أهلاً.. وسهلاً

مرحبا بكم في موقع الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال

مقالات علمية وسياسية - محاضرات في الكيمياء - بحوث علمية - كتب علمية في الكيمياء وتطبيقاتها - استشارات علمية (كيميائية وبيئية)















هل لديك استشارة علمية؟

الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال - استشاري الدراسات الكيميائية والبيئية
للاستشارات العلمية:
ناسوخ (فاكس): 0020222670296 القاهرة
جوال: 0020115811500



الصفحة الرئيسية

الأربعاء، ١٨ أغسطس ٢٠١٠

* قف في ربوع المجد وابكِ الأزهرَ...!

قف في ربوع المجد وابكِ الأزهرَ...!

بقلم: د/ عبد الله هلال
وكأني أرى الشاعر الراحل هاشم الرفاعي يقف في فناء الأزهر، بعد كارثة تسليم كاميليا المسلمة إلى جلاديها قبيل إشهار إسلامها، ليصرخ من جديد في وجه المتخاذلين المفرطين؛ قائلا:
قف في ربوع المجد وابك الأزهرا..... واندبه روضًا للمكارم أقفرا

واكتب رثاءَكَ فيهِ نفثةَ موجَعٍ..... واجعل مدادَكَ دمعَك المتحدرا

المعهد الفردُ الذي بجهاده..... بلغت بلاد الضاد أعراف الذُّرَى

سار الجميع إلى الأمام وإنه..... في موكب العلياء سار القهقرَى

وليت أزهر اليوم مثل الأزهر يوم صرخ الشاعر هذه الصرخة الباكية، فالفرق كبير للأسف. رحم الله هاشم الرفاعي، ورحم شيوخ الأزهر القدامى الذين حافظوا على استقلال الأزهر ونقائه، أو كما قال شاعرنا نفسه: (عاشوا أئمة دينهم وحماته..... لا يسمحون بأن يباع ويشترى). فبعد نشر صحيفة (المصريون) لقصة إسلام "كاميليا شحاتة" زوجة كاهن دير مواس وحادثة اختطافها واختفائها، تبين أن الأزهر الشريف للأسف هو المُدان الأول في هذه المأساة، رغم إدانتنا للحكومة وأجهزة الأمن والكنيسة.. إذ كيف يتحول الأزهر (الشريف) من ملاذ آمن لمن اختارت الإسلام دينا- اختيار شخصي بحرية كاملة، وسافرت مئات الأميال لتوثق إسلامها وتحمي نفسها.. كيف يتحول إلى مصيدة لاختطاف سيدة رغما عنها ومنعها من إشهار إسلامها؟. هل نسي شيوخنا الكرام الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا....)؟. إن ما حدث من قرصنة وخطف يخالف كل الشرائع والأعراف والقوانين، ويدل على انتهاء دور الدولة المصرية كدولة مستقلة، كما يلغي تماما دور الأزهر التاريخي والشرعي كجهة معتمدة لإشهار الإسلام.. ويعلم شيوخنا الأفاضل أن اعتناق الإسلام لا يحتاج إلى شهادة وأختام، فهذه وسيلة إدارية بحتة لمن يحتاج إلى وثيقة كإجراء روتيني، وشهادة الإشهار على أهميتها الإدارية ليست لها أهمية شرعية، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وهناك الآلاف ممن أسلموا لله ويكتمون إيمانهم بسبب هذه المشكلات، والإرهاب الذي يتهددهم. وكان واجب الأزهر كما تأمرنا الآية الكريمة أن يُحسن استقبال الأخت المسلمة ويستضيفها ويدافع عنها. ولا شك أن هذه الحادثة المؤسفة سوف تؤدي إلى إلغاء دور الأزهر كجهة معتمدة لإشهار الإسلام، إذ يكفي من يريد الدخول في الإسلام ترديد الشهادتين بمساعدة إمام أقرب مسجد لبيته، وليفرح مشايخ الأزهر بضياع ما تبقى له من دور!.. وسوف تبرز بالطبع عشرات الجهات الخيرية التي تستطيع ملئ هذا الفراغ الخطير. ونعود فنردد قول هاشم الرفاعي:
لهفي على صرحٍ تهاوى ركنه..... قد كان نبعاً بالفخار تفجَّرا

إن أخطر ما في هذه الحادثة ومثيلاتها أن حكومتنا الغبية استسلمت لمخططات الحلف الصهيوني الأمريكي بتقسيم كل الكيانات الإسلامية الكبيرة، وهم يعلمون علم اليقين أن مصر بطبيعتها تعتبر عصيّة على هذه المخططات، نظرا لتميزها بكونها بوتقة لصهر كل الطوائف والقبائل والأديان وإنتاج شعب أقرب إلى التجانس. وكانت تغيظهم دوما ميزة التسامح والعلاقات الحميمة التي تربط بين المسلمين والمسيحيين على مر العصور، بحيث لا يستطيع المراقب أن يميز بين المسلم والمسيحي. وتختلف مصر عن أغلب دول المنطقة والعالم في هذه الميزة، ففي العراق مثلا هناك طائفة معروفة من أصل تركي، لهم كيانهم التركماني المشهور ولم ينصهروا في دولة كبيرة وقديمة مثل العراق.. وهنا في مصر من الأتراك ما يفوق عددهم في العراق- ومنهم جدتي رحمها الله والتي كانت تفاخر بمصريتها، ولكن أين هم الأتراك الآن؟، لقد اندمجوا في الشعب المصري مثل غيرهم بحيث لا تستطيع أن تميز بين المصري ذي الأصول الفرعونية والمصري ذي الأصول التركية أو العربية، وهناك أيضا الأرمن واليونانيين وغيرهم. هذه الميزة جعلت من مصر على مر التاريخ كيانا قويا شامخا يستحيل تقسيمه على أساس عرقي أو طائفي. ولكن الحلف المعادي لم ييأس، ففكروا في النوبة جنوب مصر وفشلوا بالطبع، ولم يعد أمامهم سوى الفرز الطائفي على أساس ديني. ولا شك أن هذه مهمة صعبة، ولكنهم وجدوا ضالتهم فيما سمي أقباط المهجر.. هؤلاء الذين عاشوا بعيدا عن الوطن المتسامح ووجدوا من يزرع فيهم التعصب الأعمى، ولم يرفضوا أن يكونوا أبواقا للحلف الصهيوني الأمريكي، وأداة من أدواته، على عكس الأغلبية العظمى من أهلهم في داخل الوطن، الذين يبادلون المسلمين ودا بود وتسامحا بتسامح. ولقد تطرف هؤلاء المهاجرون المتعصبون لدرجة (إعلان الحرب) على الأغلبية المسلمة بادعائهم أن المسلمين المصريين عرب محتلون ينبغي طردهم إلى الجزيرة العربية!، ولم يخفوا تحالفهم الآثم مع العدو الصهيوني والاستقواء به وبأمريكا، وبدأوا يتجرأون ويعلنون عن هذه التخاريف، فضلا عن (إعلان الحرب)، كما أسلفنا.. وعلى الرغم من ذلك لم تتأثر الأغلبية المسلمة بهذا اللعب بالنار، ولم تتأثر بالتالي العلاقات الحميمة بين المسلمين والمسيحيين.
ولكن لا شك أن هناك نسبة من التأثير السلبي لهذه المؤامرات على الداخل المصري.. فالتعصب الأعمى لابد أن يقابله تعصبا أعمى كرد فعل طبيعي، ولا يختلف اثنان على أن التعصب يعمي البصر ويلغي العقل ويجعل المتعصب الجاهل ألعوبة هشة في يد من يحركه. وبالطبع فكلما ازداد عدد المتعصبين كلما سهل للحلف المعادي أن يغذي الشحن الطائفي، والمطلوب في النهاية الوصول إلى حالة من الفرز الطائفي ليسهل صب الوقود على النار وإشعال الحرائق التي تزيد من حالة اللاوعي وتغييب العقل. وعلى الرغم من تسليمنا بأن التعصب صار مزروعا على الجانبين الإسلامي والمسيحي، إلا أن بعض المسئولين في الكنيسة المصرية لم يتعاملوا مع هذه المشكلة بالحكمة المطلوبة، ومنهم من تبنى تخاريف أقباط المهجر، وطفا على السطح اتجاه غريب لاستغلال ضعف الحكومة في تغذية الفرز الطائفي، وشحن الشباب في اتجاهات خاطئة، والتهديد بالتظاهر بمناسبة ودون مناسبة، مما يزيد من التعصب ويقلل من الرشد والحكمة. وأغرب ما في هذا الاتجاه العجيب هو التسرع في اتهام المسلمين (بخطف) الفتيات أو السيدات المسيحيات، كلما غضبت زوجة من زوجها وتركت البيت، أو كلما أسلمت مسيحية!. هل من المعقول أن تترك سيدة بالغة راشدة دينها هكذا بسهولة لمجرد خطفها- كما يدعون- أو التحدث معها؟، فما بالك لو كانت زوجة كاهن؟!.. وهل انعدمت الوسائل للحديث مع هذه السيدة أو تلك للتأكد من (عدم خطفها!) وأنها تصرفت واتخذت قرارها بحرية كاملة؟. لا أدري ما هو المطلوب من المسلمين بالضبط عندما تطلب زوجة كاهن أو غيرها اعتناق الإسلام؟، هل من حق أحد أيا كان أن يسلبها حقها الإنساني في اختيار الدين الذي ترتاح له؟، وإذا كان الكاهن نفسه لم يستطع أن يقنع زوجته وشريكة حياته بالبقاء في دينه.. فماذا يستطيع غيره أن يفعل؟. إن التعامل مع هذا الموضوع بعصبية و (زرزرة) لن يزيد المشكلة إلا تعقيدا.. لأن موضوع اعتناق الإسلام لن ينته، وقد ازدادت هذه الظاهرة حتى في الغرب بعد الحملة الإرهابية على الإسلام كدين بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فمعروف أن من يقرأ عن الإسلام ويتبين حقيقته- بعيدا عن التزوير والتدليس والتشويه المتعمد- يتجه فورا إلى اعتناقه. كما أن هذه الظاهرة لم تتوقف يوما في مصر، سواء أعلن المعتنق إسلامه أو كتم إيمانه.. خصوصا وأن التحول من أي دين سماوي إلى الإسلام لا يعتبر كفرا بالدين السابق لأن الإسلام يفرض الإيمان بالرسل السابقين وبكتبهم، أي أن اعتناق الإسلام مجرد إضافة وزيادة في الإيمان بالخالق سبحانه، وليس ردة عن الدين الأصلي. فإذا كان العنف الذي تمارسه الكنيسة مع معتنقي الإسلام يهدف إلى إرهاب الآخرين لوقف هذه الظاهرة فأين الدولة؟، وأين منظمات حقوق الإنسان؟.
إن الاستجابة لمخططات زيادة التعصب والفرز الطائفي لن تفيد أحدا؛ بل إن خطورتها وأضرارها مؤكدة، والنار عندما تنتشر فجأة فهي تحرق اللاعبين بها أولا.. والوطن المظلوم من أبنائه لا يمكن في ظروفه السيئة الحالية أن يتحمل هذا العبث. اتقوا الله في مصر وفي شعبها.

الخميس، ١٢ أغسطس ٢٠١٠

* برنامج الاتجاه المعاكس- قناة الجزيرة

دخول إيران النادي النووي (25/4/2006)

دوافع التحركات العربية ضد مساعي إيران النووية
...........................................................
فيصل القاسم: جميل جدا، الدكتور عبد الله هلال من القاهرة، تفضل يا سيدي.

عبد الله هلال- القاهرة: السلام عليكم ورحمة الله.

فيصل القاسم: وعليكم السلام تفضل يا سيدي.

عبد الله هلال: تحية لكم وللسادة المشاهدين جميعا.

فيصل القاسم: أهلا وسهلا.


عبد الله هلال: الحقيقة الحوار ابتعد قليلا عن موضوع الحلقة ولكن أود أن أقول إن الحلف الصهيوني الأميركي لجأ إلى الخداع والتزوير وإيهام العرب بخطورة امتلاك إيران للسلاح النووي وأن هذا السلاح سوف يكون خطرا على العرب أنفسهم، فهل صحيح أن امتلاك إيران للمعرفة النووية أو حتى للسلاح النووي يشكل خطرا على العرب؟ وهل من حق الحلف الصهيوني الأميركي أو غيره منع العرب والمسلمين أو غيرهم من امتلاك السلاح النووي كأداة ردع ضد من يهدد وجودهم بالترسانات نووية؟ قبل أن نجيب على هاذين السؤالين هناك ما يعرف بالاستراتيجية النووية.. هذه الاستراتيجية تسعى الدول المستهدفة من عدو.. أي عدو إلى تحقيقها وترتكز على أربعة خيارات، الخيار الأول منع العدو من امتلاك السلاح النووي بكافة الوسائل الممكنة حتى وإن أدى ذلك إلى تدمير المنشئات النووية للعدو وقد فعلت ذلك إسرائيل عام 1981 ضد المفاعل النووي العراقي وقبلها في أحد الموانع الفرنسية ضد مفاعل عراقي أيضا وحاولت أيضا ضد مصر أثناء حرب الاستنزاف ولكن أخطأت الهدف ودمرت مصنع مجاور، الخيار الثاني إذا لم تتمكن الدولة من منع العدو من امتلاك السلاح النووي.. الواجب عليها السعي لامتلاك هذا السلاح وقد فعل ذلك في عدد كثير من الدول الاتحاد السوفيتي وكوريا وحتى باكستان أخيرا، الخيار الثالث إذا عجزت الدولة عن تحقيق أحد الخيارين السابقين فيجب عليها امتلاك خيار بديل يصلح رادعا لمنع العدو من استخدام سلاحه النووي مثل الأسلحة الكيميائية أو حتى الأسلحة التقليدية بشرط استخدامها بكثافة بطرق يعني تستطيع أن تردع العدو بحيث يفهم أن الرد سوف يكون موجعا ولا قبل له به، الخيار الأخير..

فيصل القاسم: باختصار لو سمحت، باختصار.

عبد الله هلال: لحظة بس، الخيار الأخير إذا كانت الدولة عاجزة عن تحقيق أي من الخيارات السابقة فعليها اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستيعاب الضربة النووية وتقليل الخسائر بقدر الإمكان كي تظل على قيد الحياة وهذا خيار العاجز، الواقع أن كل الدول العربية عجزت عن التفكير في الاستراتيجية النووية على الرغم من أن الكيان الصهيوني يمتلك السلاح النووي ويهدد الجميع بلا شك لأنه يعني ببساطة شديدة هذه العصابة الصهيونية لا يمكن أن تشعر بالأمان أو الراحة ما بقي عربي على قيد الحياة، فاللص بالطبع لا يمكن أن يستمتع بالنوم في البيت المسروق والآن نجيب عن السؤالين.. هل من حق العرب والمسلمين امتلاك السلاح النووي؟ هذا سؤال استراتيجي مهم بالطبع، فمادام هناك عدو يمتلك سلاحا فتاكا فمن السذاجة النوم والتغافل عن هذا الموضوع، لابد من وجود رادع..

فيصل القاسم: طيب باختصار، تريد.. ماذا عن إيران؟ أرجوك دون أن نسرد كل هذا الكلام، يعني هل من حق.. ليس من حق إيران.. من واجب إيران أن تمتلك وكيف يمكن أن تستخدم سلاحها؟

عبد الله هلال: كيف يمكن أن تستخدم سلاحها؟

سرمد عبد الكريم: ضد من؟

فيصل القاسم: ضد من؟

عبد الله هلال: أولا لا يمكن.. يعني ده سؤال مهم، هل يمكن أن تهدد إيران جيرانها العرب بالسلاح النووي؟ السؤال ده لا محل له لأنه لا يمكن لدولة أن تستخدم سلاحا نوويا ضد جيرانها لأن أكبر مشكلة لاستخدام هذا السلاح هي التلوث الإشعاعي الناشئ عنه والذي ينتشر خلال مساحة واسعة جدا ويستمر لأزمان طويلة، فالتدمير والحرق وخلافه مقدور عليه طبعا ويحدث بالأسلحة التقليدية أما التلوث الإشعاعي فهو المشكلة الأخطر والتي لا سبيل لمواجهتها بسهولة، حادثة تشرنوبل مثلا خير مثال وكلنا نعلم ماذا حدث بعد تشرنوبل، لذلك..

فيصل القاسم: طيب أشكرك جزيل الشكر، وصلت الفكرة، سيدي سمعت هذا الكلام.. أنا أسأل سؤال وذكره يعني الأستاذ أنيس قبل قليل بخصوص إنه.. يعني لماذا ثارت برأيك الآن ثائرة العرب فجأة ضد السلاح وضد القدرة النووية يعني لمجرد أنه إيران امتلكتها؟ يعني مثلا وزير الخارجية المصري.. مصر لن تقبل بوجود قوى نووية عسكرية في المنطقة، الإعلام العربي بدأ يتحرك شيئا فشيئا ضد إيران، لماذا كانوا ساكتين كل هذا الوقت عن مائتي رأس نووي إسرائيلي والآن أحسوا بإيران؟ لماذا يعني لماذا بدؤوا يتحدثون عن الجزر المحتلة؟ عندما كان الشاه موجودا لم يتحدث أحد لا عن الجزر المحتلة، أحد الأنظمة العربية قال عن الجزر المحتلة هذه شوية صخور.. شوية صخور، ليش الآن أصبحت الجزر مهمة وليش صار السلاح خطر وصار كذا؟ القصة وما فيها أنه السلاح ضد إسرائيل والأنظمة العربية ربطت مصيرها بمصير إسرائيل.

سرمد عبد الكريم: يا دكتور إسرائيل في المنطقة صار لها خمسين سنة.. ستين سنة ومنذ الخمسينات إسرائيل عندها السلاح النووي وهذا ليس سرا وتستخدم إسرائيل هذا السلاح معروف وهناك معارضة عربية واضحة وعلنية لهذا الكلام من بداية أيام المرحوم عبد الناصر وصولا إلى هذه الأيام، كل المناسبات الدولية واللقاءات تطالب بنزع السلاح أو السيطرة على السلاح الإسرائيلي، لكن لم نتعرض في هذه الفترة لتهديد فعلي إسرائيلي ذري على المنطقة على الأقل..

فيصل القاسم: ومن قال إنك ستتعرض من الإيرانيين؟

سرمد عبد الكريم: لا طبعا..

فيصل القاسم: الدكتور عبد الله هلال قبل قليل بالمناسبة.. الدكتور عبد الله هلال علم نووي..

سرمد عبد الكريم: أهلا وسهلا..

فيصل القاسم: يقول لك إنه من المستحيل أن تستخدم هذه الأسلحة ضد العرب لأسباب يعني هو يعرفها أكثر منا..

سرمد عبد الكريم: أنا ما يهمني.. هو رجل متخصص نوويا على عيننا ورأسنا لكن إحنا عندنا الأهداف الاستراتيجية الإيرانية، ما يهمنا بهذا الوضع السلاح النووي الإيراني هذه المناورات اللي سبقت الإعلان بيومين أو ثلاثة وحدثت في المنطقة، هذه الصواريخ اللي أرسلت باتجاه قطر وأرسلت باتجاه الإمارات وباتجاه الكويت، ما هذه الصواريخ؟ وما الهدف من هذه المناورات؟ ولماذا في هذا الوقت؟ ولماذا هذا التسليح؟ ولماذا هذه الغواصات اللي تم شراؤهم وملئ الخليج فيها؟ هل المقصود فيها أميركا؟ الأسطول الخامس الموجود في الخليج؟ هل هي ضد أميركا؟ وهل هذه الصواريخ ستصل أميركا وتصل أوروبا؟

فيصل القاسم: يا رجل أنت تتحدث عن دول الخليج كما لو كانت تشكل تهديدا لإيران وإيران تريد أن تهاجمها، هذه الدول العربية لا أحد يستطيع أن يهدد إيران..

سرمد عبد الكريم: لا مو هذه القضية، يا دكتور عندهم مشكلة الإيرانيين وهذه مشكلة خطيرة.. أولا النفط الإيراني نفط ناضب ووفق الدراسات سينضب يعني في المستقبل القريب وتصبح إيران خارج النادي النفطي إن صح التعبير ومن ضمن أهدافها الاستراتيجية تأمين مصادر بديلة وهي تتحدث عن المصادر النووية كونها على أساس مصادر للطاقة لكنها عينها على أهم مصدر نفطي في المنطقة اللي هو المصدر النفطي العراقي اللي هو نفط مهم جدا وجيد واحتياطي هائل والنفط السعودي والنفط الكويتي والنفط الإماراتي، هذه المناطق النفطية هي البديل المحتمل لديمومة الحياة سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو بالنسبة لإيران فلذلك إيران تريد أن تفرض نفسها بالمنطقة وأنا عندي معلومات.. وتستطيع وزارة الخارجية العراقية ترجع إلى أرشيفها، عندي معلومات مؤكدة بأنه أثناء المفاوضات الأخيرة التي جرت قبل سقوط النظام طالبت إيران.. السيد خرازي وزير الخارجية الإيراني السابق، طالب الحكومة العراقية بالتنازل عن أحد حقول النفط رسميا هذا موجود بالمحاضر ورفضت الحكومة العراقية هذا الطلب وعندما احتلت إيران حقل مجنون قالت إيران في ذلك الوقت بأنه إحنا صرنا دولة نمتلك احتياطي هائل أكبر احتياطي في المنطقة هو احتياطي مجنون، أنا أقول بأنه إيران لديها حساباتها الخاصة ولا يهم..
....................................................................................

* حلــول علميـة لمشـكلة الحــر

حلــول علميـة لمشـكلة الحــر

بقلم‏:‏ د‏.‏ عبدالله هلال

الأهرام م 24-6- 2008- الوســـط 12-8 -2010- المصريون 28-8-2010

تتميز بلادنا بالطقس الدافئ والشمس الساطعة طوال العام‏..‏ وهناك علاقة مفهومة بين الطقس الحار والكسل وضعف الإنتاج‏,‏ وبين الطقس البارد والنشاط وزيادة الحركة وبالتالي زيادة الإنتاج لذا فإننا غالبا ما نجد الشمال متقدما علي الجنوب‏...‏ وليس ذلك بالطبع هو العامل الوحيد الذي يحكم مستوي التقدم والتخلف‏,‏ ولكنه أحد العوامل المهمة ولقد شهد الجنوب حضارات متفوقة علي الشمال في مراحل مختلفة من التاريخ‏,‏ ومنها الحضارة المصرية القديمة والحضارة الإسلامية‏,‏ عندما وجد الإنسان القوي الذي يتغلب علي العوامل الجوية متسلحا بإيمانه‏,‏ ومستخدما عقله وذكاءه للتكيف مع الطقس الحار‏.‏

وقد كنا حتي وقت قريب‏,‏ وقبل أن نصاب بآفة التغريب‏,‏ نعيش في الطقس نفسه ذي الصيف الحار دون أن نعاني ما نعانيه الآن من هذا الجو الملتهب بالحرارة العالية‏.‏ كانت بيوتنا مصممة بحيث تناسب أجواء بلادنا‏..‏ كنا نستخدم خامات البيئة العازلة للحرارة‏,‏ وكانت المباني مرتفعة لتوفر كتلة مناسبة من الهواء البارد‏,‏ والنوافذ طولية متوازية لتحدث تيارا هوائيا باردا مع قليل من الشمس‏..‏ وكان الحرص علي أن تكون بعض الشرفات والنوافذ تطل علي الاتجاه البحري التماسا لنسمة هواء باردة ولذلك فقد كنا نعيش دون مكيفات أو مراوح وفي جو أفضل بكثير جدا من طقس هذا الزمن الردئ وعندما جاء الخواجة ليقلب حياتنا رأسا علي عقب فقد سرنا في ركابه معصوبي العينين دون أن نميز بين ما يمكن أن ينفعنا وما يضرنا‏..‏ فالخواجة بلاده باردة لا تري الشمس إلا نادرا ولذلك ـ وسعيا إلي الدفء ـ فقد قام بتصميم بيته علي عكس بيوتنا القديمة حيث ضيق المساحة وانخفاض المباني وكثرة الزجاج وقلة النوافذ المفتوحة‏,‏ وهو الطراز المعماري المعروف بعلبة الكبريت والذي نطلق عليه‏(‏ الحديث‏)!‏ والواجب أن نسميه الردئ‏.‏

والمستفيد الوحيد من ترك طرازنا المعماري الجميل المناسب لطقسنا واستبدال الطراز الغربي به هو الخواجة نفسه‏,‏ حيث يبيع لنا المراوح والمكيفات وأنواع الزجاج والألمنيوم الفاخر‏,‏ كما يستفيد من حالة الكسل وضعف الإنتاج بسبب الحر ليصدر لنا كل شئ‏!!‏

والآن ماذا يمكن أن نفعل بعد أن ابتلعنا الطعم وأصبح لدينا ملايين الشقق الرديئة التي لا تصلح للسكن صيفا دون مكيفات ومراوح تستزف الاقتصاد الوطني في ثمنها والطاقة العالية التي تستهلكها؟ وماذا يفعل المساكين الذين يعيشون في الأدوار الأخيرة أو الشقق‏(‏ القبلية‏)‏ ولا يستطيعون توفير أدوات التكييف أو ثمن الطاقة الكهربية؟ وما الدور الذي ينبغي أن تقوم به الإدارات المحلية لتوفير الراحة للمواطنين‏,‏ وبالتالي زيادة الإنتاج‏,‏ ووقف استنزاف الاقتصاد الوطني دون داع؟

هذه أسئلة مهمة تتحمل الجامعات والهيئات العلمية مسئولية الإجابة عنها‏,‏ وسوف نسهم في اقتراح الحلول‏..‏ مع ملاحظة أن وزارة الكهرباء تشكو زيادة الأحمال علي شبكات الطاقة الكهربية بسبب هذا الطقس الملتهب‏,‏ ولو كنت من وزير الكهرباء لجعلت قضية العودة إلي طرازنا المعماري الذي يناسبنا أولوية أولي تسبق المسئولية المباشرة للوزارة في توفير متطلبات المواطنين من الطاقة الكهربية‏...‏ لانه لا يجوز أن تقوم وزارة بالبناء وتقوم وزارة أخري بالهدم‏,‏ فوزارة الكهرباء تجتهد في توفير محطات إنتاج الطاقة ووزارة الإسكان تستنزف بتصميماتها المستوردة هذه الطاقة‏..‏ وهذه بعض المقترحات‏:‏

تجب أولا العودة إلي طرازنا المعماري الأصيل‏,‏ وكذلك الطراز الذي ابتكره العبقري المصري حسن فتحي‏,‏ وعلي وزارة الإسكان أن توفر التصميمات والخامات وتلزم القائمين بالإنشاءات مستقبلا بذلك‏.‏

هناك نوع من الطوب العازل‏(‏ يسمي الطوب الخفيف‏)‏ يصنع بتفاعل كيميائي بسيط وغير مكلف حيث تنتشر جزئيات الغاز به وتجعله خفيفا وعازلا‏.‏ يجب علي الحكومة أن توفره في كل مكان وترشد الناس اليه لاستخدامه في الواجهات التي تستقبل الشمس‏(‏ القبلية والغربية‏)‏ سواء في المباني التي تنشأ مستقبلا‏,‏ أو حتي في المباني الحالية لأن التكلفة أقل من استهلاك مكيف واحد للكهرباء في سنة‏,‏ وهذا الطوب يمكن أن يغني عن التكييف‏.‏

ينبغي توفير المواد العازلة للحرارة‏,‏ وإلزام أصحاب العمارات بتغطية أسطح المباني بها أو علي الأقل إرشاد الناس إليها وإلي طرق الحصول عليها وتركيبها‏,‏ بل وإقراض من يعجز عن دفع ثمنها وعندما تقوم أي جهة بذلك فهي تدعم الاقتصاد الوطني بالتأكيد‏,‏ ناهيك عن توفير الراحة للمواطنين وعلي سبيل المثال فإن عزل المباني في دولة الكويت شرط لتوصيل المرافق إلي العمارات والمنشآت‏.‏

هناك مشكلة الحرارة في وسائل الركوب لأنها مصنوعة من المعدن‏,‏ ولم يفكر الخواجة في حل لها لأنها لا تعنيه‏..‏ لماذا لا نفكر نحن في إنتاج سيارات تصلح للطقس الحار كأن يكون السقف من طبقتين بينهما مساحة صغيرة فارغة لإمرار الهواء وتبريد السقف؟ ولماذا لا نضع مظلة للسيارات يمكن فردها وطيها بنفس فكرة الشبكة التي تثبت أعلي السيارة؟ ولماذا لا نهتم بإنشاء مظلات مبسطة في أماكن انتظار السيارات‏,‏ وكذلك الإكثار من الأشجار؟

لم تسلم بيوت الله من مشكلة الحرارة الشديدة في أوقات الزحام‏,‏ مثل صلاة الجمعة‏,‏ رغم كثرة المراوح‏,‏ رغم أن المساجد‏(‏ أو أغلبها‏)‏ لم تصب بما أصيبت به بيوتنا من انقلاب إلي الطراز المعماري الغربي فالزحام الشديد وكثرة الزفير الساخن يسهمان في رفع درجة الخرارة ومن الناحية العلمية فالهواء الساخن يصعد لأعلي لخفة وزنه‏,‏ ويهبط الهواء البارد والمساجد عادة تصمم بحيث تحتوي علي نوافذ عادية في مستوي رأس الإنسان‏,‏ وأخري مرتفعة وهذا هو أفضل تصميم للطقس الحار‏,‏ فعندما تكون النوافذ بمستوييها مفتوحة فإن كتلة الهواء الساخن تندفع إلي أعلي ويحل محلها هواء بارد من الأبواب والنوافذ السفلية ولكن الواقع أن أغلب المساجد تغلق النوافذ العليا‏,‏ وربما السفلي أيضا‏,‏ إما لعدم وجود طريقة سهلة للفتح والغلق‏,‏ وإما لمنع العصافير والذباب والأتربة‏..‏ وينبغي أن تقوم وزارة الأوقاف بتوفير وسائل مثل تلك المستخدمة بدور السينما لفتح وغلق النوافذ العليا‏,‏ لأن ذلك سوف يوفر كثيرا من الطاقة الكهربائية التي تدير المكيفات‏,‏ وعشرات الآلاف من المراوح‏,‏ بالإضافة إلي توفير الراحة للمصلين الركع السجود‏.‏

* كارثة التعليم: نحن الآن "أمة في خطر"

كارثة التعليم: نحن الآن "أمة في خطر"
بقلم د. عبد الله هلال
الأهرام المسائي 16 يوليو 2008

برزت قضية الفساد في التعليم بمناسبة فضائح الثانوية العامة في المنيا.. وقد توقعنا أن يهتز المجتمع المصري وتسري في أوصاله الكهرباء بهذه المناسبة المُخزية، وأن يصيب الزلزال كل مؤسساتنا التعليمية بما فيها الوزارة المختصة؛ الآيلة للسقوط. ولكن وللأسف الشديد كان رد الفعل باردا جدا بسبب التغيُّر الخطير في مفهوم التعليم نفسه؛ إذ صار الهدف من التعليم في العصر الحديث هو مجرد عبور الامتحان بأية وسيلة والحصول على الشهادة- الرخصة، سواء تعلـَّم الطالب أو لم يتعلم. لقد انهارت القيم الأصيلة التي كانت تميز المدارس والجامعات المصرية.. ونعتقد أن هذا الانهيار والانحدار كانت له مقدمات كثيرة، لم تؤخذ مأخذ الجد في حينها، وتسببت ظروف عديدة في إغماض العين عنها مما أدى إلى اتساع الخرق على الراقع.. لنصل إلى حالة حرجة لم يعد يجدي معها سوى أسلوب الجراحة والاستئصال. وأخطر ما في الأمر أن المجتمع المصري بات يتقبـَّلُ حوادث الفساد في التعليم، ولا تهتز له شعرة أمام هذا الزلزال المدمر الذي يجعلنا بحق "أمة في خطر".. إذ يظن الكثيرون الآن للأسف أن مساعدة الطالب في الامتحان- سواء بالغش أو بشراء الأسئلة- هدف مشروع وحق مكتسب، وأصبح التدخل غير المعقول في امتحانات الثانوية العامة من قبل أولياء الأمور ووسائل الإعلام شيئا عاديا لا يثير الاشمئزاز ولا حتى الاحتجاج من أية جهة، وكأن المطلوب من وزارة التربية والتعليم هو منح (الدرجة النهائية) لجميع الطلاب في جميع المواد أيا كان مستواهم أو درجة تحصيلهم!. كان المفروض أن يكون التعليم هو أكثر الميادين حصانة ضد الفساد لأنه يتعلق بمستقبل الوطن، إذ لا يمكن أن تنهض أمة في ظل تعليم فاسد. فالتعليم ليس مجرد امتحان للحصول على رخصة للعمل، ولا هو مجرد تلقين للمعارف والمعلومات.. ولكنه عملية تربوية متكاملة تهدف إلى بناء الإنسان الصالح الواعي الذي يمتلك من المعارف والمهارات ما يمكـِّنه من خدمة نفسه ووطنه. ومرحلة التعليم في حياة الإنسان هي مرحلة تكوين الشخصية واستكشاف المواهب واكتساب المعرفة وتنمية المهارات والسلوكيات.. والشرط الأساسي لتحقيق ذلك هو توافر الشفافية والمساواة والقدوة الصالحة، وإذا لم يتوافر هذا الشرط في تلك المرحلة الدقيقة من حياة الإنسان فلا أمل في التعليم، لأنه سوف يصبح في هذه الحالة أداة هدم لشخصية الإنسان وسلوكياته.
والسؤال الخطير الذي يطرح نفسه في هذه المناسبة هو: لماذا تغير المجتمع المصري وصار هدف أولياء الأمور (تساندهم- بقوة- وسائل الإعلام للأسف) هو مجرد عبور أولادهم للامتحان "بتفوق" بصرف النظر عن مستواهم التعليمي؟... لقد تربينا في هذا الوطن نفسه على قيم أصيلة أساسها أن "الغش حرام"، ولم نكن نشهد في الماضي القريب هذا الاهتمام الفائق بالامتحانات "فقط" دون أدنى اهتمام بالعملية التعليمية نفسها. لم نكن نشهد هذا التكالب على لجان الامتحانات لمحاولة مساعدة الأولاد بالغش أو بشراء الأسئلة.. كانت حوادث الغش ومساعدة أولاد بعض قيادات التعليم المحليين نادرة وممقوتة ومستهجنة، وكان الطالب الذي يحظى بالمساعدة أو الغش يشعر بالخزي والعار أمام زملائه. كان هناك شعور وفهم عام بأن الغش لن يفيد؛ لأن الطالب الغشاش الذي لم يتعلم جيدا لن يستطيع المواصلة بالمراحل التالية.. وكان أولياء الأمور يتفهمون ذلك ويريحون أنفسهم من عناء اللهث وراء الامتحانات ولجانها، وكانوا بالتالي يهتمون بالعملية التعليمية نفسها، ونشأت فصول (التقوية) لمساعدة الطلاب ضعاف التحصيل، وظهرت الدروس الخصوصية من أجلهم لأنه لا حل سوى التعلـُّم الحقيقي ورفع مستوى الطالب. وكانت قصص القِلة القليلة من الطلاب الذين حصلوا- بنفوذ آبائهم- على "الدرجات العلا" في الثانوية العامة ثم فشلوا في مواصلة تعليمهم بكليات الطب وغيرها دائما حاضرة. فما السبب يا تـُرى في هذا الانقلاب الخطير في مفهوم التعليم؟، وهل هناك حل لهذه المعضلة التي تهدد مستقبل الوطن؟
لا شك أن انتقال الفساد التعليمي إلى الجامعات أيضا هو الذي يشجع أولياء الأمور على محاولة مساعدة أولادهم بالغش لعبور امتحان الثانوية العامة.. فالطالب الغشاش بالثانوي يمكن أن يكون غشاشا بالجامعة، ليتخرج ويحمل شهادة تؤهله "بجهله" لقتل المرضى الذين يوقعهم حظهم العاثر في عيادته، أو تدمير المنشآت التي يصممها أو يشرف على بنائها، أو تسميم الناس بالمياه الملوثة ...الخ. وأصحاب النفوذ والمال الذين يستطيعون شراء الامتحانات بالثانوي هم الذين يستطيعون فعل الشيء نفسه بالجامعة، وهم الذين يستطيعون تدبير وظائف لأولادهم الجاهلين فور التخرج، رغم البطالة السائدة.. فلماذا لا ينتشر الغش وشراء الذمم؟!. وقد ساعد على استفحال هذه الظاهرة- إلى جانب الانهيار الجامعي- وجود الجامعات والمعاهد الخاصة التي تؤكد بنظمها الحالية المعلنة أنها نشأت لهذا الصنف من الطلاب. فالجامعات الخاصة في الدنيا كلها تتنافس في اجتذاب الطلاب المتفوقين أكثر من التنافس على (جيوب) أولياء الأمور، لأن المستوى الأكاديمي للجامعة ومستوى خريجيها هو الأهم.. وهو الذي يجلب المال أيضا؛ لأن الطلاب في الدول الجادة يتسابقون للالتحاق بالجامعات المحترمة ذات السمعة الممتازة التي تهتم أساسا بالعملية التعليمية وبتخريج أفضل المتخصصين. وهذا واضح أيضا حتى في مدارسنا الخاصة الحالية.. فالمدارس الخاصة المتميزة لا تقبل إلا أفضل الطلاب، بل وترفض قبول الطلاب ضعاف التحصيل حفاظا على سمعتها.
وقبل أن نقترح الحل لمشكلة فساد التعليم ننبه إلى أن ما حدث في المنيا لا يمكن أن يكون قاصرا على هذه المحافظة، فقد أدى الطمع في المال وسوء الأداء وانعدام التنظيم إلى كشف الجريمة.. ولكن ليس هناك ما يؤكد أنها لم تحدث في محافظات أخرى، وحادثة اللجان الخاصة بالشقق المفروشة لا زالت ماثلة، ومحاولات الغش في اللجان عموما دون وجود أية مقاومة أو تأنيب للضمير تؤكد ما ذهبنا إليه من تشوه مفهوم التعليم ذاته؛ لدى عامة الناس وخاصتهم. وقد تسربت آفة الغش إلى كثير من الجامعات، وهناك غش (رسمي) من نوع آخر تقترفه أغلب الكليات الآن من خلال إعداد قائمة من الأسئلة (وبيعها للطلاب) تحت مسمى "الشيت".. ولا يخرج الامتحان عنها لأن الطالب اشتراها بـِحُرِّ ماله، والأستاذ حصل على هذا المال!. والشيء الذي ينذر بالخطر أن كارثة الدروس الخصوصية بالتعليم العام انتقلت كما هي إلى الجامعات الكبرى، وصارت مشكلة الطلاب الآن هي ضياع وقتهم في التنقل بين المراكز التعليمية المتناثرة في أحياء العاصمة، بل والشكوى من الازدحام بهذه المراكز. وقد ذكرت "المصريون" في عدد سابق أن هيئة تدريس إحدى الجامعات ترفض الربط بين زيادة الدخل ومشروع جودة الأداء؛ وهذا يبرز موقفا عجيبا للمجلس الأعلى للجامعات..إذ من المفروض أن جودة الأداء فرض عين على كل من يتولى وظيفة عامة، سواء كانت هناك زيادة في الدخل أو لا، فلماذا لم يتابع المجلس الموقر موضوع جودة الأداء قبل الحديث عن هذه الزيادة في الدخل؟، وهل يمكن مثلا لمن يملك المال الذي يغنيه عن هذه الزيادة في الدخل أن يهمل في عمله ولا يهتم بموضوع الجودة؟.. ما لكم، كيف تحكمون؟!.
ونأتي إلى الحل المقترح لإنقاذ التعليم من هذه الفضائح المخزية التي أفقدت الدول العربية الثقة في التعليم المصري وفي الخريجين المصريين، حيث تفضل عليهم الهنود والباكستانيين والسودانيين. وبداية فلا مفر من إعادة الانضباط إلى المدارس والجامعات بالإجراءات الإدارية العادية التي تطبق في أنحاء العالم والتي كانت مطبقة وناجحة في مصر في الماضي القريب.. ويجب ألا يكون هناك مكان لمسئول يقصر في أداء هذا الواجب. كما ينبغي أن تتضافر كل الجهود والمؤسسات لإزالة التشوه الحادث لمفهوم التعليم، وإعادة القناعة العامة للجمهور بأن من ينجح بالغش لن يستطيع مواصلة تعليمه.. وهذا لن يتأتى إلا بإعادة الانضباط والاحترام إلى الجامعات، ويساعد في تحقيق ذلك ألا تكون الشهادة بمفردها هي المؤهل الوحيد للعمل. لقد كثرت الجامعات الإقليمية والجامعات والمعاهد الخاصة في ظل هذه الأزمة التي تعصف بالعملية التعليمية، ويصعب تصور أن كل هذه الجامعات تعد خريجيها بالمستوى العالمي المطلوب، أو حتى بمستوى متقارب داخل مصر. لابد من وجود مرجعية تشير إلى مستوى الجامعة ومدى جديتها، ويتحقق ذلك بوجود جهة محايدة (سواء محلية أو خارجية) لاختبار الطلاب (أو على الأقل الخريجين) ومراجعة الحد الأدنى من المعرفة اللازمة لكل تخصص، واعتماد الشهادات بناء على هذا الاختبار. ليس معقولا أن يتساوى خريج الجامعة الخاصة الذي ربما نجح بماله، أو خريج جامعة حديثة العهد لا أحد يدري كيف تدار امتحاناتها، مع خريج جامعة كبيرة لا زالت تتمتع بالجدية. إن مصر في حاجة ماسة لإصلاح التعليم.. والإصلاح لا زال ممكنا، والبداية لابد أن تكون بإصلاح الجامعات؛ وهو ما سوف نتناوله في المقال القادم إن شاء الله.

الأربعاء، ١١ أغسطس ٢٠١٠

* إيطاليا تعترف بجرائمها الاستعمارية !

إيطاليا تعترف بجرائمها الاستعمارية !
بقلم د. عبد الله هلال
المصريون 1 - 9 - 2008

نجحت ليبيا في تحقيق أكبر إنجاز لدول العالم الثالث المتخلف، المغلوبة على أمرها، والتي لا تزال تعاني من الحقبة الاستعمارية الغربية، التي اتسمت بسرقة الموارد، والإبادة الجماعية للشعوب المحتلة المقاوِمة، والتغيير القسري للمعالم الثقافية والدينية والحضارية، ووضع الحدود المصطنعة لتفريق الأمم التي لديها ما يوحد صفوفها، وتربية وتجنيد العملاء وتوصيلهم إلى سدة الحكم.. إذ اعترف المحتل السابق بجرائمه تجاه الشعب الليبي المناضل، مقدما الاعتذار، والتعويض المادي. وعلى الرغم من ضآلة التعويض المادي (5 مليار دولار) الذي لم يتجاوز ضعف ما دفعته ليبيا لضحايا حادثة لوكربي وحدها، فقد سرقت إيطاليا من ليبيا أضعاف أضعاف ذلك.. إلا أن الإنجاز الأكبر هو في إقرار المبدأ نفسه، وهو أنه لا يجوز أن يفلت اللص بالمسروقات مادام أصحابها على قيد الحياة، فما ضاع حق وراءه مطالب. وقد سبق أن طالبنا مصر والجزائر وغيرهما من الدول العربية والإسلامية بفعل ما نجحت ليبيا في انتزاعه من بين فكي المحتل السابق، خصوصا وأننا لدينا الكثير من أوراق الضغط التي يمكن أن تجبرهم على الإذعان لهذا الحق الذي لا يسقط بالتقادم.. وقد استثمرت ليبيا حاجة إيطاليا لنفطها وأسواقها ونجحت في تحقيق هذا الإنجاز الكبير. وتستطيع مصر بسهولة أن تنتزع هذا الحق من كل من فرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني.. ولكن ذلك يتطلب وجود حكومة وطنية منتخبة انتخابا حقيقيا دون تزوير لكي يدرك هؤلاء أن الحكومة وراءها شعب يساندها، ويمكن أن يتحرك ويقاطع ويناضل بإشارة من إصبعها.
ولا شك أن مصالح المحتلين القدامى بالدول العربية والإسلامية أكبر من أن يُضحَّى بها، حتى وإن استبعدنا النفط (لأسباب "واقعية" بسبب الوهن العربي الراهن).. إذ يكفي أننا (للأسف) نستورد كل شيء من لعب الأطفال والطعام واللباس إلى الطائرات والصواريخ، وصارت بلادنا سوقا مغرية لكل منتـِج؛ فهل تتحمل أية دولة منتجة أن نغلق أسواقنا في وجهها؟. إن الأسس الاقتصادية السائدة في العصر الحديث يمكن أن تجبر هذه الدول على الإذعان لمطالبنا المشروعة لأنه لا توجد دولة يمكن أن تتحمل تراكم إنتاجها دون تصدير ولو ليوم واحد في ظل ارتفاع الأجور وسيادة القيم الرأسمالية النفعية. فهل يفهم العرب والمسلمون أن بأيديهم سلاحا جبارا يمكن أن يعيد إليهم حقوقهم ويغير واقعهم تغييرا جذريا؟. فلو علمت أمريكا- مثلا- أن يوما سيأتي لإجبارها على دفع التعويضات للشعبين العراقي والأفغاني.. هل كانت تجرؤ على استمرار احتلالها لهذين البلدين؟، ومن أين تأتي بميزانية تتجاوز دخلها القومي لتعويضهم عن جرائم الاحتلال؟.
للأسف الشديد لم تجرؤ أية حكومة عربية (باستثناء ليبيا) على مجرد التفكير في هذا الحق الطبيعي والواجب الذي لا يسقط عن عاتقنا لأي سبب.. وكيف ذلك وهم لا يجرؤون على مجرد قطع العلاقات وإلغاء الاعتراف بالعدو الصهيوني أو حتى مقاطعته?!.. بل وصل الانهيار إلى استرضاء العدو ورشوته بالتنازل عن الأرض المقدسة والاعتراف به والتطبيع الذليل معه وبشروطه مقابل وقف عدوانه, وهم يعلمون أنه سوف يستثمر هذا الاعتراف ويرسخ أقدامه أكثر دون أن يعطيهم شيئًا كما حدث مرارا، ويحدث. إن السياسات الحكومية العربية للأسف الشديد تصب كلها ضد مصالح العرب، وضد الأمن القومي العربي، ولصالح الحلف الصهيوني الأمريكي الذي يناصبنا العداء علنا.
ولا ندري- بعد أن تمكن الوهن منا- لماذا يغفل العرب عن العمق الاستراتيجي لهم, والذي منّ الله تعالى علينا به على امتداد العالم الإسلامي .. مترامي الأطراف?!. إن ألف باء السياسة الرشيدة أن تحافظ على مصادر قوتك وتنميها, ولا تسمح لأحد بالعبث في هذه المصادر أو بسلبها منك.. والواقع أن العرب تعودوا أن يهملوا العمق الإسلامي.. فسمحوا للحلف الصهيوني الأمريكي بالعبث في العلاقات العربية التركية قبل عدة سنوات؛ (ولولا وصول الإسلاميين الأتراك إلى الحكم لتزايد العداء التركي العربي), وتزايد الخطأ عندما انحازوا إلى اليونان ضد تركيا في موضوع المشكلة القبرصية.. ووقفوا على الحياد بين الهند وباكستان, ولم يساورهم القلق عند انفصال باكستان الشرقية «بنجلاديش» عن الدولة الإسلامية الوليدة في شبه القارة الهندية, رغم أن الهند أذكي من أن تعادي العرب أو تجرؤ على دفعهم إلى مقاطعتها.. وعندما انطلقت الثورة «الإسلامية» في إيران ووقفت لها أمريكا بالمرصاد, انحاز العرب للحلف الصهيوني الأمريكي ضد الدولة الإسلامية التي طردت الصهاينة وسلمت سفارتهم للفلسطينيين!.. كذلك فقد وقف العرب على الحياد (السلبي) بين أذربيجان وأرمينيا التي انتزعت إقليم ناجورنو كاراباخ, وبين روسيا والشيشان التي تناضل لانتزاع حقها في الاستقلال أو الحكم الذاتي, وبين الصرب والمسلمين في كل من (البوسنة والهرسك), و(كوسوفا), وبين الفلبين والمسلمين المضطهدين المطالبين بالحكم الذاتي, وبين الصومال وإثيوبيا التي سرقت إقليم أوجادين- وتحتل الصومال الآن, وبين الاتحاد السوفيتي البائد والدول الإسلامية في آسيا الوسطى.. إلى آخر هذه القائمة المخجلة!. كما وقف العرب مكتوفي الأيدي عندما ألغيت الحروف العربية من كتابة لغات الدول الإسلامية في تركيا وروسيا وآسيا الوسطي والدول الأفريقية وغيرها.. علما بأن العرب يملكون الكثير والعديد من وسائل الضغط مما يمكنهم من نصرة إخوانهم المضطهدين في أرجاء العالم والتشبث بالعمق الإسلامي, ودون الحاجة إلى إعلان الحرب.. في زمن "الوهن"!!.
مطلوب جهود شعبية للمطالبة بالتعويضات
• إن الممارسة العملية على الساحة السياسية العربية تثبت أن الحكومات العربية قد فقدت مبررات وجودها, ولم يعد لديها ما تقدمه في أي شأن من شئون الأمة بعد أن فقدت توازنها أمام الأعداء وانهارت مناعتها تماما, لدرجة أن المرء يشعر أن العرب ليسوا جديرين بشرف استرداد القدس الشريف.. لا سلمًا ولا حربا. لذا فإننا بمناسبة الإنجاز الليبي نتوجه إلى الشعوب العربية والإسلامية: مطلوب تشكيل جمعيات أهلية لنشر فكرة مطالبة المحتل السابق بالاعتذار ودفع التعويضات، على أن تقوم هذه الجمعيات بإجراءات الدراسات والحسابات اللازمة لمعرفة كم الثروات التي سرقت ونهبت، والخسائر المتراكمة التي تحملتها بلادنا بسبب الاحتلال للوصول إلى تصور للمبالغ التي ينبغي المطالبة بها على سبيل التعويض، علما بأن أموال الدنيا لا تعوض روحا واحدة لمجاهد كانت جريمته أنه يدافع عن وطنه.

* إنقاذ التعليم.. يبدأ بإصلاح نظام اللجان العلمية

إنقاذ التعليم.. يبدأ بإصلاح نظام اللجان العلمية
بقلم د. عبد الله هلال

المصريون 20 - 8 - 2008

تساءلنا في المقال السابق عن السر الكامن وراء التغيُّر السلبي للإنسان المصري.. المحب أساسا للتعليم، ولماذا أصبح هدف الآباء والأمهات هو مجرد اجتياز أولادهم للامتحان "بتفوق" بصرف النظر عن مستوى التحصيل بالسلم التعليمي؟.. وانتهينا إلى أن انتقال الفساد التعليمي إلى الجامعات أيضا هو الذي يشجع أولياء الأمور على محاولة مساعدة أولادهم بالغش لعبور امتحان الثانوية العامة، إذ أن الطالب الغشاش بالثانوي يمكن أن يكون غشاشا بالجامعة؛ إن وجد الفرصة. لابد إذاً من إصلاح الجامعة أولا لكي يمكن إصلاح التعليم بصفة عامة.. وهذا الأمر مطروح بقوة منذ أن ظهر تدني ترتيب جامعاتنا مقارنة بالجامعات العالمية لدرجة أن طلابنا الآن قلقون من عدم الاعتراف بشهاداتهم خارج الوطن. ولكن هل جامعاتنا وصلت هي الأخرى إلى المستوى نفسه الذي نعاني منه في التعليم قبل الجامعي وتحتاج بالتالي إلى سرعة التقويم والإصلاح؟، للأسف نعم.. ويكفي تقييم مستوى الخريجين هذه الأيام مقارنة بمستوى خريجي الجامعات نفسها في الماضي القريب لندرك عمق الأزمة. ولكي نصلح الجامعة فلا مفر من وجود أستاذ جامعي يستحق لقب أستاذ، وهذا موضوع كبير وخطير. ليست المشكلة إذاً في تدني دخول الأساتذة كما يدعي البعض.. ولن نجد حلا لهذه القضية بمجرد زيادة المرتبات، على أهميتها. ولكن لابد من عودة الأستاذ الجامعي إلى مكانته الأصلية المحترمة المفقودة في كثير من الجامعات والمراكز البحثية، ولكي نبين عمق الهوة السحيقة التي انحدرنا إليها؛ نورد أمثلة قليلة وبسيطة (عاينتها بنفسي) يمكن أن تدلنا على موضع الداء.. لأن الفساد هناك؛ في أعلى الرأس!.
في دولة خليجية؛ تعاقدت "أستاذة" مصرية بجامعة إقليمية لتدريس أحد التخصصات الأساسية المهمة.. وكانت المفاجأة المحزنة أن هذه الأستاذة لا تفقه شيئا في ذلك التخصص لدرجة أن الطالبات الخليجيات المهذبات اللاتي يرضَيْن بأقل القليل من العلم- إن أحسن الأستاذ تقديمه- رفضنها وطالبن بتغييرها. وعندما تدخل الزملاء لحل المشكلة، بتشجيع من عميد الكلية الذي شعر بالحرج لأنه كان رئيس اللجنة التي تعاقدت معها، اقترح البعض أن تختار المقرَّر الذي يروق لها وتستطيع أن تقنع به الطالبات (وليكن تخصصها الدقيق).. ولكنها فشلت للأسف في تقديم أي مقرَّر بحجة أنها "مقررات صعبة"، واضطر العميد لإنهاء عقدها. وقد تسببت هذه الواقعة في فتح حوار محرج للمصريين هناك عن مستوى الأساتذة وعن أزمة التعليم في مصر، وكانت فرصة للبعض من غير المصريين للاصطياد في الماء العكر لدرجة أن لجنة التعاقدات للعام التالي- التي كانت تبدأ بمصر عادة- وضعت مصر في ذيل القائمة بعد سوريا والأردن والسودان وتونس. وبالطبع احتدم النقاش بين المصريين عن اللجان العلمية، وكيف تسمح بترقية من هم دون المستوى، وعرفنا أن زوج هذه الأستاذة الموقرة عضو بإحدى اللجان العلمية؛ فبَطـُل العجب!... وذُكِرتْ في المناقشة قصص كثيرة عن التربيطات والهدايا والرِّشا؛ وتصل هذه الرشا للأسف- كما سمعت من بعض الزملاء- إلى مستويات متدنية، مخجلة!.
وقد ذكرتني هذه الحادثة بواقعة أخرى مغايرة حدثت مع زميل مبدعٍ بإحدى الجامعات الكبرى.. إذ كتب مقالا ممتازا لمجلة عالم الكيمياء، وعندما وجدت كرئيس للتحرير أن كتاباته نموذج جيد لتبسيط العلوم طلبت منه الاستمرار في الكتابة، ولكنه اختفى فجأة بعد المقال الثاني.. وبحثت عنه لأجد شخصية مختلفة يتملكها الحزن والاكتئاب، فقد أسقطته اللجنة العلمية (لدرجة أستاذ مساعد) بتوصية من أحد أساتذته لأنه تجرأ ونشر مقالين في مجلة (ثقافية!) دون أن يضع اسمه (أي اسم الأستاذ)، واعتذر المسكين عن الكتابة لحين الحصول على درجة أستاذ قائلا: يجب أن (أمشي جنب الحيط) وأسمع الكلام!.. عارٌ عليّ أمام تلامذتي أن أسقـَط مرة أخرى.
ويتبين من ذلك أن اللجان العلمية- رغم احترامنا لأغلب أعضائها- بنظامها الحالي ليست الوسيلة المثلى لمنح أخطر الألقاب العلمية وأهمها، فالمفروض أن تكون هذه اللجان هي البوصلة التي تضبط الأداء، والميزان الذي يقيم العدل، وهي التي تقرر من الذي يستحق أن يكون عالما وأستاذا نأتمنه على الحقيقة العلمية وعلى مستقبل خريجينا، أي مستقبل الوطن.. فليس معقولا أن تمسخ شخصية الإنسان الجاد لكي يحصل على لقب أستاذ، أو أن تمنح الألقاب للمتسلقين والمنافقين دون حساب. وهناك قصص كثيرة وخطيرة تبين أن التعليم والبحث العلمي في مصر في خطر حقيقي، فكثيرا ما نسمع عن زملاء ظـُلموا عمدا لأسباب شخصية وانتقامية، وزملاء دون المستوى حصلوا على الترقية في لمح البصر، بالتوصيات والمجاملات والهدايا، بل وصل الأمر إلى التغطية والتستر على من حصلوا على الترقية بالتزوير وسرقة البحوث لأنهم أطعموا الأفواه.. فاستحت العيون، والعقول!، ولدينا أمثلة وأسماء لمن يريد.
وعلى الرغم من ذلك فلجان المجلس الأعلى للجامعات تعتبر أفضل حالا من لجان المراكز والهيئات البحثية، وهي جزء لا يتجزأ من المنظومة التعليمية.. وينطبق عليها قانون الجامعات. كان المفروض أن تكون هناك لجنة واحدة قومية لكل تخصص على مستوى الجمهورية؛ تحقيقا للشفافية والحياد والعدالة.. ولكن بعض الهيئات العلمية خارج الجامعات آثرت أن تنشئ لجانا تعتبر بمثابة (دكاكين) خاصة ليظل أمر الترقيات في أيدي قياداتها. ويمكن بسهولة الحكم على مستوى هذه الدكاكين الخاصة بمطالعة أسماء بعض أعضاء هذه اللجان لنجد المزوِّر والمتهم في ذمته، بل ونجد الجاهل الذي لم يبلغ إنتاجه العلمي نصف المطلوب من المتقدمين للترقية!. وقد تعجبت من جرأة أحد مقرري هذه اللجان وهو يتحدث مع زميلته بالطرقات وبصوت عال (دون خشية أن يسمعه الناس) قائلا: والله ما استفدت شيئا من هذه الترقية سوى تعيين ابنتي!. أما أخطر ما في الأمر فهو طلب الرِّشا عيني عينك.. وهذا ما تأكدت منه بنفسي، ولولا ذلك لما صدقت، عندما سأل زميل (معار إلى إحدى دول الخليج) مقرر إحدى اللجان عن الأوراق المطلوبة للترقية؛ فأخذ (المقرر) يتوجع ويشكو سوء الحالة الاقتصادية وضيق ذات اليد وإلحاح ابنه عليه لشراء سيارة.. ثم ألمح إلى سرعة ترقية أستاذ آخر عائد من الخليج قائلا: استطعنا ترقيته قبل تطبيق اللائحة الجديدة لأنه "جدع" ويستحق.. ولكن الزميل لم يفهم الرسالة أو لم يعيرها اهتماما، لثقته في إنتاجه العلمي الذي يبلغ أكثر من ضِعف المتقدمين معه، فأسقطوه ظلما وعدوانا. إلى هنا والأمر يمكن تقديره على محمل الظن أو سوء الفهم، ولكن عندما ذهب الزميل ليتقدم للمرة الثانية استدعى المقرر مدير مكتبه دون مناسبة وطلب منه الاتصال ببنك (...) والسؤال عن الشهادات البلاتينية: فئاتها وعائدها، فأخذ مدير المكتب ينظر إلى الزميل مبتسما ويقول لقد سألت قبل ذلك وأعرف... مبينا قيمة الشهادة المطلوبة!. ولكن الزميل الواثق من مستواه العلمي ركب رأسه ولم يستجب، وبالفعل لم يستطيعوا إسقاطه ثانية، ولكنهم وجدوا طريقة أخرى لتأخيره عن زملائه بتأجيل اعتماد المجالس له دون غيره. وقد وصل الهوان إلى أن إحدى اللجان- وبتدبير من مقررها- تفرض على المتقدمين للترقية، بسيف الحياء والتهديد والابتزاز- وهم منتظرون للدخول للمناقشة- دفع مبالغ مالية كبيرة (بنظام الشحاذة، أو البقشيش) بحجة إحضار وجبة غداء لأعضاء اللجنة!.
ما أوردناه مجرد أمثلة بسيطة لقلة من المفسدين، ولكنها تبين خطورة الأمر، فعندما تتسرب كارثة الرشوة إلى هذه الأماكن الحساسة التي من المفروض أن يقتدي الناس بأهلها، فعلى مصر السلام.. وهذا يدعونا للتفكير في وسيلة أخرى أكثر عدالة وحيادية للحكم على مستوى الأساتذة والعلماء الذين يتعلق بأيديهم مستقبل التعليم والبحث العلمي، بل ومستقبل الوطن كله. وأعتقد أن أفضل طريقة هي إلغاء نظام اللجان والاستعاضة عنه بنظام القوائم.. حيث تنشأ قائمة لكل تخصص بأسماء كبار الأساتذة والعلماء ممن تنطبق عليهم الشروط، وعند تقدم عضو هيئة تدريس للترقية يوزع إنتاجه العلمي على الثلاثة الذين عليهم الدور بالقائمة. وبذلك يصعب تدبير أسماء معينة لأي شخص، ويصعب بالتالي مجاملة أحد أو الانتقام من أحد. وهذا يرفع مستوى الأساتذة ومستوى التعليم بالتالي لأن وجود وسائل غير شرعية للترقية هو الذي يشجع على الكسل وعلى عدم بذل الجهد والاهتمام بالجودة.. وهذا لا يختلف عن فضائح الغش وشراء الامتحانات بالثانوية العامة، فالمصيبة واحدة، وأسبابها ودوافعها ونتائجها واحدة. ولن يتغير ترتيب جامعاتنا بين جامعات العالم أو يُعترف بها دون إصلاح الرأس، فينصلح التعليم كله.

* احتراق وطن!

احتراق وطن!
بقلم د. عبد الله هلال

المصريون 22 - 8 - 2008

احترقت قلوبنا ونحن نشاهد النيران التي أحرقت أهم وأعرق مبني في مصر.. فلقد أتي الحريق على مبنى تاريخي مهم، وعلي أرشيف الملفات البرلمانية وعلى وثائق نادرة كثيرة- مهمة وخطيرة- لا تقدر بثمن ومحفوظة منذ عقود، وثائق لا يمكن تعويضها لأنها تسجل تاريخ مصر السياسي وتراثها النيابي. ويأتي هذا الحريق "الفضيحة" ضمن سلسلة من الحوادث والكوارث التي تؤكد انهيار الجهاز الإداري للدولة وتحلله تماما بعد أن أصيب بالشيخوخة والشلل وعشش فيه الفساد وسادت العشوائية والتخبط وانتشر الإهمال، ولم يعد هناك من يحرص على أداء واجبه الوظيفي، ناهيك عن الواجب الوطني. فلقد أثبت هذا الحريق ضعف الاستعدادات واستخدام وسائل الإطفاء العادية والتقليدية، بالإضافة إلى الغياب التام للتفكير العلمي المنطقي، وعدم الاستفادة من المنجزات العلمية والتقنية التي يتمتع بها العالم منذ زمن طويل مما أدى إلى تفاقم الوضع. ألا يدرك المسئولون فينا أن الدنيا تقدمت وأصبحت هناك مساحيق كيميائية تستخدم لإطفاء حرائق الأماكن المهمة التي بها أوراق أو آثار مهمة لا يجوز أن تصل إليها مياه الإطفاء؟.. ألم يسافر هؤلاء المسئولون إلى الخارج ويشاهدوا خلايا استشعار الدخان المثبتة في الأسقف لتأمين المباني بالإنذار وبالدفع الآلي لمساحيق الإطفاء تلقائيا عند وجود أي دخان؟.. ألم يسمعوا عن خطط الطوارئ التي تتدرب من خلالها فرق الإطفاء عمليا ودوريا على إطفاء مختلف أنواع الحرائق؟. إن المبنى المحترق منشأة أكثر من مهمة وتخضع عادة لتدابير أمنية مشددة ، ويقع في مكان أكثر من مهم، ومعروف أنه مسقوف بالخشب القابل للحرق، والحكومة بأجهزتها الأمنية موجودة هناك على مدار الساعة، ونقطة الإطفاء موجودة أمامه مباشرة بمجمع التحرير.. فكيف يحترق المبنى بهذه الكيفية مما دفع القوات المسلحة إلي التدخل وإرسال الطائرات العمودية للمساهمة في إطفاء الحريق، ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن خرجت النيران عن السيطرة. لقد احترقت- ومعها قلوبنا- قاعة مجلس الشورى التي تمثل قيمة تاريخية كبيرة، وكانت تضم مجلس النواب قبل عام 1952 عندما كانت مصر تعرف حياة ديمقراطية حقيقية مزدهرة.. وأثرت النيران والمياه المستخدمة في الإطفاء على المبنى الأثري الذي يرجع تاريخ إنشائه إلى مائتي عام، والعالم كله يشهد فضائحنا على القنوات الفضائية ودون أن يحاسب أحد، أو يخجل أحد من نفسه ويستقيل؟.. هل هو الإهمال والكسل والتواكل وإسناد الأمر إلى غير أهله؟، أم الجهل والسطحية واتباع أسلوب الفهلوة وغياب الخطط المبنية على الأسلوب العلمي؟.
لقد غاب العلم وغاب "أهل الخبرة"، وتزايدت المصائب والكوارث على أيدي "أهل الثقة" الذين أثبتوا أنهم ليسوا أهلا للثقة. وأيا كان الأمر.. فهذا جرس إنذار بأن الوطن كله يحترق أمام أعيننا ولا أحد يحرك ساكنا، الوطن يحترق ورجال الأعمال المسيطرون عليه مشغولون بأموالهم واحتكاراتهم ونزواتهم، وأجهزة الدولة مشغولة بحمايتهم وتأمينهم، والشعب يحترق هو الآخر بنار الغلاء والبطالة والجوع والمرض. هل هناك من بين أهل الحكم من يقوم بالتخريب, ويسعي إلي هدم النظام, ويعمل علي إسقاط الحكومة من داخلها?.. لقد تكرر في الآونة الأخيرة الكثير من الوقائع والظواهر التي تدل علي أن هذا السؤال مطروح بالفعل, وإلاّ فالبديل هو إما أن الحكومة غائبة عن الوعي ولا تعرف رأسها من رجليها وإما أنها تتسلح بالعناد وتتعمد عدم التنازل أمام الشعب (مصدر السلطات), أي تأخذها العزة بالإثم.. وفي كل الأحوال فهذا يعني أن تلك الحكومة غير جديرة بمسئولية الحكم, وأنها فاقدة للشرعية. ولكن المثل يقول إن مصر بلد العجائب ومن أعجب ما شهده القرن الأخير ظاهرة الحكومات المعمًّرة! قد يكون هناك مبرر للبقاء «الدائم» في الحكم إن كان ذلك برغبة الشعب وكانت الحكومة ناجحة وتقدم كل يوم جديدا.. أما أن يطول البقاء في السلطة لحكومة خائبة وفاشلة وليس لديها خطة مستقبلية لعلاج هذا الفشل, فذلك مما يدعو إلي السخرية والعجب فمصر تنفرد - علي عكس الدنيا كلها - بتخلف القطاع الحكومي عن القطاع الخاص, مع أن الحكومة هي التي تملك ميزانية الدولة وهي التي تخطط وتنفذ ما تشاء من الأعمال وتستطيع أن تستحوذ علي أفضل العقول وأعلي الكفاءات. وفي أي دولة صغرت أم كبرت تجد التنافس بين الناس للالتحاق بالمستشفي الحكومي أو الجامعة الحكومية أو المدارس الرسمية سعيًا للحصول علي أعلي المرتبات وأفضل المزايا العلاجية والتأمينية.. أما في مصر العجيبة فالناس يفرون من الحكومة فرار السليم من الأجرب, فالمنشأة الحكومية هي الأقذر وخدماتها هي الأسوأ والشيء الغريب أن العاملين الفاشلين في الصباح (بالمرافق الحكومية) هم أنفسهم الناجحون في المساء (بالقطاع الخاص). فهل يرجع ذلك إلي خلل مزمن وتخلف في الإدارات الحكومية أم إلي تداخل مريب بين القطاعين؟.. وإذا كانت الأولي فلماذا تعمر حكومة متخلفة, وإذا كانت الثانية فمن المستفيد ومن الذي يقف خلف تخريب القطاع الحكومي لصالح الأعمال الخاصة?! خذ مثلا قطاع التعليم، تجد كتابا حكوميا يعلم الجميع أنه يلقي بالقمامة.. وبالمقابل هناك كتب خاصة هي الرائجة وتحقق المليارات لأصحابها, وإذا فتشنا عن أصحاب هذه الكتب فسوف نكتشف بسهولة السر في سوء حالة الكتب الحكومية, وقسّ علي ذلك مملكة الدروس الخصوصية والجامعات والمدارس الخاصة وغير ذلك الكثير. لذلك فليس متوقًعا, في ظل هذه الفلسفة الحكومية, أن تفلح الحكومة في صنع أي شيء مفيد.. فقد تخلفنا في جميع الميادين ولم ننجح في تطوير صناعة أو التفوق في إنتاج سلعة وتصديرها أو حتى الحفاظ علي تفوقنا التاريخي في الزراعة, فصرنا كمن يمشي للخلف, لأن كل فرد يعمل لصالحه هو وليس لصالح الوطن وقد استسلمت الحكومات المتعاقبة لهذا الفشل والشعور بالعجز ولم نجد حكومة واحدة تحاول أن تضع خطة لحل أي مشكلة مزمنة مثل الأمية أو انتشار مرض البلهارسيا أو البطالة أو حتى النظافة.. رغم الطنين الإعلامي وإدعاءات تحقيق ما يسمونه المشروعات الكبرى.. ولا ندري لماذا لا يخجلون مثلا من هذه القذارة التي تملأ شوارعنا أو الحفر والمطبات التي لا يخلو منها شارع أو الحوادث المرورية التي تحصد آلاف الأرواح دون أن يقلق أحد أو يأمر بدراسة تلك الظاهرة, لماذا لا يخجلون من الفشل في حل مشكلة الاشتباك المروري اليومي?. ولماذا يلقون باللوم علي المواطن الذي لم يجد نظاما ليتبعه? لو أنهم قالوا هذه خطتنا لإنهاء الأمية مثلا ولو بعد مائة سنة لالتمسنا لهم العذر, ولكنهم لا يملون من النظر تحت أقدامهم, والتغني بالإنجازات!

* بـِتُّ أخجل من عروبتي!

بعد محاولات الإبادة الجماعية في غزة

بـِتُّ أخجل من عروبتي!

بقلم د. عبد الله هلال

العرب نيوز 29 يناير 2008

ماذا حدث للعرب?.. هل ماتت الشهامة والمروءة?.. أم هل مات العرب ولم يعد لهم وجود?!. إن الأحوال المأساوية في غزة تجعل الحجر ينطق والجبل يبكي, فلماذا لم نعد نتأثر بدموع الثكالى واستغاثات الأرامل واليتامى?.. لماذا نتصنع العمى والصمم والخرس؟.
إننا نري بأعيننا كيف تسهر الدولة العبرية المغتصبة لأرضنا على تأمين حياة أي يهودي في أي مكان في العالم.. نراهم يهرعون لنجدة من تواجه دولته ضائقة اقتصادية, ونراهم يحتجون ويهددون إذا ما تعرض أي خنزير منهم لأذى حتى وإن كان لا يحمل جنسية الدولة العبرية, ونرى العالم يتفهم ذلك ويتقبله.. فلماذا لا نفعل ذلك?.. وإذا كانت الشهامة والمروءة العربية قد أصبحت تراثا وتاريخا, فماذا عن اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي أيقظها بوش الأب في الكويت وقتلها بوش الابن في فلسطين والعراق ولبنان؟.
لقد بلغ السيل الزبى ووصل الإجرام الصهيوني إلى ما لم يصل إليه عتاة المجرمين من قبل.. إذ لم يشهد التاريخ جيشا مسلحا بأحدث الترسانات العسكرية يقصف بالطائرات شعبا أعزل ويهدم البيوت ويدمر سيارات الإسعاف والنجدة، ويسجن مليونا ونصف من البشر.. والعالم كله يشهد الجريمة ويصمت صمت القبور, لو حدث هذا في أي مكان آخر بالعالم لما شهدنا ذلك الصمت المريب.. ألم يُحاصر العراق (ويحاكم نظامه) بحجة ضرب المدنيين من الشيعة والأكراد?.. ألم يُمنع بالقوة من تحليق طائراته في الشمال والجنوب بهذه الحجة؟.. ألم يتدخل الغرب ضد يوغوسلافيا لمنع قتل المدنيين العزل (رغم عدم التعاطف معهم؛ لأنهم مسلمون), ولكن العقلاء لا يتركون النار تشتعل بجوار مساكنهم?!.. ألم يتدخل العالم ضد إندونيسيا ويرغمها على انفصال تيمور الشرقية?..ألم تتدخل الأمم المتحدة في شئون السودان بحجة حماية شعب دارفور؟، وهل ما يحدث في دارفور أكثر مما يحدث في فلسطين؟. لماذا إذًا لا يتدخل العرب لحماية الشعب الفلسطيني, وهو ليس مجرد جار ولكنه جزء منا ويدافع عن كرامتنا?، الواجب والطبيعي جدا أن الرد العملي على استخدام العدو للطائرات والصواريخ ضد المدنيين من أبناء جلدتنا, هو تدخل الجيوش العربية لحماية هذا الشعب الأعزل.. قصفا بقصف وصواريخ بصواريخ, ولو حدث ذلك فلن يلومنا أحد. ولكننا وللأسف لا نملك (ترف) أن نطلب منهم ذلك.. إننا الآن نطالب (فقط!) بفك الحصار عن الشعب العربي المسلم المحاصر (عربيا- للأسف!) في غزة.
للأسف الشديد لم تجرؤ أية حكومة عربية على مجرد التفكير في هذا الحق الطبيعي والواجب الذي لا يسقط عن عاتقنا لأي سبب.. وكيف ذلك وهم لا يجرؤون على مجرد قطع العلاقات وإلغاء الاعتراف بالعدو أو حتى مقاطعته?!.. بل وصل الانهيار إلى الصمت التام وعدم الاحتجاج والإدانة ولو دبلوماسيا!، وأصبح الواقع المر الآن هو استرضاء العدو ورشوته بالتنازل عن الأرض المقدسة والاعتراف به والتطبيع الذليل معه وبشروطه مقابل وقف عدوانه, وهم يعلمون أنه سوف يستثمر هذا الاعتراف ويرسخ أقدامه أكثر دون أن يعطيهم شيئًا كما حدث من قبل.
لقد ظل العرب يخدعون الشعب الفلسطيني لخمسين سنة حتى اكتشف هذا الشعب الجسور أنه لن يحرر فلسطين إلا الفلسطينيون, وبدأ مشوار الجهاد الطويل وأذهل العالم ببطولاته.. معتمدا على نفسه لدرجة امتلاك الصواريخ (محلية الصنع) التي لا يجرؤ العرب على التفكير في تصنيعها أو الإعلان عن امتلاكها, وعندما وجد العدو أنه أمام شعب لا يقبل الهزيمة.. لجأ إلى العرب - الذين يقبلون الهزيمة - لكي يعيدوا خداع الشعب الفلسطيني!, ولكن العرب يضعون البيض كله في السلة الأمريكية ولا يفكرون في الاعتماد على النفس.. لم نتعلم شيئا من بطولات أطفال فلسطين, ولم ندرك حكمة الاعتماد على النفس ولو أدركناها لتغير الموقف تماما.. فالشعب الفلسطيني قدم أقصى ما يمكن تقديمه ونجح في إذلال الصهاينة, ولو انضم العرب إلى المسيرة الظافرة لهذا الشعب الصامد فسوف يمكـّنه من النصر وتحرير كل فلسطين.
والسؤال الآن وفي ظل حملة الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو ضد أهلنا في فلسطين هو عن الضمير العالمي المتعامي عما يحدث هناك.. أين منظمات حقوق الإنسان التي تثور من أجل قطة أو كلب؟!، أين شعوب العالم الحر؟ أين الذين تظاهروا في أمريكا وأوربا من أجل شعب دارفور؟ أين الأمم المتحدة؟ أين؟ أين؟.. هل هؤلاء سعداء بما يحدث في غزة؟، الواقع أن أية أمة أخرى لن تكون عربية أكثر من العرب.. لقد خرس العرب فخرس العالم الحر وخرس الضمير العالمي!، إن الصمت العربي يجعل العالم يظن أن الصهاينة يدافعون عن أنفسهم ضد الإرهابيين.
ونسأل الحكومات العربية الخرساء العمياء الصماء: هل شعوبكم العربية راضية عما يحدث؟.. بالطبع لا وكلها تغلي وتتمنى الخلاص منكم لتستطيع الجهاد في فلسطين. فمن تمثلون إذاً؟، شعوبكم لا تريد هذا الصمت المخزي فهل تمثلون اليهود أم تمثلون شعوبكم المقهورة؟، مالكم كيف تحكمون؟.. هل إلى هذا الحد بيوتكم من زجاج وترتعدون من العدو الصهيوني الأمريكي؟ أم أنكم سعداء بالإبادة الجماعية؟؟.
إن الصمت الرسمي المخزي عما يحدث في غزة جعلني أشعر بالعار لكوني عربيا، ألم يعد في أرض العروبة رجال؟!، إذا كان هناك رجل حقيقي (أو زلمة أو زول) فليخرج عن هذا الصمت المخزي ويقول- بالفعل لا القول (أنا رجل).. وأتحدى أن يفعلها أحد!!!. ألم نقل مرارا (إن الشرفاء فقط هم الذين لا يخشون من ذلك اليوم الذي يغادرون فيه مواقع السلطة)؟!.

* إبراهيم شكري.. الشهيد الحي رحل مظلوما

إبراهيم شكري..
الشهيد الحي رحل مظلوما
بقلم د. عبد الله هلال

المصريون 27 - 8 - 2008
عندما وجدت أن بعض أقطاب النظام الحاكم يذرفون دموع التماسيح على الشهيد الحي الذي قتلوه (معنويا) عمدا في خريف عمره المبارك، آثرت عدم التعجل في الكتابة عن هذا الرجل الأسطورة حتى ينقشع غبار ما كتبوه وما صرحوا به، متمسحين فيه وفي تاريخه الأبيض لعل الناس تنسى أفعالهم السوداء معه ومع حزبه وجريدته. ثم جاءت حادثة (إحراق) مجلس الشورى التي ربما أرادها الله تعالى أن تحدث عقب وفاته مباشرة لتكون بمثابة اللعنة على من استخدموا هذا المجلس لتعطيل الحياة السياسية وقتل أهم حزب على الساحة.. لتؤخرني في الكتابة عن هذا الرمز الذي تفخر به مصر والدول العربية. وعلى الرغم من الجحود وقصر النظر الذي عومل به نصير الفلاحين والفقراء إبراهيم شكري من قِبَل أهل الحكم، فإن مصر التي تتميز دائما بوفائها العظيم لأبنائها لم تنسه.. وقد تجلى ذلك في جنازته التي أبرزت الوفاء المصري الأصيل على كافة المستويات.
وتعتبر سيرة حياة الراحل العظيم مثالا حيا للأسوة الحسنة التي ينبغي أن نضعها أمام أعين الشباب المصري ليكون قدوة لهم، فقد كانت وطنيته أكبر من حزبيته.. وانتصر لمبادئه ولوطنه، على حساب الطبقة الثرية التي انتمي إليها.. وقد رحل تاركا من خلفه تجربة سياسية وإنسانية رائدة وفريدة من نوعها، ليتها تدرس لأبنائنا لعلنا نكسب لمصر بعض أمثال هذا السياسي النبيل. وقد سجل إبراهيم شكري على مدى عمره المديد مواقف تلخص سيرة حياة رجل وطني مثالي من الطراز الأول. كانت نشأته كنشأة أبناء العائلات الأرستقراطية في ذلك الوقت، لكنه كان شديد الارتباط بالفقراء والضعفاء، والعطف على العاملين في أرض والده من الفلاحين والخدم. وبعد حركة 23 يوليو مباشرة عرف الضباط الأحرار مكانته ومصداقيته.. فاستقبله جمال عبد الناصر ومحمد نجيب بعد خروجه من السجن، وكرموه على مواقفه المشرفة ضد الملك والإنجليز وعلى حرصه على نصرة الفقراء وصغار المزارعين .
اشتهر شكري بنشاطه السياسي، حتى قبل التخرج في الجامعة ولم ينس الشعب المصري له واقعة إطلاق الرصاص عليه من قبل جنود الاحتلال الإنجليزي على كوبري عباس في نوفمبر عام ١٩٣٥، حينما كان يشارك في مظاهرة طلابية ضد الاحتلال، واستشهد فيها عدد من القيادات الطلابية. لم تكن إصابة شكري قاتلة، لكنها رسَّخت في وجدانه الإصرار على مواصلة الجهاد لتحرير الوطن، من خلال عضويته في حزب مصر الفتاة، رغم معارضة أسرته.. ولقب وقتها بالشهيد الحي.
ويعتبر إبراهيم شكري مثالا حيا للسياسي البارع الذي خرج تلقائيا من صفوف الشعب.. فقد تخرج في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وأصبح في العام نفسه نائباً عن الشعب في مجلس النواب، ليطالب بالمزيد من الحقوق للفلاحين والعمال.. كان يشعر أنهم يعملون كثيراً ولا يحصلون على مقابل عرقهم وجهدهم، فارتبط بهم على الرغم من أنه رحمه الله كان ينتمي إلى عائلة من أكبر وأغنى عائلات مصر. وقد قرن القول بالعمل، ففي الوقت الذي كان يكتب فيه المقالات التي تعبر عن آرائه الغريبة على طبقته، المطالبة بالعدالة الاجتماعية، كان- رغم انتمائه لطبقة الباشاوات- أول من نادى بقوانين الإصلاح الزراعي.. بل إنه وزع جزءا كبيرا من أملاكه الخاصة على فقراء المزارعين من قريته. ولم يقف جهاده ضد الإنجليز والملك والإقطاع عند هذا الحد.. إذ سُجن وهو شاب صغير في عهد الملك فاروق بتهمة العيب في الذات الملكية.. ولم يكن يخشى السجن وهو ابن الباشا؛ فقد كتب قبل سجنه «إننا نري أن وجودنا في السجون للدفاع عن حرية الشعب، هو أحسن وأفضل من أي نزهة نقضيها على أفخر يخت في العالم».
حظي إبراهيم شكري على مدار سنوات نشاطه السياسي باحترام جميع اتجاهات العمل السياسي في مصر، سواء تلك التي اختلفت معه أو اتفقت. لم يلوث يديه أبدا بالمال الحرام.. ولم يلوث لسانه بكلمة نابية أو خارجة.. رغم كثرة صدعه بالحق ووقوفه الدائم مع المظلومين والمقهورين، ووقوفه المستمر في وجه الظلم والجبروت.. ويعتبر واحدا من الشخصيات السياسية القليلة التي تحظى بإجماع كل القوى المصرية والعربية على شرفها ونزاهتها، وهذه نتيجة طبيعية لشهامته ورجولته.. وقوته في الحق.. وتنزهه عن الدنيا ورغبته الحقيقية في الإصلاح الجاد لشئون الوطن. وقد عاش حياته كلها من أجل الدين والوطن.. ولم يتوقف لحظة عن مقاومة الاستعمار الإنجليزي لمصر.. ثم الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق. عاش ومات زاهدا ً في الحياة الدنيا، متوجها ً إلى الآخرة.. لا يرجو من السياسة سوي وجه الله. وهذا الصنف قليل في عالم السياسة.. بل في الحياة عموما.
ومن المواقف التي لا تنسى لإبراهيم شكري رحمه الله.. أنه كان من القلائل الذين أصروا على كسر الحصار الصهيوني لياسر عرفات؛ إذ حرص على مقابلته وزيارته حينما كان محاصرا ً في بيروت عام 1982.. في وقت كانت تدك فيه بيروت بالمدفعية الصهيونية صباح مساء.. وقد حاول الكثيرون إثنائه عن السفر خوفا ً على حياته.. ولكنه أصر على ذلك، ونجح في مقابلة عرفات. كما كرر هذا الموقف الشهم والشجاع مع صدام حسين.. حينما كان محاصرا ً في بغداد بعد اشتداد الضغوط الأمريكية والغربية عليه.. وسافر تحت القصف الأمريكي قبل غزو بغداد بيوم واحد فقط. وقبل ذلك جولاته في السودان وليبيا واليمن وسوريا... الخ، في مواقف تضامنية عربية مشابهة، داعيا لإصلاح ذات البين بين الأشقاء العرب.. في وقت كان يخشى فيه أشجع الناس من الإقدام على مثل هذه المواقف.
أما على المستوى الإنساني، فلم أصادف في حياتي رجلا بهذه الرقة وذاك النبل.. كان شديد الحرص على أداء الواجب الإنساني مهما كانت ظروفه.. كان يسافر المسافات الطويلة المرهقة على الطرق الوعرة ليؤدي واجب عزاء أو تهنئة. لا أنسى له حرصه على زيارة مريض أجريت له جراحة بسيطة وهو الذي كان خارجا لتوه من جراحة مشابهة. ولا أنسى عندما كنا مسافريْن بالطائرة نفسها إلى ليبيا، وكان النظام الأمني وقتها يتطلب فحص كل مسافر لحقائبه ورفعها على عربة بجوار الطائرة قبيل الصعود إلى الطائرة.. وكان من الطبيعي أن أبادر إلى حمل حقيبته مع حقيبتي على اعتبار أنني (من دور أحفاده)، وعلى الرغم من أنها كانت حقيبة خفيفة فقد رفض بإصرار وقوة، وأصر على أن يحملها بنفسه قائلا: كل إنسان يخدم نفسه.. بل أحرجني عندما أضاف؛ يجب أن نخدم نحن العلماء!. وعندما دعوته لحضور عقد قراني حرص على الحضور من أسوان إلى القاهرة لكي يلبي الدعوة.
برحيل إبراهيم شكري يكون قد رحل آخر السياسيين المعاصرين الذين فضلوا خدمة الوطن على المنصب الوزاري، فقد استقال من منصب وزير الزراعة ليؤسس حزبا معارضا أمام نظام لا يؤمن بالتعددية ولا يدخر وسعا في محاربة المعارضين والتضييق عليهم وإلصاق التهم الباطلة بهم.. وفي وقت نجد وزراء (آخر زمن) لا يهمهم سوى الاستمرار في المنصب الوزاري ولو كان ذلك على جثة الشعب، ولم نعد نسمع أو حتى نحلم بوزير يقدم استقالته. ولم يسبق إبراهيم شكري في فضيلة تقديم الاستقالة من المنصب الوزاري سوى رفيق جهاده- وأمين عام حزبه (العمل)- الدكتور محمد حلمي مراد، الذي تجرأ بتقديمها لمن كان يخشى باقي الوزراء أن يتنفسوا أمامه!.
رحم الله تعالى المهندس إبراهيم شكري برحماته الواسعة.. وجزاه الله خيرا ً على كل ما قدمه لدينه ووطنه.. وعلى بذله وعطائه وجهده وجهاده وتضحياته... وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون.

الخميس، ٥ أغسطس ٢٠١٠

* نحن.. والانفجار المعرفي

نحن.. والانفجار المعرفي

بقلم: د/ عبد الله هلال
الوسط 31-7-2010
الانفجار المعرفي الهائل الذي تمخض عن ثورة الاتصالات والمعلومات لم يدع شأنا من شئون الحياة إلا وغير فيه وقلبه رأسا على عقب‏.‏ واستخدام مصطلح الانفجار ربما يكون هو الوحيد المناسب لوصف هذه الحالة الفريدة التي وصل إليها عالمنا المعاصر الذي أخذ يقفز ويحلق عاليا، منطلقا إلى آفاق جديدة تفوق الخيال‏.‏ والواقع ان هذا المصطلح (الانفجار) لم يستخدم من قبل إلا عند وصف كتاب الغرب لعملية انتشار الإسلام‏،‏ ذلك أنه يعني الانتشار السريع في جميع الاتجاهات في وقت واحد‏.. ‏ وكما كان الإسلام ثورة على كل الأوضاع البالية للإنسانية‏,‏ غيرت كل شيء وأثرت في كل شيء‏؛‏ فإن الثورة التي نحن بصددها سوف تنشئ عالما جديدا‏,‏ ربما لا يمت بصلة إلى عالمنا الحالي الذي نعرفه‏.‏
وقد أدركت الأمم اليقظة أهمية وخطورة هذا الانقلاب المفاجئ، فأخذت تتسابق في الاستحواذ على مكان ومكانة في العالم الجديد‏,‏ فالقطار المندفع الذي يحمل الرواد والمتسابقين قطار سريع‏,‏ لا تكاد تراه من فرط سرعته‏..‏ وهو ليس من النوع (القشاش) بل ربما لا توجد له محطات لمن يريد أن يصعد أو ينزل قبل بلوغ الهدف النهائي‏.‏ ولاشك أن من يتخلف عن ركوب القطار سوف يجد نفسه جزءا من تاريخ قديم عفا عليه الزمن‏,‏ والعالم الجديد عالم مادي ليس في قلبه ذرة من رحمة أو شفقة تجاه الضعفاء والفقراء والمتخلفين‏,‏ فالكعكة في المستقبل القريب لن يسمح بتذوقها إلا لمن شارك في صنعها وتحمل تكاليفها الباهظة‏.‏
أما الأمم النائمة فلم تنتبه إلى خطورة الموقف‏.‏. وجلست مخدرة كالغائب عن الوعي تنتظر فتات الموائد؛ سعيدة باستحواذ الأمم اليقظة على التقنيات العالية الجديدة، ليس على أمل المشاركة والاستفادة من نتائج هذه التقنيات‏,‏ ولكن على أمل ان تلقي إليها بأدوات التقنية القديمة.. على أساس أنها مازالت في طور النمو وأنها سوف تتقدم بالتدريج من هذه التقنية (البالية) إلى التقنيات العالية‏.‏. وهذا للأسف هو عشم إبليس في الجنة!؛ ذلك أن الانفجار المعرفي والثورة التقنية الجديدة- كما سوف نوضح بالأمثلة- سوف تنسف صناعات وتقوض نظما وتنهي وجود سلع أو تحولها إلى خردة وتنقلها إلى المتاحف‏.‏ وسوف تجد هذه الأمم النائمة نفسها أمام منتجات لا تفهم عنها شيئا‏.‏. وأمام أسلحة لا تدري ما هي ولا كيف تحمي نفسها منها‏, ولن يكون هناك مفر (للأسف) من التسليم الكامل والقبول بدور العبيد الذين يعملون لصالح السادة، ويقدمون مواردهم وثرواتهم (الخام) طواعية مقابل الحصول على السلع والمنتجات الجديدة، بالأسعار التي تروق لأصحابها.‏
ولنضرب مثالا بالمواد الصُّغرية (Nano) أو الجسيمات متناهية الصغر‏..‏ فمن المنتظرـ عندما تبلغ البحوث الجديدة القائمة حاليا في هذا الميدان أهدافهاـ أن ينشأ علم كيمياء جديد ليتعامل مع أنماط جديدة مختلفة من العناصر الكيميائية‏,‏ لها خواصها وتفاعلاتها واستخداماتها المختلفة‏..‏ وسوف تنشأ بالتالي مسارات جديدة للتفاعلات الكيميائية مؤدية إلى مواد ومنتجات جديدة لا نعرفها حاليا‏,‏ منها مثلا أنواع مبتكرة من السبائك بوظائف واستخدامات غير مسبوقة‏..‏ ومواد خفيفة عالية المتانة تؤدي إلى التغيير الشامل في أشكال وأنماط البنيان والعمارة المستقبلية‏،‏ وأدوية وأسمدة ومبيدات موجهة؛ لها وظائفها- المحددة سلفا- والتي لا تحيد عنها، وبطاريات فائقة القدرة صغيرة الحجم يمكن أن تحل محل أو تغني عن بعض مصادر الطاقة التقليدية التي نعرفها حاليا‏.‏ وهكذا فسوف يترتب على نشوء علم جديد للكيمياء انقلاب جذري في العلوم الهندسية والزراعية والطبية وغيرها‏,‏ مما سوف يضع من فاته القطار في وضع المشلول العاجز الذي لاحول له ولا قوة!. وسوف يكتشف أولئك الذين ينتظرون فتات الموائد من التقنيات القائمة الآخذة في التلاشي والاندثار أن مكانهم الوحيد هو المتحف، بل ربما لن يجدوا مكانا في المتاحف الحديثة.. لأنها سوف تنال حظها هي الأخرى من الثورة المعرفية.
وليس هناك من شك بأن هذه التوقعات ليست من قبيل الأماني‏,‏ ولا هي من باب الرجم بالغيب‏,‏ فقد عرف الإنسان سلم التطور واكتشف أسراره وخطواته‏,‏ وأصبحت النتائج المرجوة مجرد تحصيل حاصل للخطط المستهدفة‏.‏ ولكي تتضح الصورة.. لنضرب مثالا بما نشهده حاليا ونراه رأي العين في ميدان الحاسب الآلي وما أحدثه من ثورة في الاتصال والمعلومات أدت إلى اختفاء صناعات وسلع، منها ما هو مبتكر حديثا ولم يأخذ حظه في الانتشار‏.‏ وأول ما سقط على أعتاب الحاسب الآلي‏..‏الآلات الكاتبة‏,‏ فقد بدأت في الاندثار إنتاجا وتوزيعا واستخداما رغم التطور الكبير الذي شهدته هذه الصناعة في الآونة الأخيرة‏,‏ حيث لم تتخلف عن العصر‏,‏ وظهرت الآلات المُحَوْسبة التي استفاد صانعوها من إمكانات ومزايا الحاسب الآلي‏..‏ ولكن التيار المندفع للحاسبات الآلية لم يدع مجالا للفروع إلى جانب الأصل‏,‏ القوي الراسخ‏.‏ وفي الطريق إلى الاندثار جهاز الناسوخ (Fax) التقليدي الذي لم يكد ينتشر ويعرفه الناس وكذلك الهاتف المجيب (Answering machine) حيث يتضمنهما الحاسوب‏.‏ ومن المتوقع أن يلقى الهاتف المنزلي المصير نفسه.. إذ بزغ الهاتف الجوال بإمكاناته الخرافية‏ وحجمه الصغير ووزنه الخفيف,‏ وقد تحول بسرعة كبيرة إلى سلعة عادية يملكها الصغير والكبير والغني والفقير‏,‏ لتـُشيّع الهواتف العادية بأسلاكها وخطوطها وغرفها وعمالها إلى مثواها‏ الأخير.‏ وقد أدى انتشار الهاتف الجوال إلى الاستغناء عن الساعات اليدوية والمفكرات والتقويم المطبوع وخرائط المدن وأجهزة استقبال الإذاعة المسموعة والآلات الحاسبة والمنبهات العادية التي توقظ النائمين أو تذكر بالمواعيد.. بل ربما يصل الأمر إلى الاستغناء عن السكرتيرة التي تنظم لك المواعيد وتذكرك بها.
وقد أدى ظهور أقراص الليزر ووسائل التخزين الحديثة الصغيرة بإمكاناتها الخرافية في التسجيل والتخزين وسهولة العرض إلى تهديد صناعة المسجلات وأشرطتها المرئية والمسموعة، وسوف تؤثر على الإرسال التلفازي بل وعلى دور السينما والمسرح. كما أن جهاز التلفاز التقليدي نفسه مرشح للاختفاء إذ تغني عنه بطاقة صغيرة تزرع داخل الحاسوب ليقوم بكل وظائف استقبال الإرسال التلفازي، وبالإمكانات العجيبة للحاسب الآلي، ولا ننسى إمكانية استقبال هذا الإرسال على الهاتف الجوال‏.‏
ومع تطور وانتشار خدمة الإنترنت؛ سوف ينتهي النظام التقليدي للبريد ومعه طوابعه وكذلك بطاقات التهنئة وغيرها، وسوف يلحق المبرق ونظام البرقيات الحالي بالتلكس.. ولن يتبقى من نظام البريد الراهن سوى خدمة الطرود. وقد بدأ بالفعل نظام النشر الالكتروني على شبكة الانترنت للبحوث العلمية واختفت المجلات المطبوعة في بعض التخصصات‏,‏ وأصبح بوسعك استدعاء المجلة إلى بيتك أو معملك لتتصفحها على الشاشة وتطبع ما شئت من البحوث‏,‏ ولم تعد هناك حاجة لا للبريد‏,‏ ولا حتى للمطبعة. وسوف يؤدي نجاح هذا النظام وانتشاره إلى التأثير على الصحف والمجلات والكتب المطبوعة‏,‏ وسواء شئنا أم أبينا فلن تترك لنا الإمكانات الحديثة فرصة للجلوس العادي والمطالعة التقليدية‏,‏ خصوصا عند تزاوج النظام الصوتي مع الصورة مع المعلومة المنشورة إلكترونيا‏,‏ ولن تكون هناك مشكلة في الاستماع إلى محتويات صحيفتك مقرونة بموسيقاك المفضلة وأنت تزاول عملك أو رياضتك أو أثناء تناول الإفطار أو قيادة السيارة أو الاسترخاء على شاطئ البحر‏.‏ وسوف يؤثر ذلك بلا شك على صناعات الورق والأحبار وعلى المطابع وصناعتها وعمالها‏,‏ وقد اختفت بالفعل نظم الطباعة التقليدية بأسلوب صف الحروف‏.‏
ولن تنجو صناعة الملفات والأرشيف والتخزين المعلوماتي‏,‏ ومعها بعض الأدوات الكتابية والهندسية وأدوات القياس والرسم التقليدية من المصير ذاته‏.‏ بل إن نظم التعليم والتدريب أصبحت مرشحة بقوة للتغيير الجذري بعد أن صار التعليم أيسر وأسهل وأرخص بالحصول على قرص ليزري والجلوس أمام الشاشة لمشاهدة المعلم والحوار معه والاستمتاع بكل وسائل الإيضاح المبهرة، والتدريب في حل المسائل وإجابة الامتحانات دون الحاجة إلى السبورة والطباشير والأقلام‏,‏ ودون الحاجة إلى المدرسةـ التي أصبحت طاردة للأسف- بمقاعدها ومعلميها وقاعاتها‏.‏ وقد أصبح متاحا بالأسواق برامج للتحليل المعملي وممارسة التجارب العلمية المعملية على الشاشة‏,‏ وأهم ما فيها تيسير إجراء ومشاهدة التفاعلات الكيميائية التي يصعب مزاولتها عمليا بسبب خطورتها أو تكاليفها الباهظة‏.‏ كما صار من اليسير تخيل اشكال الجزيئات والذرات وحركتها وطرق ارتباطها أو تكسيرها‏.‏
وهناك الآن صناعة كبيرة مرشحة للاندثار قريبا وهي صناعة التصوير بآلاتها وأفلامها وأوراقها ومعاملها‏,‏ فمع انتشار آلات التصوير الرقمية التي يتم توصيلها بالحاسوب أو بالطابعة مباشرة‏، ومع توافرها أيضا بالهواتف الجوالة والحواسيب المحمولة,‏ لن تكون هناك حاجة لاستخدام الأفلام وما يترتب عليها‏,‏ وسوف يكون الحصول على الصورة الملونة بكل فنونها ميسرا لأي طفل يستطيع التعامل مع الحاسوب‏.‏ وقد بدأت صناعة أجهزة عرض الشرائح والأفلام واللوحات التقليدية (Projectors) في التوقف بعد أن عصف بها الحاسب الآلي بإبهاره وسهولته. وها هي أجهزة نسخ المستندات تفقد بريقها ودورها أمام جهاز الماسح الضوئي (Scanner) المتصل بالحاسوب‏.‏
ولا نظن أنه من باب المبالغة أن نتوقع اختفاء الأسواق الكبيرة المجمعة (Malls) التي يتوجه إليها مجتمعنا الآن بقوة!، فالسوق بعروضه وأسعاره وطرق الدفع متوافر على الشاشة.. كما سوف يكون من الممكن الاستغناء عن أوراق البنكنوت والشيكات والمصارف التقليدية.. بل يمكن أن يصل الأمر إلى أن يعمل الموظفون في قطاع الخدمات من بيوتهم مادام من الممكن استدعاء الملفات إلى المنزل، وقد يصبح ممكنا الاستغناء عن الموظفين والعمل بنظام "اخدم نفسك"، وقد بدأ هذا بالفعل في بعض الدول.
والآن ما هو المطلوب منا لكي نصبح من الأمم اليقظة التي أسلفنا الحديث عنها، ولكي لا يفوتنا هذا القطار المندفع إلى العالم الجديد؟.. ألا ينبغي أن نسابق الزمن ونكف عن محاولات نقل التقنية البالية التي فاتنا قطارها أيضا، ونعيد النظر في أولوياتنا بدعم البحث العلمي في هذه المجالات الجديدة؟.. أليس من الأفضل أن يتفرغ البعض منا للعمل في مجال المواد الجديدة والتقنيات العالية لنشارك العالم في هذا الخير ليكون لنا نصيب فيه؟. إن الشعب المصري لا يقل عن شعوب الدول المتقدمة‏,‏ بل إنه يتفوق على الكثير منها‏،‏ ولكنه للأسف لم تتح له الفرصة لإثبات وجوده‏.‏
• احذروا اليوم الذي نصير فيه مثل الآلات الكاتبة‏,‏ وأجهزة التلكس‏..‏ احذروا يوما يتفرج فيه العالم علينا في متحف التاريخ‏.

Abdallah_helal@hotmail.com