حلول لمشكلة «الحَر» (1)
تتميز بلادنا بالطقس الدافئ والشمس الساطعة طوال العام.. وهناك علاقة مفهومة بين الطقس الحار والكسل وضعف الإنتاج، وبين الطقس البارد والنشاط وزيادة الحركة وبالتالي زيادة الإنتاج. لذا فإننا غالبًا ما نجد الشمال متقدمًا على الجنوب.. وليس ذلك بالطبع هو العامل الوحيد الذي يحكم مستوي التقدم والتخلف, ولكنه أحد العوامل المهمة. ولقد شهد الجنوب حضارات متفوقة علي الشمال في مراحل مختلفة من التاريخ, ومنها الحضارة المصرية القديمة والحضارة الإسلامية، عندما وجد الإنسان القوي الذي يتغلب علي العوامل الجوية متسلحًا بإيمانه، ومستخدمًا لعقله وذكائه للتكيف مع الطقس الحار.
وقد كنا حتي وقت قريب, وقبل أن نصاب بآفة التغريب، نعيش في الطقس نفسه ذي الصيف الحار دون أن نعاني ما نعانيه الآن من هذا الجو الملتهب بالحرارة العالية.. كانت بيوتنا مصممة بحيث تناسب أجواء بلادنا.. كنا نستخدم خامات البيئة العازلة للحرارة, وكانت المباني مرتفعة لتوفر كتلة مناسبة من الهواء البارد, والنوافذ طولية متوازية لتحدث تيارًا هوائيًا باردًا مع قليل من الشمس.. وكان الحرص علي أن تكون بعض الشرفات والنوافذ تطل على الاتجاه البحري التماسًا لنسمة هواء باردة. ولذلك فقد كنا نعيش دون مكيفات أو مراوح وفي جو أفضل بكثير جدًا من طقس هذا الزمن الرديء. وعندما جاء «الخواجة» ليقلب حياتنا رأسًا علي عقب فقد سرنا في ركابه معصوبي العينين دون أن نميز بين ما يمكن أن ينفعنا وما يضرنا.. فالخواجة بلاده باردة لا تري الشمس إلا نادرًا, ولذلك - وسعيًا إلي الدفء - فقد قام بتصميم بيته علي عكس بيوتنا القديمة حيث ضًيٍقُ المساحة وانخفاض المباني وكثرة الزجاج وقلة النوافذ المفتوحة, وهو الطراز المعماري المعروف بعلبة الكبريت والذي نطلق عليه «الحديث»!, والواجب أن نسميه الرديء.
والمستفيد الوحيد من ترك طرازنا المعماري الجميل المناسب لطقسنا واستبدال الطراز الغربي به هو الخواجة نفسه, حيث يبيع لنا المراوح والمكيفات وأنواع الزجاج والألمنيوم الفاخر, كما يستفيد من حالة الكسل وضعف الانتاج بسبب الحر ليصدر لنا كل شيء!!.
والآن ماذا يمكن أن نفعل بعد أن ابتلعنا الطُعٍم وأصبح لدينا ملايين الشقق الرديئة التي لا تصلح للسكن صيفًا دون مكيفات ومراوح تستنزف الاقتصاد الوطني في ثمنها والطاقة العالية التي تستهلكها?..
وماذ يفعل المساكين الذين يعيشون في الأدوار الأخيرة أو الشقق القبلية ولا يستطيعون توفير أدوات التكييف أو ثمن الطاقة الكهربية؟.. وما الدور الذي ينبغي أن تقوم به الحكومة لتوفير الراحة لمواطنيها, وبالتالي زيادة الإنتاج، ووقف استنزاف الاقتصاد الوطني دون داعي؟.
هذه أسئلة مهمة تتحمل الحكومة مسئولية الإجابة عنها, وسوف نسهم في اقتراح الحلول في المقال القادم إن شاء الله.. ونذكر الحكومة أن وزارة الكهرباء تشكو الآن زيادة الأحمال علي شبكات الطاقة الكهربية بسبب هذا الطقس الملتهب, ولو كنت من وزير الكهرباء لجعلت قضية العودة إلي طرازنا المعماري الذي يناسبنا أولية أولي تسبق المسئولية المباشرة للوزارة في توفير متطلبات المواطنين من الطاقة الكهربية.. لأنه لا يجوز أن تقوم وزارة بالبناء وتقوم وزارة أخري بالهدم, فوزارة الكهرباء تجتهد في توفير محطات انتاج الطاقة ووزارة الاسكان تستنزف به تصميماتها المتغربة هذه الطاقة.. والوزارتان تتبعان حكومة واحدة, ولا ندري أين نظام فريق العمل والمسئولية الوزارية المشتركة?.. يبدو أن هناك اتفاقًا غير مكتوب بين الوزارات بعدم اقتراب أي وزارة من اختصاصات وزارة أخري.. حتي وان كان ذلك ضد المصلحة العليا للوطن!.
د. عبد الله هلال
العدد 569 الخميس 29 من جمادى الأولى 1423 هـ 8 من أغسطس 2002م
____________________________________________
حلول لمشكلة «الحر»(2)
تساءلنا في المقال السابق عن الدور الذي ينبغي أن تقوم به الحكومة لتوفير الراحة لمواطنيها والتخفيف من مشكلة الحر مما يسهم في زيادة الانتاج ووقف استنزاف الاقتصاد الوطني.. ووعدنا بتقديم بعض المقترحات, وهي:
- تجب أولا العودة إلي طرازنا المعماري الأصيل, وكذلك الطراز الذي ابتكره العبقري المصري حسن فتحي, وعلي الحكومة أن توفر التصميمات والخامات وتلزم القائمين بالانشاءات مستقبلا بذلك.
- هناك نوع من الطوب العازل (يسمي الطوب الخفيف) يجب علي الحكومة أن توفره في كل مكان وترشد الناس إليه لاستخدامه في الواجهات التي تستقبل الشمس (القبلية والغربية) سواء في المباني التي تُنشأ مستقبلا, أو حتي في المباني الحالية.. لأن التكلفة أقل من استهلاك مكيف واحد للكهرباء في سنة, وهذا الطوب يمكن أن يغني عن التكييف.
- ينبغي أن توفر الحكومة المواد العازلة للحرارة, وتلزم أصحاب العمارات بتغطية أسطح المباني بها أو علي الأقل ترشد الناس إليها وإلي طرق الحصول عليها وتركيبها, بل وتقرض من يعجز عن دفع ثمنها.. وعندما تقوم الحكومة بذلك فهي تدعم الاقتصاد الوطني بالتأكيد, ناهيك عن توفير الراحة للمواطنين. وعلي سبيل المثال فإن عزل المباني في دولة الكويت شرط لتوصيل المرافق إلي العمارات والمنشآت, فهذا واجب حكومي مائة في المائة.
- هناك مشكلة الحرارة في وسائل الركوب لأنها مصنوعة من المعدن, ولم يفكر «الخواجة» في حل لها لأنها لا تعنيه.. لماذا لا نفكر نحن في انتاج سيارات تصلح للطقس الحار كأن يكون السقف من طبقتين بينهما مساحة صغيرة فارغة لإمرار الهواء وتبريد السقف?.. ولماذا لا نضع مظلة للسيارة يمكن فردها وطيها بنفس فكرة الشبكة التي تثبت أعلي السيارة؟.. ولماذا لا تهتم الحكومة بانشاء مظلات مبسطة في أماكن انتظار السيارات, وكذلك الإكثار من الأشجار؟!. ليت أحد المسئولين يترك مكتبه المكيف لدقائق ويستقل إحدى حافلات النقل العام أو مترو حلوان في ظهر يوم حار ليعرف كم يعاني الناس من مشكلة الحر.
- ولم تسلم بيوت الله من مشكلة الحرارة الشديدة في أوقات الزحام, مثل صلاة الجمعة, رغم كثرة المراوح, ورغم أن المساجد (أو أغلبها) لم تصب بما أصيبت به بيوتنا من انقلاب إلي الطراز المعماري الغربي.. فالزحام الشديد وكثرة الزفير الساخن يسهمان في رفع درجة الحرارة. ومن الناحية العلمية فالهواء الساخن يصعد لأعلي لخفة وزنه, ويهبط الهواء البارد. والساجد عادة تُصمم بحيث تحتوي علي نوافذ عادية في مستوي رأس الإنسان، وأخري مرتفعة. وهذا هو أفضل تصميم للطقس الحار» فعندما تكون النوافذ بمستوييها مفتوحة فإن كتلة الهواء الساخن تندفع إلي أعلي ويحل محلها هواء بارد من الأبواب والنوافذ السفلية. ولكن الواقع أن أغلب المساجد تغلق النوافذ العليا, وربما السفلي أيضا, إما لعدم وجود طريقة سهلة للفتح والغلق, وإما لمنع العصافير والذباب والأتربة.. وينبغي أن تقوم وزارة الأوقاف بتوفير وسائل مثل تلك المستخدمة بدور السينما لفتح وغلق النوافذ العليا, لأن ذلك سوف يوفر كثيرا من الطاقة الكهربية التي تدير عشرات الآلاف من المراوح، بالإضافة إلي توفير الراحة للمصلين الركع السجود.
العدد 570 الخميس 6 من جمادى الاخرة 1423 هـ 15 من اغسطس 2002م
____________________________________________
نداء.. لكسر الحصار العلمي عن العراق
الحصار الخانق الذي يخضع له الشعب العراقي منذ عشر سنين هو أقسي عقوبة جماعية تعرض لها شعب بكامله علي مر التاريخ.. إذ لا نظن أن البشرية انحدرت يوما إلي هذا المستوي من اللاإنسانية التي وصلت إلي حد تجويع الأطفال وحرمانهم من الدواء، بل ومنع الأمصال التي تقي من العاهات والأمراض, وبقرار من المنظمة الدولية التي أنشئت بزعم نشر السلم والمحبة بين الشعوب!. فالحروب والنزوات العسكرية لم تتوقف يوما علي كوكب الأرض.. وعلي الرغم من شهوة التدمير والابادة التي يعشقها الطغاة والمغامرون, ومن جسامة الخسائر التي تنجم عن الحروب.. فإن الحياة الطبيعية للشعوب تعود إلي سيرتها الأولي بمجرد أن تضع الحرب أوزارها. أما أن يسجن شعب بأكمله تحت سمع وبصر العالم الذي يصف نفسه بالمتحضر فهذا والله ظلم, ما بعده ظلم ووحشية لا تقدر عليها الوحوش.. وهو في الوقت ذاته امتحان وابتلاء عظيم للشعب العراقي. وبالطبع فإن كل الأحرار في العالم يرفضون هذا الأسلوب الوحشي.. بل إن الشعب الكويتي نفسه - الطيب المتدين - عبر في أكثر من مناسبة عن عدم رضاه عما يتعرض له شعب العراق, ولكن الطغمة الاستعمارية التي تحكم عالم القطب الواحد لها حساباتها وأغراضها التي لم تخفها, وهي القتل العمد لشعب بأكمله.. بإعادته إلي حياة القرون الأولي. وليس أدل علي ذلك من تعمد منع وسائل وأدوات التعليم والبحث العلمي, والذي وصل إلي منع أقلام الرصاص! .
وقد تضمنت العقوبات الجماعية البشعة حصارا علميا أدي إلي حرمان العلماء والباحثين والطلاب العراقىين من الاطلاع على البحوث العلمية لعشر سنوات متواصلة!.. ألم نقل إن الهدف هو إعادة العراق إلي حياة القرون الأولي?!!
لذلك فإننا نوجه هذا النداء إلي العلماء والباحثين للقيام بمبادرة شعبية لفك الحصار العلمي المضروب حول أقرانهم العراقىين.. وذلك بارسال نسخ من بحوثهم التي نشرت في عقد التسعينيات, وكذلك نسخ من أية بحوث أخري لديهم مما نشر في هذه الفترة في المجلات والدوريات العلمية, إرسالها إلي شعبة الكيمياء بنقابة المهن العلمية (8 شارع بستان الدكة المتفرع من الألفي, القاهرة - 11511). وسوف ترسل البحوث التي يتم جمعها من السادة المتبرعين إلي الجهات المختصة بالعراق بعد تبويبها وتغليفها.
أيها العلماء الوطنيون في الجامعات ومراكز البحوث: هيا لنفشل مخطط تجهيل شعب شقيق.. والمطلوب منكم شيء يسير وهو مجرد تصوير ما لديكم من بحوث وارسالها إلينا, أو محادثتنا هاتفيا (223195) لارسال مندوب لاستلامها.. وهي إن شاء الله زكاة مقبولة عن أنفسكم وعلمكم وخبرتكم, والله تعالي ولي التوفيق.
د. عبدالله هلال
العدد 491 الخميس16من شوال 1412هـ الموافق 11من يناير 2001م
____________________________________________
الحكومة المعمّرة!
يقولون إن مصر بلد العجائب ومن أعجب ما شهده القرن الأخير ظاهرة الحكومات المعمًّرة! قد يكون هناك مبرر للبقاء «الدائم» في الحكم إن كان ذلك برغبة الشعب وكانت الحكومة ناجحة وتقدم كل يوم جديدا.. أما أن يطول البقاء في السلطة لحكومة خائبة وفاشلة وليس لديها خطة مستقبلية لعلاج هذا الفشل, فذلك مما يدعو إلي السخرية والعجب فمصر تنفرد - علي عكس الدنيا كلها - بتخلف القطاع الحكومي عن القطاع الخاص, مع أن الحكومة هي التي تملك ميزانية الدولة وهي التي تخطط وتنفذ ما تشاء من الأعمال وتستطيع أن تستحوذ علي أفضل العقول وأعلي الكفاءات. وفي أي دولة صغرت أم كبرت تجد التنافس بين الناس للالتحاق بالمستشفي الحكومي أو الجامعة الحكومية أو المدارس الرسمية سعيًا للحصول علي أعلي المرتبات وأفضل المزايا العلاجية والتأمينية.. أما في مصر العجيبة فالناس يفرون من الحكومة فرار السليم من الأجرب, فالمنشأة الحكومية هي الأقذر وخدماتها هي الأسوأ والشئ الغريب أن العاملين الفاشلين في الصباح (بالمرافق الحكومية) هم أنفسهم الناجحون في المساء (بالقطاع الخاص).
فهل يرجع ذلك إلي خلل مزمن وتخلف في الإدارات الحكومية أم إلي تداخل مريب بين القطاعين?.. وإذا كانت الأولي فلماذا تعمر حكومة متخلفة, وإذا كانت الثانية فمن المستفيد ومن الذي يقف خلف تخريب القطاع الحكومي لصالح الأعمال الخاصة؟! خذ مثلا قطاع التعليم, تجد كتابا حكوميا يعلم الجميع أنه يلقى بالقمامة.. وبالمقابل هناك كتب خاصة هي الرائجة وتحقق المليارات لأصحابها, وإذا فتشنا عن أصحاب هذه الكتب فسوف نكتشف بسهولة السر في سوء حالة الكتب الحكومية, وقسّ علي ذلك مملكة الدروس الخصوصية والجامعات والمدارس الخاصة وغير ذلك الكثير» لذلك فليس متوقًا, في ظل هذه الفلسفة الحكومية, أن تفلح الحكومة في صنع أي شيء مفيد.. فقد تخلفنا في جميع الميادين ولم ننجح في تطوير صناعة أو التفوق في إنتاج سلعة وتصديرها أو حتي الحفاظ علي تفوقنا التاريخي في الزراعة, مصرنا كمن يمشي للخلف, لأن كل فرد يعمل لصالحه هو وليس لصالح الوطن وقد استسلمت الحكومات المتعاقبة لهذا الفشل والشعور بالعجز ولم نجد حكومة واحدة تحاول أن تضع خطة لحل أي مشكلة مزمنة مثل الأمية أو انتشار مرض البلهارسيا أو البطالة أو حتي النظافة رغم الطنين الإعلامي وإدعاءات تحقيق ما يسمونه المشروعات الكبري.. ولا ندري لماذا لا يخجلون مثلا من هذه القذارة التي تملأ شوارعنا أو الحفر والمطبات التي لايخلو منها شارع أو الحوادث المرورية التي تحصد آلاف الأرواح دون أن يقلق أحد أو يأمر بدراسة تلك الظاهرة، لماذا لا يخجلون من الفشل في حل مشكلة الاشتباك المروري اليومي?. ولماذا يلقون باللوم علي المواطن الذي لم يجد نظاما ليتبعه? لو أنهم قالوا هذه خطتنا لإنهاء الأمية مثلا ولو بعد مائة سنة لالتمسنا لهم العذر, ولكنهم لا يملون من النظر تحت أقدامهم, والتغني بالإنجازات!
د. عبدالله هلال
العدد 571 الخميس 13 من جمادى الآخرة 1423 هـ 22 من أغسطس 2002م
____________________________________________
الحلم العربي أصبح «توصيات ميتشل»!!
منذ أن زُرع الفيروس الصهيوني داخل الجسم العربي والحلم العربي يتضاءل ويتضاءل حتي وصل إلى الهاوية!. فقبل 1967 كان الحلم والمشروع العربي الأول (خطابياً طبعاً) هو «تحرير فلسطين».. وتحملت الشعوب العرببية جبالاً من الطغيان والحرمان بحجة الإعداد للمعركة الفاصلة لتحرير الأرض الفلسطينية الغالية. وعندما انتشر الفيروس الصهيوني وابتلع باقي فلسطين بالإضافة إلي سيناء والجولان في 1967, تضاءل الحلم العربي من تحرير فلسطين إلي تنفيذ القرار 242 والعودة إلي حدود 4 يونيو 1967, وانتهت تماماً قصة تحرير فلسطين!.وللأسف لم تتمسك الحكومات العربية بهذا الهدف المتواضع, ولم تصمد أمام الوباء الصهيوني, وأخذت تتنازل قطعة قطعة حتي وصل الأمر إلي الاعتراف بالعدو, وانهيار المقاطعة, والتطبيع الإجباري بأوامر أمريكية.. وتحول الحلم العربي إلي القبول بنسبة ضئيلة من الضفة الغربية وقطاع غزة مقابل التسليم الكامل للعدو والاعتراف الجماعي به.. ورغم ذلك فقد رضينا بالذل ولم يرض العدو بنا, إذ ازداد صلفا وتوحشا وتراجع عن كل ما وعدهم به وتمسك بتحقيق كل أهدافه التي تصل إلي التمدد شرقا وغربا من النيل إلي الفرات.. ونحن كما نحن لا نتقدم إلي أي نوع من الفعل ولا نقدر حتي علي رد الفعل الطبيعي الذي ميز الله تعالي به جميع المخلوقات!. وقد وصل الهوان إلي اختزال الحلم العربي إلي «تنفيذ توصيات لجنة ميتشل»!!, هكذا تحولت كل المساعي العربية لتسوُّل هذه التوصيات الحقيرة التي لن تحرر أرضا أو تعيد كرامة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم!.
- الضغط على العدو.. شرف لا ندعيه!
د. عبد الله هلال
العدد 518 الخميس 12 من جمادى الاولى 1422 هـ 2 من اغسطس 2001 م
____________________________________________
الخضوع للإرهاب الأمريكي.. إلى متى؟!
منذ أن تعرضت أمريكا للضربة الموجعة التي زلزلت كيانها وأفقدتها صوابها وهزت مكانتها وأظهرت أنها نمر من ورق.. منذ ذلك الحين والعرب تائهون في بلاطها, حائرون علي أبوابها.. تركوا قضيتهم الأصلية لشارون اللعين ينتهز الفرصة ويصطاد في الماء العكر, وأخذوا يتسابقون في إدانة «الإرهاب» وإظهار الحزن علي الضحايا الأبرياء وعرض المساعدة علي زعيمة الإرهاب الحقيقي التي لم تترك شبرًا في الكرة الأرضية دون أن تزرع فيه الكراهية والظلم.والسؤال الذي ينبغي علي العرب أن يبحثوا له عن إجابة قبل التمادي في مسيرة النفاق الراهنة يتعلق بموقف أمريكا عندما تعرض العرب للإرهاب الإجرامي الصهيوني في صبرا وشاتيلا, وفي مذبحة قانا, والمذابح اليومية في فلسطين.. وقبل ذلك في مدرسة بحر البقر وفي أبي زعبل (مصنع الصلب)... أو حتي في الوقت الراهن عندما تعرضت عدة حكومات عربية لما أطلقوا عليه «الإرهاب» وأخذت تستغيث بالعالم للوقوف إلي جانبها ضد هذا الإرهاب. ماذا فعلت أمريكا?.. بالطبع لم تفعل شيئا, بل علي العكس فقد ساعدت العدو الصهيوني وآوت هي وحلفاؤها الغربيون هؤلاء المطلوبين لدي حكوماتهم بصفتهم زعماء الإرهاب. فلماذا لا تعاملون أمريكا بالمثل, ولو (علي الأقل) بعدم اللهث وراءها لإظهار التأييد وكأنها دولة مسالمة ليس بيننا وبينها ثأر!
لقد ضيع العرب كعادتهم الفرصة ولم يستفيدوا شيئا من الوضع الحرج للإدارة الأمريكية التي أُجبرت علي إسقاط العقوبات المفروضة ظلمًا علي باكستان (وإن كانت قد كشفت عن نواياها الخبيثة بإسقاط هذه العقوبات عن الهند أيضًا دون مناسبة لتثبت أن باكستان هي التي كانت مستهدفة بالعقوبة وليس الهند) وأخذت توزع المزايا والأموال والصفقات يمينا ويسارًا علي أولئك الذين تمنعوا في البداية عن معاونتها.
كان يمكن للحكومات العربية أن تتريث قليلا وأن تتفق علي موقف واحد يقضي بمطالبة هذه القوة الباغية بوضع يدها في يد العرب لاقتلاع الإرهاب بكل صورة بادئين بالإرهاب الصهيوني.. وكان يمكن للعرب المطالبة برفع الحصار عن الدول العربية كافة, والكف عن تصنيفهم إلي دول معتدلة وأخري راعية للإرهاب. ولو فعل العرب ذلك لاغتنموا هذه الفرصة التي هيأها الله تعالي لهم.. لأن الإدارة الأمريكية المكسورة والمهزوزة لم يكن أمامها من خيار سوي الاستجابة للمطالب العربية العادلة لأنها لن تستطيع فعل أي شيء دون مساعدة العرب.. ولكن المساكين كانوا أمريكيين أكثر من أمريكا وفاجأوها بالقول «شبيك لبيك.. عبدك بين إيديك», فلماذا تتعب نفسها في استرضائهم?!.. ولماذا لا تخضع للابتزاز الصهيوني الذي لم يضيع الفرصة وسبق الجميع في فرض وجهة نظره وإلقاء التهم علي العرب والمسلمين?!
- العوض على الله.. فالفرص الجيدة لا تأتي سوى مرة واحدة!!
العدد 527 الخميس 17 من رجب 1422هـ 4 من اكتوبر م
____________________________________________
السفاح شارون يتدخل في شئوننا.. من يردعه؟!
شعرت بالإهانة الشديدة عندما قرأت في أهرام 72 مايو تعليق رئيس وكالة أنباء الشرق الأوسط - الأستاذ محفوظ الأنصاري - علي رد فعل العدو الصهيوني وبعض الدوائر الغربية التي تسير في فلكه علي الحكم بالحبس الصادر ضد الدكتور سعد الدين إبراهيم..- هل وصل الهوان بنا إلي درجة أن السفاح شارون - الذي يعيش هذه الأيام (بل مدي حياته) ويتغذي علي الدماء الفلسطينية - يأمر باستدعاء القائم بالأعمال المصري للاحتجاج علي الحكم القضائي بحبس مواطن مصري?.. كيف تحملت الحكومة المصرية هذا التوبيخ والاتهام بأنها تنتهك حقوق الإنسان?!.. ولماذا لم تحتج الحكومة علي هذا التدخل السافر في شئوننا الداخلية?!.. بل لماذا لم تعامل العدو بالمثل وتستدعي سفيره البارد - الذي ليس لديه ذرة من الإحساس -- كل يوم، بل كل ساعة, للاحتجاج علي «قتل» أشقائنا في فلسطين؟!.. هل من حقهم أن يقتلونا وليس من حقنا أن نحاكم عملاءهم؟!!.. وماذا كان يمكن أن يكون رد فعل حكومتنا «العنترية» لو أن هذا التدخل في شئوننا جاء من دولة عربية أو من إيران مثلا؟.
- والأمر الثاني المثير للاستفزاز أن الحكومة المصرية - ممثلة في وزارة الخارجية أو غيرها - لم ترد وفضلت ترك الأمر لأحد الصحفيين وهو رئيس وكالة أنباء الشرق الأوسط لينشر دفاع الحكومة عن نفسها, في صورة تعليق صحفي عابر!.. وقد جاء التعليق للأسف دفاعيًا وتبريريًا وكأننا ارتكبنا جريمة, كما لم يخل هذا التعليق العجيب من الإشارات الغريبة المُطَمٍئًنةَ للأعداء بأن الحكم قابل للاستئناف, وأن هناك إمكانية للإفراج الصحي!!.
.. وثمة ملاحظة جديرة بالتسجيل في هذه المناسبة وهي أن استاذين جامعيين - لهما من المنزلة والوضع الاجتماعي والسبق في ميدان العمل العام ما يفوق سعد الدين إبراهيم بكثير جدًا - يخضعان الآن للاعتقال دون حكم صادر من «محكمة شرعية» كما وصف الأنصاري.. ولم نجد واحدًا علي المليون من مثل هذه الضغوط والاحتجاجات سواء من الداخل أو الخارج, وهذا ما يشرفهما بالطبع.. وهما:
- الدكتور محمد محمد عبد اللّه - أستاذ الكيمياء, وعميد كلية التربية, والرئيس «المنتخب» لنادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة الزقازيق - والذي اختطف من داخل مديرية الأمن لمنعه من الترشيح لمجلس الشوري!.
- الدكتور محمد حبيب - عضو مجلس الشعب السابق, وأستاذ الجيولوجيا ورئيس شعبتها بنقابة المهن العلمية, ورئيس نادي جامعة أسيوط «المنتخب» ورئيس اتحاد نوادي هيئات التدريس - والذي اعتقل مع باقي المدعوين إلي حفل زفاف بإحدي قري أسيوط، والذي سبق الحكم عليه بالحبس خمس سنوات من محكمة «عسكرية» لا «شرعية».. وقضاها بالكامل!!
- نرجو ألا ينطبق على الحكومة القول المأثور: «أسد عليّ وأمام الأعداء نعامة»!!
العدد 510 الخميس 15 من ربيع الأول 1422 هـ الموافق 7 من يونية 2001 م
____________________________________________
السلام الصهيوني: خيار استراتيجى .. أم انهزامي؟!
والشيء الذى يغيظ أن الخطاب الرسمى العربى لايزال متخلفا عن مستوى وروعة إنجازات أطفال الحجارة, فلم يغير من مطالبه ولا حتى من أسلوبه.. وكل ما يحلم به ويسعى إليه هو ؛العودة إلى مائدة المفاوضات«!, وكأنهم حصدوا شيئا من هذه المفاوضات العقيمة التى يتقن الصهاينة اللعب بها وتوزيع الأدوار لتنفيذ مخططاتهم..كما لايزال العرب متشبثين بمقولة ؛السلام خيار استراتيجى عربي«!!. ولا ندرى أين هو السلام الذى يتحدثون عنه?.. هل توقف الصهاينة يوما واحدا عن سفك الدماء العربية وسرقة الأراضى والمنازل الفلسطينية منذ أن التزم العرب بهذا الخيار الانهزامى الاستسلامي?.. هل توقف بناء المستوطنات? .. هل توقف التجسس والتخريب?.. هل جنح الصهاينة للسلم أصلا ? وكيف يجنحون للسلم وهم لصوص وقتلة وضحاياهم مازالوا على قيد الحياة ولم ولن ينسوا جرائمهم?.. وحتى لو جنحوا للسلم بعد أن نهبوا وسرقوا وذبحوا وقتلوا, هل يكون هذا سلما أم خدعة للفرار بالمسروقات?
ينبغى على الحكومات العربية استثمار الثورة الفلسطينية وتصعيد المطالب العربية بدءا من قرار التقسيم الذى صدر عن ؛الشرعية الدولية« التى يتمحكون فيها, فالصهاينة يطمعون ويتشددون كلما تنازلنا وفرطنا, ولن تتوقف أطماعهم ويتراجعوا إلا إذا تشددنا .. والوقت الحالى هو أنسب الأوقات لفرض شريعة الحق والعدل بدلا من شريعة الغاب السائدة.
د. عبد اللّه هلال
العدد 489 الخميس 25 من رمضان 1421 هـ الموافق 21 ديسمبر 2000م
____________________________________________
الشلل السياسي والدبلوماسي!
تخدرنا أنظمة النكبة الجديدة بمقولات تحكيم العقل وتجنب المواقف الانفعالية التي يمكن أن تجرنا إلي حرب «غير مدروسة» تأتي علي الأخضر واليابس, وتضيع إنجازات التنمية!..وكأنهم قد أفلحوا في التنمية, وهم الذين زادت علي أيديهم معدلات البطالة ودفعوا الشباب العربي إلي البحث الدءوب عن أي وطن آخر يهاجرون إليه, وهم كذلك الذين شاخت حكوماتهم ولازمها الفشل في كل ميدان ولم نعد نري سوي شوارع قذرة وتعليم منهار وحوادث يذهب الآلاف ضحية لها لانعدام وسائل الأمان والإنقاذ والوقاية.. إلخ.
وأيا كان الأمر.. فمن الذي طالب هؤلاء المتخاذلين الواهنين بإعلان الحرب?.. هل هناك معتوه يقبل أن يسلم رقاب شباب الوطن لهؤلاء الذين فشلوا في السلم لكي يخوض بهم حربًا? إن هذه المقولات التي تروجها أنظمة النكبة هي من باب الهروب من الموضوع الحقيقي الذي إن لم تفلح فيه هذه الأنظمة فلا داعي لوجودها.. ألا وهو الجهد السياسي والدبلوماسي, الذي يبدو أنه كذلك قد صار «محرمًا» عليهم مثل الحرب تمامًا بسبب الاستسلام المهين أمام الحلف الصهيوني الأمريكي. وهذه أسئلة مشروعة نرجو أن نجد إجابة عنها من هؤلاء المروجين لشعارات تحكيم العقل:
- لماذا تقاطع الدول ذات العلاقة الآثمة بالعدو الصهيوني اجتماعات لجنة المقاطعة العربية?.. هل هناك «فيتو» علي قراراتها وهي التي تدعي رفض الممارسات الصهيونية اللاإنسانية?.. ومن الذي يستخدم هذا الفيتو?.. وهل إعلان المقاطعة هو بمثابة إعلان الحرب?!!
- أين الجهد الدبلوماسي والسياسي العربي مع الأمم المتحدة التي صارت منحازة جدًا للعدو وبصورة علنية؟.. من الذي يمنعنا من تجميع مواقف دولية لمصلحة قضيتنا مع دول عدم الانحياز والدول الصديقة?. لقد نجحت الدبلوماسية المصرية بعد هزيمة 1967 في حشد الدول الأفريقية في الصف العربي، وقامت هذه الدول بقطع العلاقات مع العدو؟.. لماذا فشلنا الآن في ذلك رغم أن هناك دولاً تبادر من تلقاء نفسها ودون جهد منا بذلك, مثل النيجر وقبلها بلجيكا؟
- عندما زفت الصحف المصرية نبأ إلغاء رحلات الطيران المصرية إلي عاصمة العدو احتجاجًا علي المذابح, لم تمض ساعات وتراجع الموقف المصري لتعلن مصر للطيران أن السبب اقتصادي وليس سياسيًا!.. ماذا حدث?.. ومن الذي تدخل? ولماذا لم يصمد هذا القرار البائس؟!!
- قرأنا مؤخرًا بيان وزارة الأوقاف الذي «يؤكد» أن الوزارة لم توافق علي توزيع منشور يدعو إلي مقاطعة السلع الصهيونية والأمريكية, بل تنفي بكل شدة حدوث ذلك.. وكأنها تفر من هذه الوصمة فرار السليم من الأجرب, رغم أن كل أفراد الشعب (بمن فيهم العاملون في الأوقاف وغيرها) يروجون قوائم المقاطعة. والسؤال المحيّر هو عن مدي حاجة الوزارة لإعلان هذه البراءة.. هل هي جريمة أن تعلن الحكومة مساندتها للشعب في مقاطعة العدو?.. ولماذا لم تصمت الوزارة والصمت هنا من ذهب؟!.
- عندما قُتل صهيوني مدمن في سيناء سارعت وسائل الإعلام بتطمين العدو بأن الحادث جنائي وليس سياسيًا, وأسرفت الصحف في تأكيد ذلك وكأن الشعب المصري لا يشعر بمأساة إخوانه في فلسطين.. أليس من حقنا الانفعال ومحاولة الانتقام من العدو؟.. وإن حدث ذلك, هل يلام العدو أم تلام الحكومة؟!
- في مظاهرات الإسكندرية ذكرت الصحف أن الجامعة حصلت علي موافقة حكومية علي المسيرة السلمية إلي المركز الثقافي الأمريكي.. و فجأة انقلبت الحال وتدخلت الشرطة بالرصاص الحي, وقُتل طالب وأصيب واعتقل الكثيرون, لماذا انقلبت الحكومة على المظاهرة السلمية؟.. ومن الذي تدخل؟.. ولماذا كان الثمن دمًا؟!!.
- هذه دعوة للشعب المصري الحر أن يستمر في التظاهر السلمي والمقاطعة الشاملة لمنتجات الأعداء وحلفائهم.. كما ندعو الشباب المصري إلي إظهار المرارة تجاه الأمم المتحدة بالهتاف ضدها وحرق علمها أيضًا لفضح انحيازها للعدو.
العدد 555 الخميس 19 من صفر 1423هـ 2 من مايو 2002 م
____________________________________________
يا عرب.. الصمت من ذهب!
يحار المرء ويرتفع ضغطه عند إجراء مقارنة بسيطة بين الأداء الصهيوني المسلح بالباطل والأداء العربي المفرط في الحق.. فهم يدافعون عن الباطل بكل قوة وجرأة, ونحن نتردد في الدفاع عن الحق بكل ذلة وهوان. فعلي الرغم من الأداء العسكري الفاشل والمتهافت للعدو, والذي وصل إلي تمرد جنوده ورفضهم الخدمة في المناطق التي تحدث بها مواجهات مع شعب أعزل من السلاح, وإلي فرار المسلحين بالمدافع من أمام المسلحين بالنبال والحجارة... إلا أن الأداء السياسي والإعلامي والدبلوماسي للعدو تفوق بكثير علي العرب أجمعين, وهم الذين يتشبثون بما يسمونه الجهاد السياسي هربًا من الجهاد العسكري.. ففروا من ميدان القتال (رغم قوتهم وضعف العدو), وانهزموا في ميدان السياسة التي يدّعون أنهم فرسانها!!
فقد رفض العدو لجنة التحقيق في مذابح جنين, ولم يهتز للعرب «شنب» ورضوا بالقليل غير المجدي, وسُخطت اللجنة إلي مجرد لجنة تقصي حقائق مشلولة لا تقدم ولا تؤخر.. ورغم ذلك رفضها العدو, ومرة أخري لم تهتز للعرب «شعرة».. وظلوا كما هم خاضعين للمنظمة الدولية المنحازة, ولم تجرؤ دولة عربية واحدة علي التهديد بتجميد عضويتها في هذه المنظمة التي لم تنجز في تاريخها شيئًا سوي تأسيس دولة العدو وإخضاع العرب له بالحصار والعقوبات التي لا نتردد في تنفيذها والخضوع لها بامتياز!!
وفي الميدان الإعلامي الدولي نجح العدو في تضليل العالم واستطاع أن يقلب الأمور ويحول الحق إلي باطل والباطل إلي حق، وأقنع العالم بأن الجاني هو الضحية وصاحب الحق هو «الإرهابي» البربري الذي يستحق القتل أمام شاشات التلفزة.. وفشل العرب في مجرد الدفاع عن أنفسهم, وفشلوا كذلك في تنفيذ قرار وزراء إعلامهم بتخصيص 20 مليون دولار للوقوف بها (!) أمام الآلة الإعلامية الصهيونية, ولا نظن أن هذا الفشل وتلك الخيبة ناجمة عن فقر لاسمح الله, فالأموال العربية سائبة في كل ميدان, ولكنه التدخل الصهيوني الأمريكي الذي لم يعد أحد يجرؤ علي إنكاره, والحمد لله أن هذه الخطوة قد فشلت (رغم أهميتها) لأن الفاشلين الواهنين لا يمكنهم إنجاز أي عمل ناجح، ولو حاولوا فسوف تكون فضيحتنا بجلاجل وتحدث نتائج عكسية.
وعلى الرغم من الحرب القذرة التي يديرها العدو ضد المدنيين والتي أثارت اشمئزاز العالم كله.. وعلي الرغم من وقاحة الثنائي السفاح بوش وشارون وعدم إظهار أي احترام تجاه الحكام العرب.. وعلي الرغم من تمزيق العدو لكل الاتفاقيات والمعاهدات التي يسمونها سلمية.. فإن هؤلاء الحكام مازالوا يتحدثون عن السلام والتمسك به, ولم يفكروا مطلقًا في الصمت ولو مؤقتا أثناء المذابح حتي لا يفهم العالم أن ذبح العرب ما هو إلا «عملية سلمية»! وقس علي هذا كل التصرفات والقرارات الخائبة للحكومات العربية والسلطة الفلسطينية.. فمن حق العدو أن يقتل من يشاء دون عقاب أو حتي لوم, أما قتلة الوزير الصهيوني الحقير فلابد من محاكمتهم, ويجتهد العدو في ذلك رغم إمكانه قتلهم ليثبت أن مقاومة الاحتلال «إرهاب», وتوافق السلطة, ومن ورائها الحكومات العربية علي حبسهم, وتأتي القوات الأوربية فورًا لإحكام عملية الحبس وهم الذين رفضوا الحضور ضمن قوات دولية لحماية الشعب الأعزل.. ومن حق العدو أن ينفي أصحاب الأرض إلي الخارج وبموافقة العرب والسلطة الفلسطينية ليثبت مبدأ الإبعاد, وليس من حقنا منع العدو من استيراد اليهود من كل مكان ومنحهم أرضنا, أليس ذلك دليلًا علي قناعتنا بأن هذه الأرض ليست أرضنا?!.. ومن حق العدو قتل المدنيين عمدًا وبأحدث الأسلحة ونحن والعالم صامتون, وعندما يقتل المستوطنون في عملية استشهادية يبادر كل الحكام العرب والسلطة الفلسطينية بإدانة «الإرهاب» الفلسطيني, وتنشط السلطة في اعتقال المجاهدين لكي تثبت مبدأ عدم أحقية الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال.. ومن حق العدو بعد أن أقام المذابح والمجازر أن يحدد هو مفهوم السلام الذي يريده, ويقترح السفاح شارون إقامة مؤتمر دولي بشروطه التي لا تمنح الفلسطينيين شيئًا, وكان المتوقع أن يتجاهل العرب هذه الدعوة العجيبة أو أن يلوذوا بالصمت, ولكنهم للأسف كانوا في انتظار إشارة إصبع السفاح وبدأوا يتكلمون عن المؤتمر الدولي وكأنه من بنات أفكارهم والسبيل إلي استرداد الحق المغتصب! وأعجب ما نشاهده علي الساحة العربية هو رد الفعل العربي تجاه الوقاحة الشديدة للسفاح الأمريكي بوش الذي تطاول علي الرئيس الفلسطيني وعلي الحكام العرب عندما طلب من عرفات أن يكون مفرطا في حق شعبه وأن يصير مثل باقي الحكام العرب لكي ينال رضاه.. ورغم ذلك ورغم الانحياز العلني للعدو مازالت العلاقات العربية الأمريكية غارقة في السمن والعسل!!
ليت الحكومات العربية تدرك أن صمتها وتخليها عن القضية الفلسطينية هو الأكثر فائدة.. ليتها تبعد وسائل إعلامها عن الحديث في هذا الموضوع.. ليتها تدرك أن الصمت من ذهب.. ارفعوا أيديكم عن فلسطين وشعبها لكي يتحقق النصر.
د. عبدالله هلال
العدد 557 الخميس 4 من ربيع الاول 1423هـ 16 من مايو 2002م
____________________________________________
العرب وأمريكا.. لا بديل عن الطلاق!
كشف الرئيس الأمريكي جورج بوش عن حقيقة نواياه ونوايا إدارته تجاه الإسلام والمسلمين.. ذلك أنه لم يحاول أن يخفي ما تمتلئ به نفسه من حقد علي كل ما هو إسلامي، معلنا في خطابه عن حالة الاتحاد أن الشر كله مركز في الجانب الإسلامي، وقد أضاف كوريا الشمالية ذرا للرماد في العيون. وواقع الأمر أن الحلف الصهيوني الأمريكي قرر بدء الحملة الصليبية المعاصرة للقضاء علي الإسلام.. وقد بدأت هذه الحملة قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر في البوسنة والهرسك وكوسوفا وفلسطين والعراق وإيران وليبيا والسودان والصومال وأفغانستان, ولكن هذه الهجمات وما تلاها من استقواء أمريكي وانحناء لحكومات الدول العربية والإسلامية عجلت بتنفيذ المخطط الشيطاني.وقد فضح هذه الحملة الصليبية الجديدة توجه القوات الأمريكية إلي كل من الفلبين وكينيا للقضاء علي الأقليات الإسلامية هنا وهناك.. إذ أصبح بوش «تحت الطلب» لأية دولة تريد التخلص من المسلمين فيها. وليس هناك أية شبهة لأي دور للمسلمين في الفلبين وكينيا في الهجوم علي أمريكا, بل إن الأخيرة نفسها لم تدع ذلك, وكلنا الأقليتين مضطهد ومهضوم الحقوق ولهم مطالب شرعية لا يستطيع أحد أن ينكرها عليهم, ولو أن هناك أحرارًا في عالم اليوم لقاتلوا من أجل نصرة هؤلاء المظلومين. ولكن مدعيّ حقوق الإنسان يتظاهرون برعاية الحيوانات والطيور, ولا تطرف لهم عين وهم يقتلون البشر من المسلمين.
ولا يختلف اثنان علي أن موقف الإدارة الأمريكية من القضية الفلسطينية عار بكل المقاييس, إذ لا يعقل أبدا أن يحرم شعب من مقاومة الاحتلال وتحرير أرضه المغتصبة.. ولا يعقل أن يترك الخنزير الطائش شارون يطيح في شعب أعزل قتلا وتدميرا وحرقا والعالم يجلس متفرجًا, ثم يخرج علينا هذا البوش بافتراءاته وتهديداته ضد المجاهدين في حماس والجهاد وحزب الله متهما إياهم بما أسماه الارهاب.. وكأني أري «بوش» وقد امتطاه «شارون» وأخذ يندفع به يمنة ويسرة, يهاجم هذا ويهدد ذاك.. ويصنّف خلق الله بالتصنيفات التلمودية التي أفتراها بنو إسرائيل, وليصبح كل من يعترض علي الاجرام الصهيوني هدفا مشروعا لهذا الخنزير الطائش.
والحقيقة أن الحكومات العربية هي السبب في هذا الموقف المخزي.. فكلما تزايد الانحياز الأمريكي للعدو, زاد «العشق» بين هذه الحكومات وجلادها الأمريكي, مدعين أنه الشريك المحايد وراعي عملية «السلام»!. ولا ندري ماذا ينتظر العرب من هذا «الشريك المخالف» بعد أن أعلنها صراحة بأنه مع الصهاينة علي طول الخط وأنه ضدهم بكل إمكاناته?. هل العرب لا يملكون وسيلة للضغط علي أمريكا?.. إننا لن نطالبهم بموقف ثوري مثل موقف إيران, فهم لا يجرؤون علي ذلك, بل لا يجرؤون علي مجرد قول كلمة حق لصالحها.. ولكن لماذا لا يفعلون مثل تركيا عندما حاول «الصديق» الأمريكي, وفي اطار الحملة الصليبية ذاتها, ادانة الدولة العثمانية بارتكاب حرب ابادة ضد الأرمن.. فهددت تركيا باتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية (أي مقاطعة مثل التي فشلنا فيها), لتتراجع أمريكا صاغرة لأنها لا تحتمل أية مقاطعة اقتصادية. هل الفرق بيننا وبين تركيا هو الفرق بين شجاعة الحكومات هنا وهناك؟.. أم أنها إرادة الشعب التركي «الحر» التي يجب أن يُحترم؟.. ألم نقل مائة مرة إن العرب لن يرفعوا رؤوسهم ويفرضوا قضيتهم إلا بعد وقوع الطلاق (أو المخالعة!) بينهم وبين أمريكا؟!!
- انتبهوا يا عرب.. فالانحناء يغري بالامتطاء!.
العدد 545 الخميس 2 من ذي الحجة 1422هـ 14 من فبراير 2002م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق