أهلاً.. وسهلاً

مرحبا بكم في موقع الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال

مقالات علمية وسياسية - محاضرات في الكيمياء - بحوث علمية - كتب علمية في الكيمياء وتطبيقاتها - استشارات علمية (كيميائية وبيئية)















هل لديك استشارة علمية؟

الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال - استشاري الدراسات الكيميائية والبيئية
للاستشارات العلمية:
ناسوخ (فاكس): 0020222670296 القاهرة
جوال: 0020115811500



الصفحة الرئيسية

الخميس، ٥ أغسطس ٢٠١٠

* نحن.. والانفجار المعرفي

نحن.. والانفجار المعرفي

بقلم: د/ عبد الله هلال
الوسط 31-7-2010
الانفجار المعرفي الهائل الذي تمخض عن ثورة الاتصالات والمعلومات لم يدع شأنا من شئون الحياة إلا وغير فيه وقلبه رأسا على عقب‏.‏ واستخدام مصطلح الانفجار ربما يكون هو الوحيد المناسب لوصف هذه الحالة الفريدة التي وصل إليها عالمنا المعاصر الذي أخذ يقفز ويحلق عاليا، منطلقا إلى آفاق جديدة تفوق الخيال‏.‏ والواقع ان هذا المصطلح (الانفجار) لم يستخدم من قبل إلا عند وصف كتاب الغرب لعملية انتشار الإسلام‏،‏ ذلك أنه يعني الانتشار السريع في جميع الاتجاهات في وقت واحد‏.. ‏ وكما كان الإسلام ثورة على كل الأوضاع البالية للإنسانية‏,‏ غيرت كل شيء وأثرت في كل شيء‏؛‏ فإن الثورة التي نحن بصددها سوف تنشئ عالما جديدا‏,‏ ربما لا يمت بصلة إلى عالمنا الحالي الذي نعرفه‏.‏
وقد أدركت الأمم اليقظة أهمية وخطورة هذا الانقلاب المفاجئ، فأخذت تتسابق في الاستحواذ على مكان ومكانة في العالم الجديد‏,‏ فالقطار المندفع الذي يحمل الرواد والمتسابقين قطار سريع‏,‏ لا تكاد تراه من فرط سرعته‏..‏ وهو ليس من النوع (القشاش) بل ربما لا توجد له محطات لمن يريد أن يصعد أو ينزل قبل بلوغ الهدف النهائي‏.‏ ولاشك أن من يتخلف عن ركوب القطار سوف يجد نفسه جزءا من تاريخ قديم عفا عليه الزمن‏,‏ والعالم الجديد عالم مادي ليس في قلبه ذرة من رحمة أو شفقة تجاه الضعفاء والفقراء والمتخلفين‏,‏ فالكعكة في المستقبل القريب لن يسمح بتذوقها إلا لمن شارك في صنعها وتحمل تكاليفها الباهظة‏.‏
أما الأمم النائمة فلم تنتبه إلى خطورة الموقف‏.‏. وجلست مخدرة كالغائب عن الوعي تنتظر فتات الموائد؛ سعيدة باستحواذ الأمم اليقظة على التقنيات العالية الجديدة، ليس على أمل المشاركة والاستفادة من نتائج هذه التقنيات‏,‏ ولكن على أمل ان تلقي إليها بأدوات التقنية القديمة.. على أساس أنها مازالت في طور النمو وأنها سوف تتقدم بالتدريج من هذه التقنية (البالية) إلى التقنيات العالية‏.‏. وهذا للأسف هو عشم إبليس في الجنة!؛ ذلك أن الانفجار المعرفي والثورة التقنية الجديدة- كما سوف نوضح بالأمثلة- سوف تنسف صناعات وتقوض نظما وتنهي وجود سلع أو تحولها إلى خردة وتنقلها إلى المتاحف‏.‏ وسوف تجد هذه الأمم النائمة نفسها أمام منتجات لا تفهم عنها شيئا‏.‏. وأمام أسلحة لا تدري ما هي ولا كيف تحمي نفسها منها‏, ولن يكون هناك مفر (للأسف) من التسليم الكامل والقبول بدور العبيد الذين يعملون لصالح السادة، ويقدمون مواردهم وثرواتهم (الخام) طواعية مقابل الحصول على السلع والمنتجات الجديدة، بالأسعار التي تروق لأصحابها.‏
ولنضرب مثالا بالمواد الصُّغرية (Nano) أو الجسيمات متناهية الصغر‏..‏ فمن المنتظرـ عندما تبلغ البحوث الجديدة القائمة حاليا في هذا الميدان أهدافهاـ أن ينشأ علم كيمياء جديد ليتعامل مع أنماط جديدة مختلفة من العناصر الكيميائية‏,‏ لها خواصها وتفاعلاتها واستخداماتها المختلفة‏..‏ وسوف تنشأ بالتالي مسارات جديدة للتفاعلات الكيميائية مؤدية إلى مواد ومنتجات جديدة لا نعرفها حاليا‏,‏ منها مثلا أنواع مبتكرة من السبائك بوظائف واستخدامات غير مسبوقة‏..‏ ومواد خفيفة عالية المتانة تؤدي إلى التغيير الشامل في أشكال وأنماط البنيان والعمارة المستقبلية‏،‏ وأدوية وأسمدة ومبيدات موجهة؛ لها وظائفها- المحددة سلفا- والتي لا تحيد عنها، وبطاريات فائقة القدرة صغيرة الحجم يمكن أن تحل محل أو تغني عن بعض مصادر الطاقة التقليدية التي نعرفها حاليا‏.‏ وهكذا فسوف يترتب على نشوء علم جديد للكيمياء انقلاب جذري في العلوم الهندسية والزراعية والطبية وغيرها‏,‏ مما سوف يضع من فاته القطار في وضع المشلول العاجز الذي لاحول له ولا قوة!. وسوف يكتشف أولئك الذين ينتظرون فتات الموائد من التقنيات القائمة الآخذة في التلاشي والاندثار أن مكانهم الوحيد هو المتحف، بل ربما لن يجدوا مكانا في المتاحف الحديثة.. لأنها سوف تنال حظها هي الأخرى من الثورة المعرفية.
وليس هناك من شك بأن هذه التوقعات ليست من قبيل الأماني‏,‏ ولا هي من باب الرجم بالغيب‏,‏ فقد عرف الإنسان سلم التطور واكتشف أسراره وخطواته‏,‏ وأصبحت النتائج المرجوة مجرد تحصيل حاصل للخطط المستهدفة‏.‏ ولكي تتضح الصورة.. لنضرب مثالا بما نشهده حاليا ونراه رأي العين في ميدان الحاسب الآلي وما أحدثه من ثورة في الاتصال والمعلومات أدت إلى اختفاء صناعات وسلع، منها ما هو مبتكر حديثا ولم يأخذ حظه في الانتشار‏.‏ وأول ما سقط على أعتاب الحاسب الآلي‏..‏الآلات الكاتبة‏,‏ فقد بدأت في الاندثار إنتاجا وتوزيعا واستخداما رغم التطور الكبير الذي شهدته هذه الصناعة في الآونة الأخيرة‏,‏ حيث لم تتخلف عن العصر‏,‏ وظهرت الآلات المُحَوْسبة التي استفاد صانعوها من إمكانات ومزايا الحاسب الآلي‏..‏ ولكن التيار المندفع للحاسبات الآلية لم يدع مجالا للفروع إلى جانب الأصل‏,‏ القوي الراسخ‏.‏ وفي الطريق إلى الاندثار جهاز الناسوخ (Fax) التقليدي الذي لم يكد ينتشر ويعرفه الناس وكذلك الهاتف المجيب (Answering machine) حيث يتضمنهما الحاسوب‏.‏ ومن المتوقع أن يلقى الهاتف المنزلي المصير نفسه.. إذ بزغ الهاتف الجوال بإمكاناته الخرافية‏ وحجمه الصغير ووزنه الخفيف,‏ وقد تحول بسرعة كبيرة إلى سلعة عادية يملكها الصغير والكبير والغني والفقير‏,‏ لتـُشيّع الهواتف العادية بأسلاكها وخطوطها وغرفها وعمالها إلى مثواها‏ الأخير.‏ وقد أدى انتشار الهاتف الجوال إلى الاستغناء عن الساعات اليدوية والمفكرات والتقويم المطبوع وخرائط المدن وأجهزة استقبال الإذاعة المسموعة والآلات الحاسبة والمنبهات العادية التي توقظ النائمين أو تذكر بالمواعيد.. بل ربما يصل الأمر إلى الاستغناء عن السكرتيرة التي تنظم لك المواعيد وتذكرك بها.
وقد أدى ظهور أقراص الليزر ووسائل التخزين الحديثة الصغيرة بإمكاناتها الخرافية في التسجيل والتخزين وسهولة العرض إلى تهديد صناعة المسجلات وأشرطتها المرئية والمسموعة، وسوف تؤثر على الإرسال التلفازي بل وعلى دور السينما والمسرح. كما أن جهاز التلفاز التقليدي نفسه مرشح للاختفاء إذ تغني عنه بطاقة صغيرة تزرع داخل الحاسوب ليقوم بكل وظائف استقبال الإرسال التلفازي، وبالإمكانات العجيبة للحاسب الآلي، ولا ننسى إمكانية استقبال هذا الإرسال على الهاتف الجوال‏.‏
ومع تطور وانتشار خدمة الإنترنت؛ سوف ينتهي النظام التقليدي للبريد ومعه طوابعه وكذلك بطاقات التهنئة وغيرها، وسوف يلحق المبرق ونظام البرقيات الحالي بالتلكس.. ولن يتبقى من نظام البريد الراهن سوى خدمة الطرود. وقد بدأ بالفعل نظام النشر الالكتروني على شبكة الانترنت للبحوث العلمية واختفت المجلات المطبوعة في بعض التخصصات‏,‏ وأصبح بوسعك استدعاء المجلة إلى بيتك أو معملك لتتصفحها على الشاشة وتطبع ما شئت من البحوث‏,‏ ولم تعد هناك حاجة لا للبريد‏,‏ ولا حتى للمطبعة. وسوف يؤدي نجاح هذا النظام وانتشاره إلى التأثير على الصحف والمجلات والكتب المطبوعة‏,‏ وسواء شئنا أم أبينا فلن تترك لنا الإمكانات الحديثة فرصة للجلوس العادي والمطالعة التقليدية‏,‏ خصوصا عند تزاوج النظام الصوتي مع الصورة مع المعلومة المنشورة إلكترونيا‏,‏ ولن تكون هناك مشكلة في الاستماع إلى محتويات صحيفتك مقرونة بموسيقاك المفضلة وأنت تزاول عملك أو رياضتك أو أثناء تناول الإفطار أو قيادة السيارة أو الاسترخاء على شاطئ البحر‏.‏ وسوف يؤثر ذلك بلا شك على صناعات الورق والأحبار وعلى المطابع وصناعتها وعمالها‏,‏ وقد اختفت بالفعل نظم الطباعة التقليدية بأسلوب صف الحروف‏.‏
ولن تنجو صناعة الملفات والأرشيف والتخزين المعلوماتي‏,‏ ومعها بعض الأدوات الكتابية والهندسية وأدوات القياس والرسم التقليدية من المصير ذاته‏.‏ بل إن نظم التعليم والتدريب أصبحت مرشحة بقوة للتغيير الجذري بعد أن صار التعليم أيسر وأسهل وأرخص بالحصول على قرص ليزري والجلوس أمام الشاشة لمشاهدة المعلم والحوار معه والاستمتاع بكل وسائل الإيضاح المبهرة، والتدريب في حل المسائل وإجابة الامتحانات دون الحاجة إلى السبورة والطباشير والأقلام‏,‏ ودون الحاجة إلى المدرسةـ التي أصبحت طاردة للأسف- بمقاعدها ومعلميها وقاعاتها‏.‏ وقد أصبح متاحا بالأسواق برامج للتحليل المعملي وممارسة التجارب العلمية المعملية على الشاشة‏,‏ وأهم ما فيها تيسير إجراء ومشاهدة التفاعلات الكيميائية التي يصعب مزاولتها عمليا بسبب خطورتها أو تكاليفها الباهظة‏.‏ كما صار من اليسير تخيل اشكال الجزيئات والذرات وحركتها وطرق ارتباطها أو تكسيرها‏.‏
وهناك الآن صناعة كبيرة مرشحة للاندثار قريبا وهي صناعة التصوير بآلاتها وأفلامها وأوراقها ومعاملها‏,‏ فمع انتشار آلات التصوير الرقمية التي يتم توصيلها بالحاسوب أو بالطابعة مباشرة‏، ومع توافرها أيضا بالهواتف الجوالة والحواسيب المحمولة,‏ لن تكون هناك حاجة لاستخدام الأفلام وما يترتب عليها‏,‏ وسوف يكون الحصول على الصورة الملونة بكل فنونها ميسرا لأي طفل يستطيع التعامل مع الحاسوب‏.‏ وقد بدأت صناعة أجهزة عرض الشرائح والأفلام واللوحات التقليدية (Projectors) في التوقف بعد أن عصف بها الحاسب الآلي بإبهاره وسهولته. وها هي أجهزة نسخ المستندات تفقد بريقها ودورها أمام جهاز الماسح الضوئي (Scanner) المتصل بالحاسوب‏.‏
ولا نظن أنه من باب المبالغة أن نتوقع اختفاء الأسواق الكبيرة المجمعة (Malls) التي يتوجه إليها مجتمعنا الآن بقوة!، فالسوق بعروضه وأسعاره وطرق الدفع متوافر على الشاشة.. كما سوف يكون من الممكن الاستغناء عن أوراق البنكنوت والشيكات والمصارف التقليدية.. بل يمكن أن يصل الأمر إلى أن يعمل الموظفون في قطاع الخدمات من بيوتهم مادام من الممكن استدعاء الملفات إلى المنزل، وقد يصبح ممكنا الاستغناء عن الموظفين والعمل بنظام "اخدم نفسك"، وقد بدأ هذا بالفعل في بعض الدول.
والآن ما هو المطلوب منا لكي نصبح من الأمم اليقظة التي أسلفنا الحديث عنها، ولكي لا يفوتنا هذا القطار المندفع إلى العالم الجديد؟.. ألا ينبغي أن نسابق الزمن ونكف عن محاولات نقل التقنية البالية التي فاتنا قطارها أيضا، ونعيد النظر في أولوياتنا بدعم البحث العلمي في هذه المجالات الجديدة؟.. أليس من الأفضل أن يتفرغ البعض منا للعمل في مجال المواد الجديدة والتقنيات العالية لنشارك العالم في هذا الخير ليكون لنا نصيب فيه؟. إن الشعب المصري لا يقل عن شعوب الدول المتقدمة‏,‏ بل إنه يتفوق على الكثير منها‏،‏ ولكنه للأسف لم تتح له الفرصة لإثبات وجوده‏.‏
• احذروا اليوم الذي نصير فيه مثل الآلات الكاتبة‏,‏ وأجهزة التلكس‏..‏ احذروا يوما يتفرج فيه العالم علينا في متحف التاريخ‏.

Abdallah_helal@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: