إيطاليا تعترف بجرائمها الاستعمارية !
بقلم د. عبد الله هلال
المصريون 1 - 9 - 2008
نجحت ليبيا في تحقيق أكبر إنجاز لدول العالم الثالث المتخلف، المغلوبة على أمرها، والتي لا تزال تعاني من الحقبة الاستعمارية الغربية، التي اتسمت بسرقة الموارد، والإبادة الجماعية للشعوب المحتلة المقاوِمة، والتغيير القسري للمعالم الثقافية والدينية والحضارية، ووضع الحدود المصطنعة لتفريق الأمم التي لديها ما يوحد صفوفها، وتربية وتجنيد العملاء وتوصيلهم إلى سدة الحكم.. إذ اعترف المحتل السابق بجرائمه تجاه الشعب الليبي المناضل، مقدما الاعتذار، والتعويض المادي. وعلى الرغم من ضآلة التعويض المادي (5 مليار دولار) الذي لم يتجاوز ضعف ما دفعته ليبيا لضحايا حادثة لوكربي وحدها، فقد سرقت إيطاليا من ليبيا أضعاف أضعاف ذلك.. إلا أن الإنجاز الأكبر هو في إقرار المبدأ نفسه، وهو أنه لا يجوز أن يفلت اللص بالمسروقات مادام أصحابها على قيد الحياة، فما ضاع حق وراءه مطالب. وقد سبق أن طالبنا مصر والجزائر وغيرهما من الدول العربية والإسلامية بفعل ما نجحت ليبيا في انتزاعه من بين فكي المحتل السابق، خصوصا وأننا لدينا الكثير من أوراق الضغط التي يمكن أن تجبرهم على الإذعان لهذا الحق الذي لا يسقط بالتقادم.. وقد استثمرت ليبيا حاجة إيطاليا لنفطها وأسواقها ونجحت في تحقيق هذا الإنجاز الكبير. وتستطيع مصر بسهولة أن تنتزع هذا الحق من كل من فرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني.. ولكن ذلك يتطلب وجود حكومة وطنية منتخبة انتخابا حقيقيا دون تزوير لكي يدرك هؤلاء أن الحكومة وراءها شعب يساندها، ويمكن أن يتحرك ويقاطع ويناضل بإشارة من إصبعها.
ولا شك أن مصالح المحتلين القدامى بالدول العربية والإسلامية أكبر من أن يُضحَّى بها، حتى وإن استبعدنا النفط (لأسباب "واقعية" بسبب الوهن العربي الراهن).. إذ يكفي أننا (للأسف) نستورد كل شيء من لعب الأطفال والطعام واللباس إلى الطائرات والصواريخ، وصارت بلادنا سوقا مغرية لكل منتـِج؛ فهل تتحمل أية دولة منتجة أن نغلق أسواقنا في وجهها؟. إن الأسس الاقتصادية السائدة في العصر الحديث يمكن أن تجبر هذه الدول على الإذعان لمطالبنا المشروعة لأنه لا توجد دولة يمكن أن تتحمل تراكم إنتاجها دون تصدير ولو ليوم واحد في ظل ارتفاع الأجور وسيادة القيم الرأسمالية النفعية. فهل يفهم العرب والمسلمون أن بأيديهم سلاحا جبارا يمكن أن يعيد إليهم حقوقهم ويغير واقعهم تغييرا جذريا؟. فلو علمت أمريكا- مثلا- أن يوما سيأتي لإجبارها على دفع التعويضات للشعبين العراقي والأفغاني.. هل كانت تجرؤ على استمرار احتلالها لهذين البلدين؟، ومن أين تأتي بميزانية تتجاوز دخلها القومي لتعويضهم عن جرائم الاحتلال؟.
للأسف الشديد لم تجرؤ أية حكومة عربية (باستثناء ليبيا) على مجرد التفكير في هذا الحق الطبيعي والواجب الذي لا يسقط عن عاتقنا لأي سبب.. وكيف ذلك وهم لا يجرؤون على مجرد قطع العلاقات وإلغاء الاعتراف بالعدو الصهيوني أو حتى مقاطعته?!.. بل وصل الانهيار إلى استرضاء العدو ورشوته بالتنازل عن الأرض المقدسة والاعتراف به والتطبيع الذليل معه وبشروطه مقابل وقف عدوانه, وهم يعلمون أنه سوف يستثمر هذا الاعتراف ويرسخ أقدامه أكثر دون أن يعطيهم شيئًا كما حدث مرارا، ويحدث. إن السياسات الحكومية العربية للأسف الشديد تصب كلها ضد مصالح العرب، وضد الأمن القومي العربي، ولصالح الحلف الصهيوني الأمريكي الذي يناصبنا العداء علنا.
ولا ندري- بعد أن تمكن الوهن منا- لماذا يغفل العرب عن العمق الاستراتيجي لهم, والذي منّ الله تعالى علينا به على امتداد العالم الإسلامي .. مترامي الأطراف?!. إن ألف باء السياسة الرشيدة أن تحافظ على مصادر قوتك وتنميها, ولا تسمح لأحد بالعبث في هذه المصادر أو بسلبها منك.. والواقع أن العرب تعودوا أن يهملوا العمق الإسلامي.. فسمحوا للحلف الصهيوني الأمريكي بالعبث في العلاقات العربية التركية قبل عدة سنوات؛ (ولولا وصول الإسلاميين الأتراك إلى الحكم لتزايد العداء التركي العربي), وتزايد الخطأ عندما انحازوا إلى اليونان ضد تركيا في موضوع المشكلة القبرصية.. ووقفوا على الحياد بين الهند وباكستان, ولم يساورهم القلق عند انفصال باكستان الشرقية «بنجلاديش» عن الدولة الإسلامية الوليدة في شبه القارة الهندية, رغم أن الهند أذكي من أن تعادي العرب أو تجرؤ على دفعهم إلى مقاطعتها.. وعندما انطلقت الثورة «الإسلامية» في إيران ووقفت لها أمريكا بالمرصاد, انحاز العرب للحلف الصهيوني الأمريكي ضد الدولة الإسلامية التي طردت الصهاينة وسلمت سفارتهم للفلسطينيين!.. كذلك فقد وقف العرب على الحياد (السلبي) بين أذربيجان وأرمينيا التي انتزعت إقليم ناجورنو كاراباخ, وبين روسيا والشيشان التي تناضل لانتزاع حقها في الاستقلال أو الحكم الذاتي, وبين الصرب والمسلمين في كل من (البوسنة والهرسك), و(كوسوفا), وبين الفلبين والمسلمين المضطهدين المطالبين بالحكم الذاتي, وبين الصومال وإثيوبيا التي سرقت إقليم أوجادين- وتحتل الصومال الآن, وبين الاتحاد السوفيتي البائد والدول الإسلامية في آسيا الوسطى.. إلى آخر هذه القائمة المخجلة!. كما وقف العرب مكتوفي الأيدي عندما ألغيت الحروف العربية من كتابة لغات الدول الإسلامية في تركيا وروسيا وآسيا الوسطي والدول الأفريقية وغيرها.. علما بأن العرب يملكون الكثير والعديد من وسائل الضغط مما يمكنهم من نصرة إخوانهم المضطهدين في أرجاء العالم والتشبث بالعمق الإسلامي, ودون الحاجة إلى إعلان الحرب.. في زمن "الوهن"!!.
مطلوب جهود شعبية للمطالبة بالتعويضات
• إن الممارسة العملية على الساحة السياسية العربية تثبت أن الحكومات العربية قد فقدت مبررات وجودها, ولم يعد لديها ما تقدمه في أي شأن من شئون الأمة بعد أن فقدت توازنها أمام الأعداء وانهارت مناعتها تماما, لدرجة أن المرء يشعر أن العرب ليسوا جديرين بشرف استرداد القدس الشريف.. لا سلمًا ولا حربا. لذا فإننا بمناسبة الإنجاز الليبي نتوجه إلى الشعوب العربية والإسلامية: مطلوب تشكيل جمعيات أهلية لنشر فكرة مطالبة المحتل السابق بالاعتذار ودفع التعويضات، على أن تقوم هذه الجمعيات بإجراءات الدراسات والحسابات اللازمة لمعرفة كم الثروات التي سرقت ونهبت، والخسائر المتراكمة التي تحملتها بلادنا بسبب الاحتلال للوصول إلى تصور للمبالغ التي ينبغي المطالبة بها على سبيل التعويض، علما بأن أموال الدنيا لا تعوض روحا واحدة لمجاهد كانت جريمته أنه يدافع عن وطنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق