أهلاً.. وسهلاً

مرحبا بكم في موقع الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال

مقالات علمية وسياسية - محاضرات في الكيمياء - بحوث علمية - كتب علمية في الكيمياء وتطبيقاتها - استشارات علمية (كيميائية وبيئية)















هل لديك استشارة علمية؟

الأستاذ الدكتور/ عبد الله هلال - استشاري الدراسات الكيميائية والبيئية
للاستشارات العلمية:
ناسوخ (فاكس): 0020222670296 القاهرة
جوال: 0020115811500



الصفحة الرئيسية

الأحد، ٢١ مارس ٢٠١٠

* شاهد عيان على مذبحة الرماة


شاهد عيان على مذبحة الرماة

بقلم الدكتور عبد الله هلال

(المصريون) 29 يناير 2006
، (القدس العربي) 26 يناير 2006- صفحة 18


ليس هناك شك في أن السلطات السعودية تبذل قصارى جهودها لتيسير عملية الحج إلى بيت الله الحرام، ولا تبخل في الإنفاق على تطوير وتنظيم المشاعر المقدسة.. وقد شاهدتُ التطوير الذي حدث في مواقع الجمرات الثلاث بما يُيَسر عملية الرمي فصارت أيسر كثيراً من ذي قبل. وإذا كان من الواجب علينا أن نشكر الإدارة السعودية على جهودها الدءوبة لتوفير الراحة والمَرافق للحجاج.. فمن الواجب أيضاً أن نلفت نظرها، بل وننتقدها، إن حدث ما يؤدي إلى إزهاق روح إنسان واحد، فحياة الإنسان أغلى عند الله تعالى من أداء الفريضة نفسها التي جعلها الله (لمن استطاع). وقد تعجبت من تصريحات بعض المسئولين، وما أكد عليه خطيب الجمعة بالمسجد الحرام الشيخ سعود الشريم، من أن هذا العدد الكبير من القتلى يعتبر نسبة بسيطة من العدد الضخم للحجاج.. وأن هذا قضاء وقدر. فالتفكير بهذه الطريقة لا يتناسب مع الحديث الشريف كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه.. والواجب الشرعي يحتم على الذين يديرون عملية الحج أن يضعوا النظم والوسائل التي تحول دون إهدار دم إنسان واحد بطريق الخطأ.. أما تحميل مسئولية ما حدث للحجاج أنفسهم فيعتبر هروباً من المسئولية لأن الحجاج لا يملكون الصلاحية ولا القدرة على تنظيم حركة مئات الآلاف من البشر مختلفون في اللغات والعادات وغيرها.
عندما ذهبنا للرمي في اليوم الأول واليوم الثاني كانت الأمور طبيعية، ومرت العملية بسلام لأن توسعة شواهد الجمرات الثلاث كانت فكرة رائعة أدت إلى تمكين عدد أكبر من الرمي في وقت واحد وقللت من الزحام والتدافع؛ ولكنني لاحظت أن المساحة المحيطة بمنطقة الرمي، والطرق المؤدية إليها، مشغولة بالباعة والمتسولين والحجاج المقيمين بالشوارع أي الذين ليست لهم خيام بمنى.. وهؤلاء يجلسون هناك وينامون ويأكلون ومعهم الكثير من الأمتعة، وتعجبت كيف تترك الشرطة أو المسئولون عن الحج هؤلاء الناس هكذا في بؤرة الخطر ولم تتبق سوى ساعات ويبدأ بعدها اليوم الثالث للرمي، وهو المعروف كل عام بصعوبته وازدحامه الشديد للأسباب المعلومة من الحرص على الرمي بعد الزوال والحرص على الانصراف من منى قبل الغروب؟!. قلت لنفسي لعلهم ينتظرون حلول الليل وانتهاء رمي اليوم الثاني لبدء إخلاء المكان وتنظيمه استعدادا لذلك اليوم الصعب، وطمأنت نفسي بأن هذا الأمر لا يحتاج إلا لساعات قليلة لإنجازه.
في صباح يوم الخميس الثاني عشر من ذي الحجة أعلن مشرف القافلة التي أحج معها أنه تقرر خروج حافلتين لنقل السيدات إلى مكة في التاسعة صباحا على أن يوكـِّلـْن الرجال للرمي نيابة عنهن.. ومن تريد أن ترمي بنفسها فعليها القيام بذلك قبل الساعة التاسعة لأن القافلة غير مسئولة عما يحدث لهن إن أصررن على الرمي بعد الزوال، وليت الرجال أيضا يقومون بالرمي مبكرا لأن هناك فتوى من الأزهر الشريف تبيح الرمي في أي وقت. وكما هو متوقع دارت مناقشة حامية وتساءل الجميع أين هذه الفتوى؟.. وبحثنا في كل المطبوعات والكتيبات التي نحملها فلم نجد لها أثرا، وأكد البعض أنهم سمعوا بعض شيوخ الحرم يحذرون من الرمي قبل الزوال، واستقر الأمر على قيام السيدات بالرمي في الثامنة صباحا على أن توكل كل واحدة زوجها للرمي مرة أخرى بعد الزوال (احتياطا للأمر وتأكيدا على الالتزام بالسنة الشريفة).
في الساعة الثانية عشرة ظهرا توجهنا إلى منطقة الرمي القريبة من خيامنا لأفاجأ بأن كل شيء على حاله؛ الباعة، المتسولون، النائمون وأمتعتهم.. بالإضافة إلى القمامة والحصى الذي يملأ المكان، ووجدت مئات الآلاف ممن سبقونا إلى هناك يجلسون انتظارا لحلول لحظة الزوال.. وفي الثانية عشرة والثلث، انقلبت الدنيا فجأة، وكأنما نفخ في الصور، فقد هب الحجاج أفواجا من كل صوب متجهين إلى جسر الجمرات.. لا مسارات تحدد طريقهم، ولا أحد ينظم صفوفهم، هؤلاء يتجهون يسارا للصعود أعلى الجسر، وأولئك يجاهدونهم للذهاب يمينا للرمي أسفل الجسر.. أجسام متلاصقة متصادمة يدفعها التيار رغما عنها إلى أي اتجاه.. المساكين الجالسون بأمتعتهم صاروا تحت الأقدام وسحقت أمتعتهم.. وأصبح كل واحد منا كالغريق وسط أمواج متلاطمة لا يدري إلى أين يدفعه الموج البشري. في وضع كهذا لم يكن مستغربا أن تقع الكارثة، فبمجرد سقوط عدد قليل من ضعاف البنية تحت الأقدام يؤدي الدفع المتزايد إلى سقوط المزيد في هذه الفجوة التي نشأت من غياب أولئك الذين صاروا "عجينا" تحت الأقدام. وبعد وقوع الكارثة ظهر جنود الشرطة وانتشروا طوليا (والمفروض عرضيا! ) يمسك كل واحد يد الآخر في محاولة لتقسيم هذه الأعداد المهولة إلى قطاعات.. ولكن محاولتهم باءت بالفشل ورأيت عددا من الأفارقة يطرحونهم أرضا ويعبرون من فوقهم.. وبالطبع جاء تحرك الشرطة بعد فوات الأوان وكان المفروض أن تـُخلى المنطقة وأن ينتشر الجنود مبكرا، وقبل وصول الناس.
أما عن مجموعتنا فقد تفرقت وسط هذا المحيط، ودفعني التيار إلى مسجد الخيف لأجد معركة أخرى عقب انتهاء صلاة الظهر بين من يحاولون الدخول وآلاف الخارجين من مسجد ضخم لا يوجد له سوى بابان والمفروض أن يكون له عشرون بابا.. ودخلت المسجد لأجده كالعادة وقد تحول إلى غرفة نوم للحجاج بأمتعتهم وبقاياهم.. ووجدت شيخ المسجد يتحدث إلى الحجاج عن القضايا التقليدية كالشرك، والتدخين، واللحية.. ولم يتطرق إلى واقع الحال أو يتحدث عن أن تلويث منى مثلا يعد من الفسوق، أو يأمر الناس بفعل الخير (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) بالالتزام بالنظام والنظافة وعدم إيذاء الحجاج بالتدافع ومساعدة الضعفاء. ولكن المفاجأة الأكبر أن شيخنا ختم حديثه بالتحذير من إفساد الحج بعد هذا العناء بـ (الرمي قبل الزوال) قائلا إن هذا غير جائز.. جاءت هذه الكلمات في نفس الوقت الذي كانت فيه مذبحة السحق قائمة على بعد أمتار من المسجد!.
إن الأصل في الشريعة أن دم المسلم لا يذهب هدرا، إذ لا بد من القصاص أو الدية، وعلى الرغم من الإهمال في التخطيط واتخاذ الحيطة فالواقع أن ما حدث هو قتل خطأ.. ونحن نثق أن الحكومة السعودية تحرص على تطبيق شرع الله، لذا فالواجب تعويض أسر هؤلاء الضحايا بدفع الدية الشرعية. كما يجب اتخاذ الخطوات الجادة التي تمنع تكرار هذه الكارثة أو غيرها..
  • وفي مقال قادم إن شاء الله نناقش بالتفصيل مشكلات عملية الحج عموما ونقدم مقترحات عملية لعلاجها.

ليست هناك تعليقات: