مأساة المرور (الجنائزي)..
اقتراحات وحلول (1/3)
بقلم د. عبد الله هلال
الأهرام المسائي 27 أبريل 2008
المصريون 8 سبتمبر2008
الوســـط 20 سبتمبر 2010
فعلت إدارة المرور خيرا أن بدأت في وضع لافتات توضح مسارات الطرق والشوارع، بل وتمييزها بألوان خاصة بالمواقع السياحية والطرق السريعة وغيرها، وهذا ما طالبنا به منذ سنوات، وهو نظام عالمي جميل. ولا شك أن كثرة الإرشادات ودقتها ووضوحها سوف تساعد على السيولة المرورية، بالقضاء على التردد والحيرة والبطء عند التقاطعات. وينقص هذا الإنجاز المهم التركيز على كل التقاطعات.. إذ لا يكون مفيدا أن تدلـّني الشواخص المرورية على طريقي في أحد التقاطعات، ثم أفاجأ بتقاطعٍ تالٍ خالٍ من الإرشادات. ومطلوب أيضا أن توضع اللافتة الإرشادية مبكرا، قبل بلوغ التقاطع أو الجسر (الكوبري) بمسافة كافية لا تقل عن 300 متر.. فقد لاحظت مثلا أن لافتة (ممنوع صعود سيارات النقل) توضع في مطالع الجسور، أي لا يراها السائق إلا بعد الوصول إلى الجسر، ويستحيل بالتالي أن يستجيب لهذه التعليمات، كما أن هذه الشواخص مرسوم عليها ناقلة داخل دائرة دون وضع خط أحمر يعني المنع، لمن يراها عن بعد. وليت إدارات المرور تكمل جميلها بالاهتمام بتخطيط الإسفلت بالتعليمات المرورية، مع وضع نظام موحد يطبق بجميع المحافظات.. ومفيد هنا وجود (نموذج) يتبع، أرى أن مدينة أبو ظبي أو العين بالإمارات خير مثال، وأظن أن كثيرين من المسئولين بالمرور زاروا تلك المدن وغيرها ويستطيعون نقل هذا النظام المثالي إلى بلادنا. وينقلنا هذا الإنجاز الذي كنا ننتظره على أحر من الجمر إلى الحديث عن مأساة المرور التي حولت شوارعنا إلى ما يشبه الجنازات، البطيئة.
لقد ضاقت القاهرة (وغيرها من المدن الكبيرة) بسكانها وسياراتها، وأصبحت مشكلة المرور مأساة تضغط على الأعصاب، وتستهلك الوقت والطاقة والمال.. وتلوث الجو، وتؤذي الصحة، وتصيب الناس بالضيق مما يساعد على كثرة الحوادث وما ينشأ عنها من قتلى ومصابين. وقد وصل الأمر إلى أن عرقلة المرور لبضع ثوان، ولأي سبب، تتسبب في تكدس وزحام لا أول له ولا آخر.. وتصاب المدينة بالشلل لأي تصرف خاطئ سواء من أفراد المرور أو من المواطنين؛ مثل عدم التصرف بحكمة عند حدوث تصادم، أو عدم الابتعاد عن نهر الطريق عند حدوث عطل، وما أكثر الأعطال... الخ. ولا شك أن أفراد شرطة المرور يتحملون مصاعب وأعباء تنوء بحملها الجبال، لأن هذه المشكلة مركـّبة؛ وتسهم فيها السلوكيات السيئة إلى جانب غياب التخطيط العلمي، وضعف الرادع للمخالفين، وعدم التأهيل الكافي للمجندين من أفراد المرور.. وغير ذلك مما سوف نناقشه بالتفصيل.
وعلى الرغم من أن المشكلة معقدة جدا كما أشرنا؛ فإنه من الممكن بالدراسة المتأنية والتخطيط العلمي وضع حلول عديدة لها.. وهناك مدن كثيرة أعقد من القاهرة ولكنها لا تعاني مثلما نعاني، وبها سيولة مرورية عجيبة لأنها تدار بنظام مخطط علميا. والحلول التي نقترحها لهذه المأساة منها ما هو تنظيمي غير مكلف كثيرا، ويساعد على سيولة المرور.. وهناك حل (جراحي) شامل ومكلف ولكنه يمكن أن يضع حدا لهذه المأساة، ولنبدأ بالحلول السريعة التنظيمية:
• أهم أسباب المشكلة هي كثرة السيارات بالشوارع، منها ما ينتظر لقضاء مصلحة سريعة، ومنها ما ينتظر على الدوام (أمام البيت أو النشاط التجاري)، ومنها ما هو مُلقى مهملا لعطل أو سفر أو لزيادته عن الحاجة. والمنتظرون المؤقتون يقفون بلا نظام لعدم وجود تخطيط؛ فيستهلكون مساحات أكثر من اللازم. وهناك شوارع يصعب السير فيها لامتلائها بالسيارات على الجانبين، والواجب أن تحدد إدارة المرور الأماكن التي يسمح فيها بالانتظار بتخطيط مستطيل أبيض (مثل الدنيا كلها) لكل سيارة، مع إلزام قادة السيارات بوضع السيارة داخل المستطيل، وعدم السماح بالوقوف الخطأ واستهلاك مساحات أكبر دون داع.. ويتطلب ذلك منع احتكار بعض الأماكن بوضع أحجار وبراميل أمام المنازل والمحلات لحجز المكان لحين تشريف "البيه"، أو وضع حواجز وجنازير بواسطة بعض البنوك والشركات والهيئات.. وإذا قررت إدارة المرور السماح بذلك في بعض الأماكن "وليتها لا تفعل"؛ فليكن نظير رسوم باهظة، ويخطط أيضا باللون الأصفر بحيث تمنع الحواجز التي تسيء إلى المظهر العام وتعرقل الحركة والمرور. أما السيارات المهملة فينبغي عدم السماح بتركها في الشوارع، وذلك بتجهيز مكان "ملائم ومحترم" وواسع لتخزين هذه السيارات نظير رسوم بسيطة.. وهذه السيارات إما أن يسلمها أصحابها إلى هذا المخزن، وإما أن تنقلها الإدارة المسئولة (بالونش) وإخطار صاحبها؛ الذي عليه أن يتحمل تكلفة نقلها. والانتظار المؤقت "صف ثان وثالث" يمكن التغلب عليه بتوفير أماكن انتظار مظللة ومخططة في أماكن قريبة من مناطق التكدس بوسط المدينة، مع تخصيص وسائل "غير مكلفة" لنقل أصحاب السيارات في الذهاب والعودة. كما يجب تخصيص اتجاه واضح للسير بالشوارع المتجاورة، شارع للذهاب وآخر للإياب.. وذلك لزيادة السيولة ومنع الشجار.
• والعنصر الأكثر أهمية هو العنصر البشري.. والواضح أن أغلب قادة السيارات غير ملمين جيدا بقواعد وآداب المرور لأن أحدا لا يلزمهم بذلك، وفي أغلب دول العالم لا تمنح رخصة القيادة دون اجتياز امتحان في القواعد والسلوكيات لا يقل عن اختبار القيادة، وهناك كتب خاصة بذلك يلتزم طالب الرخصة بدراستها واستيعابها جيدا، بل وحفظها. ومن المهم كذلك تعويد الناس على احترام القواعد والإشارات بالإقلاع عن استخدام الصفارة مع إهمال الإشارة!.. فينساب المرور أحيانا والإشارة حمراء مما يعوّد الناس على الاستهانة بها. كذلك توجد لافتات كثيرة تأمر بمنع الانتظار "قطعيا"؛ والسيارات تقف وتملأ المكان، ويحجم الشرطي عن منع ذلك أو توقيع مخالفة في فترة ما بعد الظهر حيث لا زحام (أحيانا). والواجب- إن كان الانتظار مسموحا في بعض الأوقات- توضيح ذلك كتابة حتى لا يتعود الناس على مخالفة القواعد.. وغني عن البيان أن عدم الاستهانة في توقيع الغرامات على المخالفين، بل ووجوب أن تكون الغرامة فورية، ومنع إلغاء المخالفات لذوي الواسطة، يمكن أن يضبط حركة المرور، ويمنع هذه الفوضى. فمثلا؛ لم أر في أي مكان بالعالم سيارات النقل والحافلات تصر على السير في يسار الطريق إلا في بلادنا، فلماذا لا يغرّم هؤلاء؟!.
• وهناك عادة سيئة تسهم في تكدس المرور دون داع.. وهي إغلاق يمين ويسار الطريق (المصفاة) عند غلق الإشارة أمام المتجهين إلى الأمام، فلا يلتزم قائد السيارة بالوقوف في الحارة أو الحارات الوسطى، ويقف في طريق المتجهين يمينا أو يسارا ويخلق حالة من التكدس طمعا في الوقوف في مكان متقدم.. وفي الدنيا كلها لا يسمح بذلك مطلقا، ونجد الحارات الوسطى تمتد لأكثر من كيلومتر ولا نجد سيارة واحدة في الحارات الجانبية لأن من يسير فيها (يـُلزم) بالدخول والاستمرار فيها حتى لا يغلق هذه المصفاة المهمة، فهل هذا أمر يصعب تنفيذه في بلادنا؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق