مندوب "فلسطين" بالأمم المتحدة!
بقلم د. عبد الله هلال
يحار المرء ويرتفع ضغطه عند إجراء مقارنة بسيطة بين الأداء الصهيوني المسلح بالباطل والأداء العربي المفرط في الحق.. فهم يدافعون عن الباطل بكل قوة وجرأة, ونحن نتردد في الدفاع عن الحق بكل ذلة وهوان. فعلى الرغم من الأداء العسكري الفاشل والمتهافت للعدو, والذي وصل إلى تمرد جنوده ورفضهم الخدمة في المناطق التي تحدث بها مواجهات مع شعب أعزل من السلاح, وإلى فرار المسلحين بالمدافع من أمام المسلحين بالنبال والحجارة... إلا أن الأداء السياسي والإعلامي والدبلوماسي للعدو تفوق بكثير على العرب أجمعين, وهم الذين يتشبثون بما يسمونه الجهاد السياسي هربًا من الجهاد العسكري.. ففروا من ميدان القتال (رغم قوتهم وضعف العدو), وانهزموا في ميدان السياسة التي يدّعون أنهم فرسانها!!.
أتذكرون– على سبيل المثال- الخيبة الدبلوماسية العربية؛ عندما رفض العدو لجنة التحقيق في مذابح جنين، ولم يهتز للعرب «شنب» ورضوا بالقليل غير المجدي, وسُخطت اللجنة إلى مجرد لجنة تقصى حقائق مشلولة لا تقدم ولا تؤخر.. ورغم ذلك رفضها العدو, ومرة أخرى لم تهتز للعرب «شعرة».. وظلوا كما هم خاضعين للمنظمة الدولية المنحازة, ولم تجرؤ دولة عربية واحدة على التهديد (مثلا!) بتجميد عضويتها في هذه المنظمة التي لم تنجز في تاريخها شيئًا سوى تأسيس دولة العدو وإخضاع العرب له بالحصار والعقوبات التي لا نتردد في تنفيذها والخضوع لها بامتياز!!
وفي الميدان الإعلامي الدولي نجح العدو في تضليل العالم واستطاع أن يقلب الأمور ويحول الحق إلى باطل والباطل إلى حق, وأقنع الرأي العام الدولي بأن الجاني هو الضحية وصاحب الحق هو «الإرهابي» البربري الذي يستحق القتل أمام شاشات التلفزة.. وفشل العرب في مجرد الدفاع عن أنفسهم, وفشلوا كذلك في تنفيذ قرار قديم لوزراء إعلامهم بتخصيص 20 مليون دولار للوقوف بها (!) أمام الآلة الإعلامية الصهيونية, ولا نظن أن هذا الفشل وتلك الخيبة ناجمة عن فقر لا سمح الله, فالأموال العربية سائبة في كل ميدان, ولكنه التدخل الصهيوني الأمريكي الذي لم يعد أحد يجرؤ على إنكاره. والحمد لله أن هذه الخطوة قد فشلت (رغم أهميتها) لأن الفاشلين الواهنين لا يمكنهم إنجاز أي عمل ناجح, ولو حاولوا فسوف تكون فضيحتنا العربية بجلاجل وتحدث نتائج عكسية.
المهم؛ أننا كنا نتحدث دوما (ومعنا الحق)عن الخيبة العربية والهوان العربي في مقابل الفدائية والتفوق الفلسطيني بعد أن أثبت الشعب الفلسطيني أنه أكثر شعوب العالم بطولة وفدائية.. وأثبت أنه جدير بتحرير أرضه كلها وليس الضفة وغزة فقط.. ونال احترام العالم كله, العدو قبل الصديق, رغم التزييف الصهيوأمريكي.. إذ لم يذكر التاريخ «ولن يذكر» أن شعبا آخر في الكرة الأرضية استطاع أن يقف بمفرده, عاري الصدر, دون سلاح دفاعي أو هجومي ضد جيش مسلح بأكثر أسلحة الدمار والهلاك فتكا وإجرامًا .. ويهزمه شر هزيمة ويجبر جنوده على رفض الخدمة ضد هذا الشعب الذي لا يقبل الهزيمة. كان الأداء الفلسطيني؛ ولا زال، على الأرض الفلسطينية يبهرنا ويشعرنا بالفخر وبأن الأمة لازال بها عرق ينبض... حتى جاءت السلطة الفلسطينية التي نجح العدو (رغم مذابحه التي لم تتوقف يوما ضد الشعب الأعزل)؛ نجح في الحفاظ عليها بكل أركانها, بعد أن أخضعها للترهيب والحصار والإذلال, وادخرها للمهمة التي يحلم بأن تقوم بها ضد شعبها وضد المقاومة التي فشل في مقاومتها. جاءت السلطة لنكتشف أنها عربية أكثر من الحكومات العربية، واهنة أكثر منهم، بالضبط كما يريدها العدو!. وقد وصل عمق الكارثة أن مندوب السلطة في الأمم المتحدة يتفوق على قرينه الصهيوني في الإساءة للقضية الفلسطينية، بل ولكل العرب والمسلمين، وليس فقط للفلسطينيين. لقد ذكرني هذا الموقف العجيب والخائب لذلك المندوب وسلطته بما كتبته عنه منذ عام مضى عندما استخدمت أمريكا حق النقض "الفيتو" – كعادتها- ضد إدانة العدو الصهيوني في مجلس الأمن: [لم يعجبني الأداء العربي في مجلس الأمن، ليس فقط بسبب التراجع المهين وتعديل مشروع القانون أكثر من مرة بما يفرغه من مضمونه بلا أي داع.. ولكن أيضا بسبب مستوى الأداء لكل من مندوبي فلسطين وقطر، كيف تختارون مندوبيكم يا أيها العرب المغاوير؟، ألا يوجد لديكم من يستطيع أن يتحدث بلباقة ويهز المنابر لتوصيل الصوت العربي (على الأقل) إلى شعوب العالم من خلال وسائل الإعلام؟.. إنه انهيار عربي شامل حتى في القدرة على (مجرد الكلام)، حسبنا الله ونعم الوكيل].. وقد تبين الآن بعد حادثة هذا المندوب ومحاولته الاستعانة بالمنظمة الدولية (المغرضة وغير المحايدة) ضد جهاد وكفاح أبناء شعبه أننا لم نبتعد عن الصواب عندما طالبنا بمندوب (فلسطيني وليس صهيونيا) لفلسطين.
ليت السلطة الفلسطينية تعرف قدر شعبها وتدرك أن لديها منجمًا من الأبطال إن استثمرته جيدا فسوف تهزم المشروع الصهيوني كله.. ليتها تتذكر أن الشعوب الأخرى التي انتصرت على قوات البغي والظلم مثل أفغانستان وفيتنام كان هناك من يقف خلفها ويمولها بالأسلحة.. ولكن الشعب الفلسطيني انتصر دون سلاح، وهذه والله معجزة وآية من آيات الله.
يا أقطاب السلطة الفلسطينية.. لا تظنوا أن العدو قد انتصر, أو أنه قضى على المقاومة, فالعكس هو الصحيح.. فقد زرع العدو في قلوب الفلسطينيين الفدائية وحب الشهادة, وزرع الكراهية والثأر والسعي إلى الانتقام.. لا تلهثوا وراء المفاوضات العقيمة, أعلنوا أن خياركم الوحيد هو المقاومة، أعلنوا سقوط اتفاقية أوسلو الآثمة بعد أن داسها العدو بالدبابات بما يعني سحب الاعتراف بالعدو, اعلموا أن خضوعكم يعني خضوع العرب أجمعين.. فقد استثمر العدو اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة البائستين في الانتشار في أفريقيا وباقي دول العالم التي كانت تقاطعه, واستثمر اتفاقية أوسلو في فرض التطبيع على العرب أجمعين.. وها هم بعد أن أُدخلوا إلى القفص يعجزون عن الخروج منه, ويعجزون عن طرد سفرائه, ويعجزون عن إعادة المقاطعة. حذار من الدخول إلى القفص الصهيوني الخانق!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق