البرنامج النووي.. هل نحن جاهزون؟!
بقلم د. عبد الله هلال
بقلم د. عبد الله هلال
(المصريون): بتاريخ 8 - 4 - 2009
فتح الأستاذ جمال سلطان الباب واسعا لبدء حوار جاد لمدى استعداد مصر وجاهزية مؤسساتها لبدء برنامج نووي حقيقي نحن في أمس الحاجة إليه. وقد انزعج كثيرون من الوطنيين المخلصين المحبين لمصر من المعلومات القليلة التي أوردها الأستاذ جمال في مقاله، وهي صحيحة تماما للأسف.. وسألني كثيرون بقلق عن سبب هذه الحالة غير الطبيعية لهيئة علمية شهيرة كانت ملء السمع والبصر، وكانت سمعتها العالمية تصنف مصر ضمن الدول النووية المتقدمة. وقد منعتُ نفسي كثيرا من الكتابة عن هيئة أعمل بها، ولكن حالة القلق التي لاحظتها والتساؤلات الكثيرة التي واجهتني جعلتني أغير رأيي للمساهمة على الأقل في تبديد هذا القلق، وهو قلق مشروع.. فالتقنية النووية تتطلب إجراءات وممارسات واحتياطات إدارية وعلمية وفنية فائقة الدقة والصرامة، وغير مسموح في المحطات النووية بأية نسبة من الإهمال أو التراخي أو التواكل أو الكسل، أو بأقل احتمال من الخطأ؛ وإن ضؤل. وهذا من شأنه أن يوفر للدولة الممارسة لهذا النشاط جيشا من الخبراء والتقنيين البارعين المبدعين الذين يمكن أن يكونوا جاهزين وقادرين على الإدارة الناجحة لأي عمل تقني آخر. وإذا علمنا أن المحطة النووية تستوعب بطبيعة الحال جميع التخصصات العلمية والتقنية والفنية والإدارية، وأن العاملين فيها يستبدلون دوريا ومبكرا لحمايتهم من آثار الإشعاع.. فهذا يعني أن الدولة (النووية) تستطيع- بالاستفادة من هؤلاء الخبراء- أن تُحدث نقلة نوعية تقنية عظيمة في جميع المجالات، كما حدث في كل الدول النووية- وآخرها الهند التي كنا نسبقها ووصلت إلى القمر!. كما أن الاستخدام الناجح للتقنية النووية يؤدي بالتأكيد إلى فوائد اقتصادية عظيمة من خلال توفير مصدر رخيص ونظيف للطاقة، وتحلية مياه البحر بكميات وفيرة تشجع على زراعة الصحراء، وغير ذلك الكثير.
وفي الوقت الذي تستعد فيه الدولة لتأسيس برنامج نووي سلمي للاستفادة من هذه التقنية الواعدة؛ فقد كان ينبغي البدء بإنعاش الجهة المسئولة عن إعداد الكوادر البشرية اللازمة لإدارة هذا البرنامج وهي هيئة الطاقة الذرية بعد أن أصابها ما أصابها من شيخوخة وفساد إداري. وقبل أن نخوض في قليل من التفاصيل، وتبديدا للقلق ينبغي أن نطمئن كل من قلقوا وانزعجوا إلى أننا بخير، وأن المعدن المصري الأصيل موجود ويحتاج فقط إلى (جـِلاء) لإزالة التراب، فالنار كما يقولون تحت الرماد. والمشكلة التي واجهت عملية تأهيل الكوادر البشرية كان سببها طول فترة الانتظار واليأس من إمكانية تأسيس البرنامج النووي، فحدث ما هو متوقع من عمليات هجرة للخارج وانتقال إلى خارج هيئة الطاقة الذرية، بالإضافة إلى أعراض الشيخوخة الإدارية التي أصابت العديد من مؤسساتنا. فخلال العقدين الأخيرين تسرب شيء من الفساد الإداري إلى هيئة الطاقة الذرية، وأحاط عدد من المنتفعين والمتسلقين ببعض قياداتها، وأخذوا يوجهون القرارات لصالح بعض المنافع الشخصية مثل تعيين الأبناء والأقارب لدرجة أن وصل الطمع والجشع لدى بعضهم إلى تعيين أغلب أفراد العائلة، حتى من مضى على تخرجه عقود، بل وصل الأمر إلى تعيين طالبة راسبة في وظيفة (معيدة!). وأخطر ما حدث على الإطلاق كان عندما أُقرت اللائحة الجديدة للهيئة، فقد وُضعت هذه اللائحة بنيّة تأسيس كيان مؤسسي واسع، منظم وقوي ومتكامل، ولكنه كان هلاميا لأن العناصر البشرية التي كانت متوافرة وقتها لم تكن كافية لملء عشرات المواقع القيادية التي نشأت فجأة، فأسندت الكثير من المواقع إلى غلمان غير مؤهلين، وتحول الاتجاه العام من التنافس في إنجاز البحوث العلمية والحفاظ على المستوى العلمي الراقي لمصر إلى التنافس على (الكراسي). وقد أدى ذلك إلى زيادة النهم إلى المواقع القيادية فجلس بعضهم يخططون سرا (للمستقبل!)، وأحضروا تواريخ ميلاد كل أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم وأخذوا يلعبون لعبة الشطرنج في إفساح المجال للمقربين، وإن كانوا غير مؤهلين، وإبعاد الجادين الذين لا يجيدون فنون التسلق والزلفى.. ونظرا لأن الهيئة مؤسسة بحثية، والأولوية في الترقي تكون لمن ينجز بحوثا علمية أصيلة منشورة في مجلات معترف بها، كان لابد من عرقلة الباحثين الجادين لأنهم سوف يفسدون الخطة، وهذا يُعد من أخطر ما حدث للأسف في ظل سيطرة الغلمان على كثير من المواقع القيادية. في الماضي القريب كان يدير كل المواقع القيادية علماء أكفاء مشهورون عالميا، وكانوا يتبنون الشباب ويشجعونهم ويدفعون بعملية البحث العلمي إلى الأمام.. والآن يمكن أن تجد منصبا كبيرا في يد نكرات لم ينجزوا بحوثا، بل لم يشرفوا على رسائل علمية، ولم يُعلـّموا أحدا؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. وفي ظل هذا الواقع المؤلم كان لابد أن تسود السطحية، والتقليد، وسرقة البحوث، وإهدائها!.. الخ. كما ساد الإهمال الشديد في عهد رئيس الهيئة السابق- رغم أنه منح فرصة لم تمنح لأحد من قبله بالتجديد له ثلاث مرات بعد الستين!- حتى للمرافق والبنية التحتية.. ففي موقع انشاص الذي كان منارة علمية نفخر بها بدأ التدهور غير المسبوق؛ الطرق الأسفلتية مدمرة، الأشجار في طريقها للجفاف، القمامة متوافرة بالشوارع، طلاء الحوائط متساقط، المعامل مظلمة وأجهزتها شبه متوقفة؛ وفي الوقت نفسه كان هناك بذخ شديد في الإنفاق على موقع مدينة نصر، حيث إدارة الهيئة!.
في ظل هذا الواقع المؤلم لم يكن مستغربا أن تخلوا الهيئة من القيادات الجادة، لدرجة أن السيد وزير الكهرباء يواجه مشكلة كبيرة في العثور على قيادات كلما خلت بعض المواقع، ويضطر لتأخير إصدار القرارات، بل ويضطر للتجديد لقيادات بعد بلوغهم السن القانونية- كما أسلفنا. وعلى الرغم من ذلك؛ فلازال هناك الكثيرون من الجادين الذين لم يصيبهم اليأس ولا الإحباط، وأغلقوا معاملهم على أنفسهم، واجتهدوا في بحوثهم، وزهدوا في المواقع التي امتلأت بالغلمان.. وهذا ما يطمئننا إلى إمكانية الإصلاح السريع عند توافر النية، والقرار. وهؤلاء الجادون للأسف صوتهم غير مسموع، لأن (التوصيل رديء).
إننا بحاجة إلى بعض القرارات الجريئة لنفض الغبار عن هيئة الطاقة الذرية لتعود إلى وضعها الرائد قبل البدء في برنامجنا النووي الطموح.. وهذا أمر في غاية السهولة واليسر، لأننا لم نصل بعد إلى درجة اليأس.. وعندي من اليقين ما يؤكد قدرة ورغبة السيد وزير الكهرباء في إحداث هذا الإنجاز المهم، والأساسي، وعندها سوف نكون جاهزين تماما لإنجاز برنامج نووي طموح يغير من وضع مصر ويفتح أمامها أوسع الأبواب للتقدم العلمي والتقني في جميع المجالات. والله تعالى من وراء القصد.
abdallah_helal@hotmail.com
وفي الوقت الذي تستعد فيه الدولة لتأسيس برنامج نووي سلمي للاستفادة من هذه التقنية الواعدة؛ فقد كان ينبغي البدء بإنعاش الجهة المسئولة عن إعداد الكوادر البشرية اللازمة لإدارة هذا البرنامج وهي هيئة الطاقة الذرية بعد أن أصابها ما أصابها من شيخوخة وفساد إداري. وقبل أن نخوض في قليل من التفاصيل، وتبديدا للقلق ينبغي أن نطمئن كل من قلقوا وانزعجوا إلى أننا بخير، وأن المعدن المصري الأصيل موجود ويحتاج فقط إلى (جـِلاء) لإزالة التراب، فالنار كما يقولون تحت الرماد. والمشكلة التي واجهت عملية تأهيل الكوادر البشرية كان سببها طول فترة الانتظار واليأس من إمكانية تأسيس البرنامج النووي، فحدث ما هو متوقع من عمليات هجرة للخارج وانتقال إلى خارج هيئة الطاقة الذرية، بالإضافة إلى أعراض الشيخوخة الإدارية التي أصابت العديد من مؤسساتنا. فخلال العقدين الأخيرين تسرب شيء من الفساد الإداري إلى هيئة الطاقة الذرية، وأحاط عدد من المنتفعين والمتسلقين ببعض قياداتها، وأخذوا يوجهون القرارات لصالح بعض المنافع الشخصية مثل تعيين الأبناء والأقارب لدرجة أن وصل الطمع والجشع لدى بعضهم إلى تعيين أغلب أفراد العائلة، حتى من مضى على تخرجه عقود، بل وصل الأمر إلى تعيين طالبة راسبة في وظيفة (معيدة!). وأخطر ما حدث على الإطلاق كان عندما أُقرت اللائحة الجديدة للهيئة، فقد وُضعت هذه اللائحة بنيّة تأسيس كيان مؤسسي واسع، منظم وقوي ومتكامل، ولكنه كان هلاميا لأن العناصر البشرية التي كانت متوافرة وقتها لم تكن كافية لملء عشرات المواقع القيادية التي نشأت فجأة، فأسندت الكثير من المواقع إلى غلمان غير مؤهلين، وتحول الاتجاه العام من التنافس في إنجاز البحوث العلمية والحفاظ على المستوى العلمي الراقي لمصر إلى التنافس على (الكراسي). وقد أدى ذلك إلى زيادة النهم إلى المواقع القيادية فجلس بعضهم يخططون سرا (للمستقبل!)، وأحضروا تواريخ ميلاد كل أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم وأخذوا يلعبون لعبة الشطرنج في إفساح المجال للمقربين، وإن كانوا غير مؤهلين، وإبعاد الجادين الذين لا يجيدون فنون التسلق والزلفى.. ونظرا لأن الهيئة مؤسسة بحثية، والأولوية في الترقي تكون لمن ينجز بحوثا علمية أصيلة منشورة في مجلات معترف بها، كان لابد من عرقلة الباحثين الجادين لأنهم سوف يفسدون الخطة، وهذا يُعد من أخطر ما حدث للأسف في ظل سيطرة الغلمان على كثير من المواقع القيادية. في الماضي القريب كان يدير كل المواقع القيادية علماء أكفاء مشهورون عالميا، وكانوا يتبنون الشباب ويشجعونهم ويدفعون بعملية البحث العلمي إلى الأمام.. والآن يمكن أن تجد منصبا كبيرا في يد نكرات لم ينجزوا بحوثا، بل لم يشرفوا على رسائل علمية، ولم يُعلـّموا أحدا؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. وفي ظل هذا الواقع المؤلم كان لابد أن تسود السطحية، والتقليد، وسرقة البحوث، وإهدائها!.. الخ. كما ساد الإهمال الشديد في عهد رئيس الهيئة السابق- رغم أنه منح فرصة لم تمنح لأحد من قبله بالتجديد له ثلاث مرات بعد الستين!- حتى للمرافق والبنية التحتية.. ففي موقع انشاص الذي كان منارة علمية نفخر بها بدأ التدهور غير المسبوق؛ الطرق الأسفلتية مدمرة، الأشجار في طريقها للجفاف، القمامة متوافرة بالشوارع، طلاء الحوائط متساقط، المعامل مظلمة وأجهزتها شبه متوقفة؛ وفي الوقت نفسه كان هناك بذخ شديد في الإنفاق على موقع مدينة نصر، حيث إدارة الهيئة!.
في ظل هذا الواقع المؤلم لم يكن مستغربا أن تخلوا الهيئة من القيادات الجادة، لدرجة أن السيد وزير الكهرباء يواجه مشكلة كبيرة في العثور على قيادات كلما خلت بعض المواقع، ويضطر لتأخير إصدار القرارات، بل ويضطر للتجديد لقيادات بعد بلوغهم السن القانونية- كما أسلفنا. وعلى الرغم من ذلك؛ فلازال هناك الكثيرون من الجادين الذين لم يصيبهم اليأس ولا الإحباط، وأغلقوا معاملهم على أنفسهم، واجتهدوا في بحوثهم، وزهدوا في المواقع التي امتلأت بالغلمان.. وهذا ما يطمئننا إلى إمكانية الإصلاح السريع عند توافر النية، والقرار. وهؤلاء الجادون للأسف صوتهم غير مسموع، لأن (التوصيل رديء).
إننا بحاجة إلى بعض القرارات الجريئة لنفض الغبار عن هيئة الطاقة الذرية لتعود إلى وضعها الرائد قبل البدء في برنامجنا النووي الطموح.. وهذا أمر في غاية السهولة واليسر، لأننا لم نصل بعد إلى درجة اليأس.. وعندي من اليقين ما يؤكد قدرة ورغبة السيد وزير الكهرباء في إحداث هذا الإنجاز المهم، والأساسي، وعندها سوف نكون جاهزين تماما لإنجاز برنامج نووي طموح يغير من وضع مصر ويفتح أمامها أوسع الأبواب للتقدم العلمي والتقني في جميع المجالات. والله تعالى من وراء القصد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق