قضايا وآراء
الأهرام: الأربعاء 11 من شوال 1430 هـ، 30 سبتمبر 2009، السنة 133 العدد 44858
بقلم: د. عبدالله هلال
رئيس تحرير مجلة عالم الكيمياء
تواترت الأخبار التي تنبئ بصحوة نووية عربية "مفاجئة"، لا ندري أسبابها.. إذ أعلنت عدد من الدول العربية- أهمها مصر ودول مجلس التعاون الخليجي- عن مشروعات طموحة لإنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر؛ وهي برامج سلمية مهمة للتنمية الحقيقية والمستقلة، وحق طبيعي تأخر العرب كثيرا في الحصول عليه أو ممارسته. أما عن مصر؛ فقد سبق أن أعلنت مرارا عن استئناف العمل في برنامجها النووي السلمي.. وفي كل مرة يحدث تراجع مفاجئ لأسباب مختلفة، أغلبها خارجية. ونأمل ألا يحدث تراجع هذه المرة، فالمعاكسات الآن داخلية للأسف.. يقودها رجال أعمال أصابهم الطمع في أرض المشروع بموقع الضبعة، ونعتقد أن الضغوط الداخلية مقدور عليها- وكفانا الله شر الضغوط الخارجية- خصوصا وأن وزارة الكهرباء صامدة حتى الآن ولم ترضخ لرجال الأعمال "الواصلين" الذين يسيل لعابهم على الموقع الأفضل في مصر، طبقا للدراسات التي كلفتنا الملايين. والمشكلة الحقيقية بالطبع تأتي من الخارج.. من دول الغرب التي لا تريد لنا امتلاك تقنية متقدمة مفيدة للتنمية الحقيقية وتؤدي إلى التقدم في مجالات أخرى عديدة، وبالتالي منافـَسة العدو الصهيوني الذي لا يريدون لنا أن نتفوق عليه؛ وهذه الدول هي للأسف المُورِّد الرئيسي أو المحتكر لهذه التقنية.
ونعتقد أن الاختبار الحقيقي لمدى جدية الغرب في التعامل معنا في المسألة النووية سوف يتحقق من خلال سلوكه مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي ليس لديها ما يعرقل إتمام مشروعاتها النووية بسرعة.. خصوصا دولة الإمارات العربية المتحدة التي اتخذت خطوات إيجابية سريعة وجادة لبدء إنشاء أول محطة نووية كبيرة. فعلى الرغم من الوفرة النفطية الإماراتية، فقد أعربت قيادة الدولة عن رغبة قوية في تنويع مصادر الطاقة لديها بدلا من الاكتفاء بالطاقة التقليدية النفطية.. فضلا عن الاستثمار في الطاقة النووية، وهي دولة تمتاز بالذكاء في مجال الاستثمار. وكما جاء في تقرير واشنطن؛ فقد لاقت هذه الرغبة الإماراتية ترحيبًا من الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط لأن التعاون النووي الأمريكي- الإماراتي سيشكل فرصة لخلق وظائف للأمريكيين في حال توليهم بناء وتشغيل المحطات النووية الإماراتية، ولكنه سيعزز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين من جهة، ويؤكد تطوير برامج القوى النووية السلمية تحت الإشراف الدولي من جهة أخرى، بدلاً من هواجس انتشار برامج إنتاج الأسلحة النووية.
وعموما، فقبل أن تبدأ الإدارة الأمريكية بصورة قانونية في إمداد دولة أجنبية بالتقنية النووية السلمية؛ فإن عليها التوصل إلى اتفاق تعاون نووي مع هذه الدولة. وطبقا لنص المادة (123) من قانون الطاقة النووية لعام 1954؛ فإن على الدولة الأجنبية المستوردة لتقنية نووية أمريكية تقديم الضمانات الكفيلة بمنع استخدام تلك التقنية لأغراض عسكرية، بالإضافة إلى ضمانات أمنية لمنع انتقالها إلى أشخاص أو جماعات أو دول أخرى. وتحظر المادة (123) أيضا تخصيب أو إعادة تشغيل أو تبديل المواد النووية. وهذه المادة في حد ذاتها لا تسمح بنقل التقنية النووية السلمية وإمداداتها إلى الدول الأجنبية، ولكنها تقدم الإطار القانوني لعقود الشركات الأمريكية المشاركة في مشاريع التطوير النووي في دول أجنبية.. أي أن أية عملية تداول للمواد النووية لابد أن تمر من خلال مراجعة إضافية وفردية لظروف ووقت تصديرها. وقد قدم الرئيس الأمريكي طلبًا رسميًّا لمثل هذا الاتفاق مع الإمارات العربية.. ويدرس الكونجرس الأمريكي طلب الرئيس ومدى استيفائه لمتطلبات المادة 123. وعلى الرغم من توافر كافة متطلبات هذه المادة في الاتفاق إلا أن أمريكا هي أمريكا، خصوصا مع العرب.. إذ مازالت هناك بعض المخاوف لدى أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب!.
والهواجس الأمريكية ليست جديدة بالطبع؛ فمنذ سنوات الحرب الباردة وما شهدته من تنافس أمريكي- سوفيتي لتشييد أكبر مخزون من الأسلحة النووية.. والولايات المتحدة قلقة من مخاطر انتشار هذه الأسلحة، على الرغم من أنها الدولة الوحيدة التي استخدمتها ضد الإنسان. إذ يرى الأمريكيون أنه مع تزايد عدد الدول التي تمتلك قنابل نووية تتزايد احتمالية الحروب النووية. وقد أضيفت حاليًّا الجماعات التي تعتبرها واشنطن (إرهابية) وتشك في أنها تسعى أيضًا إلى امتلاك الأسلحة النووية- رغم صعوبة ذلك بالطبع. وعلى الرغم من العلاقات الجيدة بين الإمارات وأمريكا.. يتساءل كثيرون داخل الولايات المتحدة عما إذا كانت الإمارات هي الدولة المناسبة لمثل هذا التعاون النووي غير المسبوق؛ نظرا لعلاقاتها الطيبة والقوية مع جارتها إيران. فالإمارات تحافظ على علاقات اقتصادية جيدة مع إيران، المنبوذة أمريكيًّا- لأسباب نووية!. ومع تزايد تلك الهواجس لدى الكثيرين من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، حاولت وكيلة وزارة الخارجية لشئون السيطرة على التسلح والأمن الدولي، أمام لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي تبديد تلك المخاوف قائلة: إن لدى الإمارات سجلا قويًّا ومشرفا في التعاون ومكافحة (الإرهاب) ومنع الانتشار النووي في الآونة الأخيرة. فالإمارات من الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتشارك الولايات المتحدة في قيادة مبادرة أمن الانتشار، وتشديد الرقابة على الصادرات، والعمل الجاد لمكافحة غسل الأموال، وتمويل ما يسمى الإرهاب. ويدعو عدد كبير من أعضاء الكونجرس الأمريكي إلى ضرورة أن يضمن أي اتفاق تعاون بين البلدين آليات فاعلة وأكثر صرامة للمراقبة.
ولا شك أن هناك فوائد كثيرة لإبرام الاتفاق أيا كانت الضوابط، لأنه سيكون بمثابة نموذج لاتفاقات أخرى مع باقي دول منطقة الشرق العربي الساعية إلى امتلاك طاقة نووية سلمية.. هذا إن خلصت النوايا الأمريكية. ومثل هذا الاتفاق سيقلل من خطر انتشار الأسلحة النووية لاسيما مع وجود دول عربية أخرى مثل مصر والأردن، اللتان تؤكدان على حقهما في استخدام الطاقة النووية السلمية بوصفهما موقعتين على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وأنهما يفاوضان الولايات المتحدة على اتفاق مماثل، وبالتالي فمن الصعب حرمانهما من الحق في امتلاك التقنية النووية السلمية لإنتاج الكهرباء. أما ما يدعو إلى القلق من استمرار المحاولات الأمريكية لحرمان العرب من امتلاك التقنية النووية فهو أن مسألة الضمانات والضوابط لم تكن غائبة في التجارب العربية السابقة التي لم تكلل بالنجاح، رغم عدم الاعتراض العربي على هذه الضمانات أو التهرب منها. ويضاف إلى ذلك احتمالات عدم استفادة الشركات الأمريكية من الصفقات العربية الكبيرة القادمة، وهي دولة نفعية كما هو معروف. فهناك فرنسا، الدولة الرائدة في إنتاج الطاقة النووية السلمية، التي لم تغب عن الساحة وتتفاوض مع الإمارات حول اتفاق مماثل للتعاون النووي، وهناك أيضا دول أخرى تسعى إلى مثل هذا الاتفاق. وتخشى واشنطن من أنه حتى لو وافق الكونجرس على (اتفاق 123) فإنه ليس هناك ما يضمن أن الشركات الأمريكية هي التي ستتولى بناء وإدارة المنشآت النووية الإماراتية. وفي حقيقة الأمر فإنها ربما تخسر أمام الشركات الفرنسية التي لديها خبرة واسعة في مجال الطاقة النووية السلمية، فما يزيد عن 75% من الطاقة الفرنسية يأتي من محطات نووية. ولكن الولايات المتحدة- في الاتفاق النووي بين البلدين- حذفت أحكام التأمين.. ففي حين أن الشركات الفرنسية سوف تتولى الحماية في حال التعرض إلى حادث نووي، فإن الشركات الأمريكية ستضطر إلى التوصل إلى تسوية قانونية، وتعويض المتضررين. وطالما تفوق المخاطر المكاسب المحتملة فإن الشركات الأمريكية ستتردد قبل التوجه إلى منطقة الخليج العربي، وهو الأمر الذي يجعل أي اتفاق نووي أمريكي مع دولة عربية غير مجدٍ، أمريكيا!. ولكن لا شك أن عدم موافقة الكونجرس على اتفاق التعاون النووي الأمريكي- الإماراتي سوف يجعل فرص الشركات الأمريكية صفرًا في وقت تنهي دولة الإمارات اتفاق تعاون نووي مع فرنسا ودول أخرى.
وينبغي ألا يغيب عن المشهد العربي أن واشنطن لا يمكن- أو على الأقل يصعب عليها- أن تكون مخلصة تجاه الدول العربية بسبب وجود الكيان الصهيوني الذي أدى زرعه في قلب العالم العربي إلى تفرقة العرب وفرض التخلف عليهم. يجب على العرب أن يكونوا حذرين، وألا يضعوا البيْض كله في السلة الأمريكية.. فالدنيا واسعة، وهناك دول عديدة يمكن أن تساعد في نقل التقنية النووية للعرب دون اعتبار للتدخل الصهيوني. والأهم أن يحاول العرب الاعتماد على النفس فنحن لسنا أقل من شعوب دول نامية حديثة العهد بالتقنيات الحديثة مثل الهند وباكستان وإيران والأرجنتين.. الخ. وعلى الدول العربية التي لم تتمكن بعد من تكوين خبرات نووية وطنية الاستفادة من الخبرات العربية الموجودة في دول عربية أخرى، وكذلك الخبرات العربية المهاجرة؛ في أمريكا وكندا وغيرها. فالمحطات النووية تصعب إدارتها إدارة ناجحة ومستمرة دون وجود خبرات وطنية تعلم أنها تضحي بالجهد والعرق وربما بالصحة في سبيل الوطن أو الأمة، أما الخبراء الخواجات الذين يأتون إلى بلادنا كعابري سبيل للحصول على المال والسياحة المؤقتة، ويعلمون أن مستقبلهم الحقيقي في أوطانهم، فلا يصلحون للإدارة الدائمة والمخلصة لمحطات نووية تحتاج إلى جيش من الخبراء الدائمين. كما ينبغي الحذر كل الحذر من العدو الصهيوني الذي لا يريد لأية دولة عربية أن تتقدم في أي مجال علمي وتقني.. وكما هو معروف فعين الموساد الصهيوني الراصدة لكل العرب لا تنام، ولابد له أن يزرع جواسيسه من اليهود الذين يحملون جوازات سفر من دول الغرب، في كل المشروعات الكبيرة للرقابة الدائمة عليها، ومحاولة عرقلتها أو تقليل الجودة بها، أو حتى ضربها في الوقت المناسب. وهناك مشروعات نووية عربية لم تعمل مطلقا للأسف رغم ما أنفق عليها من مئات الملايين لأن الموساد الصهيوني كان حاضرا في كل خطوات دراسات الجدوى والتعاقد والإنشاء.. والكثير من العرب للأسف طيبون وحسنوا النية، ويسهل خداعهم، خصوصا عند غياب الخبرات الوطنية التي يجب أن يكون القرار النهائي بيدها.
وختاما.. ننبه العرب إلى أهمية التعاون العربي في هذا المجال، من خلال الهيئة العربية للطاقة الذرية التابعة للجامعة العربية، فالعلم والتقنية الحديثة يغري بالتعاون وتجنيب الخلافات السياسية. وبالطبع لن يرحب الخواجات (الذين يستشارون عادة في تنفيذ هذه المشروعات الضخمة) بالتعاون العربي.. لذا ينبغي الحذر والتفكير بروح استقلالية، وحساب المكاسب والخسائر المحتملة من التعاون العلمي العربي، وسوف يجد العرب أن عزهم ومجدهم وتقدمهم الاقتصادي والاجتماعي يكمن في التعاون في مثل هذه المجالات. ويظل السؤال مطروحا: هل يُسمح للعرب بدخول العصر النووي؟، أم يمضي القطار النووي سريعا دون توقف بالمحطات العربية؟!.. ونؤكد على أن الإجابة بيد العرب أنفسهم.
ونعتقد أن الاختبار الحقيقي لمدى جدية الغرب في التعامل معنا في المسألة النووية سوف يتحقق من خلال سلوكه مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي ليس لديها ما يعرقل إتمام مشروعاتها النووية بسرعة.. خصوصا دولة الإمارات العربية المتحدة التي اتخذت خطوات إيجابية سريعة وجادة لبدء إنشاء أول محطة نووية كبيرة. فعلى الرغم من الوفرة النفطية الإماراتية، فقد أعربت قيادة الدولة عن رغبة قوية في تنويع مصادر الطاقة لديها بدلا من الاكتفاء بالطاقة التقليدية النفطية.. فضلا عن الاستثمار في الطاقة النووية، وهي دولة تمتاز بالذكاء في مجال الاستثمار. وكما جاء في تقرير واشنطن؛ فقد لاقت هذه الرغبة الإماراتية ترحيبًا من الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط لأن التعاون النووي الأمريكي- الإماراتي سيشكل فرصة لخلق وظائف للأمريكيين في حال توليهم بناء وتشغيل المحطات النووية الإماراتية، ولكنه سيعزز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين من جهة، ويؤكد تطوير برامج القوى النووية السلمية تحت الإشراف الدولي من جهة أخرى، بدلاً من هواجس انتشار برامج إنتاج الأسلحة النووية.
وعموما، فقبل أن تبدأ الإدارة الأمريكية بصورة قانونية في إمداد دولة أجنبية بالتقنية النووية السلمية؛ فإن عليها التوصل إلى اتفاق تعاون نووي مع هذه الدولة. وطبقا لنص المادة (123) من قانون الطاقة النووية لعام 1954؛ فإن على الدولة الأجنبية المستوردة لتقنية نووية أمريكية تقديم الضمانات الكفيلة بمنع استخدام تلك التقنية لأغراض عسكرية، بالإضافة إلى ضمانات أمنية لمنع انتقالها إلى أشخاص أو جماعات أو دول أخرى. وتحظر المادة (123) أيضا تخصيب أو إعادة تشغيل أو تبديل المواد النووية. وهذه المادة في حد ذاتها لا تسمح بنقل التقنية النووية السلمية وإمداداتها إلى الدول الأجنبية، ولكنها تقدم الإطار القانوني لعقود الشركات الأمريكية المشاركة في مشاريع التطوير النووي في دول أجنبية.. أي أن أية عملية تداول للمواد النووية لابد أن تمر من خلال مراجعة إضافية وفردية لظروف ووقت تصديرها. وقد قدم الرئيس الأمريكي طلبًا رسميًّا لمثل هذا الاتفاق مع الإمارات العربية.. ويدرس الكونجرس الأمريكي طلب الرئيس ومدى استيفائه لمتطلبات المادة 123. وعلى الرغم من توافر كافة متطلبات هذه المادة في الاتفاق إلا أن أمريكا هي أمريكا، خصوصا مع العرب.. إذ مازالت هناك بعض المخاوف لدى أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب!.
والهواجس الأمريكية ليست جديدة بالطبع؛ فمنذ سنوات الحرب الباردة وما شهدته من تنافس أمريكي- سوفيتي لتشييد أكبر مخزون من الأسلحة النووية.. والولايات المتحدة قلقة من مخاطر انتشار هذه الأسلحة، على الرغم من أنها الدولة الوحيدة التي استخدمتها ضد الإنسان. إذ يرى الأمريكيون أنه مع تزايد عدد الدول التي تمتلك قنابل نووية تتزايد احتمالية الحروب النووية. وقد أضيفت حاليًّا الجماعات التي تعتبرها واشنطن (إرهابية) وتشك في أنها تسعى أيضًا إلى امتلاك الأسلحة النووية- رغم صعوبة ذلك بالطبع. وعلى الرغم من العلاقات الجيدة بين الإمارات وأمريكا.. يتساءل كثيرون داخل الولايات المتحدة عما إذا كانت الإمارات هي الدولة المناسبة لمثل هذا التعاون النووي غير المسبوق؛ نظرا لعلاقاتها الطيبة والقوية مع جارتها إيران. فالإمارات تحافظ على علاقات اقتصادية جيدة مع إيران، المنبوذة أمريكيًّا- لأسباب نووية!. ومع تزايد تلك الهواجس لدى الكثيرين من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، حاولت وكيلة وزارة الخارجية لشئون السيطرة على التسلح والأمن الدولي، أمام لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي تبديد تلك المخاوف قائلة: إن لدى الإمارات سجلا قويًّا ومشرفا في التعاون ومكافحة (الإرهاب) ومنع الانتشار النووي في الآونة الأخيرة. فالإمارات من الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتشارك الولايات المتحدة في قيادة مبادرة أمن الانتشار، وتشديد الرقابة على الصادرات، والعمل الجاد لمكافحة غسل الأموال، وتمويل ما يسمى الإرهاب. ويدعو عدد كبير من أعضاء الكونجرس الأمريكي إلى ضرورة أن يضمن أي اتفاق تعاون بين البلدين آليات فاعلة وأكثر صرامة للمراقبة.
ولا شك أن هناك فوائد كثيرة لإبرام الاتفاق أيا كانت الضوابط، لأنه سيكون بمثابة نموذج لاتفاقات أخرى مع باقي دول منطقة الشرق العربي الساعية إلى امتلاك طاقة نووية سلمية.. هذا إن خلصت النوايا الأمريكية. ومثل هذا الاتفاق سيقلل من خطر انتشار الأسلحة النووية لاسيما مع وجود دول عربية أخرى مثل مصر والأردن، اللتان تؤكدان على حقهما في استخدام الطاقة النووية السلمية بوصفهما موقعتين على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وأنهما يفاوضان الولايات المتحدة على اتفاق مماثل، وبالتالي فمن الصعب حرمانهما من الحق في امتلاك التقنية النووية السلمية لإنتاج الكهرباء. أما ما يدعو إلى القلق من استمرار المحاولات الأمريكية لحرمان العرب من امتلاك التقنية النووية فهو أن مسألة الضمانات والضوابط لم تكن غائبة في التجارب العربية السابقة التي لم تكلل بالنجاح، رغم عدم الاعتراض العربي على هذه الضمانات أو التهرب منها. ويضاف إلى ذلك احتمالات عدم استفادة الشركات الأمريكية من الصفقات العربية الكبيرة القادمة، وهي دولة نفعية كما هو معروف. فهناك فرنسا، الدولة الرائدة في إنتاج الطاقة النووية السلمية، التي لم تغب عن الساحة وتتفاوض مع الإمارات حول اتفاق مماثل للتعاون النووي، وهناك أيضا دول أخرى تسعى إلى مثل هذا الاتفاق. وتخشى واشنطن من أنه حتى لو وافق الكونجرس على (اتفاق 123) فإنه ليس هناك ما يضمن أن الشركات الأمريكية هي التي ستتولى بناء وإدارة المنشآت النووية الإماراتية. وفي حقيقة الأمر فإنها ربما تخسر أمام الشركات الفرنسية التي لديها خبرة واسعة في مجال الطاقة النووية السلمية، فما يزيد عن 75% من الطاقة الفرنسية يأتي من محطات نووية. ولكن الولايات المتحدة- في الاتفاق النووي بين البلدين- حذفت أحكام التأمين.. ففي حين أن الشركات الفرنسية سوف تتولى الحماية في حال التعرض إلى حادث نووي، فإن الشركات الأمريكية ستضطر إلى التوصل إلى تسوية قانونية، وتعويض المتضررين. وطالما تفوق المخاطر المكاسب المحتملة فإن الشركات الأمريكية ستتردد قبل التوجه إلى منطقة الخليج العربي، وهو الأمر الذي يجعل أي اتفاق نووي أمريكي مع دولة عربية غير مجدٍ، أمريكيا!. ولكن لا شك أن عدم موافقة الكونجرس على اتفاق التعاون النووي الأمريكي- الإماراتي سوف يجعل فرص الشركات الأمريكية صفرًا في وقت تنهي دولة الإمارات اتفاق تعاون نووي مع فرنسا ودول أخرى.
وينبغي ألا يغيب عن المشهد العربي أن واشنطن لا يمكن- أو على الأقل يصعب عليها- أن تكون مخلصة تجاه الدول العربية بسبب وجود الكيان الصهيوني الذي أدى زرعه في قلب العالم العربي إلى تفرقة العرب وفرض التخلف عليهم. يجب على العرب أن يكونوا حذرين، وألا يضعوا البيْض كله في السلة الأمريكية.. فالدنيا واسعة، وهناك دول عديدة يمكن أن تساعد في نقل التقنية النووية للعرب دون اعتبار للتدخل الصهيوني. والأهم أن يحاول العرب الاعتماد على النفس فنحن لسنا أقل من شعوب دول نامية حديثة العهد بالتقنيات الحديثة مثل الهند وباكستان وإيران والأرجنتين.. الخ. وعلى الدول العربية التي لم تتمكن بعد من تكوين خبرات نووية وطنية الاستفادة من الخبرات العربية الموجودة في دول عربية أخرى، وكذلك الخبرات العربية المهاجرة؛ في أمريكا وكندا وغيرها. فالمحطات النووية تصعب إدارتها إدارة ناجحة ومستمرة دون وجود خبرات وطنية تعلم أنها تضحي بالجهد والعرق وربما بالصحة في سبيل الوطن أو الأمة، أما الخبراء الخواجات الذين يأتون إلى بلادنا كعابري سبيل للحصول على المال والسياحة المؤقتة، ويعلمون أن مستقبلهم الحقيقي في أوطانهم، فلا يصلحون للإدارة الدائمة والمخلصة لمحطات نووية تحتاج إلى جيش من الخبراء الدائمين. كما ينبغي الحذر كل الحذر من العدو الصهيوني الذي لا يريد لأية دولة عربية أن تتقدم في أي مجال علمي وتقني.. وكما هو معروف فعين الموساد الصهيوني الراصدة لكل العرب لا تنام، ولابد له أن يزرع جواسيسه من اليهود الذين يحملون جوازات سفر من دول الغرب، في كل المشروعات الكبيرة للرقابة الدائمة عليها، ومحاولة عرقلتها أو تقليل الجودة بها، أو حتى ضربها في الوقت المناسب. وهناك مشروعات نووية عربية لم تعمل مطلقا للأسف رغم ما أنفق عليها من مئات الملايين لأن الموساد الصهيوني كان حاضرا في كل خطوات دراسات الجدوى والتعاقد والإنشاء.. والكثير من العرب للأسف طيبون وحسنوا النية، ويسهل خداعهم، خصوصا عند غياب الخبرات الوطنية التي يجب أن يكون القرار النهائي بيدها.
وختاما.. ننبه العرب إلى أهمية التعاون العربي في هذا المجال، من خلال الهيئة العربية للطاقة الذرية التابعة للجامعة العربية، فالعلم والتقنية الحديثة يغري بالتعاون وتجنيب الخلافات السياسية. وبالطبع لن يرحب الخواجات (الذين يستشارون عادة في تنفيذ هذه المشروعات الضخمة) بالتعاون العربي.. لذا ينبغي الحذر والتفكير بروح استقلالية، وحساب المكاسب والخسائر المحتملة من التعاون العلمي العربي، وسوف يجد العرب أن عزهم ومجدهم وتقدمهم الاقتصادي والاجتماعي يكمن في التعاون في مثل هذه المجالات. ويظل السؤال مطروحا: هل يُسمح للعرب بدخول العصر النووي؟، أم يمضي القطار النووي سريعا دون توقف بالمحطات العربية؟!.. ونؤكد على أن الإجابة بيد العرب أنفسهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق