الإنفلونزا.. والنظافة.. والدراسة!
بقلم د. عبد الله هلال
(المصريون) : بتاريخ 28 - 9 - 2009
مع إيماننا المطلق بالقضاء والقدر، وبأنه لا يغني حذر من قدر، إلا أننا نشك في قدرة حكومتنا على مواجهة أية كارثة مفاجأة مثل انتشار عدوى انفلونزا الخنازير أو غيرها.. فسجل هذه الحكومة في مواجهة الكوارث لا ينبئ بخير، إذ تسيطر عليها العشوائية والتخبط ويتحكم فيها الروتين وبطء التصرف واتخاذ القرار. وكما هو معلوم؛ لا توجد لدينا خطط متقدمة للطوارئ وإخلاء وعزل المرضى، أو حتى خطط وقائية.. والمفروض أن مثل هذه الخطط تشمل تدريب الناس على مواجهة هذه الطوارئ، فلا الشعب مدرب ولا حتى أجهزة الدولة جاهزة أو مدربة، بل إننا لم نر في بلادنا نشرات للتعريف بانفلونزا الخنازير وكيفية الوقاية منها أو علاجها، على الرغم من الكثافة السكانية العالية التي تساعد على انتشار الأوبئة. والحالة الصحية في بلادنا من أسوأ ما يكون، فلا يوجد سجل طبي لكل مواطن مثل كافة دول العالم، والخدمة الصحية غير متوافرة لأغلب المواطنين، والمستشفيات الحكومية تعاني الإهمال والفقر والهجر، بل والقذارة. وقد ترعرعَت بالتالي عمليات الاتجار بالمرضى من قِبل بعض الأطباء معدومي الضمير، خصوصا في المحافظات.. فنجد من يدعي أنه حكيم زمانه أو "أبو العريف" ويكتب على عيادته أنه أخصائي (الباطنية والحميات والأطفال والنساء والتوليد والجراحة والقلب) جملة واحدة!، ونجد من يبيع المرضى للصيدلي بكتابة أدوية غير مطلوبة أو أكثر من اللازم، ومن يبيعهم لأصدقائه وشركائه بإلزام المريض بإجراء تحاليل وكشف أشعة وغيرها دون ضرورة!، بل نجد من يضع في عيادته بعض الأدوات التي لا تكفي للتشخيص الجاد ليقوم هو بابتزاز المريض وتغريمه رسوم أشعة وتحاليل واختبارات وهمية بالإضافة إلى رسوم الكشف الباهظة.. ووزارة الصحة تغط في نوم عميق. فهل هذا الوضع المزري والإهمال التاريخي للمواطن المريض يمكن أن يساعد على سرعة اكتشاف المرض ومحاصرته ومنع انتشاره؟.. هذا أمر مستحيل للأسف، وقد رأينا من قبل حالة التخبط في مواجهة انفلونزا الطيور. لذا فالسؤال الذي يؤرق الشعب المصري الآن هو عن مدى استعداد الحكومة المصرية لمواجهة احتمالات تعرض مصر (لا قدر اللّه) لمثل هذه الأمراض المعدية؛ سريعة الانتشار. ألا ينبغي أن تكون لدينا مستشفيات ومعامل مجهزة للطوارئ, بمعنى أن تكون جاهزة تمامًا لأي ظرف طارئ ولا ينطبق عليها ما يحدث في مؤسساتنا من عدم سماح البند, أو عدم كفاية الميزانية, أو عدم وجود المسئول!..
ألا يجب أن نهتم بقضية القضايا في منع انتشار الأمراض، وهي النظافة؟!. لقد اغتظت وارتفع ضغطي وشعرت بالعار عندما قرأت وصف أحد قادة العدو الصهيوني في مذكراته «لنا» بأننا دولة متخلفة وقذرة (للأسف) عندما تجول في شوارع القاهرة ووجد القمامة والحشرات والقاذورات وكأنها جزء من حياتنا.. وتعجب حفيد القردة والخنازير قائلا: كيف انتصر هؤلاء علينا في حرب 1973?.. وتساءل: هل يمكن لمثل هؤلاء أن يضيفوا شيئًا ذا قيمة إلى الحياة أو أن ينتصروا في أي معركة?!. والحقيقة المرة أن كلامه عن مستوى النظافة في بلادنا صحيح، فنحن نشعر بالخجل كلما نمر في شوارع المدن والقرى المصرية وتقع عيوننا على أكوام القمامة والأتربة والخرابات المنتشرة هنا وهناك, ووصل حال انعدام النظافة في بعض مناطق العاصمة (وغيرها بالطبع) إلى درجة الشعور باللا آدمية. فمن المسئول عن هذه الحالة المخزية.. الشعب أم الحكومة?.
لا شك أن الحكومة هي المذنب الأول في قضية النظافة.. فهي المسئولة عن وضع الأنظمة واللوائح، وتوفير الأدوات والآليات التي تعين الناس على الحفاظ على النظافة, بل وتلزمهم بها.. وهناك أمثلة عديدة تؤيد وجهة نظرنا مثل نظافة الفنادق والمستشفيات الخاصة والمدارس الخاصة, وأيضًا مترو الأنفاق. فعندما وجد الناس نظامًا للنظافة التزموا به, وإذا لم يجد الناس أنفسهم النظام والأدوات المساعدة على النظافة فسوف يكون الحال كما نرى. وإذا رصدنا أحوال النظافة بالقرى المصرية مقارنة بالمدن.. نفاجأ بأعجب الأمور وهي أن القرى أنظف كثيرا من المدن لأن يد الحكومة لم تصل إليها- إهمالا لها، والحمد لله على هذا الإهمال الحكومي للقرى، فأهالي القرى يتولون أمرها ويهتمون بنظافتها تلقائيا، ولو وضعت الحكومة يدها فسوف تصاب القرى بالقذارة التي تعاني منها المدن!. والعاصمة خير شاهد.. فقبل تدخل الحكومة لجباية الأموال بحجة النظافة (الجنيهات الثمانية على فاتورة الكهرباء) كانت الأمور أفضل؛ شركات نظافة خاصة تمر على الشقق وتحمل القمامة مباشرة دون تخزين بالشوارع مقابل جنيهان أو ثلاثة شهريا. وعندما وضعت الحكومة أنفها بجباية المال إجباريا فضل كثير من الناس (مقابل فلوسهم) وضع القمامة بصناديق الحكومة البالية وغير الصالحة للاستخدام والتي لا تتسع للقمامة الكثيرة، فصارت الشوارع ميادين للقمامة، وانتشرت القذارة والروائح الكريهة في كل مكان، بما فيها الأحياء التي يسمونها راقية. ليت الحكومة ترفع يدها وتترك الأمر للشركات الخاصة التي لا تحتاج إلى تخزين القمامة بالشوارع، وهي بالمناسبة لا زالت موجودة، ولكن الكثير من الناس فضل أن يطبق المثل القائل (خذ بحقك حلفا.. واحرقه)!.
لذا فإننا- وبمناسبة الاستعداد الواجب لمواجهة احتمال انتشار عدوى انفلونزا الخنازير أو غيرها- نوجه هذا الاستجواب الصحفي لوزراء البيئة والصحة والحكم المحلي: ما هي الإجراءات التي اتخذتموها, وما هي المنظومة التي وضعتها الحكومة لمعاونة الأفراد في الحفاظ على النظافة?... لماذا لا توجد صناديق كافية للقمامة?، ولماذا لا تفرغ الصناديق القليلة الموجودة في أوقات مناسبة بدلا من تركها بالشوارع؟!.. لماذا لا يوجد نظام ملزم للتخلص من بقايا البناء والهدم بطريقة متحضرة?.. لماذا لا تلزمون ملاك الأراضي الفضاء التي تحولت إلى خرابات بتسويرها وتنظيفها وإلا خضعت للمصادرة?.. لماذا لا يوجد نظام راقي للإعلان بدلاً من هذه الفوضى التي لا يلتزم فيها أحد بالمظهر العام أو الذوق?.. إلى متى تظل الأمور متروكة للعشوائية بدلا من التخطيط العلمي?!!. كما نتوجه بالسؤال إلى وزير السياحة: ألا تشعر بالخجل من السياح الذين تجلبهم وزارتك ويتفرجون ليل نهار على قذارة شوارعنا ومرافقنا؟، ماذا فعلت لكي تشجع السياحة وتنقذ سمعة مصر من همس السياح وتندرهم علينا وعلى قذارة بلدنا؟.. هل تعتبر أن قضية النظافة ليست من اختصاصك، مع أن المفروض أن هناك مسئولية مشتركة لمجلس الوزراء بالكامل، ولا يجوز أن تكون الوزارات جزرا معزولة!. ليس هناك سبيل لمواجهة أي انتشار مفاجئ للعدوى دون وجود نظام متحضر للرعاية الصحية متضمنا الاهتمام والالتزام بالسجلات الطبية والكشف الدوري على كل مواطن.. بالإضافة إلى الاهتمام الضروري والملزم بقضية النظافة. هل هناك من يفهم أو يستجيب.. أم أن الدولة مشغولة عن شعبها بأشياء أخرى؟!.
ومما يدل على أن حكومتنا في واد آخر تماما ولا تعيش حياتنا ولا تشعر بمشكلاتنا الحديث عن تأجيل الدراسة خوفا من انتشار عدوى انفلونزا الخنازير.. أين هي الدراسة؟، ألا تعلمون أن الدراسة الحقيقية ليست بالمدارس ولا بالجامعات، وإنما بالبيوت والمراكز التعليمية؟.. لو كانوا يعيشون حياتنا ويشعرون بمعاناتنا لكان الحديث عن (عودة الدراسة للمدارس والجامعات) حماية لأولادنا لأنها بالتأكيد أكثر تهوية وأكثر اتساعا من أماكن الدروس الخصوصية الضيقة وقليلة التهوية. هذه فرصة العمر لإعادة الأمور إلى نصابها والتخلص من كارثة الدروس الخصوصية وعودة العملية التعليمية إلى المؤسسات الرسمية، لأن حرص الناس على حياة أولادهم سيكون بالتأكيد أكثر من الحرص على المجموع والتقدير. ويمكن بالطبع الحديث عن تقسيم الطلاب إلى مجموعات صغيرة، وعن زيادة التهوية بتركيب شفاطات، وغير ذلك من الإجراءات... أما عودة الطلاب إلى أوكار الدروس الخصوصية فسوف يكون الكارثة بعينها.
abdallah_helal@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق