أهلاً.. وسهلاً

مرحبا بكم في موقع الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال

مقالات علمية وسياسية - محاضرات في الكيمياء - بحوث علمية - كتب علمية في الكيمياء وتطبيقاتها - استشارات علمية (كيميائية وبيئية)















هل لديك استشارة علمية؟

الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال - استشاري الدراسات الكيميائية والبيئية
للاستشارات العلمية:
ناسوخ (فاكس): 0020222670296 القاهرة
جوال: 0020115811500



الصفحة الرئيسية

الأربعاء، ٢٤ مارس ٢٠١٠

* إصــلاح التعليم لايـــزال ممكنـا


إصــلاح التعليم لايـــزال ممكنـا
بقلم ‏ د‏.‏ عبد الله هلال
الأهرام المسائي 16 يوليو 2008

أعيد طرح قضية الفساد في التعليم بمناسبة ما سمي بفضائح الثانوية العامة في المنيا‏..‏ وقد توقعت ان يهتز المجتمع المصري وتسري في أوصاله الكهرباء بهذه المناسبة المخزية‏,‏ وان يصيب الزلزال كل مؤسساتنا التعليمية بما فيها الوزارة المختصة‏,‏ ولكن وللأسف الشديد كان رد الفعل باردا جدا بسبب التغير الخطير في مفهوم التعليم نفسه‏;‏ اذ صار الهدف من التعليم في العصر الحديث هو مجرد عبور الامتحان بأي وسيلة والحصول علي الشهادة الرخصة‏,‏ سواء
تعلم الطالب او لم يتعلم لقد انهارت القيم الاصيلة التي كانت تميز المدارس والجامعات المصرية‏..‏

ونعتقد ان هذا الانهيار والانحدار كانت له مقدمات كثيرة‏,‏ لم تؤخذ مأخذ الجد في حينها‏,‏ وتسببت ظروف عديدة في اغماض العين عنها مما ادي الي اتساع الخرق علي الراقع‏..‏ ولنصل الي حالة حرجة لم يعد يجدي معها سوي اسلوب الجراحة والاستئصال واخطر ما في الامر ان المجتمع المصري بات يتقبل حوادث الفساد في التعليم‏,‏ ولا تهتز له شعرة امام هذا الزلزال المدمر الذي يجعلنا بحق امة في خطر‏..‏ اذ يظن الكثيرون الان للاسف ان مساعدة الطالب في الامتحان ـ سواء بالغش او بشراء الاسئلة ـ هدف مشروع وحق مكتسب‏,‏ واصبح التدخل غير المعقول في امتحانات الثانوية العامة من قبل اولياء الامور ووسائل الاعلام شيئا عاديا لا يثير الاشمئزاز ولا حتي الاحتجاج من اية جهة‏,‏ وكأن المطلوب من وزارة التربية والتعليم هو منح الدرجة النهائية لجميع الطلاب في جميع المواد ايا كان مستواهم او درجة تحصيلهم‏!.‏

كان المفروض ان يكون التعليم هو اكثر الميادين حصانة ضد الفساد لانه يتعلق بمستقبل الوطن‏,‏ اذ لا يمكن ان تنهض امة في ظل تعليم فاسد‏.‏ فالتعليم ليس مجرد امتحان للحصول علي رخصة للعمل‏,‏ ولا هو مجرد تلقين للمعارف والمعلومات‏..‏ ولكنه عملية تربوية متكاملة تهدف الي بناء الانسان الصالح الواعي الذي يمتلك من المعارف والمهارات ما يمكنه من خدمة نفسه ووطنه‏,‏ ومرحلة التعليم في حياة الانسان هي مرحلة تكوين الشخصية واستكشاف المواهب واكتساب المعرفة وتنمية المهارات والسلوكيات‏..‏ والشرط الاساسي لتحقيق ذلك هو توافر الشفافية والمساواة والقدوة الصالحة‏,‏ واذا لم يتوافر هذا الشرط في تلك المرحلة الدقيقة من حياة الانسان فلا امل في التعليم‏,‏ لانه سوف يصبح في هذه الحالة اداة هدم لشخصية الانسان وسلوكياته‏.‏

والسؤال الخطير الذي يطرح نفسه في هذه المناسبة هو‏:‏ لماذا تغير المجتمع المصري وصار هدف اولياء الامور تساندهم ـ بقوة ـ وسائل الاعلام للأسف هومجرد عبور اولادهم للامتحان بتفوق بصرف النظر عن مستواهم التعليمي؟‏..‏ لقد تربينا في هذا الوطن نفسه علي قيم اصيلة اساسها ان الغش حرام ولم نكن نشهد في الماضي القريب هذا الاهتمام الفائق بالامتحانات فقط دون ادني اهتمام بالعملية التعليمية نفسها لم نكن نشهد هذا التكالب علي لجان الامتحانات لمحاولة مساعدة الاولاد بالغش او بشراء الاسئلة‏..‏ كانت حوادث الغش ومساعدة اولاد بعض قيادات التعليم المحليين نادرة وممقوتة ومستهجنة‏,‏ وكان الطالب الذي يحظي بالمساعدة او الغش يشعر بالخزي والعار امام زملائه كان هناك شعور وفهم عام بأن الغش لن يفيد‏;‏ لان الطالب الغشاش الذي لم يتعلم جيدا لن يستطيع المواصلة بالمراحل التالية‏..‏ وكان اولياء الامور يتفهمون ذلك ويريحون انفسهم من عناء اللهث وراء الامتحانات ولجانها‏,‏ وكانوا بالتالي يهتمون بالعملية التعليمية نفسها‏,‏ ونشأت فصول التقوية لمساعدة الطلاب ضعاف التحصيل‏,‏ وظهرت الدروس الخصوصية من اجلهم لانه لا حل سوي التعلم الحقيقي ورفع مستوي الطالب‏.‏

وكانت قصص القلة القليلة من الطلاب الذين حصلواـ بنفوذ ابائهم علي الدرجات العلا في الثانوية العامة ثم فشلوا في مواصلة تعليمهم بكليات الطب وغيرها دائما حاضرة‏..‏ وما زال الناس في قريتي يتندرون بمثل هذه القصص وما بها من عبرة فما السبب يا تري في هذا الانقلاب الخطير في مفهوم التعليم؟‏,‏ وهل هناك حل لهذه المعضلة التي تهدد مستقبل الوطن؟

لا شك ان انتقال الفساد التعليمي الي الجامعات ايضا هو الذي يشجع اولياء الامور علي محاولة مساعدة اولادهم بالغش لعبور امتحان الثانوية العامة فالطالب الغشاش بالثانوي يمكن ان يكون غشاشا بالجامعة‏,‏ ليتخرج ويحمل شهادة تؤهله بجهله لقتل المرضي الذين يوقعهم حظهم العاثر في عيادته‏,‏ اوتدمير المنشآت التي يصممها او يشرف علي بنائها‏,‏ او تسميم الناس بالمياه الملوثة‏...‏ الخ واصحاب النفوذ والمال الذين يستطيعون شراء الامتحانات بالثانوي هم الذين يستطيعون فعل الشئ نفسه بالجامعة‏,‏ وهم الذين يستطيعون تدبير وظائف لاولادهم الجاهلين فور التخرج‏,‏ ورغم البطالة السائدة‏..‏ فلماذا لا ينتشر الغش وشراء الذمم؟‏!‏ وقد ساعد علي استفحال هذه الظاهرة الي جانب الانهيارالجامعي ـ وجود الجامعات والمعاهد الخاصة التي تؤكد بنظمها الحالية المعلنة انها نشأت لهذا الصنف من الطلاب فالجامعات الخاصة في الدنيا كلها تتنافس في اجتذاب الطلاب المتفوقين اكثر من التنافس علي جيوب اولياء الامور‏,‏ لان المستوي الاكاديمي للجامعة ومستوي خريجيها هو الاهم‏..‏ وهو الذي يجلب المال ايضا‏;‏ لان الطلاب في الدول الجادة يتسابقون للالتحاق بالجامعات المحترمة ذات السمعة الممتازة التي تهتم اساسا بالعملية التعليمية وبتخريج افضل المتخصصين‏.‏ وهذا واضح ايضا حتي في مدارسنا الخاصة الحالية‏..‏ فالمدارس الخاصة المتميزة لا تقبل الا افضل الطلاب‏,‏ بل وترفض قبول الطلاب ضعاف التحصيل حفاظا علي سمعتها‏.‏

اما الجامعات الخاصة المصرية فهي حتي الان تشبه المدارس الخاصة القديمة في اواخر الستينيات من القرن الماضي التي أنشأها الاتحاد الاشتراكي وبعض التجار‏,‏ والتي كانت بابا خلفيا لضعاف التحصيل والحاصلين علي درجات متدنية لمحاولة استكمال تعليمهم‏..‏ وكانت القلة القليلة من طلابها هي التي تستطيع مواصلة تعليمها لان التعليم العام والجامعي في مصر وقتها كان لا يزال بعافيته‏.‏ ولقد اسفرت الجامعات والمعاهد الخاصة عن حقيقة التعليم بها بالاعلان عن قبول ضعاف التحصيل الحاصلين علي درجات لا تؤهلهم للجامعات الرسمية‏,‏ اذ اعلن مجلس هذه الجامعات الاسبوع الماضي عن قبول الطلاب بنسب نجاح تقل بحوالي‏10%‏ عن الكليات المماثلة بالجامعات الرسمية فهل هذه الجامعات لديها عصا سحرية لاعادة تأهيل هؤلاء الطلاب ورفع مستواهم وتخريج اطباء وكيميائيين ومهندسين وغيرهم بمستوي يناسب عصر العلم والتقنية والمعلومات الذي كاد قطاره يفوتنا؟‏!..‏

لقد ذكر لي صديق انتدب للتدريس بإحدي الجامعات الخاصة ان عميد الكلية التي انتدب اليها رفض نتيجة الامتحان الخاص به لانه رسب ثلاثة طلاب‏..‏ وكانت حجة العميد المحترم ان اولياء امور هؤلاء الطلاب الراسبون دفعوا عشرين الف جنيه لكل طالب‏,‏ فكيف لا ينجح الطالب وتضطر اسرته بالتالي لدفع هذا المبلغ الكبير مرة اخري؟‏!..‏ وبالطبع انسحب الصديق من التدريس في هذه الجامعة‏,‏ ورحب العميد بانسحابه وكسر وراءه قلة لأن سياسة الجامعة للأسف هي منح الشهادات آليا مقابل دفع الرسوم‏!.‏

وقبل ان نقترح الحل لمشكلة فساد التعليم ننبه الي ان ما حدث في المنيا لا يمكن ان يكون مقصورا علي هذه المحافظة‏,‏ فقد ادي الطمع في المال وسوء الاداء وانعدام التنظيم الي كشف الجريمة‏..‏ولكن ليس هناك ما يؤكد انها لم تحدث في محافظات اخري‏,‏ وحادثة اللجان الخاصة بالشقق المفروشة مازالت ماثلة‏,‏ ومحاولات الغش في اللجان عموما دون وجود اية مقاومة اوتأنيب للضمير تؤكد ما ذهبنا اليه من تشوه مفهوم التعليم ذاته‏;‏ لدي عامة الناس وخاصتهم وقد تسربت افة الغش الي كثير من الجامعات‏,‏ وهناك غش رسمي من نوع اخر تقترفه اغلب الكليات الان من خلال اعداد قائمة من الاسئلة وبيعها للطلاب تحت مسمي الشيت ولا يخرج الامتحان عنها لان الطالب اشتراها بحر ماله‏,‏ والاستاذ حصل علي هذا المال‏!‏ والشئ الذي ينذر بالخطر ان كارثة الدروس الخصوصية بالتعليم العام انتقلت كماهي الي الجامعات الكبري‏,‏ وصارت مشكلة الطلاب الان هي ضياع وقتهم في التنقل بين المراكز التعليمية المتناثرة في احياء العاصمة‏,‏

بل والشكوي من الازدحام بهذه المراكز‏.‏ وقد تردد في مطلع هذا الاسبوع ان هيئة تدريس احدي الجامعات ترفض الربط بين زيادة الدخل ومشروع جودة الاداء‏,‏ وهذا يبرز موقفا عجيبا للمجلس الاعلي للجامعات‏..‏ اذ من المفروض ان جودة الاداء فرض عين علي كل من يتولي وظيفة عامة‏,‏ سواء كانت هناك زيادة في الدخل او لا‏,‏ فلماذا لم يتابع المجلس الموقر موضوع جودة الاداء قبل الحديث عن هذه الزيادة في الدخل؟‏,‏ وهل يمكن مثلا لمن يملك المال الذي يغنيه عن هذه الزيادة في الدخل ان يهمل في عمله ولا يهتم بموضوع الجودة؟‏..‏ مالكم‏,‏ كيف تحكمون؟‏!‏

ونأتي الي الحل المقترح لانقاذ التعليم من هذه الفضائح المخزية التي افقدت الدول العربية الثقة في التعليم المصري وفي الخريجين المصريين‏,‏ حيث تفضل عليهم الهنود والباكستانيين والسودانيين وبداية فلا مفر من اعادة الانضباط الي المدارس والجامعات بالاجراءات الادارية العادية التي تطبق في انحاء العالم والتي كانت مطبقة وناجحة في مصر في الماضي القريب‏..‏ ويجب الا يكون هناك مكان لمسئول يقصر في اداء هذا الواجب كما ينبغي ان تتضافر كل الجهود والمؤسسات لازالة التشوه الحادث لمفهوم التعليم‏,‏ واعادة القناعة العامة للجمهور بأن من ينجح بالغش لن يستطيع مواصلة تعليمه‏..‏ وهذا لن يتأتي الا باعادة الانضباط والاحترام الي الجامعات‏,‏ ويساعد في تحقيق ذلك الاتكون الشهادة بمفردها هي المؤهل الوحيد للعمل لقد كثرت الجامعات الاقليمية والجامعات والمعاهد الخاصة في ظل هذه الازمة التي تعصف بالعملية التعليمية‏,‏

ويصعب تصور ان كل هذه الجامعات تعد خريجيها بالمستوي العالمي المطلوب‏,‏ او حتي بمستوي متقارب داخل مصر‏.‏ لابد من وجود مرجعية تشير الي مستوي الجامعة ومدي جديتها‏,‏ ويتحقق ذلك بوجود جهة محايدة سواء محلية او خارجية لاختبار الطلاب او علي الاقل الخريجين ومراجعة الحد الادني من المعرفة اللازمة لكل تخصص‏,‏ واعتماد الشهادات بناء علي هذا الاختبار فليس معقولا ان يتساوي خريج الجامعة الخاصة الذي ربما نجح بماله‏,‏ او خريج جامعة حديثة العهد لا احد يدري كيف تدار امتحاناتها‏,‏ مع خريج جامعة كبيرة مازالت تتمتع بالجدية‏.‏ ان مصر في حاجة ماسة لاصلاح التعليم‏..‏ والاصلاح مازال ممكنا‏.‏

ليست هناك تعليقات: