أهلاً.. وسهلاً

مرحبا بكم في موقع الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال

مقالات علمية وسياسية - محاضرات في الكيمياء - بحوث علمية - كتب علمية في الكيمياء وتطبيقاتها - استشارات علمية (كيميائية وبيئية)















هل لديك استشارة علمية؟

الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال - استشاري الدراسات الكيميائية والبيئية
للاستشارات العلمية:
ناسوخ (فاكس): 0020222670296 القاهرة
جوال: 0020115811500



الصفحة الرئيسية

الخميس، ١٨ مارس ٢٠١٠

* كارثة العياط

http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=21017

بعد كارثة العياط.. ماهو المطلوب من وزير النقل والمواصلات؟

بقلم د. عبد الله هلال | 17-11-2009 22:51

وكأن الشعب المصري على موعد دائم مع الحزن والألم.. حادث قطار جديد يضاف إلى سلسلة الكوارث التي لا تريد أن تفارقنا؛ إذ يبدو ألا حل إلا أن نفارق نحن المصريين الوطن، نتركه للحكومة لعلها تستطيع أن تدير شئونه بدوننا. والحكاية بالتأكيد هي الشيخوخة وهشاشة العظام التي تمكنت من الجهاز الإداري للدولة وأصابته بالشلل والوهن وفقدان الذاكرة بحيث لم يعد هناك جدوى ولا فائدة من عمليات الترقيع التي تضطر إليها الحكومة كلما وقعت كارثة. وعلي الرغم من هول كارثة قطار العياط ودلالاتها, فهي ليست الكارثة الأولى ولن تكون الأخيرة.. ولولا ارتفاع حجم الضحايا وبشاعة المشهد لأمكن للحكومة وآلتها الإعلامية التغطية على الموضوع. ونعتقد أن كل يوم تقريبًا يشهد حوادث مشابهة لنفس الأسباب وربما بنفس الأعداد, ولكنها حوادث متفرقة تتوزع دماء أصحابها بين القبائل, ولا تجد من يجمعها في جدول واحد.
وقد تساءل الكثيرون بعد حادث العياط عن مسئولية وزير النقل عن حوادث القطارات، وهل هي مسئولية الوزير شخصيا أم أن هناك مسئولين كبار في هيئة السكة الحديد ينبغي تحميل المسئولية لهم. ولا شك أن الوزير عموما هو المسئول الأول عن وضع السياسات وخطط العمل بوزارته ومتابعة تنفيذها.. وعندما يفشل في تحقيق ذلك فلا غرابة في أن يستقيل أو يقال. والواقع أن الخلل الإداري الذي يتسبب في مثل هذه الحوادث موجود في قطاعات ووزارات عديدة.. ولكن مشكلة وزارة النقل- المسئولة افتراضا عن كل شيء متحرك في الدولة- أن هذا الخلل يظهر في صورة حوادث مؤلمة يستحيل إخفاؤها.. فتسلط الأضواء على مَواطن الخلل في هذه الوزارة دون غيرها. ومن الواضح أن الحادث الأخير ليس هو الحادث الأكبر، فقد سبقه ما هو أفدح منه بكثير، كما أن حوادث الطرق وضحاياها وصلت هي الأخرى إلى أرقام مخيفة تفوق حوادث القطارات.. ولكن ليس من الإنصاف تحميل هذه المسئولية الكبرى لوزارة النقل وحدها- رغم خطئها ووجوب إدانتها.. لأن المسئولية متشعبة وتضامنية كما سوف نوضح؛ ولكي نضع حدا لذلك النوع من التسيب الذي يزهق أرواحا بريئة لابد من دراسة الموضوع من جميع جوانبه.
وبداية.. نعتقد أن السبب الرئيسي في تعاظم الخلل الإداري في وزارة النقل وغيرها هو غياب (أو تغييب) شيئين مهمين وأساسيين هما: الصيانة الدورية، والتدريب المستمر للعاملين. فالصيانة الدورية ليست من الأمور الكمالية أو المظهرية، ولكنها عامل أساسي وحتمي لضمان استمرار عمل الآلة بكفاءة وجودة عالية ودون أعطال مفاجئة. والواقع أن كثيرا من الجهات الحكومية لا تلقِ بالاً لموضوع الصيانة الدورية طالما أن العمل يسير، ويبخل أغلب الناس عن تغيير قطعة من جهاز مثلا مادام الجهاز يعمل.. بل يظن البعض خطأ أن تغيير قطعة لا زالت تعمل إسراف لا داعي له!. وقد انتشرت هذه الثقافة الخاطئة وتعاظمت في ظل سياسة ترشيد الاستهلاك وضعف عمليات الرقابة والتفتيش، علما بأن الخسارة الناشئة عن إهمال الصيانة الدورية تبلغ أضعاف أضعاف تكاليف الصيانة نفسها.
أما عن غياب التدريب المنتظم والمستمر للعاملين؛ فحدث ولا حرج. وينبغي أن يكون مفهوما أن الهدف من التدريب الدوري ليس فقط رفع كفاءة العامل في تأدية مهنته أو حرفته ولكنها تتعدى ذلك إلى التأكيد الدائم على السلوكيات والأخلاق والواجبات التي يجب ألا ينساها العامل في زحمة الحياة ومتطلباتها. فعمال النظافة مثلا في حاجة إلى من يجلس إليهم من حين لآخر ويذكرهم بالسلوكيات التي ينبغي التحلى بها أثناء تأدية العمل، مثل اختيار الوقت المناسب، واحترام المارة وعدم مضايقتهم بنثر الغبار في اتجاههم، وعدم وضع الأتربة فوق الأرصفة أو في الشوارع الخلفية... الخ، وكذلك يحتاج العمال إلى التشجيع وإبراز أهمية العمل الذي يقومون به ودورهم الأساسي في خدمة الوطن. فكيف يتم ذلك دون لقاء دوري منتظم مع العمال؟.. هذا السلوك المهم والأساسي غائب تماما للأسف، رغم وجوده في أغلب دول العالم. ونعتقد أن عامل السكة الحديد المسكين الذي ترك عمله المهم في برج الرقابة ليلحق بالقطار المنكوب لم ينتظم ذات يوم في دورة تدريبية أو حتى اجتماع مع رؤسائه للتأكيد على خطورة دوره والوقوف على مشكلة سفره لبيته التي اضطرته إلى ترك عمله، ربما لأن هذا هو القطار الوحيد المناسب له.. فمن حقه بالطبع تدبير وسيلة لتوصيله إلى بيته.
لكي ينجح وزير للنقل في إدارة دفة الوزارة بلا متاعب وكوارث.. وإلى جانب ضرورة الاهتمام بقضيتي التدريب والصيانة- كما أسلفنا- فلابد من إيجاد صيغة للتعاون الحتمي بين وزارة النقل والوزارات الأخرى، التي لا مفر من التداخل بين اختصاصاتها. إذ كيف تنجح وزارة في إدارة طرق ومواصلات دون وجود قانون مرور جيد وواقعي ومطبق ويتناسب مع المرافق الموجودة، أو دون التأكد من منح رخص القيادة لمن يستحق فقط، أو دون إيجاد منظومة لمنع أو تقليل حوادث الطرق؟. لابد مثلا من وضع تشريع يوقف عملية التدمير الواسع لمرافق الطرق (أعمدة إنارة، شواخص مرورية، أشجار، حواجز حديدية... الخ)، ففي الدنيا كلها يتحمل سائق المركبة تكاليف إصلاح أي شيء قام بإتلافه حتى وإن كان نتيجة حادث مؤلم. وهذا يتطلب تفعيل نظام جيد وحقيقي للتأمين على السيارات، بالإضافة إلى إصدار تشريع يمنع ورش سمكرة السيارات من إصلاح المركبات دون وجود محضر معاينة الشرطة للحادث.. وهذا الإجراء الأخير يحتاج بالطبع إلى شرطة أخرى غير تلك التي نعرفها حاليا؛ شرطة متحركة سريعة الوصول لمكان الحادث. وبالطبع فليس مطلوبا من وزارة النقل أن تكون وزارة للمواصلات.. وأيضا للداخلية (واجبات شرطة المرور)، والكهرباء (أعمدة إنارة الطرق)، والبيئة (منع التلوث الحاجب للرؤية مثل السحابة السوداء)، والصحة (الإسعاف في حالة الحوادث)، والحكم المحلي (تجمع مياه الأمطار وانفجار مواسير المياه والصرف وغيرها)، والزراعة (تشجير الطرق)... الخ، ولكن لاشك أن وزير النقل مسئول عن إيجاد صيغة للتعاون بين كل هذه الجهات مع وجود مراقبة ومراجعة وتفتيش يضمن عدم وجود إهمال أو تواكل في أي من القطاعات المتصلة بعمل وزارته. فلو وجد الوزير مثلا أن أغلب حوادث الطرق سببها جهل قائدي السيارات بقوانين المرور أو سوء نظام منح رخص القيادة؛ فمن حقه بل واجبه التدخل لضبط هذا الأمر والاطمئنان إلى إصلاح هذا النظام. أما إن اعتبر الوزير أن هذا واجب الوزراء الآخرين وترك الأمور التي تعتبر خارج وزارته كليا؛ على أساس أن لكل وزارة وزيرها فلا يلومن إلا نفسه.. لأن المفروض أن الجميع يتبع لمجلس وزراء واحد، وهناك مسئولية عامة تضامنية. فعلى سبيل المثال؛ لو نجحت وزارة النقل في إيجاد طرق مثالية وقامت بضبط السير عليها، ولم يطبق النظام نفسه في الشوارع بالمحافظات- التي لا تتبع الوزارة- فمعنى ذلك أن هناك وزارة تبني وأخرى تهدم، وهذا غير معقول.
ولكي ينجح وزير النقل أيضا فلابد من الاهتمام بالأمور التي يعتبرها البعض صغيرة، قبل الكبيرة. إذ كيف يسمح وزير أو أي مسئول بتحرك قطار يحمل مواطنين مسافرين في رحلات طويلة دون أن يخضع للنظافة، ناهيك عن الصيانة؟. إن المسئولية في التعامل مع جمهور المواطنين جزء لا يتجزأ.. فمن يتجاهل الصغيرة لن يهتم بالكبيرة، ولو وجد الناس وسيلة مواصلات متحضرة فسوف يفرحون بها ويحافظون عليها. ولو نجحت الوزارة في تنشيط قطاع وتركت قطاعات أخرى خاملة، فلن تنجح في إنجاز شيء.. لأن الترقيع لا يجدي.
وأخيرا نتساءل.. هل وصل الفقر الإداري إلى درجة العجز عن تكليف وزير جديد, وإسناد وزارة النقل المثقلة بالأعباء والمصائب إلى وزير الكهرباء المسئول عن وزارة كبيرة قد لا تقل في أعبائها عن وزارة النقل؟!.

abdallah_helal@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: