حرك الاعصار المالي العالمي مياها راكدة كثيرة, وتسابقت الحكومات الذكية في دراسة تداعيات المشكلة ووضع الخطط الكفيلة بمواجهتها قبل أن تطفو علي السطح في صورة مجاعات واضطرابات تصعب السيطرة عليها. أما الحكومات غير الذكية.. فقد وضعت يدها علي خدها وجلست تنتظر الفرج علي يد من تسببوا في الأزمة العالمية!. وينبغي علينا في مصر أن ندرك حجم هذه الأزمة التي لن يتردد صانعوها في تصدير تداعياتها لنا ولأمثالنا من الدول النامية. لا مفر أمامنا من التخطيط للمستقبل علي أساس أن البطالة سوف تتزايد, وتحويلات العاملين بالخارج سوف تتناقص, وإيرادات النفط وقناة السويس سوف تتهاوي, وأن المعونات سوف تتوقف...لابد من التفكير في مشروع قومي كبير لاستيعاب طاقة الشباب المتعطل..
ولا مفر من الاستفادة من كل الطاقة البشرية المصرية بالاستفادة الكاملة من أهل الخبرة وعدم الاكتفاء بأهل الثقة. وإذا أردنا التفكير في مشروع قومي يلتف حوله الشعب ويقضي علي البطالة, ونضرب عصفورين بحجر.. فلا بديل عن الاعتماد الكامل علي النفس, والاستفادة الكاملة من كل ما هو تحت أيدينا. وأهم ما نمتلكه ملايين الشباب المؤهل والقادر علي العمل, وأرض شاسعة مهملة لا نستفيد منها.. ولدينا في الوقت نفسه مشكلة اسكان ومشكلة تكدس في الوادي الضيق, وضاقت علينا الأرض بما رحبت بلا داع. لقد تسببت الكثافة السكانية العالية في ازدحام خانق وضغط غير طبيعي علي المرافق, وحالة مرورية مشلولة, مما عطل التنمية وفاقم البطالة وأدي إلي وقف نمونا. لماذا لا نخطط لتفويت الفرصة علي الكيان الصهيوني ـ الذي هدد معتوه من سياسييه ذات يوم( ليبرمان, الذي من المتوقع أن يصبح وزيرا للخارجية), هدد بضرب السد العالي وإغراق مصر ـ بإعادة التوزيع السكاني والانتشار في كل مساحة الوطن؟.
لماذا لا نفكر في التوسيع علي المواطن المصري بغزو الصحراء الشاسعة المهملة ووضع تخطيط عصري لعشرات المدن الجديدة تكون بمثابة شبكة من المدن والقري تغطي كل مساحة مصر. ولكي نضمن الإقبال الشعبي ونجاح المشروع فعلي الدولة أن تبادر بتخصيص قطعة أرض( مجانية) مساحتها ألف متر لكل أسرة( بواقع مائتي متر للفرد).. كحق امتلاك طبيعي تحصل عليه الأسرة دون مقابل في الوقت الذي يناسبها والمكان الذي تختاره( من خلال مكتب تنسيق).. وتكون ملكية خالصة لها حق التصرف فيها دون تعقيدات, سواء بالبدل أو البيع أو البناء عليها كلها أو علي جزء منها, مع الالتزام فقط بالاشتراطات المعمارية والبيئية والصحية, علي أن يتولي القطاع الخاص تمويل المرافق مقابل مزاولة نشاطه بهذه المدن الواعدة.
ولا شك أن من حق كل مواطن أن يمتلك جزءا من أرض الوطن, ناهيك عن حقه في امتلاك بيت أدمي يليق بالإنسان المصري الذي أسس أولي الحضارات البشرية. ولهذا المشروع مزايا كثيرة مثل: اقتلاع مشكلة الإسكان, وتوفير مسكن فسيح لكل مواطن, والتخلص من العشش وسكن المقابر والعشوائيات ـ تحسين نفسية الشعب التي انهارت بسبب الزحام والضوضاء وضيق المسكن ـ تخفيض الكثافة السكانية وإصلاح المدن القديمة وإنهاء مشكلات التلوث والمرور والزحام... الخ, وازدهار السياحة ـ القضاء علي البطالة لأن المشروع يستوعب ملايين الأيدي العاملة لسنوات ـ دعم الأمن القومي بتوازن التوزيع السكاني علي أكبر مساحة ممكنة ـ إنقاذ ما تبقي من الأرض الزراعية ـ توفير دخل اضافي كبير لكل أسرة, دون تحمل ميزانية الدولة أي أعباء ـ تطبيق النماذج المعمارية المبسطة الرخيصة, لأن التوسع سوف يصير أفقيا لتوافر المساحة ـ عودة نظام العائلة الكبيرة الذي انقرض بسبب أزمة الاسكان,
وهو نظام اجتماعي مفيد ورائع ـ إعادة تنظيم مدننا بما يناسب العصر( حدائق, نظم مرورية جيدة, طرق للدراجات, مدارس فسيحة, جمع مياه الأمطار, الاستفادة من الشمس والرياح والغاز الحيوي كمصدر للطاقة, معالجة مياه الصرف واستخدامها في التشجير.. الخ) ـ تشجيع الابداع الشعبي بممارسة الأسر للأنشطة الحرفية المنزلية البسيطة, لتوافر المال والمساحة ـ توفير مساكن رخيصة لمائة سنة قادمة علي الأقل.. كما أن النشاط الاقتصادي الذي سوف ينشأ سيعيد توزيع الثروة, وينعش الطبقة المتوسطة التي أوشكت علي الانقراض.
وهذا المشروع إن تم فسوف يقضي علي مشكلة الإسكان من جذورها لأنه سوف ينهي الاحتكارات والمضاربات وظاهرة( تسقيع الأراضي).. وسوف تنخفض فجأة أسعار الأراضي وبالتالي المساكن وسوف تؤدي هذه الخطوة إلي ظهور خريطة جديدة متوازنة لمصر تسهم في إعادة توزيع السكان وتقليل كثافة المدن القديمة الحالية.. لأن توزيع الأراضي مجانا بالصورة المقترحة يعني إنشاء ما لا يقل عن مائة مدينة جديدة, تنتشر بمحازاة الوادي القديم. وإذا تم تخطيط هذه المدن بطريقة ذكية تغري الناس بجمالها واتساعها ونقائها وكثرة حدائقها ورقي مرافقها ـ بالاضافة إلي إغراء تملك الأرض دون مقابل, فمعني ذلك أن الباب سوف يفتح علي مصرعيه لهجر المدن القديمة المكتظة, وتحولها بالتالي لاحقا إلي مدن عصرية محترمة. وأهم ما في المشروع أنه سوف يوفر دخلا اضافيا كبيرا لكل مواطن نعبر به الأزمة المالية العالمية. ولدينا تصور متكامل لمشروع عصري كبير بتمويله, لمن يريد... فهل من مجيب؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق