بقلم: د. عبدالله هلال
الأهرام م 24-6- 2008- الوســـط 12-8 -2010- المصريون 28-8-2010
تتميز بلادنا بالطقس الدافئ والشمس الساطعة طوال العام.. وهناك علاقة مفهومة بين الطقس الحار والكسل وضعف الإنتاج, وبين الطقس البارد والنشاط وزيادة الحركة وبالتالي زيادة الإنتاج لذا فإننا غالبا ما نجد الشمال متقدما علي الجنوب... وليس ذلك بالطبع هو العامل الوحيد الذي يحكم مستوي التقدم والتخلف, ولكنه أحد العوامل المهمة ولقد شهد الجنوب حضارات متفوقة علي الشمال في مراحل مختلفة من التاريخ, ومنها الحضارة المصرية القديمة والحضارة الإسلامية, عندما وجد الإنسان القوي الذي يتغلب علي العوامل الجوية متسلحا بإيمانه, ومستخدما عقله وذكاءه للتكيف مع الطقس الحار.
وقد كنا حتي وقت قريب, وقبل أن نصاب بآفة التغريب, نعيش في الطقس نفسه ذي الصيف الحار دون أن نعاني ما نعانيه الآن من هذا الجو الملتهب بالحرارة العالية. كانت بيوتنا مصممة بحيث تناسب أجواء بلادنا.. كنا نستخدم خامات البيئة العازلة للحرارة, وكانت المباني مرتفعة لتوفر كتلة مناسبة من الهواء البارد, والنوافذ طولية متوازية لتحدث تيارا هوائيا باردا مع قليل من الشمس.. وكان الحرص علي أن تكون بعض الشرفات والنوافذ تطل علي الاتجاه البحري التماسا لنسمة هواء باردة ولذلك فقد كنا نعيش دون مكيفات أو مراوح وفي جو أفضل بكثير جدا من طقس هذا الزمن الردئ وعندما جاء الخواجة ليقلب حياتنا رأسا علي عقب فقد سرنا في ركابه معصوبي العينين دون أن نميز بين ما يمكن أن ينفعنا وما يضرنا.. فالخواجة بلاده باردة لا تري الشمس إلا نادرا ولذلك ـ وسعيا إلي الدفء ـ فقد قام بتصميم بيته علي عكس بيوتنا القديمة حيث ضيق المساحة وانخفاض المباني وكثرة الزجاج وقلة النوافذ المفتوحة, وهو الطراز المعماري المعروف بعلبة الكبريت والذي نطلق عليه( الحديث)! والواجب أن نسميه الردئ.
والمستفيد الوحيد من ترك طرازنا المعماري الجميل المناسب لطقسنا واستبدال الطراز الغربي به هو الخواجة نفسه, حيث يبيع لنا المراوح والمكيفات وأنواع الزجاج والألمنيوم الفاخر, كما يستفيد من حالة الكسل وضعف الإنتاج بسبب الحر ليصدر لنا كل شئ!!
والآن ماذا يمكن أن نفعل بعد أن ابتلعنا الطعم وأصبح لدينا ملايين الشقق الرديئة التي لا تصلح للسكن صيفا دون مكيفات ومراوح تستزف الاقتصاد الوطني في ثمنها والطاقة العالية التي تستهلكها؟ وماذا يفعل المساكين الذين يعيشون في الأدوار الأخيرة أو الشقق( القبلية) ولا يستطيعون توفير أدوات التكييف أو ثمن الطاقة الكهربية؟ وما الدور الذي ينبغي أن تقوم به الإدارات المحلية لتوفير الراحة للمواطنين, وبالتالي زيادة الإنتاج, ووقف استنزاف الاقتصاد الوطني دون داع؟
هذه أسئلة مهمة تتحمل الجامعات والهيئات العلمية مسئولية الإجابة عنها, وسوف نسهم في اقتراح الحلول.. مع ملاحظة أن وزارة الكهرباء تشكو زيادة الأحمال علي شبكات الطاقة الكهربية بسبب هذا الطقس الملتهب, ولو كنت من وزير الكهرباء لجعلت قضية العودة إلي طرازنا المعماري الذي يناسبنا أولوية أولي تسبق المسئولية المباشرة للوزارة في توفير متطلبات المواطنين من الطاقة الكهربية... لانه لا يجوز أن تقوم وزارة بالبناء وتقوم وزارة أخري بالهدم, فوزارة الكهرباء تجتهد في توفير محطات إنتاج الطاقة ووزارة الإسكان تستنزف بتصميماتها المستوردة هذه الطاقة.. وهذه بعض المقترحات:
تجب أولا العودة إلي طرازنا المعماري الأصيل, وكذلك الطراز الذي ابتكره العبقري المصري حسن فتحي, وعلي وزارة الإسكان أن توفر التصميمات والخامات وتلزم القائمين بالإنشاءات مستقبلا بذلك.
هناك نوع من الطوب العازل( يسمي الطوب الخفيف) يصنع بتفاعل كيميائي بسيط وغير مكلف حيث تنتشر جزئيات الغاز به وتجعله خفيفا وعازلا. يجب علي الحكومة أن توفره في كل مكان وترشد الناس اليه لاستخدامه في الواجهات التي تستقبل الشمس( القبلية والغربية) سواء في المباني التي تنشأ مستقبلا, أو حتي في المباني الحالية لأن التكلفة أقل من استهلاك مكيف واحد للكهرباء في سنة, وهذا الطوب يمكن أن يغني عن التكييف.
ينبغي توفير المواد العازلة للحرارة, وإلزام أصحاب العمارات بتغطية أسطح المباني بها أو علي الأقل إرشاد الناس إليها وإلي طرق الحصول عليها وتركيبها, بل وإقراض من يعجز عن دفع ثمنها وعندما تقوم أي جهة بذلك فهي تدعم الاقتصاد الوطني بالتأكيد, ناهيك عن توفير الراحة للمواطنين وعلي سبيل المثال فإن عزل المباني في دولة الكويت شرط لتوصيل المرافق إلي العمارات والمنشآت.
هناك مشكلة الحرارة في وسائل الركوب لأنها مصنوعة من المعدن, ولم يفكر الخواجة في حل لها لأنها لا تعنيه.. لماذا لا نفكر نحن في إنتاج سيارات تصلح للطقس الحار كأن يكون السقف من طبقتين بينهما مساحة صغيرة فارغة لإمرار الهواء وتبريد السقف؟ ولماذا لا نضع مظلة للسيارات يمكن فردها وطيها بنفس فكرة الشبكة التي تثبت أعلي السيارة؟ ولماذا لا نهتم بإنشاء مظلات مبسطة في أماكن انتظار السيارات, وكذلك الإكثار من الأشجار؟
لم تسلم بيوت الله من مشكلة الحرارة الشديدة في أوقات الزحام, مثل صلاة الجمعة, رغم كثرة المراوح, رغم أن المساجد( أو أغلبها) لم تصب بما أصيبت به بيوتنا من انقلاب إلي الطراز المعماري الغربي فالزحام الشديد وكثرة الزفير الساخن يسهمان في رفع درجة الخرارة ومن الناحية العلمية فالهواء الساخن يصعد لأعلي لخفة وزنه, ويهبط الهواء البارد والمساجد عادة تصمم بحيث تحتوي علي نوافذ عادية في مستوي رأس الإنسان, وأخري مرتفعة وهذا هو أفضل تصميم للطقس الحار, فعندما تكون النوافذ بمستوييها مفتوحة فإن كتلة الهواء الساخن تندفع إلي أعلي ويحل محلها هواء بارد من الأبواب والنوافذ السفلية ولكن الواقع أن أغلب المساجد تغلق النوافذ العليا, وربما السفلي أيضا, إما لعدم وجود طريقة سهلة للفتح والغلق, وإما لمنع العصافير والذباب والأتربة.. وينبغي أن تقوم وزارة الأوقاف بتوفير وسائل مثل تلك المستخدمة بدور السينما لفتح وغلق النوافذ العليا, لأن ذلك سوف يوفر كثيرا من الطاقة الكهربائية التي تدير المكيفات, وعشرات الآلاف من المراوح, بالإضافة إلي توفير الراحة للمصلين الركع السجود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق