مشروع الدكتور عبد الله هلال
بقلم: جمال سلطان
المصريون 21 ديسمبر 2008
بقلم: جمال سلطان
المصريون 21 ديسمبر 2008
(إلى الأساتذة المحترمون كتاب (المصريون) الذين استطعت الحصول على عناوين بريدهم الإلكترونى، أكتب إليكم جميعا ليس فقط لأن المصريون هى صاحبة الفكرة موضوع الرسالة ولا لأنها الصحيفة الشعبية الأولى (إلكترونيا)، والموضوع شعبى 100% ولكن لأنكم من أفضل كتاب مصر بشهادة أغلب القراء وقد نجحت هذه الصحيفة الجادة فى استقطاب هذه الكوكبة الممتازة من الكتاب، وكلمتكم هي المسموعة شعبيا، والموضوع يتعلق باقتراح المصريون بتخصيص قطعة أرض لكل أسرة. هذا الموضوع مهم وممتاز وجاد وممكن وهو حق للشعب المهضوم ومطبق فى أنحاء العالم وهو محتاج لجهد شعبى لكى يصل لصناع القرار، لذا نرجو من كل منكم تشجيع توصيل الفكرة للناس بالكتابة ولو مرة واحدة عنه، وشكرا لكم) ، هذه الرسالة ـ من القارئ الدكتور محمد أحمد سلطان ، وهو تشابه أسماء فقط نعتز به ولا يعرف أحدنا صاحبه إلا من خلال النت ، نموذج لرسائل عديدة وصلت إلى صحيفة المصريون كلها تتحدث بنفس واحد وشوق واحد ، تطالب بتفعيل الدعوة الرائعة التي أطلقها عبر المصريون الدكتور عبد الله هلال والخاصة بفكرة تمليك كل أسرة مصرية قطعة أرض محانية للبناء فيها والسكن ، من أراضي مصر الشاسعة والممتدة في صحرائها على جانبي النهر ، والحقيقة أن الفكرة أو مشروع الدكتور عبد الله منذ نشر وقد لاقى صدى كبيرا في أوساط القراء ، ودعانا كثيرون منهم إلى تفعيل الفكرة والإلحاح عليها حتى لا تمر مرور الكرام ، أو يتم دفنها كما دفنت أفكار أخرى خلاقة كثيرة ، ومن هذا المنطلق أعود إلى فكرة الدكتور عبد الله هلال للتأمل فيها ، وبداية ، للتذكرة أنقل للقراء من مقالة الدكتور عبد الله هلال التي نشرها في المصريون قبل أسابيع فحوى فكرته ، كما وردت في مقاله ، يقول : من حق كل مواطن أن يمتلك جزءا من أرض الوطن، ناهيك عن حقه في امتلاك بيت يؤويه.. والصحراء المصرية المهملة واسعة وتشكل أغلب مساحة مصر، وتتميز صحراؤنا باستوائها واعتدال مناخها، وهي أفضل بالتأكيد من صحراء الخليج التي تعاني من الحرارة المرتفعة جدا والرياح الشديدة المحملة بالأتربة، ورغم ذلك فقد تم تعميرها وتحولت إلى مدن عامرة بالحياة لا تقل جمالا ومدنية عن المدن الأوربية (الإمارات مثلا)، وانتشرت فيها المزارع والغابات الاصطناعية. وتعاني مصر من أزمة إسكانية خانقة وكثافة سكانية عالية مركزة في وادي النيل الذي لم يعد يحتمل مزيدا من البشر. وسبب الأزمة معروف ويتلخص في ارتفاع أثمان الأراضي بشكل جنوني دون مبرر.. وهي أزمة مفتعلة لأننا لا نعاني من نقص في المساحة، وإنما نعاني من سوء التخطيط والفساد الذي يؤدي إلى الاحتكار والمضاربة ورفع الأسعار إلى أرقام غير مبررة اقتصاديا؛ مما أدى إلى ظهور مليونيرات الأراضي- الذين أثروا ثراء فاحشا دون تعب أو إنتاج، وصنعوا أزمة كان من الممكن تجنبها. فقد أدت هذه السياسة غير الرشيدة إلى رفع تكاليف المسكن البسيط إلى أرقام فلكية لا يقدر عليها معظم المصريين.. مما عرقل الزواج ودفع الناس إلى الهجرة إلى أي مكان تطوله أيديهم، وصنع أزمة كبيرة بلا داع. وأعرف أسَراً كثيرة في حاجة ماسة إلى مسكن آدمي، وتمتلك من المال ما يكفي لإنشاء بيت معقول ولكن الارتفاع الجنوني لسعر متر الأرض يشل أيديهم ويصرفهم عن فكرة البناء. لذا فالمشروع البديل الذي نطرحه للنقاش ونطالب به هو تخصيص قطعة أرض مساحتها ألف متر لكل أسرة (أو 200 متر لكل فرد) كحق امتلاك طبيعي تحصل عليه الأسرة دون مقابل في الوقت الذي يناسبها والمكان الذي تختاره (من خلال مكتب تنسيق).. وتكون ملكية خالصة لها حق التصرف فيها دون تعقيدات، سواء بالبدل أو البيع أو البناء عليها كلها أو على جزء منها؛ مع الالتزام فقط بالاشتراطات المعمارية والبيئية والصحية. وهذا المشروع إن تم فسوف يقضي على مشكلة الإسكان من جذورها لأنه سوف ينهي الاحتكارات والمضاربات وظاهرة (تسقيع الأراضي).. وسوف تنخفض فجأة أسعار الأراضي وبالتالي المساكن. وسوف تؤدي هذه الخطوة إلى ظهور خريطة جديدة متوازنة لمصر تسهم في إعادة توزيع السكان وتقليل كثافة المدن القديمة الحالية.. لأن توزيع الأراضي مجانا بالصورة المقترحة يعني إنشاء ما لا يقل عن مئة مدينة جديدة، تنتشر بمحازاة الوادي القديم. وإذا تم تخطيط هذه المدن بطريقة ذكية تغري الناس بجمالها واتساعها ونقائها وكثرة حدائقها ورقي مرافقها- بالإضافة إلى إغراء تملك الأرض دون مقابل، فمعنى ذلك أن الباب سوف يُفتح على مصراعيه لهجر المدن القديمة المكتظة، وتحولها بالتالي لاحقا إلى مدن عصرية محترمة.
انتهى الاقتباس من مقال صاحب الفكرة ، ونستكمل الحديث عنها غدا بإذن الله ..
gamal@almesryoon.com
_____________________________________________
نواصل اليوم رحلة البحث عن مستقبل مصر مع الفكرة الرائعة للدكتور عبد الله هلال ، قبل أن نتوقف وقفة كافية عند الطرق والوسائل الممكنة لتحويل هذه الفكرة إلى واقع ، أو على الأقل تحويلها إلى مشروع ضاغط على صاحب القرار في مصر وأحد أهم بدائل المستقبل ، يعالج صاحب الفكرة التحديات التي تعترض المشروع ، مستحضرا مناورات السلطة وتخاذلها ، ويقول )يتطلب هذا المشروع بالطبع تدبير مرافق البنية الأساسية لهذه المدن الجديدة، ومن الواضح أن الحكومة لن توافق على تحمل هذه التكلفة الباهظة، وإلا لفعلت هكذا مشروع من تلقاء نفسها.. ونُطمئن الحكومة أن الشعب المصري يستطيع تدبير أموره بنفسه إن شعر أن هناك جـِدّية وصدق وشفافية، فأغلب القرى المصرية تكفـّلت بمعظم المرافق بها بجهودها الذاتية. وهذا المشروع يمكن أن يتحمله القطاع الخاص بالكامل من خلال وسائل عدة (محكومة بنظام معلن ومتفق عليه)؛ مثل تكوين جمعيات للملاك تقوم بإنشاء المرافق من خلال اشتراكات الأعضاء، وتكوين شركات خاصة للمياه والغاز والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات ... الخ، بتمويل من البنوك (إن تطلب الأمر) لإنشاء هذه المرافق واسترداد أموالها من خلال توصيل الخدمات وفواتير الاستهلاك، وكذلك من مساهمات أصحاب المشاريع الاستثمارية الخاصة (مستشفيات، مدارس، جامعات، نوادي، ملاهي، مراكز تسوُّق، مصانع، محطات وقود، شركات نقل... الخ). ولا شك أن القطاع الخاص وأنشطته الاستثمارية بكل مدينة تكفي لتحمل أعباء البنية الأساسية وزيادة، لأن هذا القطاع هو المستفيد الأول من المدن الجديدة.. فكل مدينة سوف تكون بها مدينة صناعية ومدينة تجارية؛ والحصول على الأرض للاستثمار يكون بمقابل. ويمكن- في الأماكن التي تتوافر بها مياه جوفية أو غيرها- تخصيص قطع أراضي للزراعة تمنح لمن يقدر على زراعتها. وبالطبع سوف يكون هناك من لا يقدرون على عملية البناء، وهؤلاء يمكن أن يدخروا الأرض للمستقبل، أو يشاركوا مع آخرين، أو يقترضوا من البنوك، أو يبيعوا نصيبهم ويستفيدوا من ثمنه في تحسين مستوى سكنهم الحالي) ، وتوضيح الدكتور عبد الله هلال هذا يعني أن الحكومة "ليس لديها أي حجة" ، ثم يمضي لبيان فوائد هذا المشروع الإسكانية والاجتماعية وحتى النفسية فيقول : (نلخص فوائد المشروع فيما يأتي:
• القضاء على مشكلة الإسكان من جذورها وإلى الأبد، وتوفير مسكن صحي فسيح لكل مواطن.. والتخلص من العشش والعشوائيات والسكن بالمقاير... وتحسين نفسية المواطن المصري الذي تأثر سلبيا من الزحام والضوضاء.
• تخفيض الكثافة السكانية وإصلاح حال المدن القديمة وإنهاء مشكلات التلوث والمرور والزحام ...الخ، ويترتب على ذلك ازدهار القطاع السياحي أيضا.
• المشروع يعتبر ثورة معمارية شعبية، تشارك فيها أغلب قطاعات الشعب، ويمكن أن يستوعب الملايين من الأيدي العاملة لسنوات طويلة، مما يسهم في القضاء على البطالة.
• إحداث توازن في التوزيع السكاني على أكبر مساحة ممكنة من أرض الوطن، وهذا يدعم الأمن القومي.
• توفير دخل (إضافي) حقيقي كبير لكل أسرة؛ دون تحمُّل ميزانية الدولة لأية أعباء.
• تبني نظام النماذج المعمارية المبسطة قليلة التكلفة، المنتشرة في العالم.. لأن التوسع سوف يصير أفقيا لتوافر المساحة، بدلا من النماذج الرأسية المكلفة والمسببة لمشكلات الاكتظاظ والكثافة العالية.
• عودة نظام العائلة الكبيرة التي تعيش في بيت واحد أو بيوت متجاورة، الذي انقرض بسبب أزمة الإسكان.. وهو نظام اجتماعي مفيد ورائع.
• إتاحة الفرصة لإعادة تنظيم وتخطيط المدن المصرية بما يتناسب مع احتياجات العصر الحديث (حدائق عامة، نظم مرورية متطورة، طرق لراكبي الدراجات، مدارس فسيحة بها ملاعب وحدائق، نظام لتجميع مياه الأمطار، المعالجة الأولية لمياه الصرف الصحي واستخدامها في التشجير .... الخ).
• فتح الباب أمام الإبداع الاقتصادي الشعبي بممارسة الأسر للأنشطة الحرفية المنزلية البسيطة (مثل الصين)، نظرا لتوفر المساحة بالبيوت الجديدة)
انتهت رؤية الدكتور هلال ، ويبقى أن نبحث في الطريقة أو الوسائل التي نحول بها هذه الفكرة إلى واقع ، وهذا هو حديث الغد بإذن الله .
gamal@almesryoon.com
_______________________________________________________
إذا كانت الحكومة وحزبها "يستهبلون" على الشعب بحكاية توزيع ملكية المؤسسات الاقتصادية وغيرها له بنظام الصكوك ، فإن هذا المشروع الذي قدمته المصريون من خلال فكرة الدكتور عبد الله هلال أهون من ذلك كثيرا ، ولن تبيع الحكومة ولن تشتري ، فقط تمنح كل أسرة مصرية قطعة من صحراء مصر في حدود ألف متر لبناء مسكن لائق عليها ، ويمكن اشتراط أن يكون البناء على أربعين في المائة أو حتى ثلاثين في المائة والباقي يكون حديقة خاصة بالمسكن ، وعشرات المليارات من الجنيهات التي نسمع عنها بين الحين والآخر من عمليات النهب المنظم والعشوائي لمصر طوال السنوات الماضية ، والديون المعدومة وخلافه ، يكفي ويزيد في تحقيق التخطيط العمراني وشبكة الطرق والبنية الأساسية من مياه ومجاري وكهرياء ، إضافة إلى مقترحات المشاركة الأهلية التي عرضها الدكتور هلال ، ولا أملك إضافات لما قيل في الفكرة وقيمتها وثمراتها ، ولكن المهم الآن هو البحث في تحويل هذا الفكرة إلى مشروع وإلى قضية رأي عام وإلى أمل حقيقي للمصريين ، وفي تصوري أن مفتتح هذا الطريق هو إبعاد الروح اليائسة والمحبطة عن مشاعرنا وأفكارنا ، وأن تكون لدينا روح الإصرار على طرح الفكرة ومتابعتها وفق الآليات التي أقترحها هنا أو التي يتفتق عنها ذهن الآخرين من أبناء الوطن ، وأنا مستعد لتفريغ مساحة هذه الزاوية في أي يوم لأي فكرة داعمة للمشروع أو إضافة ، كما أن المصريون كصحيفة مستعدة لتبني الفكرة ومتابعتها ومنحها كل ما تحتاجه من دعاية أو تعريف ، وفي تصوري أنه لتفعيل الفكرة ينبغي أن تتشكل مجموعات متابعة أو جمعيات أهلية ، أو اللجوء إلى جمعيات قائمة وطرح الفكرة عليها بحيث تتبناها أكثر من جمعية أهلية وتثير النقاش حولها ، كذلك دعوة القنوات الفضائية الخاصة والحكومية إلى متابعة الفكرة وإثارة النقاش حولها ودعوة المسؤولين والقيادات السياسية والنقابية والبرلمانية والحزبية إلى هذا النقاش ، بالإضافة إلى التواصل مع الصحافة القومية والحزبية والمستقلة لعرض الفكرة والنقاش حولها ، وكذلك التواصل مع طيف واسع من أعضاء البرلمان ، ليس بالضرورة أن يكونوا من المعارضة أو المستقلين ، لأن هذا المشروع يفترض أنه أكبر من التقسيم الحزبي وأكبر من الحسابات السياسية نفسها ، بحيث يتبناه عدد مناسب من أعضاء البرلمان من كافة التيارات بما في ذلك الحزب الوطني ، كذلك ينبغي أن يكون هناك تواصل جيد مع النقابات المهنية المختلفة ، وخاصة النقابات ذات التأثير المعنوي والسياسي ، مثل نقابة الصحفيين ونقابة المحامين ونقابة المهندسين ، وغيرها من النقابات ، بحيث تتبنى لجان منها هذا المشروع وتدير حلقات النقاش حوله ، كما تدعى نقابة المهندسين إلى تقديم تصور هندسي عملي متكامل حول مختلف مراحل المشروع واحتياجاته ، كذلك لا بأس بأن يدخل في هذا الحوار عدد من رجال الأعمال ، خاصة من الذين عرف عنهم تبني بعض القضايا الوطنية أو لديهم روح المشاركة ، ولا داعي لذكر أسماء هنا ، فهذا ليس مهما ،كذلك من المفيد أن يتم التواصل مع مؤسسات دولية أهلية أو رسمية لتعريفها بالمشروع وطموح الشعب بكامله معه ، لأن مثل هذا التواصل يحقق ميزة الحضور والتفعيل لفكرة المشروع وإحراج الحكومة بما يدفعها إلى التعامل بجدية مع الفكرة ، إضافة إلى أن هذا التواصل يثمر عادة في حصول الدولة على منح لا ترد ، للمشاركة الدولية في هذه الفكرة ، هذه مجرد أفكار عابرة ، وأنا على ثقة من أن آلاف القراء سيكون لديهم أفكار أكثر عمقا وترتيبا وتناسقا ، المهم أن نبدأ ، وكما يقولون : طريق الألف ميل يبدأ بخطوة ، ولو نجح هذا الجيل في تحقيق هذا الطموح فسوف يتغير وجه مصر بالكامل ، وستذكر أجيال عديدة قادمة بكل الإجلال والخير تلك الجهود الطيبة .
gamal@almesryoon.com
_______________________________________
أتصور أنه من المفيد لمثل هذا المشروع أن ننأى به عن التعقيدات الفلسفية وأحاديث النخبة بشكل عام ، لأنه مشروع الجميع وفكرة الجميع ، وكلما كانت الأفكار الداخلة فيه بسيطة ومفهومة وسهلة الهضم كلما نجحت في تحقيق الإجماع الشعبي حولها ، وهذه مسؤولية الأكاديميين والمفكرين والكتاب والصحفيين والقراء أيضا ، تبسيط الفكرة والمعلومة والصياغة ، هذه خاطرة عارضة ، وبالعودة إلى الفكرة في صلبها أقول أن هناك بعض الأبعاد التي سيكون من المهم مراعاتها في هذا المشروع ، وبعضها أبعاد نفسية أو اجتماعية ، فمسألة الشعور بالاغتراب إذا انتقل المواطن من بلدته القديمة إلى عالمه الجديد يمكن التغلب عليها بدرجة كبيرة إذا تم التنسيق بين القطاعات المتخصصة في جعل كل مدينة مفترضة جديدة بمثابة امتداد إنساني واجتماعي للمدينة القديمة ، بحيث تعطى الأولوية لسكان المدينة القديمة في تلك المنطقة الجديدة تحديدا ، بمعنى أن يجد ابن طنطا مثلا أصدقاء له وجيران وأهل وزملاء دراسة وغير ذلك في المدينة الجديدة ، مما يقلل من إحساس الغربة في المرحة الانتقالية ، وأتصور أن هناك ثقافة جديدة دخلت على المصريين في السنوات الأخيرة أضعفت مسألة الالتصاق بالأرض القديمة ، بدليل هذه اللهفة على شراء الأراضي في المدن الجديدة والتجمعات البعيدة عن قلب المدينة ، لدرجة أن يشتري بعضهم شقة من مائة متر على بعد أربعين كيلو متر في الصحراء الممتدة بين القاهرة والسويس ويدفع فيها أكثر من نصف مليون جنيه ويتسلمها نصف تشطيب ، كذلك يمكن أيضا بقليل من التخطيط والتنسيق توزيع الأحياء في التجمعات الجديدة حسب المهن والأعمال ، بحيث يكون هناك أحياء للمهندسين وأحياء للمحامين وأحياء للأطباء وأحياء للقطاعات الوظيفية المختلفة ، إن أمكن ذلك ، ولا يسمح بعملية الفرز الاجتماعي والطبقي إلا باختيار الملاك وحدهم ، فمن أحب أن يبيع قطعة أرضه في مكان لشراء غيرها في مكان آخر يكون هذا اختياره وحقه ، كذلك يعطي كل صاحب قطعة أرض الحق في بنائها بمعرفته الخاصة دون تدخل من أي جهة حكومية ، لا بد من إنهاء مرحلة تولي الحكومة البناء لآلاف الوحدات السكنية ، لأن هذه التجربة أثبتت فشلا ذريعا وخرابا ، لأن الغالبية العظمى من المساكن التي بنتها الحكومة تخللتها عمليات فساد وغش وتآمر بين مقاولين محترفين وموظفين خربي الذمة حتى أن المبنى تجده يشيخ وتفسد شبكة الصرف والمياه فيه بعد أقل من عام فقط على تسليمه ، ولكن دور الحكومة هو تحديد معايير موحدة للبناء والشكل العام الخارجي بحيث يكون هناك تناسق في الارتفاعات والتقسيم ومساحة البناء على الأرض ومساحة الحدائق الملحقة بكل مبنى والفراغات المشترطة بين كل مبنى وما جاوره ، وهذا المعمول به في مختلف أنحاء العالم ، وخاصة العالم الأول مدنيا ، وكذلك تحديد شبكة الطرق واتساعها والاشتراطات الصارمة لبناء المراكز التجارية أو المحلات الصغيرة وخاصة توفر مساحات كافية لوقوف السيارات بعيدا عن نهر الطريق ، وكذلك تلافي كل عورات وعشوائيات الوادي القديم ، بحيث يتم توفير حديقة عامة لكل حي ، وليس لكل مدينة ، وأكثر من نادي عام في كل مدينة ، وكذلك تقوم الجهات الرسمية بتحديد أماكن بناء المنشآت الحكومية مثل مراكز الشرطة ومجمعات الخدمات العامة مثل السجل المدني والشهر العقاري ومجمع المحاكم وغير ذلك مع تكفل الحكومة ببناء هذه المنشآت .
gamal@almesryoon.com
______________________________________
مدينة الإسماعيلية مدينة حديثة بالنسبة لعموم مصر ، عمرها لا يتجاوز المائة وثلاثين عاما ، يعني من عمر شخص واحد من المعمرين أو على الأكثر عمر جيلين فقط إذا افترضنا متوسط العمر خمسة وستين عاما ، وهذه المدينة اليوم تعتبر واحدة من أجمل مدن مصر إن لم تكن أجملها ، من حيث اتساعها وتخطيطها المناسب والحدائق العامة الواسعة فيها وطرقها والحفاظ على مستويات ارتفاع منخفضة لعموم المباني إلا باستثناءات قليلة جدا وكثافة الأشجار فيها خاصة فواكه المانجو وأشجار النخيل وغيرها ، أتمنى أن ينشر بعض الناشطين على شبكة الانترنت صورا لموقع مدينة الإسماعيلية عند تأسيسها مباشرة ، ونشرتها مرارا هيئة قناة السويس في مناسبات متعددة ، سيجد القارئ مساحة من الصحراء المترامية والقاحلة ، لا زرع فيها ولا ماء ولا حياة ، مجرد مجموعة من "العشش" المبنية من الخوص لسكن العمال الذين حفروا القناة وبعض المباني الخشبية القليلة لسكن المهندسين الأجانب الذين يشرفون على العمل ، ولم تكن "الحلوة" كما يسميها أهل المرج وما جاورها أو ترعة الإسماعيلية كما هي معروفة الآن قد وصلت إلى موقع المدينة ، كانت قد وصلت إلى "العباسة" عند أطراف محافظة الشرقية الآن ، وكان التخطيط العلمي أن لا يبدأ حفر القناة إلا بعد وصول حفر الترعة إلى موقع مدينة الإسماعيلية الحالي حتى يتوفر الماء للعمال ، وبنوع من الجشع والوحشية قرر ديليسبس أن يبدأ العمل بدون انتظار وصول حفر الترعة ، على أن يتم نقل المياه بالجمال من العباسة إلى الموقع ، الأمر الذي أدى إلى هلاك الآلاف من العمال الغلابة بسبب العطش ومستويات النظافة المتدنية وانتشار الأمراض ، المهم أن هذه المساحة الصحراوية القفر بلا زرع ولا ماء ولا شجرة واحدة ، تحولت الآن بفضل التخطيط "الأجنبي" مع الأسف ، ثم بعد ذلك وجود بعض الشخصيات السياسية والاقتصادية التي أحبت المدينة وخدمتها بالمحافظة على التخطيط القديم في امتدادها وتوسعها ، مثل محافظها السابق عبد المنعم عمارة ، والمهندس عثمان أحمد عثمان رحمه الله ، تحولت هذه البقعة الصحراوية إلى هذا الجمال والتنسيق حتى أصبحت متنزها لأهالي القاهرة والشرقية وما جاورها في الأعياد والمناسبات ، ففيها من الحدائق والمتنزهات ومساحات الخضرة والجمال ما لا يوجد في الوادي القديم الخصب الذي زرعوه بالخرسانة والأسمنت بدلا من الخضرة والخير والجمال ، مصر اليوم تستطيع أن تنشئ مئات المدن مثل الإسماعيلية وأفضل منها ، بتحاشي الأخطاء والعشوائيات الجديدة التي ظهرت فيها في السنوات الأخيرة ، نستطيع أن ننشئ في صحرائنا مدنا صحية ورائعة وتملؤها مساحات الخضرة والجمال والنقاء والمباني الكريمة التي نستحقها كمواطنين ، بدون منة من حكومة ولا حاكم ، ما الذي يمنعنا من هذا الحلم الجميل ، إنه ليس حلما مستحيلا أو طوباويا كما يقال ، بل هو حلم عملي مشروع جدا وواقعي جدا وممكن جدا ، فقط أن نجاهد من أجله بالكلمة والاتصال واللقاءات والإلحاح ، وأن يقيض الله له من أصحاب القرار من يتيقظ ضميره ووطنيته ، ويريد أن يضع بصمته في مستقبل مصر ، لأن هذا المشروع "القومي" إذا تحقق ، فإنه سيظل رمزا تاريخيا لمصر ، لا يقل إبهارا ولا روعة عن "العبور" إلى النصر في أكتوبر / رمضان ، لأنه سيكون عبورا بوطننا إلى المستقبل بالفعل وليس بالدجل الإعلامي ، وسيتغير وجه مصر بالفعل ، وتكلفة هذا المشروع في تقديري أقل من المليارات الضخمة التي أهدروها برعونة في توشكى ، ثم ذهبوا بعدها يبحثون عن الزراعة في السودان وكينيا !
gamal@almesryoon.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق