أهلاً.. وسهلاً

مرحبا بكم في موقع الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال

مقالات علمية وسياسية - محاضرات في الكيمياء - بحوث علمية - كتب علمية في الكيمياء وتطبيقاتها - استشارات علمية (كيميائية وبيئية)















هل لديك استشارة علمية؟

الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال - استشاري الدراسات الكيميائية والبيئية
للاستشارات العلمية:
ناسوخ (فاكس): 0020222670296 القاهرة
جوال: 0020115811500



الصفحة الرئيسية

الخميس، ١٢ أغسطس ٢٠١٠

* كارثة التعليم: نحن الآن "أمة في خطر"

كارثة التعليم: نحن الآن "أمة في خطر"
بقلم د. عبد الله هلال
الأهرام المسائي 16 يوليو 2008

برزت قضية الفساد في التعليم بمناسبة فضائح الثانوية العامة في المنيا.. وقد توقعنا أن يهتز المجتمع المصري وتسري في أوصاله الكهرباء بهذه المناسبة المُخزية، وأن يصيب الزلزال كل مؤسساتنا التعليمية بما فيها الوزارة المختصة؛ الآيلة للسقوط. ولكن وللأسف الشديد كان رد الفعل باردا جدا بسبب التغيُّر الخطير في مفهوم التعليم نفسه؛ إذ صار الهدف من التعليم في العصر الحديث هو مجرد عبور الامتحان بأية وسيلة والحصول على الشهادة- الرخصة، سواء تعلـَّم الطالب أو لم يتعلم. لقد انهارت القيم الأصيلة التي كانت تميز المدارس والجامعات المصرية.. ونعتقد أن هذا الانهيار والانحدار كانت له مقدمات كثيرة، لم تؤخذ مأخذ الجد في حينها، وتسببت ظروف عديدة في إغماض العين عنها مما أدى إلى اتساع الخرق على الراقع.. لنصل إلى حالة حرجة لم يعد يجدي معها سوى أسلوب الجراحة والاستئصال. وأخطر ما في الأمر أن المجتمع المصري بات يتقبـَّلُ حوادث الفساد في التعليم، ولا تهتز له شعرة أمام هذا الزلزال المدمر الذي يجعلنا بحق "أمة في خطر".. إذ يظن الكثيرون الآن للأسف أن مساعدة الطالب في الامتحان- سواء بالغش أو بشراء الأسئلة- هدف مشروع وحق مكتسب، وأصبح التدخل غير المعقول في امتحانات الثانوية العامة من قبل أولياء الأمور ووسائل الإعلام شيئا عاديا لا يثير الاشمئزاز ولا حتى الاحتجاج من أية جهة، وكأن المطلوب من وزارة التربية والتعليم هو منح (الدرجة النهائية) لجميع الطلاب في جميع المواد أيا كان مستواهم أو درجة تحصيلهم!. كان المفروض أن يكون التعليم هو أكثر الميادين حصانة ضد الفساد لأنه يتعلق بمستقبل الوطن، إذ لا يمكن أن تنهض أمة في ظل تعليم فاسد. فالتعليم ليس مجرد امتحان للحصول على رخصة للعمل، ولا هو مجرد تلقين للمعارف والمعلومات.. ولكنه عملية تربوية متكاملة تهدف إلى بناء الإنسان الصالح الواعي الذي يمتلك من المعارف والمهارات ما يمكـِّنه من خدمة نفسه ووطنه. ومرحلة التعليم في حياة الإنسان هي مرحلة تكوين الشخصية واستكشاف المواهب واكتساب المعرفة وتنمية المهارات والسلوكيات.. والشرط الأساسي لتحقيق ذلك هو توافر الشفافية والمساواة والقدوة الصالحة، وإذا لم يتوافر هذا الشرط في تلك المرحلة الدقيقة من حياة الإنسان فلا أمل في التعليم، لأنه سوف يصبح في هذه الحالة أداة هدم لشخصية الإنسان وسلوكياته.
والسؤال الخطير الذي يطرح نفسه في هذه المناسبة هو: لماذا تغير المجتمع المصري وصار هدف أولياء الأمور (تساندهم- بقوة- وسائل الإعلام للأسف) هو مجرد عبور أولادهم للامتحان "بتفوق" بصرف النظر عن مستواهم التعليمي؟... لقد تربينا في هذا الوطن نفسه على قيم أصيلة أساسها أن "الغش حرام"، ولم نكن نشهد في الماضي القريب هذا الاهتمام الفائق بالامتحانات "فقط" دون أدنى اهتمام بالعملية التعليمية نفسها. لم نكن نشهد هذا التكالب على لجان الامتحانات لمحاولة مساعدة الأولاد بالغش أو بشراء الأسئلة.. كانت حوادث الغش ومساعدة أولاد بعض قيادات التعليم المحليين نادرة وممقوتة ومستهجنة، وكان الطالب الذي يحظى بالمساعدة أو الغش يشعر بالخزي والعار أمام زملائه. كان هناك شعور وفهم عام بأن الغش لن يفيد؛ لأن الطالب الغشاش الذي لم يتعلم جيدا لن يستطيع المواصلة بالمراحل التالية.. وكان أولياء الأمور يتفهمون ذلك ويريحون أنفسهم من عناء اللهث وراء الامتحانات ولجانها، وكانوا بالتالي يهتمون بالعملية التعليمية نفسها، ونشأت فصول (التقوية) لمساعدة الطلاب ضعاف التحصيل، وظهرت الدروس الخصوصية من أجلهم لأنه لا حل سوى التعلـُّم الحقيقي ورفع مستوى الطالب. وكانت قصص القِلة القليلة من الطلاب الذين حصلوا- بنفوذ آبائهم- على "الدرجات العلا" في الثانوية العامة ثم فشلوا في مواصلة تعليمهم بكليات الطب وغيرها دائما حاضرة. فما السبب يا تـُرى في هذا الانقلاب الخطير في مفهوم التعليم؟، وهل هناك حل لهذه المعضلة التي تهدد مستقبل الوطن؟
لا شك أن انتقال الفساد التعليمي إلى الجامعات أيضا هو الذي يشجع أولياء الأمور على محاولة مساعدة أولادهم بالغش لعبور امتحان الثانوية العامة.. فالطالب الغشاش بالثانوي يمكن أن يكون غشاشا بالجامعة، ليتخرج ويحمل شهادة تؤهله "بجهله" لقتل المرضى الذين يوقعهم حظهم العاثر في عيادته، أو تدمير المنشآت التي يصممها أو يشرف على بنائها، أو تسميم الناس بالمياه الملوثة ...الخ. وأصحاب النفوذ والمال الذين يستطيعون شراء الامتحانات بالثانوي هم الذين يستطيعون فعل الشيء نفسه بالجامعة، وهم الذين يستطيعون تدبير وظائف لأولادهم الجاهلين فور التخرج، رغم البطالة السائدة.. فلماذا لا ينتشر الغش وشراء الذمم؟!. وقد ساعد على استفحال هذه الظاهرة- إلى جانب الانهيار الجامعي- وجود الجامعات والمعاهد الخاصة التي تؤكد بنظمها الحالية المعلنة أنها نشأت لهذا الصنف من الطلاب. فالجامعات الخاصة في الدنيا كلها تتنافس في اجتذاب الطلاب المتفوقين أكثر من التنافس على (جيوب) أولياء الأمور، لأن المستوى الأكاديمي للجامعة ومستوى خريجيها هو الأهم.. وهو الذي يجلب المال أيضا؛ لأن الطلاب في الدول الجادة يتسابقون للالتحاق بالجامعات المحترمة ذات السمعة الممتازة التي تهتم أساسا بالعملية التعليمية وبتخريج أفضل المتخصصين. وهذا واضح أيضا حتى في مدارسنا الخاصة الحالية.. فالمدارس الخاصة المتميزة لا تقبل إلا أفضل الطلاب، بل وترفض قبول الطلاب ضعاف التحصيل حفاظا على سمعتها.
وقبل أن نقترح الحل لمشكلة فساد التعليم ننبه إلى أن ما حدث في المنيا لا يمكن أن يكون قاصرا على هذه المحافظة، فقد أدى الطمع في المال وسوء الأداء وانعدام التنظيم إلى كشف الجريمة.. ولكن ليس هناك ما يؤكد أنها لم تحدث في محافظات أخرى، وحادثة اللجان الخاصة بالشقق المفروشة لا زالت ماثلة، ومحاولات الغش في اللجان عموما دون وجود أية مقاومة أو تأنيب للضمير تؤكد ما ذهبنا إليه من تشوه مفهوم التعليم ذاته؛ لدى عامة الناس وخاصتهم. وقد تسربت آفة الغش إلى كثير من الجامعات، وهناك غش (رسمي) من نوع آخر تقترفه أغلب الكليات الآن من خلال إعداد قائمة من الأسئلة (وبيعها للطلاب) تحت مسمى "الشيت".. ولا يخرج الامتحان عنها لأن الطالب اشتراها بـِحُرِّ ماله، والأستاذ حصل على هذا المال!. والشيء الذي ينذر بالخطر أن كارثة الدروس الخصوصية بالتعليم العام انتقلت كما هي إلى الجامعات الكبرى، وصارت مشكلة الطلاب الآن هي ضياع وقتهم في التنقل بين المراكز التعليمية المتناثرة في أحياء العاصمة، بل والشكوى من الازدحام بهذه المراكز. وقد ذكرت "المصريون" في عدد سابق أن هيئة تدريس إحدى الجامعات ترفض الربط بين زيادة الدخل ومشروع جودة الأداء؛ وهذا يبرز موقفا عجيبا للمجلس الأعلى للجامعات..إذ من المفروض أن جودة الأداء فرض عين على كل من يتولى وظيفة عامة، سواء كانت هناك زيادة في الدخل أو لا، فلماذا لم يتابع المجلس الموقر موضوع جودة الأداء قبل الحديث عن هذه الزيادة في الدخل؟، وهل يمكن مثلا لمن يملك المال الذي يغنيه عن هذه الزيادة في الدخل أن يهمل في عمله ولا يهتم بموضوع الجودة؟.. ما لكم، كيف تحكمون؟!.
ونأتي إلى الحل المقترح لإنقاذ التعليم من هذه الفضائح المخزية التي أفقدت الدول العربية الثقة في التعليم المصري وفي الخريجين المصريين، حيث تفضل عليهم الهنود والباكستانيين والسودانيين. وبداية فلا مفر من إعادة الانضباط إلى المدارس والجامعات بالإجراءات الإدارية العادية التي تطبق في أنحاء العالم والتي كانت مطبقة وناجحة في مصر في الماضي القريب.. ويجب ألا يكون هناك مكان لمسئول يقصر في أداء هذا الواجب. كما ينبغي أن تتضافر كل الجهود والمؤسسات لإزالة التشوه الحادث لمفهوم التعليم، وإعادة القناعة العامة للجمهور بأن من ينجح بالغش لن يستطيع مواصلة تعليمه.. وهذا لن يتأتى إلا بإعادة الانضباط والاحترام إلى الجامعات، ويساعد في تحقيق ذلك ألا تكون الشهادة بمفردها هي المؤهل الوحيد للعمل. لقد كثرت الجامعات الإقليمية والجامعات والمعاهد الخاصة في ظل هذه الأزمة التي تعصف بالعملية التعليمية، ويصعب تصور أن كل هذه الجامعات تعد خريجيها بالمستوى العالمي المطلوب، أو حتى بمستوى متقارب داخل مصر. لابد من وجود مرجعية تشير إلى مستوى الجامعة ومدى جديتها، ويتحقق ذلك بوجود جهة محايدة (سواء محلية أو خارجية) لاختبار الطلاب (أو على الأقل الخريجين) ومراجعة الحد الأدنى من المعرفة اللازمة لكل تخصص، واعتماد الشهادات بناء على هذا الاختبار. ليس معقولا أن يتساوى خريج الجامعة الخاصة الذي ربما نجح بماله، أو خريج جامعة حديثة العهد لا أحد يدري كيف تدار امتحاناتها، مع خريج جامعة كبيرة لا زالت تتمتع بالجدية. إن مصر في حاجة ماسة لإصلاح التعليم.. والإصلاح لا زال ممكنا، والبداية لابد أن تكون بإصلاح الجامعات؛ وهو ما سوف نتناوله في المقال القادم إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات: