يسألونك عن قنابل (الدايم DIME)!
بقلم د. عبد الله هلال
(المصريون): بتاريخ 14 - 4 - 2009
أثناء محرقة غزة؛ تواترت الأنباء عن استخدام العدو الصهيوني لسلاح جديد يفتك بالجسم البشري دون أن يُخَلـّف مظاهر بشعة للتدمير، الذي يثير الرأي العام!. وكان مما شاع وقتها (ويثير الحزن والأسى) أن العرب بعلمائهم وخبرائهم وطول بلادهم وعرضها قد فوجئوا بهذا السلاح الجديد، ولم يستطع أحد أن يمُد يد العون لأشقائه الفلسطينيين "المحاصرين"، لكي يقوا أنفسهم من ويلاته، أو لكي يستطيعوا علاج الضحايا الذين وصفت أجسادهم بأنها شبه ذائبة، وأن الحروق حاصرتهم بدرجات عالية تعمل على تحلل الأجسام وتسييل الدم وتسمم الإصابات في وقت قصير، مما يؤدي إلى الوفاة خلال ساعات قليلة. ويقصد بهذا السلاح قنابل المتفجرات الفلزية المجهرية، التي ترجمت "حرفيا" باسم متفجرات الفلز الخامل الكثيف "م ف خ ك" (Dense Inert Metal Explosive “DIME”).. ووصفت بأنها القنابل "القبيحة جدا". والحقيقة المؤسفة أنه لم يكن سلاحا جديدا على العرب والمسلمين.. إذ سبق استخدامه وتجريبه، بعيدا عن وسائل الإعلام، في أفغانستان والعراق ولبنان!.
وعلى عكس القنابل التقليدية التي تعتمد على تفتت غلافها الصلب وتحوله إلى شظايا كثيرة سريعة مدمرة.. تتكون هذه القنبلة من غلاف خفيف الوزن يصنع من ألياف كربونية متينة، ويتم حشوه بمادة متفجرة (مثل النترو أمين) مع مسحوق من الجسيمات الدقيقة، كثافته عالية، مصنّع خصيصا لتدمير الجسم البشري بطريقة لا يمكن وصفها إلا بالشيطانية. أما عن هذا المسحوق الشيطاني- الذي له أيضا تأثيرات سُمِّية وسرطانية- فهو عبارة عن خليط متجانس من سبيكة لأحد الفلزات الثقيلة وهو عنصر التنجستن W. وهناك نوعان من السبائك التي تستخدم في هذا المسحوق الشيطاني: تنجستن- نيكل- كوبلت (WNiCo)، تنجستن- نيكل- حديد (WNiFe)؛ بنسب 91-93% للتنجستن، 3-5% للنيكل، 2-4% للكوبلت أو الحديد. عند انفجار هذا المسحوق الشيطاني؛ يتشظى إلى شُظيَّات مجهرية "متناهية الدقة" لها تأثير قاتل بالمسافات القريبة، في حدود أربعة أمتار. وتكمن خطورة هذه الشظيات في أنها تذوب في الأنسجة البشرية مما يجعل من الصعب معرفة سبب الإصابات.. إذ تـُحدث جرحا صغيرا جدا ثم تواصل إحداث تدمير هائل في الأنسجة. وهي سامة كيميائيا، وتدمر الجهاز المناعي، وتهاجم البصمة الوراثية للحمض النووي DNA.. وتصاحبها حرارة عالية، حارقة.
وعند حدوث الانفجار، لا يتفاعل التنجستن كيميائيا، ولكنه يمتص جزءا من الطاقة الناجمة عن الانفجار فتحمل الشظيات المجهرية هذه الطاقة وتندفع مكونات المسحوق بقوة إلى الخارج، وتنطلق بسرعة هائلة، لتصبح قادرة على اختراق الأجسام، فتـُحدث قطعا في العظام والأنسجة خصوصا الأطراف السفلية، بسبب وجودها في متناول هذا الخليط الفلزي. ويسهل بالطبع انفجار الغلاف الخارجي للقنبلة، الذي يتألف من ألياف كربونية، فيتفتت إلى أجزاء صغيرة جدا، تندفع وتتناثر على هيئة غبار دقيق قد يؤدي استنشاقه إلى الموت. كما يسهم هذا الغلاف الكربوني الهش في عدم تبديد الطاقة الناجمة عن الانفجار- مثلما يحدث عند انشطار الأغلفة المعدنية للقنابل التقليدية- مما يزيد من سرعة الشظيات المجهرية.
وُلدت هذه القنبلة الكيماوية الخارقة الحارقة القبيحة في معامل سلاح الجو الأميركي، بمشاركة علماء من معامل «لورنس ليفيرمور» بعد إجراء سلسلة بحوث بهدف تصنيع قنابل للمدن والأحياء السكنية يكون تأثيرها المدمر ضمن مدى محدد للتقليل من مساحة الدمار التي يسببها الانفجار، بهدف تجنب الآثار المباشرة وصور التدمير التي قد تخلق رأيا عاما مضادا. وبتزامن هذه البحوث مع الحرب الأمريكية على ما يسمى الإرهاب عام 2001، كان احتلال أفغانستان ثم العراق فرصة لتجريب السلاح الجديد في أجساد البشر من المسلمين، وتجلت آثار هذا النوع من القنابل وأكثرها هولاً في القصف الأميركي الهمجي لمطار بغداد يوم 4/6/2003، حيث سُلخت جلود العراقيين وتناثرت لحومهم حتى غدوا هياكل عظمية، بعدما انفجرت فيهم هذه القنابل القبيحة بوهجها البنفسجي. كما رصد الأطباء آثار هذه القنابل المدمرة خلال العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 ثم في غزة بعدها، وصولاً إلى محرقة غزة الأخيرة.. حيث الاستخدام الكثيف والمتواصل بين المدنيين لزرع الرعب في قلوب الفلسطينيين الذين أظهروا للعدو أنهم لا يهابون الموت؛ مما يشكل أكبر عقبة أمام الكيان الصهيوني العنصري الذي يسعى للتخلص النهائي من أصحاب الأرض. وكما ذكرت الصحف، نقلا عن مصادر عسكرية أمريكية، فإن القوات الجوية أنفقت 1.6 مليار دولار لإنتاج قنبلة موجهة يصل وزنها إلى 250 رطلا، مشيرة إلى أنها الأفضل للاستخدام في المدن.. لأنها لا تحدث نفس التدمير الذي تقوم به القنابل الأكبر حجما من نوعها، إلا أنها قد تتسبب في خسائر بشرية عبر نثر محتوياتها لمسافة تبعد مئات الأمتار. وتتجلى خطورة هذه المواد في القدرة على القتل الفوري لكل الأشخاص الموجودين على بعد أربعة أمتار من مكان الانفجار، كما تلحق إصابات بالغة بالأشخاص الذين يبعدون مسافة أكبر، من بينها بتر الأطراف بسبب قدرة الشظايا على اختراق العظام والأنسجة، مع احتمال الإصابة لاحقا بـ "سرطان الأنسجة". وغالبا ما تظهر آثار حروق عميقة تصل إلى العظام، لاسيما عند مواقع الأطراف المبتورة مباشرة بسبب التعرض لهذا النوع من المتفجرات، فضلا عن تهتك في الأنسجة والأوردة والشرايين مما يتسبب في حدوث نزف دموي كبير في العضو المصاب.
وعلى الرغم من قلة المعلومات المتوافرة (لنا) حول أضرار ومخاطر هذا النوع من المتفجرات فإن الدراسات العلمية أشارت إلى أن الشظيات المجهرية الناتجة تستقر في الأنسجة المتأثرة، لتتسبب في إصابة الفرد- الذي نجا من الموت- بنوع نادر من الأورام الخبيثة في الخلايا البشرية. كما أكدت دراسة حديثة لوزارة الصحة الأمريكية أنها تسبب أمراض السرطان بسرعة في فئران التجارب. وطبقا للنتائج التي نشرت في مجلة (New Scientist) فقد أظهرت تجربة أجريت على الفئران ممن زرعت في أنسجتها كبسولات تحوي مواد مشابهة لخليط التنجستن، أن جميع الفئران والبالغ عددها اثنين وتسعين فأرا أصيبت بسرطان نادر خلال مدة لم تتجاوز خمسة أشهر. كما أظهرت تجارب علمية أخرى أجراها علماء من المعهد نفسه أن هذا الخليط الخاص له تأثير سام على المادة الوراثية للخلايا البشرية التي تمت زراعتها معمليا. وأشارت تجارب علمية أخرى أجريت في الولايات المتحدة إلى احتمال وجود ارتباط بين التعرض للتنجستن وارتفاع مخاطر الإصابة بسرطان اللوكيميا. ولا يقتصر الأمر على القتل والإصابة البيولوجية.. فقد حذر الخبراء من الأضرار البيئية والصحية التي تنجم حتما عن استخدام هذا النوع من القنابل خصوصا لاحتوائها على النيكل والكوبلت.. فضلا عن التنجستن، كعنصر ثقيل، والذي يلحق أضرارا بيئية كبيرة سواء استقر على الأرض أو تسرب إلى مصادر المياه الجوفية أو السطحية. وكما هو معلوم فلم تقتصر الجرائم الصهيونية على استخدام هذا السلاح القبيح، فقد استخدم أيضا الفسفور الأبيض، المحرم دوليا، وضد مدنيين عزل أغلبهم أطفال ونساء.
ومما لا ريب فيه أن استخدام العدو لهذا النوع القبيح من القنابل لم يكن للتقليل من مساحة الدمار التي يسببها الانفجار، وهو الغرض الأصلي لهذا النوع من المتفجرات.. إذ كان هدف تدمير كل شيء من البشر إلى الشجر والحجر واضحا منذ اللحظة الأولى للمحرقة، ولكن تعمد إحداث الإصابات البشعة التي تقشعر لها الأبدان، والتي تحدث أمام أعين ذوي الضحايا وأمام عدسات الفضائيات كان أحد أهداف المحرقة كحرب نفسية موازية، بالإضافة إلى استكمال التجارب الميدانية على هذا السلاح الجديد، ليكون بديلا لليورانيوم المنضب الذي أصاب مستخدميه بمرض حرب الخليج. ومما يدل على خِسَّة وحقارة ووحشية مصممي ومستخدمي هذا النوع من المتفجرات (الأكثر استخداما بين المدنيين)، وعلى تجردهم من أية مشاعر إنسانية.. أنهم لم يكتفوا بقتل الضحايا، ولكن بتعذيبهم بأقسى صور التعذيب قبل خروج الروح. أما الناجون من الموت فيقضون ما تبقى لهم من عمر تحت التعذيب المستمر.. ويذهب المجرمون إلى منتدياتهم بدم بارد للتحدث عن حقوق الإنسان، والحيوان!.
والسؤال الذي ينبغي أن نبحث له عن إجابة هو: كيف يجرؤ العدو وحليفه الأمريكي على ارتكاب كل هذه الجرائم ضد الإنسانية علنا وأمام أعين العالم على الهواء مباشرة دون خشية من أي رد فعل عربي، ودون خشية من مساءلة دولية أو رأي عام عالمي؟.. هل هي (الفتونة) واستعراض العضلات أمام أطفال غزة لجيش حقير جبان لا يجيد سوى الضرب عن بعد والاختباء وراء التحصينات؟.. أم أنه الهوان والوهن العربي الذي يغري باستخدام العرب بدلا من فئران التجارب؟.. ألم تجرب القوات الأمريكية فينا قذائف اليورانيوم المنضب بإلقاء 300 طن على العراق في حرب الخليج الأولى؛ التي تمت بمباركة عربية؟.. ألم تتواصل الجرأة على العرب بإلقاء 2000 طن أخرى من اليورانيوم بواسطة القوات الأمريكية والبريطانية عام 2003؟.. لماذا لا يجربون فينا ماداموا لا يجرءون على التجربة في غيرنا؟.. أليس صحيحا أن الانحناء يغري بالامتطاء؟.
أما السؤال الأكثر خطورة فهو؛ هل نترك العدو يفلت بجرائم الإبادة الجماعية بعد أن ضبطه العالم كله متلبسا؟.. ماذا ينتظر العرب؟.. لماذا لم يهدد العرب بالانسحاب الجماعي من هيئة الأمم المتحدة إذا لم تطبق البند السابع على الدولة العبرية وتقدم قادتها لمحكمة الجنايات الدولية، وتلزمها بالانسحاب من الأراضي المحتلة؟. إن الأمر في غاية السهولة، وسبق لدولة عربية صغيرة وفقيرة (بقرار جريء) أن ردّت الصفعة للعدو بكل سهولة؛ عندما تجرأ الكيان الصهيوني على الأردن وأرسل من يقتل خالد مشعل على الأرض الأردنية برش عقار كيميائي عليه.. فاحتج الملك حسين غفر الله له، وقرر وضع اتفاقية وادي عربة في كفة وعلاج خالد مشعل في كفة، لينصاع العدو الصهيوني صاغرا ويرسل عقارا مضادا ساهم في علاجه بالفعل، وها هو الآن- حفظه الله- يذيق العدو ما يستحق من ذل. وقد استثمر الملك الذي كان معروفا بأنه "سياسي ذكي"؛ استثمر الحادثة في إلزام العدو أيضا بالإفراج عن مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين رحمه الله. بورقة تافهة (العلاقات مع العدو) استطاع الملك حسين أن يمرغ أنف العدو في التراب وأن يحقق إنجازا عظيما.... والعرب الآن لديهم أوراق كثيرة قوية؛ ماذا ينتظر العرب؟!.
abdallah_helal@hotmail.com
وعلى عكس القنابل التقليدية التي تعتمد على تفتت غلافها الصلب وتحوله إلى شظايا كثيرة سريعة مدمرة.. تتكون هذه القنبلة من غلاف خفيف الوزن يصنع من ألياف كربونية متينة، ويتم حشوه بمادة متفجرة (مثل النترو أمين) مع مسحوق من الجسيمات الدقيقة، كثافته عالية، مصنّع خصيصا لتدمير الجسم البشري بطريقة لا يمكن وصفها إلا بالشيطانية. أما عن هذا المسحوق الشيطاني- الذي له أيضا تأثيرات سُمِّية وسرطانية- فهو عبارة عن خليط متجانس من سبيكة لأحد الفلزات الثقيلة وهو عنصر التنجستن W. وهناك نوعان من السبائك التي تستخدم في هذا المسحوق الشيطاني: تنجستن- نيكل- كوبلت (WNiCo)، تنجستن- نيكل- حديد (WNiFe)؛ بنسب 91-93% للتنجستن، 3-5% للنيكل، 2-4% للكوبلت أو الحديد. عند انفجار هذا المسحوق الشيطاني؛ يتشظى إلى شُظيَّات مجهرية "متناهية الدقة" لها تأثير قاتل بالمسافات القريبة، في حدود أربعة أمتار. وتكمن خطورة هذه الشظيات في أنها تذوب في الأنسجة البشرية مما يجعل من الصعب معرفة سبب الإصابات.. إذ تـُحدث جرحا صغيرا جدا ثم تواصل إحداث تدمير هائل في الأنسجة. وهي سامة كيميائيا، وتدمر الجهاز المناعي، وتهاجم البصمة الوراثية للحمض النووي DNA.. وتصاحبها حرارة عالية، حارقة.
وعند حدوث الانفجار، لا يتفاعل التنجستن كيميائيا، ولكنه يمتص جزءا من الطاقة الناجمة عن الانفجار فتحمل الشظيات المجهرية هذه الطاقة وتندفع مكونات المسحوق بقوة إلى الخارج، وتنطلق بسرعة هائلة، لتصبح قادرة على اختراق الأجسام، فتـُحدث قطعا في العظام والأنسجة خصوصا الأطراف السفلية، بسبب وجودها في متناول هذا الخليط الفلزي. ويسهل بالطبع انفجار الغلاف الخارجي للقنبلة، الذي يتألف من ألياف كربونية، فيتفتت إلى أجزاء صغيرة جدا، تندفع وتتناثر على هيئة غبار دقيق قد يؤدي استنشاقه إلى الموت. كما يسهم هذا الغلاف الكربوني الهش في عدم تبديد الطاقة الناجمة عن الانفجار- مثلما يحدث عند انشطار الأغلفة المعدنية للقنابل التقليدية- مما يزيد من سرعة الشظيات المجهرية.
وُلدت هذه القنبلة الكيماوية الخارقة الحارقة القبيحة في معامل سلاح الجو الأميركي، بمشاركة علماء من معامل «لورنس ليفيرمور» بعد إجراء سلسلة بحوث بهدف تصنيع قنابل للمدن والأحياء السكنية يكون تأثيرها المدمر ضمن مدى محدد للتقليل من مساحة الدمار التي يسببها الانفجار، بهدف تجنب الآثار المباشرة وصور التدمير التي قد تخلق رأيا عاما مضادا. وبتزامن هذه البحوث مع الحرب الأمريكية على ما يسمى الإرهاب عام 2001، كان احتلال أفغانستان ثم العراق فرصة لتجريب السلاح الجديد في أجساد البشر من المسلمين، وتجلت آثار هذا النوع من القنابل وأكثرها هولاً في القصف الأميركي الهمجي لمطار بغداد يوم 4/6/2003، حيث سُلخت جلود العراقيين وتناثرت لحومهم حتى غدوا هياكل عظمية، بعدما انفجرت فيهم هذه القنابل القبيحة بوهجها البنفسجي. كما رصد الأطباء آثار هذه القنابل المدمرة خلال العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 ثم في غزة بعدها، وصولاً إلى محرقة غزة الأخيرة.. حيث الاستخدام الكثيف والمتواصل بين المدنيين لزرع الرعب في قلوب الفلسطينيين الذين أظهروا للعدو أنهم لا يهابون الموت؛ مما يشكل أكبر عقبة أمام الكيان الصهيوني العنصري الذي يسعى للتخلص النهائي من أصحاب الأرض. وكما ذكرت الصحف، نقلا عن مصادر عسكرية أمريكية، فإن القوات الجوية أنفقت 1.6 مليار دولار لإنتاج قنبلة موجهة يصل وزنها إلى 250 رطلا، مشيرة إلى أنها الأفضل للاستخدام في المدن.. لأنها لا تحدث نفس التدمير الذي تقوم به القنابل الأكبر حجما من نوعها، إلا أنها قد تتسبب في خسائر بشرية عبر نثر محتوياتها لمسافة تبعد مئات الأمتار. وتتجلى خطورة هذه المواد في القدرة على القتل الفوري لكل الأشخاص الموجودين على بعد أربعة أمتار من مكان الانفجار، كما تلحق إصابات بالغة بالأشخاص الذين يبعدون مسافة أكبر، من بينها بتر الأطراف بسبب قدرة الشظايا على اختراق العظام والأنسجة، مع احتمال الإصابة لاحقا بـ "سرطان الأنسجة". وغالبا ما تظهر آثار حروق عميقة تصل إلى العظام، لاسيما عند مواقع الأطراف المبتورة مباشرة بسبب التعرض لهذا النوع من المتفجرات، فضلا عن تهتك في الأنسجة والأوردة والشرايين مما يتسبب في حدوث نزف دموي كبير في العضو المصاب.
وعلى الرغم من قلة المعلومات المتوافرة (لنا) حول أضرار ومخاطر هذا النوع من المتفجرات فإن الدراسات العلمية أشارت إلى أن الشظيات المجهرية الناتجة تستقر في الأنسجة المتأثرة، لتتسبب في إصابة الفرد- الذي نجا من الموت- بنوع نادر من الأورام الخبيثة في الخلايا البشرية. كما أكدت دراسة حديثة لوزارة الصحة الأمريكية أنها تسبب أمراض السرطان بسرعة في فئران التجارب. وطبقا للنتائج التي نشرت في مجلة (New Scientist) فقد أظهرت تجربة أجريت على الفئران ممن زرعت في أنسجتها كبسولات تحوي مواد مشابهة لخليط التنجستن، أن جميع الفئران والبالغ عددها اثنين وتسعين فأرا أصيبت بسرطان نادر خلال مدة لم تتجاوز خمسة أشهر. كما أظهرت تجارب علمية أخرى أجراها علماء من المعهد نفسه أن هذا الخليط الخاص له تأثير سام على المادة الوراثية للخلايا البشرية التي تمت زراعتها معمليا. وأشارت تجارب علمية أخرى أجريت في الولايات المتحدة إلى احتمال وجود ارتباط بين التعرض للتنجستن وارتفاع مخاطر الإصابة بسرطان اللوكيميا. ولا يقتصر الأمر على القتل والإصابة البيولوجية.. فقد حذر الخبراء من الأضرار البيئية والصحية التي تنجم حتما عن استخدام هذا النوع من القنابل خصوصا لاحتوائها على النيكل والكوبلت.. فضلا عن التنجستن، كعنصر ثقيل، والذي يلحق أضرارا بيئية كبيرة سواء استقر على الأرض أو تسرب إلى مصادر المياه الجوفية أو السطحية. وكما هو معلوم فلم تقتصر الجرائم الصهيونية على استخدام هذا السلاح القبيح، فقد استخدم أيضا الفسفور الأبيض، المحرم دوليا، وضد مدنيين عزل أغلبهم أطفال ونساء.
ومما لا ريب فيه أن استخدام العدو لهذا النوع القبيح من القنابل لم يكن للتقليل من مساحة الدمار التي يسببها الانفجار، وهو الغرض الأصلي لهذا النوع من المتفجرات.. إذ كان هدف تدمير كل شيء من البشر إلى الشجر والحجر واضحا منذ اللحظة الأولى للمحرقة، ولكن تعمد إحداث الإصابات البشعة التي تقشعر لها الأبدان، والتي تحدث أمام أعين ذوي الضحايا وأمام عدسات الفضائيات كان أحد أهداف المحرقة كحرب نفسية موازية، بالإضافة إلى استكمال التجارب الميدانية على هذا السلاح الجديد، ليكون بديلا لليورانيوم المنضب الذي أصاب مستخدميه بمرض حرب الخليج. ومما يدل على خِسَّة وحقارة ووحشية مصممي ومستخدمي هذا النوع من المتفجرات (الأكثر استخداما بين المدنيين)، وعلى تجردهم من أية مشاعر إنسانية.. أنهم لم يكتفوا بقتل الضحايا، ولكن بتعذيبهم بأقسى صور التعذيب قبل خروج الروح. أما الناجون من الموت فيقضون ما تبقى لهم من عمر تحت التعذيب المستمر.. ويذهب المجرمون إلى منتدياتهم بدم بارد للتحدث عن حقوق الإنسان، والحيوان!.
والسؤال الذي ينبغي أن نبحث له عن إجابة هو: كيف يجرؤ العدو وحليفه الأمريكي على ارتكاب كل هذه الجرائم ضد الإنسانية علنا وأمام أعين العالم على الهواء مباشرة دون خشية من أي رد فعل عربي، ودون خشية من مساءلة دولية أو رأي عام عالمي؟.. هل هي (الفتونة) واستعراض العضلات أمام أطفال غزة لجيش حقير جبان لا يجيد سوى الضرب عن بعد والاختباء وراء التحصينات؟.. أم أنه الهوان والوهن العربي الذي يغري باستخدام العرب بدلا من فئران التجارب؟.. ألم تجرب القوات الأمريكية فينا قذائف اليورانيوم المنضب بإلقاء 300 طن على العراق في حرب الخليج الأولى؛ التي تمت بمباركة عربية؟.. ألم تتواصل الجرأة على العرب بإلقاء 2000 طن أخرى من اليورانيوم بواسطة القوات الأمريكية والبريطانية عام 2003؟.. لماذا لا يجربون فينا ماداموا لا يجرءون على التجربة في غيرنا؟.. أليس صحيحا أن الانحناء يغري بالامتطاء؟.
أما السؤال الأكثر خطورة فهو؛ هل نترك العدو يفلت بجرائم الإبادة الجماعية بعد أن ضبطه العالم كله متلبسا؟.. ماذا ينتظر العرب؟.. لماذا لم يهدد العرب بالانسحاب الجماعي من هيئة الأمم المتحدة إذا لم تطبق البند السابع على الدولة العبرية وتقدم قادتها لمحكمة الجنايات الدولية، وتلزمها بالانسحاب من الأراضي المحتلة؟. إن الأمر في غاية السهولة، وسبق لدولة عربية صغيرة وفقيرة (بقرار جريء) أن ردّت الصفعة للعدو بكل سهولة؛ عندما تجرأ الكيان الصهيوني على الأردن وأرسل من يقتل خالد مشعل على الأرض الأردنية برش عقار كيميائي عليه.. فاحتج الملك حسين غفر الله له، وقرر وضع اتفاقية وادي عربة في كفة وعلاج خالد مشعل في كفة، لينصاع العدو الصهيوني صاغرا ويرسل عقارا مضادا ساهم في علاجه بالفعل، وها هو الآن- حفظه الله- يذيق العدو ما يستحق من ذل. وقد استثمر الملك الذي كان معروفا بأنه "سياسي ذكي"؛ استثمر الحادثة في إلزام العدو أيضا بالإفراج عن مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين رحمه الله. بورقة تافهة (العلاقات مع العدو) استطاع الملك حسين أن يمرغ أنف العدو في التراب وأن يحقق إنجازا عظيما.... والعرب الآن لديهم أوراق كثيرة قوية؛ ماذا ينتظر العرب؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق