منذ أن انطلق قطار العولمة حاملا ما سمي بالنظام العالمي الجديد والتحديات تتراكم والمشكلات تتساقط فوق رأس الأمة العربية من المحيط إلي الخليج..
وكان الواجب والحال هكذا أن يعاد طرح موضوع الوحدة العربية أو حتي الاتحاد أو التكامل بصيغة أكثر جدية تتناسب مع الواقع الجديد الذي لايرحم الضعيف. ولكن للأسف ما زالت التجارب الوحدوية الفاشلة تشكل خيبة أمل دائمة تحول دون البدء في صياغة جديدة للعمل العربي المشترك يمكن أن تؤدي في النهاية إلي بروز القوة العربية التي يستحقها العرب عن جدارة والتي تتناسب مع إمكاناتهم الكبيرة التي أنعم الله تعالي بها عليهم.
والواقع أن العالم كله الآن يتغير ويعاد تشكيله بصورة أو بأخري. منذ أن أنهارت الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي.. ولكن الاتجاه العام للتغيير يتجه إلي التجمع والتحالف في كيانات كبيرة سياسية واقتصادية وعسكرية. والمثال الاقرب للعرب والأكثر تأثيرا عليهم هو الاتحاد الاوروبي. الذي يتقدم بنجاح كبير من خطوة إلي أخري متخطيا كل العقبات والصعاب ومشيدا لقوة إقليمية كبري ينبغي ألا نتغافل عنها.. فما من أمة رشيدة تشهد بزوغ قوة جديدة ـ أقوي منها بمراحل ـ علي مقربة من حدودها وتنام ملء جفونها دون قلق ودون أن تعيد حساباتها.. ذلك أن القوة المفرطة تغري بالغزو أوبسط النفوذ والهيمنة علي الجار الضعيف.
ولا شك أن الوحدة الأوروبية تشكل تحديا للعرب, وإدانة لتفرقهم من جميع الوجوه.. إذ إن عوامل التوحد والتقارب والتكامل كلها متوافرة لدي العرب ولم تكن متوافرة بنفس القوة لدي الدول الاوروبية. فالعرب أمة واحدة يجمعها ـ في أغلبها- دين واحد ولغة واحدة وتاريخ واحد. ولم تكن بيننا يوما عدوات وحروب مثيلة لما حدث بين الدول أو الأمم الأوروبية.. وعلي الجانب الآخر هناك أمم مختلفة متنافسة. منقسمة دينيا ومتعددة لغويا وبينهم من الدماء وعوامل الثأر ما يفرق ولايوجد خصوصا أثناء الحربين العالميتين اللتين حصدتا أرواح عشرات الملايين.. ورغم ذلك فقد وجد الأوروبيون من عوامل التوحد والقيم والمصالح المشتركة مايفوق عوامل التفرق. فانتصروا علي أنفسهم وعلي كل التناقضات. بل وعلي التاريخ والماضي بكل آلامه وماسية وأصبحت الوحدة الأوروبية واقعا ملموسا!.
وقد يري بعض اليائسين من فكرة الوحدة العربية أن الظروف مختلفة وأن أحدا لن يسمح للعرب بالتوحد والبروز كقوة عظمي لها مكانتها وتأثيرها علي العالم.. وهذا ما يدعو إلي الدهشة والعجب لأن أحدا لم يقل بإمكانية تحقيق هذا الحلم بالضغط علي زر ومفاجأة العالم بمولد قوة جديدة غير مرحب بها علي الأرجح. فأوروبا نفسها رغم تقدم دولها ووضعها الدولي المتميز لم تقدم علي تجربة الوحدة بهذه الطريقة المسرحية. ولكنها بدأت بزرع بذرة صغيرة وتنميتها ورعايتها والتقدم خطوة خطوة. وهناك تجارب وحدوية ناجحة لم يكن مرحبا بها ولكنها حدثت ونجحت مثل الوحدة الألمانية, بل وأيضا الوحدة اليمنية التي تآمر عليها القريب والبعيد. ولم تصبح واقعا حقيقيا إلا بالحرب والتضحيات الجسيمة للأسف وعموما فالاعمال العظيمة والقرارات الجسورة لا يمكن أن تتحقق بالاستئذان من الآخرين..
والأفضل أن يخطط لفرضها كأمر واقع.أما التجربة الوحدوية العربية الناحجة والعظيمة والتي ربما لا ينتبه إليها الكثيرون فهي التي تحققت منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما علي أرض الجزيرة العربية عندما رفع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبو ظبي علم دولة الإمارات العربية المتحدة في الثامن من ديسمبر عام1971 بالطبع لم تكن هذه التجربة الفذة مرحبا بها علي الإطلاق.. بل ووجهت بالمؤامرة من قبل أن تولد دولة الوحدة فعندما قرر الإنجليز الإنسحاب من منطقة الخليج بدأوا كالعادة في غرس بذور الشقاق ووضع العراقيل التي تحول دون قيام دولة موحدة في هذه المنطقة المهمة, وحاولوا إقناع الشيخ زايد( رحمه الله) بصرف النظر عن هذه الدعوة التي سعي إليها منذ عام1968.
وعندما توسموا في الرجل حكمته وإصراره علي تحقيق الحلم قرروا بالاتفاق مع امريكا وإيران الشاه وضع مسمار جحا بتمكين الأخير من احتلال ثلاث جزر عربية قبيل بدء الانسحاب البريطاني, وقبل يومين فقط من إعلان توحيدالامارات. ورغم كل هذه العراقيل فإن الرجل المؤمن بحتمية الوحدة العربية والإسلامية لم ييأس ورضي بالقليل عندما تآمرت بريطانيا لإبعاد قطر والكويت والبحرين عن الانخراط في هذه الدولة الموحدة ـ لتبدأ الدولة بست إمارات صغيرة انضمت إليها بعد ذلك إمارة رأس الخيمة وليجعل منها دولة عصرية حديثة يتمتع أهلها بالحرية والرخاء.. وليثبت للعرب أجمعين بالواقع العملي أن الاتحاد قوة وعزة وأنه ممكن بالإصرار والصبر والتخطيط الجيد.والحقيقة أن الواقع العربي الآن لا يختلف كثيرا عن واقع الإمارات الخليجية التي كانت متفرقة ومبعثرة قبل الوحدة.. وقد أضيف إلي هذا الواقع المر تحد جديد يواجه كل العرب والمسلمين بعد ما حدث عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر علي نيويورك وواشنطن.. فلماذا لا يفكر العرب الآن بعقلية الشيخ زايد لنبدأ مشوار الوحدة ولو بأقل القليل حتي وإن تحققت بعد ثلاثين أو خمسين عاما؟.. المهم أن يوضع الأساس ثم نقوم بالبناء طوبة طوبة.
فإذا كانت السياسة لم تجمع العرب, فلماذا لا يجمعهم الاقتصاد والمصالح المشتركة؟! لقد وصل تعداد العرب إلي أكثر من300 مليون نسمة, ومن المتوقع أن يصل إلي حوالي650 مليون عام2050, وكما جاء في مقال د. محمود أبو زيد وزير الموارد المائية والري بالأهرام المسائي فإن75% من أقطار العالم العربي(16 دولة عربية) تقع تحت خط الفقر المائي. أي أنها غير قادرة علي تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء خاصة في الظروف الراهنة وبحلول عام2030 سينخفض نصيب الفرد من المياه بأكثر من50% وبالتالي فمن المتوقع أن ترتفع نسبة الدول التي تقع تحت خط الفقر المائي لتتجاوز90% لذا فالمساحة الزراعية العربية التي تقدر بحوالي200 مليون هتكار لا يستغل منها بالفعل سوي حوالي47 مليون هتكار, أي أننا أمام أزمة مائية وغذائية خانقة في المستقبل القريب.. ألا يدعونا ذلك إلي التفكير في عمل عربي مشترك يمكننا من استغلال ثرواتنا الزراعية وينقذ أجيالنا القادمة من أزمات المياه وحروبها المستقبلية؟. العرب في حاجة ماسة إلي برنامج نووي عربي للاستفادة من الطاقة النووية الرخيصة والنظيفة لتحلية مياه البحر( وغير ذلك الكثير), والقفز فوق خط الفقر المائي.
ويمكن أن يبدأ المشروع الحلم ـ علي ساحل البحر الأحمر ـ بثلاث دول هي مصر والسعودية والأردن. وهذه الدول الثلاث تمتلك من الامكانات والدوافع الاقتصادية ما يشجع علي نجاح المشروع وتوسعه بعد ذلك ليشمل جميع الدول العربية, ويكون لبنة مهمة في البناء الوحدي المنتظر. لقد أسس العرب ـ تحت مظلة جامعة الدول العربية ـ الهيئة العربية للطاقة الذرية( بتونس) بهدف مساعدة الدول العربية في الاستفادة من الاستخدامات السليمة للطاقة الذرية, وقد آن الأوان لبدء عمل عربي جماعي جدي يصعب إيقافه لأن المصالح الاقتصادية عادة ما توفر الغطاء والدافع للنجاح.. ولا نظن أن هناك أولي من توفير المياه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق