http://old.almesryoon.com/Archive/ShowDetailsC.asp?NewID=29947&Page=7
الأحرار فقط هم الذين ينتصرون!
بقلم د. عبد الله هلال
(المصريون) بتاريخ 3 - 2 - 2007
انتهينا في المقال السابق إلى أن القوة الباغية الأولى في العالم- وهي أمريكا- ليست جديرة بالانتصار. فهل نحن العرب والمسلمون جديرون بالانتصار؟.. الواقع أننا جديرون للأسباب التي سوف نوردها في هذا المقال، ولكننا لا ننتصر بسبب إهمالنا لكل عوامل القوة والتمكين التي وهبنا الله تعالى إياها.. بالإضافة إلى اعتقاد أغلب الحكام العرب بأننا ضعاف مغلوبون، وتسليمهم غير المبرر للأعداء، ولنبدأ بالفرصة التي أضاعها العرب في الحادي عشر من سبتمبر.
منذ أن تعرضت أمريكا (في 11 سبتمبر) للضربة الموجعة التي زلزلت كيانها وأفقدتها صوابها وهزت مكانتها وأظهرت أنها نمر من ورق.. منذ ذلك الحين والعرب تائهون في بلاطها، حائرون على أبوابها.. تركوا قضيتهم الأصلية لقادة العدو الصهيوني ينتهزون الفرصة ويصطادون في الماء العكر، وأخذوا يتسابقون في إدانة «الإرهاب» وإظهار الحزن على الضحايا الأبرياء وعرض المساعدة- وقتها- على زعيمة الإرهاب الحقيقي التي لم تترك شبرًا في الكرة الأرضية دون أن تزرع فيه الكراهية والظلم.
والسؤال الذي ينبغي على العرب أن يبحثوا له عن إجابة قبل التمادي في مسيرة النفاق التي لم تتوقف رغم مرور السنوات يتعلق بموقف أمريكا عندما تعرض العرب للإرهاب الإجرامي الصهيوني في صبرا وشاتيلا، وفي مذبحة قانا، ومذابح لبنان في الصيف الماضي، والمذابح اليومية في فلسطين.. وقبل ذلك في مدرسة بحر البقر وفي أبي زعبل (مصنع الصلب)... أو حتى في الماضي القريب عندما تعرضت عدة حكومات عربية لما أطلقوا عليه «الإرهاب» وأخذت تستغيث بالعالم للوقوف إلى جانبها ضد هذا الإرهاب. ماذا فعلت أمريكا?.. بالطبع لم تفعل شيئا، بل على العكس فقد ساعدت العدو الصهيوني وآوت هي وحلفاؤها الغربيون هؤلاء المطلوبين لدى حكوماتهم بصفتهم زعماء الإرهاب. فلماذا لا تعاملون أمريكا بالمثل، ولو (على الأقل) بعدم اللهث وراءها لإظهار التأييد وكأنها دولة مسالمة ليس بيننا وبينها ثأر!.
لقد ضيع العرب كعادتهم الفرصة ولم يستفيدوا شيئا من الوضع الحرج للإدارة الأمريكية التي أُجبرت على إسقاط العقوبات المفروضة ظلمًا على باكستان (وإن كانت قد كشفت عن نواياها الخبيثة بإسقاط هذه العقوبات عن الهند أيضًا دون مناسبة لتثبت أن باكستان هي التي كانت مستهدفة بالعقوبة وليس الهند) وأخذت توزع المزايا والأموال والصفقات يمينا ويسارًا على أولئك الذين تمنعوا في البداية عن معاونتها.
كان يمكن للحكومات العربية أن تتريث قليلا وأن تتفق على موقف واحد يقضي بمطالبة هذه القوة الباغية بوضع يدها في يد العرب لاقتلاع الإرهاب بكل صوره بادئين بالإرهاب الصهيوني.. وكان يمكن للعرب- وقتها- المطالبة برفع الحصار عن الدول العربية كافة، والكف عن تصنيفهم إلى دول معتدلة وأخرى راعية للإرهاب. ولو فعل العرب ذلك لاغتنموا هذه الفرصة التي هيأها الله تعالى لهم.. لأن الإدارة الأمريكية المكسورة والمهزوزة لم يكن أمامها من خيار سوى الاستجابة للمطالب العربية العادلة لأنها لن تستطيع فعل أي شيء دون مساعدة العرب.. ولكن المساكين كانوا أمريكيين أكثر من أمريكا وفاجأوها بالقول «شبيك لبيك.. عبدك بين إيديك»، فلماذا تتعب نفسها في استرضائهم?!.. ولماذا لا تخضع للابتزاز الصهيوني الذي لم يضيع الفرصة وسبق الجميع في فرض وجهة نظره وإلقاء التهم على العرب والمسلمين?!. العوض على الله.. فالفرص الجيدة لا تأتي سوى مرة واحدة!!، وللأسف فحجة الحكومات العربية المستسلمة كانت أقبح من الذنب، حيث ادعوا وقتها أن همهم الوحيد هو قضية فلسطين، وأن أوراق القضية كلها في يد أمريكا!.
وليس صحيحًا بالطبع أن كل أوراق قضية فلسطين مركزة في أيدي أمريكا أو ربيبتها إسرائيل أو كليهما.. والقول بذلك يعني أن العرب كمُُّ مهمل لا قيمة لهم ولا وزن. ولو كان الأمر كذلك لقلنا إن هذا قدرنا وبدأنا من نقطة الصفر لتحسين وضعنا. ولكن الحقيقة أن الوضع العربي قوي جدًا من جميع الوجوه، وأن العرب لديهم من أوراق الضغط والتأثير ما يمكن أن يجبر العالم كله على احترامهم.. بل وما يضع حدًا لهذه العنصرية الصهيونية التي تفوقت على النازية. فنحن نمتلك مخزون الطاقة النفطية الرئيسي في العالم كله، ولو كان هذا السلاح في يد أمة رشيدة لتربعت على عرش الكرة الأرضية وفرضت نفسها على كل الأمم دون حاجة إلى حروب أو فتوحات!.. كما نمتلك أكبر وأضخم الأسواق الاستهلاكية في العالم، إذ نستورد كل شيء من الإبرة إلى القمر الصناعي!، وفقدنا قيمة الرشد وصرنا أسرف المستهلكين في العالم، ولو تجرأنا وخاصمنا أي دولة وتوقفنا عن الاستيراد منها فسوف تنهار وتلبي كل مطالبنا.. وقبل كل ذلك فنحن نمتلك عقيدة إيمانية استطاعت منذ قرون أن تحول العرب الحفاة العراة الأميين إلى سادة الدنيا.. وهذه العقيدة هي التي تدفع الشباب المؤمن إلى حب الاستشهاد والتضحية بالنفس، فهل يمكن أن يصمد أمامنا أولئك المحبُّون للدنيا، المتشبثون بالحياة، والذين قال الله تعالي فيهم إنهم «أَحْرَصَ النَّاسِ علَى حَيَاة».. أيُّ حياة، وإن كانت حياة الذل والهوان?!. هذا إضافة إلى موقعنا الاستراتيجي وأرضنا الخصبة وشمسنا المشرقة ومياهنا العذبة المتدفقة وكنوز الآثار والخامات وغيرها من الخيرات، بل والأسلحة "المخزونة"!.
فكيف نهدر كل مصادر القوة التي حبانا الله تعالي بها ونقف كالشحاذين على أبواب البيت الأبيض لكي يفعلوا لنا ما يجب أن نفعله بأنفسنا?!.. هل يمكن لأحد في العالم كله أن يحترمنا أو حتى يشفق علينا ونحن أذلاء إلى هذا الحد?!. إن أخشى ما نخشاه هو ألا يكتشف الحكام العرب أن أمريكا هي العدو الحقيقي لنا إلا بعد فوات الأوان، وبعد خراب مالطة. إن وضعنا المتدهور بسبب غياب فكرة الاعتماد على النفس مرشح لمزيد من التدهور والانهيار.. لأن العالم كله يحترم القوة ويدوس الضعيف وإن كان معه الحق.. وحتى لو كانت أمريكا دولة صديقة "افتراضا"، أو كانت دولة غير ظالمة "جدلاً"، فكيف تقف إلى جانبنا ونحن لا نعتمد على أنفسنا?!.
إن فكرة الشكوى لمن نعتبرهم "الكبار" في أمريكا وأوربا كلما طغى وبغى علينا العدو الصهيوني هي السبب في زيادة طغيانه، ليس فقط لأنهم أعداء لنا مثله ولكن لأنهم يرون منا ضعفًا ومسكنة.. وإذا لم نعتمد على أنفسنا فسوف يبتلعنا الطوفان. وما احتلال أمريكا للعراق ومحاولة تخريبه وتقسيمه إلا نتيجة لهذا الهوان وتسليم كل الأوراق لهذه الدولة الباغية التي لا تسعى إلا لمصالحها ومصالح ربيبتها الصهيونية، ولو كان لدى العرب قليل من الجرأة لما تجرأت أمريكا علينا في العراق والسودان والصومال وليبيا واليمن.. الخ.
ولعل سائلاً يسأل عن السبب في هذا التسليم وذاك الهوان رغم امتلاكنا لمصادر القوة التي يمكن أن تجعلنا سادة العالم... فنقول إنه غياب الحريات وسيادة الحكم الفردي الذي يَسْهُل التأثير عليه واختراقه من قبل الأعداء.
فالأحرار فقط هم الذين ينتصرون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق