفاقم الوضع. ألا يدرك المسئولون فينا أن الدنيا تقدمت وأصبحت هناك مساحيق كيميائية تستخدم لإطفاء حرائق الأماكن المهمة التي بها أوراق أو آثار مهمة لا يجوز أن تصل إليها مياه الإطفاء؟.. ألم يسافر هؤلاء المسئولون إلى الخارج ويشاهدوا خلايا استشعار الدخان المثبتة في الأسقف لتأمين المباني بالإنذار وبالدفع الآلي لمساحيق الإطفاء تلقائيا عند وجود أي دخان؟.. ألم يسمعوا عن خطط الطوارئ التي تتدرب من خلالها فرق الإطفاء عمليا ودوريا على إطفاء مختلف أنواع الحرائق؟. إن المبنى المحترق منشأة أكثر من مهمة وتخضع عادة لتدابير أمنية مشددة ، ويقع في مكان أكثر من مهم، ومعروف أنه مسقوف بالخشب القابل للحرق، والحكومة بأجهزتها الأمنية موجودة هناك على مدار الساعة، ونقطة الإطفاء موجودة أمامه مباشرة بمجمع التحرير.. فكيف يحترق المبنى بهذه الكيفية مما دفع القوات المسلحة إلي التدخل وإرسال الطائرات العمودية للمساهمة في إطفاء الحريق، ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن خرجت النيران عن السيطرة. لقد احترقت- ومعها قلوبنا- قاعة مجلس الشورى التي تمثل قيمة تاريخية كبيرة، وكانت تضم مجلس النواب قبل عام 1952 عندما كانت مصر تعرف حياة ديمقراطية حقيقية مزدهرة.. وأثرت النيران والمياه المستخدمة في الإطفاء على المبنى الأثري الذي يرجع تاريخ إنشائه إلى مائتي عام، والعالم كله يشهد فضائحنا على القنوات الفضائية ودون أن يحاسب أحد، أو يخجل أحد من نفسه ويستقيل؟.. هل هو الإهمال والكسل والتواكل وإسناد الأمر إلى غير أهله؟، أم الجهل والسطحية واتباع أسلوب الفهلوة وغياب الخطط المبنية على الأسلوب العلمي؟.
لقد غاب العلم وغاب "أهل الخبرة"، وتزايدت المصائب والكوارث على أيدي "أهل الثقة" الذين أثبتوا أنهم ليسوا أهلا للثقة. وأيا كان الأمر.. فهذا جرس إنذار بأن الوطن كله يحترق أمام أعيننا ولا أحد يحرك ساكنا، الوطن يحترق ورجال الأعمال المسيطرون عليه مشغولون بأموالهم واحتكاراتهم ونزواتهم، وأجهزة الدولة مشغولة بحمايتهم وتأمينهم، والشعب يحترق هو الآخر بنار الغلاء والبطالة والجوع والمرض. هل هناك من بين أهل الحكم من يقوم بالتخريب, ويسعي إلي هدم النظام, ويعمل علي إسقاط الحكومة من داخلها?.. لقد تكرر في الآونة الأخيرة الكثير من الوقائع والظواهر التي تدل علي أن هذا السؤال مطروح بالفعل, وإلاّ فالبديل هو إما أن الحكومة غائبة عن الوعي ولا تعرف رأسها من رجليها وإما أنها تتسلح بالعناد وتتعمد عدم التنازل أمام الشعب (مصدر السلطات), أي تأخذها العزة بالإثم.. وفي كل الأحوال فهذا يعني أن تلك الحكومة غير جديرة بمسئولية الحكم, وأنها فاقدة للشرعية. ولكن المثل يقول إن مصر بلد العجائب ومن أعجب ما شهده القرن الأخير ظاهرة الحكومات المعمًّرة! قد يكون هناك مبرر للبقاء «الدائم» في الحكم إن كان ذلك برغبة الشعب وكانت الحكومة ناجحة وتقدم كل يوم جديدا.. أما أن يطول البقاء في السلطة لحكومة خائبة وفاشلة وليس لديها خطة مستقبلية لعلاج هذا الفشل, فذلك مما يدعو إلي السخرية والعجب فمصر تنفرد - علي عكس الدنيا كلها - بتخلف القطاع الحكومي عن القطاع الخاص, مع أن الحكومة هي التي تملك ميزانية الدولة وهي التي تخطط وتنفذ ما تشاء من الأعمال وتستطيع أن تستحوذ علي أفضل العقول وأعلي الكفاءات. وفي أي دولة صغرت أم كبرت تجد التنافس بين الناس للالتحاق بالمستشفي الحكومي أو الجامعة الحكومية أو المدارس الرسمية سعيًا للحصول علي أعلي المرتبات وأفضل المزايا العلاجية والتأمينية.. أما في مصر العجيبة فالناس يفرون من الحكومة فرار السليم من الأجرب, فالمنشأة الحكومية هي الأقذر وخدماتها هي الأسوأ والشيء الغريب أن العاملين الفاشلين في الصباح (بالمرافق الحكومية) هم أنفسهم الناجحون في المساء (بالقطاع الخاص). فهل يرجع ذلك إلي خلل مزمن وتخلف في الإدارات الحكومية أم إلي تداخل مريب بين القطاعين؟.. وإذا كانت الأولي فلماذا تعمر حكومة متخلفة, وإذا كانت الثانية فمن المستفيد ومن الذي يقف خلف تخريب القطاع الحكومي لصالح الأعمال الخاصة?! خذ مثلا قطاع التعليم، تجد كتابا حكوميا يعلم الجميع أنه يلقي بالقمامة.. وبالمقابل هناك كتب خاصة هي الرائجة وتحقق المليارات لأصحابها, وإذا فتشنا عن أصحاب هذه الكتب فسوف نكتشف بسهولة السر في سوء حالة الكتب الحكومية, وقسّ علي ذلك مملكة الدروس الخصوصية والجامعات والمدارس الخاصة وغير ذلك الكثير. لذلك فليس متوقًعا, في ظل هذه الفلسفة الحكومية, أن تفلح الحكومة في صنع أي شيء مفيد.. فقد تخلفنا في جميع الميادين ولم ننجح في تطوير صناعة أو التفوق في إنتاج سلعة وتصديرها أو حتى الحفاظ علي تفوقنا التاريخي في الزراعة, فصرنا كمن يمشي للخلف, لأن كل فرد يعمل لصالحه هو وليس لصالح الوطن وقد استسلمت الحكومات المتعاقبة لهذا الفشل والشعور بالعجز ولم نجد حكومة واحدة تحاول أن تضع خطة لحل أي مشكلة مزمنة مثل الأمية أو انتشار مرض البلهارسيا أو البطالة أو حتى النظافة.. رغم الطنين الإعلامي وإدعاءات تحقيق ما يسمونه المشروعات الكبرى.. ولا ندري لماذا لا يخجلون مثلا من هذه القذارة التي تملأ شوارعنا أو الحفر والمطبات التي لا يخلو منها شارع أو الحوادث المرورية التي تحصد آلاف الأرواح دون أن يقلق أحد أو يأمر بدراسة تلك الظاهرة, لماذا لا يخجلون من الفشل في حل مشكلة الاشتباك المروري اليومي?. ولماذا يلقون باللوم علي المواطن الذي لم يجد نظاما ليتبعه? لو أنهم قالوا هذه خطتنا لإنهاء الأمية مثلا ولو بعد مائة سنة لالتمسنا لهم العذر, ولكنهم لا يملون من النظر تحت أقدامهم, والتغني بالإنجازات!

* بـِتُّ أخجل من عروبتي!

بعد محاولات الإبادة الجماعية في غزة

بـِتُّ أخجل من عروبتي!

بقلم د. عبد الله هلال

العرب نيوز 29 يناير 2008

ماذا حدث للعرب?.. هل ماتت الشهامة والمروءة?.. أم هل مات العرب ولم يعد لهم وجود?!. إن الأحوال المأساوية في غزة تجعل الحجر ينطق والجبل يبكي, فلماذا لم نعد نتأثر بدموع الثكالى واستغاثات الأرامل واليتامى?.. لماذا نتصنع العمى والصمم والخرس؟.
إننا نري بأعيننا كيف تسهر الدولة العبرية المغتصبة لأرضنا على تأمين حياة أي يهودي في أي مكان في العالم.. نراهم يهرعون لنجدة من تواجه دولته ضائقة اقتصادية, ونراهم يحتجون ويهددون إذا ما تعرض أي خنزير منهم لأذى حتى وإن كان لا يحمل جنسية الدولة العبرية, ونرى العالم يتفهم ذلك ويتقبله.. فلماذا لا نفعل ذلك?.. وإذا كانت الشهامة والمروءة العربية قد أصبحت تراثا وتاريخا, فماذا عن اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي أيقظها بوش الأب في الكويت وقتلها بوش الابن في فلسطين والعراق ولبنان؟.
لقد بلغ السيل الزبى ووصل الإجرام الصهيوني إلى ما لم يصل إليه عتاة المجرمين من قبل.. إذ لم يشهد التاريخ جيشا مسلحا بأحدث الترسانات العسكرية يقصف بالطائرات شعبا أعزل ويهدم البيوت ويدمر سيارات الإسعاف والنجدة، ويسجن مليونا ونصف من البشر.. والعالم كله يشهد الجريمة ويصمت صمت القبور, لو حدث هذا في أي مكان آخر بالعالم لما شهدنا ذلك الصمت المريب.. ألم يُحاصر العراق (ويحاكم نظامه) بحجة ضرب المدنيين من الشيعة والأكراد?.. ألم يُمنع بالقوة من تحليق طائراته في الشمال والجنوب بهذه الحجة؟.. ألم يتدخل الغرب ضد يوغوسلافيا لمنع قتل المدنيين العزل (رغم عدم التعاطف معهم؛ لأنهم مسلمون), ولكن العقلاء لا يتركون النار تشتعل بجوار مساكنهم?!.. ألم يتدخل العالم ضد إندونيسيا ويرغمها على انفصال تيمور الشرقية?..ألم تتدخل الأمم المتحدة في شئون السودان بحجة حماية شعب دارفور؟، وهل ما يحدث في دارفور أكثر مما يحدث في فلسطين؟. لماذا إذًا لا يتدخل العرب لحماية الشعب الفلسطيني, وهو ليس مجرد جار ولكنه جزء منا ويدافع عن كرامتنا?، الواجب والطبيعي جدا أن الرد العملي على استخدام العدو للطائرات والصواريخ ضد المدنيين من أبناء جلدتنا, هو تدخل الجيوش العربية لحماية هذا الشعب الأعزل.. قصفا بقصف وصواريخ بصواريخ, ولو حدث ذلك فلن يلومنا أحد. ولكننا وللأسف لا نملك (ترف) أن نطلب منهم ذلك.. إننا الآن نطالب (فقط!) بفك الحصار عن الشعب العربي المسلم المحاصر (عربيا- للأسف!) في غزة.
للأسف الشديد لم تجرؤ أية حكومة عربية على مجرد التفكير في هذا الحق الطبيعي والواجب الذي لا يسقط عن عاتقنا لأي سبب.. وكيف ذلك وهم لا يجرؤون على مجرد قطع العلاقات وإلغاء الاعتراف بالعدو أو حتى مقاطعته?!.. بل وصل الانهيار إلى الصمت التام وعدم الاحتجاج والإدانة ولو دبلوماسيا!، وأصبح الواقع المر الآن هو استرضاء العدو ورشوته بالتنازل عن الأرض المقدسة والاعتراف به والتطبيع الذليل معه وبشروطه مقابل وقف عدوانه, وهم يعلمون أنه سوف يستثمر هذا الاعتراف ويرسخ أقدامه أكثر دون أن يعطيهم شيئًا كما حدث من قبل.
لقد ظل العرب يخدعون الشعب الفلسطيني لخمسين سنة حتى اكتشف هذا الشعب الجسور أنه لن يحرر فلسطين إلا الفلسطينيون, وبدأ مشوار الجهاد الطويل وأذهل العالم ببطولاته.. معتمدا على نفسه لدرجة امتلاك الصواريخ (محلية الصنع) التي لا يجرؤ العرب على التفكير في تصنيعها أو الإعلان عن امتلاكها, وعندما وجد العدو أنه أمام شعب لا يقبل الهزيمة.. لجأ إلى العرب - الذين يقبلون الهزيمة - لكي يعيدوا خداع الشعب الفلسطيني!, ولكن العرب يضعون البيض كله في السلة الأمريكية ولا يفكرون في الاعتماد على النفس.. لم نتعلم شيئا من بطولات أطفال فلسطين, ولم ندرك حكمة الاعتماد على النفس ولو أدركناها لتغير الموقف تماما.. فالشعب الفلسطيني قدم أقصى ما يمكن تقديمه ونجح في إذلال الصهاينة, ولو انضم العرب إلى المسيرة الظافرة لهذا الشعب الصامد فسوف يمكـّنه من النصر وتحرير كل فلسطين.
والسؤال الآن وفي ظل حملة الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو ضد أهلنا في فلسطين هو عن الضمير العالمي المتعامي عما يحدث هناك.. أين منظمات حقوق الإنسان التي تثور من أجل قطة أو كلب؟!، أين شعوب العالم الحر؟ أين الذين تظاهروا في أمريكا وأوربا من أجل شعب دارفور؟ أين الأمم المتحدة؟ أين؟ أين؟.. هل هؤلاء سعداء بما يحدث في غزة؟، الواقع أن أية أمة أخرى لن تكون عربية أكثر من العرب.. لقد خرس العرب فخرس العالم الحر وخرس الضمير العالمي!، إن الصمت العربي يجعل العالم يظن أن الصهاينة يدافعون عن أنفسهم ضد الإرهابيين.
ونسأل الحكومات العربية الخرساء العمياء الصماء: هل شعوبكم العربية راضية عما يحدث؟.. بالطبع لا وكلها تغلي وتتمنى الخلاص منكم لتستطيع الجهاد في فلسطين. فمن تمثلون إذاً؟، شعوبكم لا تريد هذا الصمت المخزي فهل تمثلون اليهود أم تمثلون شعوبكم المقهورة؟، مالكم كيف تحكمون؟.. هل إلى هذا الحد بيوتكم من زجاج وترتعدون من العدو الصهيوني الأمريكي؟ أم أنكم سعداء بالإبادة الجماعية؟؟.
إن الصمت الرسمي المخزي عما يحدث في غزة جعلني أشعر بالعار لكوني عربيا، ألم يعد في أرض العروبة رجال؟!، إذا كان هناك رجل حقيقي (أو زلمة أو زول) فليخرج عن هذا الصمت المخزي ويقول- بالفعل لا القول (أنا رجل).. وأتحدى أن يفعلها أحد!!!. ألم نقل مرارا (إن الشرفاء فقط هم الذين لا يخشون من ذلك اليوم الذي يغادرون فيه مواقع السلطة)؟!.

* إبراهيم شكري.. الشهيد الحي رحل مظلوما

إبراهيم شكري..
الشهيد الحي رحل مظلوما
بقلم د. عبد الله هلال

المصريون 27 - 8 - 2008
عندما وجدت أن بعض أقطاب النظام الحاكم يذرفون دموع التماسيح على الشهيد الحي الذي قتلوه (معنويا) عمدا في خريف عمره المبارك، آثرت عدم التعجل في الكتابة عن هذا الرجل الأسطورة حتى ينقشع غبار ما كتبوه وما صرحوا به، متمسحين فيه وفي تاريخه الأبيض لعل الناس تنسى أفعالهم السوداء معه ومع حزبه وجريدته. ثم جاءت حادثة (إحراق) مجلس الشورى التي ربما أرادها الله تعالى أن تحدث عقب وفاته مباشرة لتكون بمثابة اللعنة على من استخدموا هذا المجلس لتعطيل الحياة السياسية وقتل أهم حزب على الساحة.. لتؤخرني في الكتابة عن هذا الرمز الذي تفخر به مصر والدول العربية. وعلى الرغم من الجحود وقصر النظر الذي عومل به نصير الفلاحين والفقراء إبراهيم شكري من قِبَل أهل الحكم، فإن مصر التي تتميز دائما بوفائها العظيم لأبنائها لم تنسه.. وقد تجلى ذلك في جنازته التي أبرزت الوفاء المصري الأصيل على كافة المستويات.
وتعتبر سيرة حياة الراحل العظيم مثالا حيا للأسوة الحسنة التي ينبغي أن نضعها أمام أعين الشباب المصري ليكون قدوة لهم، فقد كانت وطنيته أكبر من حزبيته.. وانتصر لمبادئه ولوطنه، على حساب الطبقة الثرية التي انتمي إليها.. وقد رحل تاركا من خلفه تجربة سياسية وإنسانية رائدة وفريدة من نوعها، ليتها تدرس لأبنائنا لعلنا نكسب لمصر بعض أمثال هذا السياسي النبيل. وقد سجل إبراهيم شكري على مدى عمره المديد مواقف تلخص سيرة حياة رجل وطني مثالي من الطراز الأول. كانت نشأته كنشأة أبناء العائلات الأرستقراطية في ذلك الوقت، لكنه كان شديد الارتباط بالفقراء والضعفاء، والعطف على العاملين في أرض والده من الفلاحين والخدم. وبعد حركة 23 يوليو مباشرة عرف الضباط الأحرار مكانته ومصداقيته.. فاستقبله جمال عبد الناصر ومحمد نجيب بعد خروجه من السجن، وكرموه على مواقفه المشرفة ضد الملك والإنجليز وعلى حرصه على نصرة الفقراء وصغار المزارعين .
اشتهر شكري بنشاطه السياسي، حتى قبل التخرج في الجامعة ولم ينس الشعب المصري له واقعة إطلاق الرصاص عليه من قبل جنود الاحتلال الإنجليزي على كوبري عباس في نوفمبر عام ١٩٣٥، حينما كان يشارك في مظاهرة طلابية ضد الاحتلال، واستشهد فيها عدد من القيادات الطلابية. لم تكن إصابة شكري قاتلة، لكنها رسَّخت في وجدانه الإصرار على مواصلة الجهاد لتحرير الوطن، من خلال عضويته في حزب مصر الفتاة، رغم معارضة أسرته.. ولقب وقتها بالشهيد الحي.
ويعتبر إبراهيم شكري مثالا حيا للسياسي البارع الذي خرج تلقائيا من صفوف الشعب.. فقد تخرج في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وأصبح في العام نفسه نائباً عن الشعب في مجلس النواب، ليطالب بالمزيد من الحقوق للفلاحين والعمال.. كان يشعر أنهم يعملون كثيراً ولا يحصلون على مقابل عرقهم وجهدهم، فارتبط بهم على الرغم من أنه رحمه الله كان ينتمي إلى عائلة من أكبر وأغنى عائلات مصر. وقد قرن القول بالعمل، ففي الوقت الذي كان يكتب فيه المقالات التي تعبر عن آرائه الغريبة على طبقته، المطالبة بالعدالة الاجتماعية، كان- رغم انتمائه لطبقة الباشاوات- أول من نادى بقوانين الإصلاح الزراعي.. بل إنه وزع جزءا كبيرا من أملاكه الخاصة على فقراء المزارعين من قريته. ولم يقف جهاده ضد الإنجليز والملك والإقطاع عند هذا الحد.. إذ سُجن وهو شاب صغير في عهد الملك فاروق بتهمة العيب في الذات الملكية.. ولم يكن يخشى السجن وهو ابن الباشا؛ فقد كتب قبل سجنه «إننا نري أن وجودنا في السجون للدفاع عن حرية الشعب، هو أحسن وأفضل من أي نزهة نقضيها على أفخر يخت في العالم».
حظي إبراهيم شكري على مدار سنوات نشاطه السياسي باحترام جميع اتجاهات العمل السياسي في مصر، سواء تلك التي اختلفت معه أو اتفقت. لم يلوث يديه أبدا بالمال الحرام.. ولم يلوث لسانه بكلمة نابية أو خارجة.. رغم كثرة صدعه بالحق ووقوفه الدائم مع المظلومين والمقهورين، ووقوفه المستمر في وجه الظلم والجبروت.. ويعتبر واحدا من الشخصيات السياسية القليلة التي تحظى بإجماع كل القوى المصرية والعربية على شرفها ونزاهتها، وهذه نتيجة طبيعية لشهامته ورجولته.. وقوته في الحق.. وتنزهه عن الدنيا ورغبته الحقيقية في الإصلاح الجاد لشئون الوطن. وقد عاش حياته كلها من أجل الدين والوطن.. ولم يتوقف لحظة عن مقاومة الاستعمار الإنجليزي لمصر.. ثم الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق. عاش ومات زاهدا ً في الحياة الدنيا، متوجها ً إلى الآخرة.. لا يرجو من السياسة سوي وجه الله. وهذا الصنف قليل في عالم السياسة.. بل في الحياة عموما.
ومن المواقف التي لا تنسى لإبراهيم شكري رحمه الله.. أنه كان من القلائل الذين أصروا على كسر الحصار الصهيوني لياسر عرفات؛ إذ حرص على مقابلته وزيارته حينما كان محاصرا ً في بيروت عام 1982.. في وقت كانت تدك فيه بيروت بالمدفعية الصهيونية صباح مساء.. وقد حاول الكثيرون إثنائه عن السفر خوفا ً على حياته.. ولكنه أصر على ذلك، ونجح في مقابلة عرفات. كما كرر هذا الموقف الشهم والشجاع مع صدام حسين.. حينما كان محاصرا ً في بغداد بعد اشتداد الضغوط الأمريكية والغربية عليه.. وسافر تحت القصف الأمريكي قبل غزو بغداد بيوم واحد فقط. وقبل ذلك جولاته في السودان وليبيا واليمن وسوريا... الخ، في مواقف تضامنية عربية مشابهة، داعيا لإصلاح ذات البين بين الأشقاء العرب.. في وقت كان يخشى فيه أشجع الناس من الإقدام على مثل هذه المواقف.
أما على المستوى الإنساني، فلم أصادف في حياتي رجلا بهذه الرقة وذاك النبل.. كان شديد الحرص على أداء الواجب الإنساني مهما كانت ظروفه.. كان يسافر المسافات الطويلة المرهقة على الطرق الوعرة ليؤدي واجب عزاء أو تهنئة. لا أنسى له حرصه على زيارة مريض أجريت له جراحة بسيطة وهو الذي كان خارجا لتوه من جراحة مشابهة. ولا أنسى عندما كنا مسافريْن بالطائرة نفسها إلى ليبيا، وكان النظام الأمني وقتها يتطلب فحص كل مسافر لحقائبه ورفعها على عربة بجوار الطائرة قبيل الصعود إلى الطائرة.. وكان من الطبيعي أن أبادر إلى حمل حقيبته مع حقيبتي على اعتبار أنني (من دور أحفاده)، وعلى الرغم من أنها كانت حقيبة خفيفة فقد رفض بإصرار وقوة، وأصر على أن يحملها بنفسه قائلا: كل إنسان يخدم نفسه.. بل أحرجني عندما أضاف؛ يجب أن نخدم نحن العلماء!. وعندما دعوته لحضور عقد قراني حرص على الحضور من أسوان إلى القاهرة لكي يلبي الدعوة.
برحيل إبراهيم شكري يكون قد رحل آخر السياسيين المعاصرين الذين فضلوا خدمة الوطن على المنصب الوزاري، فقد استقال من منصب وزير الزراعة ليؤسس حزبا معارضا أمام نظام لا يؤمن بالتعددية ولا يدخر وسعا في محاربة المعارضين والتضييق عليهم وإلصاق التهم الباطلة بهم.. وفي وقت نجد وزراء (آخر زمن) لا يهمهم سوى الاستمرار في المنصب الوزاري ولو كان ذلك على جثة الشعب، ولم نعد نسمع أو حتى نحلم بوزير يقدم استقالته. ولم يسبق إبراهيم شكري في فضيلة تقديم الاستقالة من المنصب الوزاري سوى رفيق جهاده- وأمين عام حزبه (العمل)- الدكتور محمد حلمي مراد، الذي تجرأ بتقديمها لمن كان يخشى باقي الوزراء أن يتنفسوا أمامه!.
رحم الله تعالى المهندس إبراهيم شكري برحماته الواسعة.. وجزاه الله خيرا ً على كل ما قدمه لدينه ووطنه.. وعلى بذله وعطائه وجهده وجهاده وتضحياته... وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون.