أهلاً.. وسهلاً

مرحبا بكم في موقع الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال

مقالات علمية وسياسية - محاضرات في الكيمياء - بحوث علمية - كتب علمية في الكيمياء وتطبيقاتها - استشارات علمية (كيميائية وبيئية)















هل لديك استشارة علمية؟

الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال - استشاري الدراسات الكيميائية والبيئية
للاستشارات العلمية:
ناسوخ (فاكس): 0020222670296 القاهرة
جوال: 0020115811500



الصفحة الرئيسية

الأربعاء، ٢٤ مارس ٢٠١٠

* نـزيف الأســفلت‏..‏ متى يتـوقف؟

نـزيف الأســفلت‏..‏ متى يتـوقف؟
بقلم د‏.‏ عبد الله هلال
الأهرام المسائي 31 يوليو 2008

آثرت التريث في الكتابة عن الحوادث المرورية حتي يجف دم ضحايا مرسى مطروح‏,‏ فقد بلغت فظاعة الحادث مبلغا تصعب معه القراءة والمتابعة‏,‏ إذ تأثر الناس بالأشلاء والدماء‏..‏ المهدورة بلا داع‏.‏ ويحق لنا أن نتساءل‏:‏ ما هذا النزيف الدموي الذي لا يتوقف على الطرق المصرية؟‏!..‏ كيف تقع كل هذه الحوادث اليومية التي تنشرها الصحف ولا يتحرك أحد لبحث هذه الظاهرة المؤسفة التي تبتلع أسرا كاملة أو ركاب حافلة أوسيارة بالكامل؟‏!‏ هل كلفت أية جهة نفسها بحصر ضحايا الطرق وإجراء الدراسات الاحصائية اللازمة ومقارنة أعداد القتلى والمصابين في مصر بأمثالهم في الدول الأخرى‏,‏ علما بأن ما لا ينشر من الحوادث أكثر بكثير مما ينشر؟‏!‏

وماذا فعلت الجهات المسئولة لتقليل أو منع هذه الكوارث؟ وإذا لم تكن قد فعلت وهذا هو الواقع فما الفائدة من وجودها؟ كما يحق لنا أن نتساءل‏..‏ عن شماعة القضاء والقدر التي لا نتوقف عن استخدامها‏:‏ لماذا يختارنا القضاء والقدر دون خلق الله في أغلب دول العالم؟‏,‏ ولماذا يكثر عدد الضحايا في حوادثنا‏,‏ وتتضخم الخسائر الاقتصادية بلا أي مبرر؟‏,‏ أليست هناك دلالات يمكن الاستفادة منها للعمل على تقليل الحوادث وتقليل عدد الضحايا؟‏!.‏ أفيقوا أيها النائمون‏,‏ فقد وصل الأمر إلى حد الكارثة‏,‏ ولم يقتصر على الطرق السريعة‏,‏ فلا فرق الآن بين هذه الطرق وشوارع المدن‏,‏ ومنها العاصمة‏..‏

بل لقد وصل الإهمال إلى تكرار الحوادث البشعة المتشابهة في المحافظة الواحدة‏,‏ في أيام متوالية رغم الاهتمام الرسمي والاعلامي والشعبي بالحوادث الكبيرة مما يفترض أن يدعو للانتباه واليقظة‏,‏ ولو إلى حين‏!.‏ وهذا يعني أن مشكلة الحوادث المرورية وصلت إلى مستوي مقلق لا ينبغي السكوت عنه أو تجاهل دلالاته‏,‏ كما يعني أن هناك شيئا ما خطأ لابد من البحث عنه وإيجاد السبل الكفيلة بتجاوزه‏.‏ والواقع أن هذه المشكلة تعتبر من المشكلات اليسيرة جدا التي تواجه الحكومات والادارات المحلية لو وجدت النية الصادقة لإيجاد حلول لها‏..‏ فنحن نعلم ـ على سبيل المثال ـ كيف يحصل الناس في بلادنا على رخص القيادة بسهولة غير عادية لدرجة أن بعض االدول العربية لا تعترف بالرخصة المصرية‏,‏

ونعلم ما يحدث أثناء الفحص الفني للسيارات عند تجديد رخصة السيارة,‏ ونري بأعيننا كيف تسير السيارات بدون اضاءة خلفية وتمر على نقاط التفتيش المروري دون أن يوقفها أحد‏,‏ ونعاني من الشاحنات التي تحمل الرمل والزلط وخلافه وتقذف به على السيارات التي تسير خلفها وتصيب زجاجها بسبب إهمال تغطية الحمولة‏,‏ ونشاهد التقاطعات الخطيرة التي تحدث بها تصادمات يومية دون أن يكلف مسئول نفسه الأمر بوضع تحذير أو اشارة‏,‏ ونمر في كل مكان علي المطبات والبالوعات التي تفاجيء قائدي السيارات فيضطرون إلي الانحراف المفاجيء والاصطدام بخلق الله أو بالسيارات الأخرى‏,‏ ونعاني من الشاحنات التي يصر قادتها على السير في يسار الطريق معطلين من وراءهم‏.‏

كما أن بلدنا الجميلة هي الوحيدة في العالم تقريبا التي نشاهد فيها سيارات الأجرة وقد أدمنت الوقوف لتحميل الركاب أو تفريغهم في مطالع ومنازل الجسور‏(‏ الكباري‏)‏ وفي مداخل ومخارج الشوارع وفي التقاطعات الخطرة‏.‏ وهناك ظواهر الجهل التام بقواعد المرور وإهمال الصيانة الدورية للمركبات‏,‏ والسائقون المهنيون غير المؤهلين الذين لم يهتم أحد بتدريبهم وتعليمهم السلوكيات الأساسية اللازمة للتعامل مع الآخرين أثناء القيادة‏,‏ ولا حتى حمايتهم ووقايتهم من داء الشم و السكر أثناء القيادة‏..‏ فرغم أن الصحف تذكر في حوادث كثيرة أن السبب هو أن السائق كان سكرانا‏,‏ لم يحدث أي تصرف رسمي أو مجتمعي لمنع هذه الظاهرة‏.‏

*‏ وينقلنا هذا الأمر وتلك المناسبة للحديث عن القانون الجديد للمرور‏..‏ فمما لا شك فيه أن القضية ليست مجرد نقص مواد قانونية أو تشريعية‏,‏ إذ ليس معقولا أن القانون المعمول به حاليا يعجز عن ضبط الحالة المرورية‏,‏ في حالة تطبيقية جيدا‏..‏ ولكن يبدو أن القانون الجديد يركز على مسألة جباية الغرامات أكثر من التركيز علي إيجاد حل للكوارث المرورية التي تلاحقنا وتحرجنا أمام سياح العالم‏.‏ ومما يؤسف له أن هذا القانون يتعامل مع الحوادث المرورية علي أنها قدر لا مفر منه‏,‏ ففرض على الجميع حمل مثلث فسفوري للتنبيه بوجود حادث أو عطل‏,‏ وحقيبة إسعاف لعلاج المصابين‏!..‏

وهي بالمناسبة حقيبة بائسة لا تقدم ولا تؤخر ولا تصلح في طقس بلادنا الحار‏,‏ ولا ينبغي أصلا أن يسمح لغير المختصين بالاقتراب من المصابين حتى لاتتفاقم الاصابة‏..‏ ولا بديل عن الإكثار من وتطوير وسائل الإسعاف لتسبق الجميع إلى أماكن الحوادث‏,‏ ناهيك عن إيجاد السبل الكفيلة بمنع الحوادث أو التقليل منها‏,‏ فالوقاية خير من العلاج‏.‏ والمفروض أن قوانين المرور مصممة بالأساس لتعكس وتعبر عن البنية الأساسية المرورية بالطرق والشوارع‏..‏ وهذه البنية الأساسية هي الأساس الأول الذي ينبني عليه ضبط الحالة المرورية وتغريم المخالفين لقانون المرور‏.‏ فكيف يعاقب شخص لأنه توقف في مكان ممنوع مثلا دون أن تكون هناك شاخصة أو لون أصفر على الرصيف يدل علي هذا المنع؟‏..‏

إننا للأسف لا نرى في بلادنا الشواخص العادية المنتشرة في أنحاء العالم والتي تحمل لافتات مثل‏:‏ قف‏,‏ أفسح الطريق‏,‏ لليمين فقط‏,‏ ممنوع الدخول‏...‏ الخ‏.‏ وعلى الرغم من أن أهم أسباب الأزمة المرورية هو كثرة السيارات المتوقفة بالشوارع بسبب النقص الحاد في أماكن الانتظار المعتمدة‏,‏ والتي تخنق الحركة وتسبب الاحتكاك بين السيارات وتكثر من المشاجرات وتعطيل الحركة‏..‏ فلم يفكر أحد في أهمية وضرورة تحديد أماكن الانتظار برسم مستطيل أبيض في الأماكن المسموح بالانتظار فيها‏,‏ وهذا يعني بالطبع أن الوقوف خارج هذه المستطيلات ممنوع ويؤدي إلى الغرامة‏.‏

ولقد غلظ القانون الجديد مثلا عقوبة السير في الاتجاه المخالف دون أن يسبق ذلك تجهيز بنية أساسية تبين بوضوح اتجاه السير رغم سهولة ذلك‏,‏ ويستطيع أي مواطن بالتالي الطعن أمام المحكمة وإلغاء العقوبة‏..‏ وقد حدث أثناء فترة دراستي بالولايات المتحدة أن أوقفني شرطي المرور وسحب الرخصة لأنني لم أهديء السرعة في جزء من الشارع أمام مدرسة‏,‏ وعندما وجدت أن الشاخصة المكتوب عليها هديء السرعة غير ظاهرة بسبب غصن شجرة واعترضت على هذه المخالفة استجاب الضابط على الفور وأعاد لي الرخصة‏,‏ معتبرا أن الخطأ إداري‏,‏ وأمر على الفور بتقليم الشجرة‏.‏ ومشكلتنا في مصر أن البنية الأساسية غير جاهزة بل وغير صالحة لتطبيق قوانين مرورية حازمة تستطيع أن تعيد الانضباط إلى الشارع المصري‏.‏ كما أن أفراد الشرطة المرورية غير مهيئين لفرض النظام‏,‏ فقد رأينا في كل الدول التي سافرنا إليها أن الشرطي دائما موجود ويسبق الجميع في الوصول إلي مكان العطل أو الحادث‏,‏

ولمسنا جاهزية هؤلاء الأفراد في التعامل‏(‏ تلقائيا‏)‏ مع أية أحداث طارئة يمكن أن تؤدي إلي تعطيل المرور أو وقوع حوادث‏..‏ مثل تعطل سيارة بالطريق‏,‏ أو تجمع مياه الأمطار‏,‏ أو هبوب عاصفة ترابية‏,‏ أو وجود ضباب كثيف‏,‏ أو انقطاع التيار الكهربي عن الاشارات المرورية الضوئية‏...‏ الخ‏.‏ وبالطبع فليس مطلوبا أن يوجد شرطي مروري في كل شبر من أرض المحروسة‏,‏ ولكن مطلوب أن يكون لدينا الشرطي المتحرك ‏(‏ من تلقاء نفسه‏)‏ للمراقبة وتخويف المخالفين والمستهترين‏..‏

وهناك إجراءات كثيرة تساعد على الرقابة الذاتية وتجعل من المواطن شرطيا اعتباريا إن وجدت التعليمات الواضحة التي تفضح المخالف‏,‏ وقد سبق أن طالبنا مثلا بتحديد اتجاهات السير بالشوارع المتلاصقة ليصبح أحدها للذهاب والآخر للإياب ‏(‏بتعليمات واضحة‏),‏ وهذا من شأنه ضبط السير في هذه الشوارع دون الحاجة لوجود شرطي لأن المخطيء لن يجرؤ على المكابرة‏.‏ لن ينضبط المرور وتقل الحوادث قبل تأسيس بنية تحتيه مناسبة‏,‏ والأيام بيننا‏.‏

ليست هناك تعليقات: