العرب.. دخول جماعي إلى المصيدة!
فضحت المذابح الوحشية التي يديرها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، الموقف الأمريكي المشارك في الجريمة.. كما فضحت الموقف العربي الرسمي المشارك بالصمت والتخاذل. وبينما يتبين يومًا بعد يوم أن التورط في توقيع معاهدات مع هذا العدو اللئيم وإقامة علاقات معه هو بمثابة الدخول في مصيدة محكمة الإغلاق يستحيل الفرار منها مهما فعل العدو.. إلا أن العرب السذج، أو بالأحرى معدومي الإرادة، أبوا إلا أن يدخلوا المصيدة نفسها وبطريقة جماعية مهينة وفي وقت غير ملائم على الإطلاق.
فهل مبادرة الاستسلام العربية التي أقرتها القمة البائسة هي بالفعل مبادرة عربية؟ أم أنها مبادرة شارونية ألبسها السفاح بوش ثوبًا عربيًا؟.. وإذا كانت شارونية فلماذا رفضها المجرم شارون، ولماذا بصق في وجه القمة العربية على الملأ؟.. وكيف استطاع راعي البقر أن يجمع العرب- بحمائمهم وصقورهم! - على كلمة سواء لأول مرة، ولكن لصالح العدو؟!.. ولماذا عجز العرب عن الرد على تلك الوقاحة الصهيونية الأمريكية ولو بسحب هذه المبادرة الاستسلامية؟!!
الواقع أن العرب الآن (على المستوى الرسمي بالطبع) قد أصيبوا بحالة من «شلل الإرادة» أمام الحلف الصهيوني الأمريكي.. وكأنه نجح في تنويمهم مغنَطيسيًا، وبالتالي فقد جاءت الفرصة لإعادة تقسيم المنطقة والتخلص من أي مقاومة للمشروع الصهيوني. وظن راعي البقر أن الظروف ملائمة للتخلص من العراق ثم الاستدارة إلى إيران فسوريا ولبنان.. فأرسل الجنرال اللئيم زيني لتبريد الجبهة الفلسطينية لحين الانتهاء من العراق بعد إجراء مسرحية قرار مجلس الأمن بإنشاء «دولة فلسطينية».. وأرسل نائبه الوقح «تشيني» لتحذير الحكومات العربية من معارضة غزو العراق (بالكلام طبعًا) أو السماح لشعوبهم بالتظاهر ضد أمريكا. ولكن الثعلب شارون أبى إلا أن يستثمر الموقف لصالحه هو أولاً خوفًا من أي يقظة عربية أثناء ضرب العراق، وأصر على ذبح الشعب الفلسطيني والتخلص من السلطة وشرطتها وبنيتها التحتية لكي يتمكن من فرض مخططه الشيطاني دون معارضة فلسطينية.. فطلب من بوش تركه ليقوم بإخماد» الجبهة الفلسطينية» بدلاً من تبريدها، لتبدأ أكبر مذبحة بشرية عرفها التاريخ على مرأى ومسمع من العالم كله.. وبدلا من أن يقبل شارون بالمبادرة الاستسلامية التي صممها بنفسه فقد بصق في وجه القمة العربية وأهان كل الحكومات العربية لكي يثبت للشعب الفلسطيني أنه وحيد وليس له ظهر عربي أو إسلامي وأنه ليس أمامه إلا الاستسلام. وبدلاً من أن تتحرك الجيوش العربية لنصرة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة، تحركت جيوش قوات الأمن لقمع المتظاهرين في الدول العربية!
والشيء العجيب أن الحكومات العربية تعلم علم اليقين بمخططات الحلف الصهيوني الأمريكي، وتدرك أن الدور قادم عليها، ولكنها مشلولة الإرادة وتصر على الاستمرار في الحكم رغم هذا الفشل والعجز، وتقمع شعوبها المنادية بنصرة الشعب الفلسطيني.. مع أن هذا التحرك الشعبي الجبار الذي أرعب الطغاة كان يمكن أن يكون سندًا لهذه الحكومات لكي تتجرأ وتقول «لا». وعلى الرغم من كل ما يحدث في فلسطين السليبة، مازلنا نسمع عن «الخيار الاستراتيجي للسلام» الذي لن تكف عن ترديده الحكومات العربية حتى وإن دخل السفاح شارون إلى غرف نومهم!
وقد جاء الخطاب الوقح للرئيس الأمريكي ليؤكد مشاركته الفعلية في جريمة إبادة الشعب الفلسطيني ورغم قوله إن الجيش الإسرائيلي قضي أسبوعًا في اجتثاب الإرهاب الفلسطيني فقد قامت جريدة الأهرام بالتدليس على القراء وإظهار عناوين مخادعة تجمل صورته أمام الشعب المصري.. والنتيجة المحزنة أننا نترك الشعب الفلسطيني يموت أمامنا دون أن تهتز لنا شعرة!
. وزير التربية والتعليم كعادته لم يضيع الفرصة لإفساد التعليم لصالح السياسة وقرر وقف الدراسة بحجة الانتخابات، مع أن الانتخابات المزعومة تجرى في يوم واحد، وفي بعض المدارس وليس كلها.. وشمل ذلك المدارس الخاصة التي لا تجرى بها انتخابات.. وكل ذلك مفهوم لمنع التظاهر ثلاثة أيام حتى ينتهي شارون من مهمته.
. على الجماهير العربية أن تصعّد من جهادها لفضح التخاذل الرسمي، ويجب على العمال العرب الإضراب عن شحن وتفريغ الطائرات والسفن الصهيونية والأمريكية والأوربية، خصوصًا الناقلات النفطية.
. أحيانًا أشعر بأن الرجل الوحيد «في الوطن العربي» هو السيد حسن نصر اللّه - أمين عام حزب اللّه!.
د. عبد اللّه هلال
العدد 552 الخميس 28 من محرم 1423 هـ 11 من أبريل 2002م
لماذا يتبنى الخطاب الإعلامي العربي وجهة النظر الصهيونية؟.. ولماذا يحرص الساسة العرب على عدم إغضاب العدو وعلى ترديد المصطلحات المضللة التي يختارها بعناية ويطلقها في وسائل إعلامه لنرددها نحن كالببغاء؟!.
لقد لاحظت- على سبيل المثال- أن هناك حرصًا غريبًا ومريبًا على المطالبة بـ«دولة فلسطينية».. هكذا دون تحديد أي شيء، دولة نكرة لا يعرف أحد مواصفاتها أو حدودها أو حجمها أو صلاحياتها.. المهم أن تكون هناك دولة والسلام!، حتى وإن كانت دولة ورقية يمتلكها العدو ويتحكم في مداخلها ومخارجها وسياساتها ومصيرها. إننا ندرك أن حكومات هذا الزمن الرديء لن تجرؤ على المطالبة بـ«تحرير فلسطين»، ولكن لماذا لا نقول تحرير الأراضي المحتلة بدلاً من المصطلح النكرة (إقامة دولة فلسطينية)؟.. ولماذا لا يطالبون بالكثير لكي يحصلوا على القليل؟.. ألم يغير العدو جلده مرات عديدة ويبتلع الجديد لكي نطالب به وننسى القديم؟.. ألم تتناسى الحكومات العربية قرار التقسيم الذي صدر عن المنظمة الدولية - المنحازة للعدو في عام 1947 لتتشبث بالقرارين 242 و833، ثم تتناساهما وتتشبث باتفاقية أوسلو الهزيلة؟.. ماذا حصدت السياسات العربية المفرّطة غير صفعات شارون وإهاناته؟!.
ومن المصطلحات السيئة التي يحرص عليها الساسة العرب ووسائل إعلامهم عبارة (مشكلة الشرق الأوسط) بدلاً من القضية الفلسطينية أو مشكلة فلسطين.. فالعدو يتحاشى بالطبع ذكر كلمة فلسطين لكي ينسي العالم أن هناك دولة تسمى فلسطين وشعبًا فلسطينيًا يسعى لتحرير أرضه.. ولكن ما عذرنا نحن، وما أهدافنا من ترديد مصطلح الشرق الأوسط وإغفال فلسطين؟.
كذلك فإن إعلامنا يتجنب ذكر المقاومة الفلسطينية أو الجهاد الفلسطيني لتحرير الأراضي المحتلة ويردد المصطلح الرديء «تزايد العنف في الشرق الأوسط»!. أيضًا مازلنا نقول «عملية السلام» رغم الحرب الشرسة التي يديرها العدو ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
وعندما بدأت أمريكا (تفشُّ غًلّها) كالثور الهائج في الشعب الأفغاني المسكين، استخدم الإعلام الصهيوني عبارة «أولى حروب القرن» لكي يصرف النظر عن الحرب الحقيقية التي بدأ بها القرن الجديد في فلسطين.. وأسرع الإعلام العربي كالببغاء يردد هذه العبارة متناسيًا أن هناك حربًا نازية تستخدم فيها الدبابات والطائرات والصواريخ والقنابل العنقودية ضد مواطنين أبرياء لا يمتلكون سلاحًا للدفاع عن أنفسهم.. حرب قذرة يتعمد فيها العدو قتل الأطفال والنساء وهدم البيوت واغتيال القيادات السياسية، أليست هذه الحرب هي أولي حروب القرن؟!!.
. وهذه نصيحة أرجو أن تصل إلى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وأن يستمع إليها ويفكر فيها.. ذلك أنه يكثر من الابتسام والضحك في مقابلاته واجتماعاته رغم الدماء الغزيرة التي تنزف من قلوب شعبه ورغم مسيرة الشهداء اليومية، ولا ندري سر هذا الابتسام المفـْرط في زمن حزين يدعو إلى الكآبة؟. ألم تقرأ يا سيدي سيرة صلاح الدين الأيوبي، البطل الذي حرر القدس والذي كان يرفض أن يبتسم طالما بقيت القدس أسيرة؟. كما نرجو من الزعيم الفلسطيني أن يلغي هذه المراسم العجيبة التي يحرص عليها كلما زاره ضيف أو كلما زار هو دولة أخري، فالوقت وقت جهاد وحرب.. وليس وقت مظاهر فارغة واستعراض لحرس الشرف.
العدد 535 الخميس 14 من رمضان 1422هـ 29 من نوفمبر 2001م
لي صديق يهيم في حب مصر.. كلما رأيته أجده لا يمل من الحديث عن عظمة أرض الكنانة وإمكانات التفوق والتقدم والتحول إلى دولة عظمى.. ولهذا الصديق قدرة عجيبة على تخصيص جُل وقته لخدمة المجتمع مهما واجه من مصاعب.. ذات يوم وجدت صديقي مكتئبًا ويشعر بالغربة رغم وجوده داخل الوطن ووجود الوطن داخله.. إذا نظر إلى الشارع أحزنه المظهر العام من قذارة ومطبات وانسداد مروري.. وإذا ذهب إلى مصلحة حكومة اصطدم بالكسالى والمزوغين وطالبي الرشا (جمع رشوة).. وإذا نظر إلى صحيفة أو قناة تلفازية شعر بالهمًّ والحزن من الانهزامية والتدليس وتضخيم التفاهات... وإذا استذكر لأولاده دروسهم شعر بالدوار من القلق على مستقبل الوطن.
تسلح الصديق بالصبر وقاوم، ولكنه عندما شعر بأنه أصبح ضمن المستضعفين في الأرض ركبه القلق وتذكر قول الحق تبارك وتعالي: {ألم تكُن أرضُ اللهِ واسعة فتهاجروا فيها}؟ [النساء: 97].. وقرر قبول العمل في دولة شقيقة رغم أن وجوده في مصر يشبه وجود السمك في الماء، فرارًا بأولاده من تلوث الماء والهواء و الغذاء.. وبحثًا عن نظام تعليمي لا يخرب عُقول النشء.. وهربًا من الاكتئاب الذي يطارده كلما فكر في المواقف السياسية العجيبة للحكومة.
وعلى الرغم من تشجيع الحكومة للهجرة وترك الوطن لتستريح من مسئولية المهاجرين، فقد فوجئ الصديق بإجراءات عجيبة لا بد أن يقوم بها ليقتلع نفسه من حبيبته مصر.. «كعب داير» على المكاتب والمصالح الحكومية، وكأن الحكومة تقصد أن يكون آخر عهد المسافر بالوطن هذه البهدلة لكي يكره مصر ولا يعود مرة أخرى!. نظرت إلى الأوراق التي انتهى لتوه من اعتمادها من مكتب التصديقات فذهلت من كم الأختام والتوقيعات التي حجبت البيانات الأصلية في كل شهادة أو بيان.. أختام بعضها فوق بعض، لا ندري ماذا يميز «نسرًا» عن الآخر!. في إحدى الأوراق أحصيت أحد عشر ختمًا، منها خمسة أختام «للنسر الشريف». والعجيب أن بعض التوقيعات والاعتمادات لا بد للحصول عليها من زيارة معظم أحياء العاصمة، لا ندري لماذا لا يوضع نظام متحضر يقلل من هذا الكم الهائل من التوقيعات والاختام ويجمعها في مكان واحد أو أماكن متقاربة.. خصوصًا أن أغلب هذه الاعتمادات صورية ولا يوقع عليها المسئول المعني ولا يراها وإنما يتركها لموظف صغير لا يفعل شيئًا سوي وضع الختم مع توقيع غامض؟!.. على سبيل المثال لماذا يُعتمد بيان درجات تلميذ يبغي التحويل من سكرتير عام المحافظة؟، وهل يقوم هذا السكرتير بذلك العمل بنفسه؟.. أم أنها البيروقراطية والتخلف الإداري؟!!.
د. عبد اللّه هلال
العدد 575 الخميس 12 من رجب 1423هـ 19 من سبتمبر 2002م
نعمة المطر، التي يترقبها كل البشر ويُصلُّون من أجل دوامها وعدم انقطاعها تتحول في بلادنا إلى «نقمة» لأن حكومتنا لا تعرف رأسها من رجليها، ولا تدرك أولويات البلاد ولا مطالب العباد. فقد أدى هطول الأمطار لدقائق معدودة إلى تكوين البرك والبحيرات وجريان الأنهار في شوارع القاهرة مما أدى إلى تعطل السيارات وتوقف حركة المرور.. كالعادة كلما مرت سحابة فوق سماء العاصمة!.
وقد تعجبت من كمًّ المياه الحائرة التي لا تجد لها تصريفًا على الرغم من أن اللّه تعالى خلق لها قانون الجاذبية لكي تسير بمحض إرادتها إلى حيث تتجمع ويستفاد منها دون أن تتسكع وتتراكم وتصبح عبئًا على الناس.. هذا إن وُجدت حكومة تفهم أن رصف الشوارع في كل أنحاء الدنيا يتم بميول للاستفادة من قانون الجاذبية. وقد رأينا في كل بلاد اللّه (المتخلف منها والمتقدم) أن الأمطار الغزيرة، بل والسيول، تتساقط ليل نهار والناس تسير في الشوارع دون أن تبتل أحذيتهم لأن المياه تعرف طريقها إلى قنوات وترع تحملها إلى الحقول أو الأنهار. أما في قاهرة المعز، عاصمة «أم الدنيا»، فقد تجوَّلتُ في هذا اليوم بمنطقة مصر الجديدة (وليس القديمة!) لأجد حكومتنا السنية وقد غرقت في شبر ماء. في مطلع كوبري المطار بحيرة مياه أصابت التوصيلات الكهربية لسيارتين أغلقتا الكوبري.. في شارع المطار برك وبحيرات.. شارع النزهة تحول إلى مستنقع وهاجمت المياه الطافحة منه الشوارع الجانبية لتتحول الأخيرة إلى ترع تجري فيها المياه بسرعة وتمنع المرور.. أمام المحكمة السيارات توقفت بعد أن عجز قادتها عن اجتياز البحيرات، وعمال البلدية المساكين يحاولون إزاحة المياه بأدوات بدائية. وفي الأماكن (المهمة) جاءت السيارات لشفط المياه.. وكأنهم يُخرجون لسانهم لقانون الجاذبية!
منذ فترة قصيرة شاهدنا شركات المقاولات وهي تقوم بحفر الشوارع المهمة (مثل شارع المطار) لإنشاء شبكة تصريف مياه الأمطار.. ولا ندري أين هذه الشبكة؟.. وكيف تسلمها المسئولون بهذه الرداءة؟.. هل تم التحقيق مع أحد؟.. هل عوقب أحد؟.. هل توجد شبكة بالفعل؟!. ليتنا نجد من يرد علينا لأننا لم نلحظ سوى إضافة حفر ومطبات جديدة تضاف إلى البالوعات.. حيث لم يكلف المقاولون أنفسهم استخدام «الميزان» لكي تكون غرف تصريف الأمطار في مستوى أقل من الشارع.. بل إن أغلبها أعلى من الشارع!!
• ترى.. لماذا لا تؤمن الحكومة بقانون الجاذبية؟.. هل لأنه لم يصدر عن مجالسها المزورة؟!!
د. عبد اللّه هلال
العدد 542 الخميس 10من ذي القعدة 1422هـ 24 من يناير 2002م
لن أملّ من الحديث عن قضية النظافة العامة وتنبيه المسئولين إلى مواقع الخلل في نطاق مسئولياتهم.. فالنظافة ليست فقط مظهرًا حضاريًا، ولكنها قيمة إنسانية وآدمية في حد ذاتها.. والحفاظ عليها حفاظ على الصحة ووقاية من الأمراض، وفيها راحة نفسية للمواطنين، وتشجيع للسياحة.
وفي منطقة شبرا الخيمة تخرج من محطة مترو الأنفاق بنظافتها وجمالها (النسبي) لتفاجأ بأنك دخلت دولة أخرى تنتمي إلى العصور الحجرية.. حيث أكوام القمامة والأتربة والباعة المنتشرون دون نظام أو ذوق. وقد وصل الأمر إلى تكدس الأتربة فوق جسر (كوبري) المشاة ودرجات السلم، ولا أدري كيف يصعد التراب بهذه الوفرة إلى هذا الارتفاع؟. ووسط هذا الجو «المترب» تجد عشرات الباعة وقد تبوءوا الجسر وحولوه إلى سوق حقيقي يصعب السير في طرقاته.
وإذا عبرت هذا الجسر إلى محطة حافلات شبرا الخيمة تشعر أن الدنيا قد تحولت إلى شيء آخر لا يمت إلى الآدمية بصلة.. ضوضاء تخرق الأذن وتصيب بالصمم.. روائح كريهة.. قمامة وقاذورات تحجب الأرض تمامًا..... آسف، لا أستطيع أن أكمل الوصف!. لقد شعرت عندما مررت من هناك أن هذه المنطقة لا يمكن أن يكون قد رآها مسئول صغير أو كبير، إلا إذا كان الموظف الذي تتبعه لا يرى ولا يشم ولا يشعر بما حوله.. وليست السيد المحافظ يقوم فورًا بزيارة مفاجئة لهذه المنطقة، ولكنني أنصح سيادته بأن يصطحب معه سيارة إسعاف حفاظًا على حياته!.
د. عبد اللّه هلال
العدد 505 الخميس 9من صفر 1422هـ 3من مايو 2001م
في «ديربان» بجنوب إفريقيا حيث مؤتمر مكافحة العنصرية أثبتت المنظمات العربية غير الحكومية جدارتها وتفوقها على الوفود الحكومية المكبلة بالسياسات التابعة، واستطاعت هذه المنظمات أن تفضح العنصرية الصهيونية وأن تجبر العدو الصهيوني وذيله الأمريكي على الانسحاب من المؤتمر. وهذا النجاح العظيم هو نفسه النجاح «الشعبي» العربي في ميادين كثيرة عندما تتحرر المنظمات والجماعات من القيود الحكومية.. وأبرز الأمثلة: المنظمات الجهادية في فلسطين ولبنان، والنقابات المهنية في مصر.. وغير ذلك الكثير مما يثبت أن الإنسان العربي جدير بالنصر وجدير بالنهضة والتقدم إن وجد حريته، وأخذ فرصته في الإبداع وإعمال العقل.
وأخشي ما أخشاه أن يفشل العرب في استثمار هذا النجاح الذي تحقق في جنوب إفريقيا وأن يعودوا إلى الركون إلى الدعة والراحة معتبرين أنهم حققوا النصر، وانتهى الأمر. أكتب هذا الكلام ومجلس الجامعة العربية يستعد للانعقاد بعد ساعات، ويدي على قلبي لأن الجبل العربي كلما تمخض لا يلد إلا فأرًا ميتا للأسف. فآخر اجتماع عربي كانت نتائجه مضحكة حيث قرر وزراء الإعلام العرب مكافأة الغرب على انحيازه للعدو الصهيوني بصرف مليون دولار للدعاية للقضية الفلسطينية في وسائل إعلامهم!.
هل الدعاية للقضايا القومية والاستراتيجية تحتاج إلى الأموال أم تحتاج إلى المواقف الجريئة التي تجبر العالم كله على احترامنا والاعتراف بحقوقنا؟.. ألم تتعلم الحكومات العربية من أطفال فلسطين وشبابها الذين فرضوا قضيتهم العادلة على الدنيا كلها دون أن يدفعوا مليما واحدا لأي من وسائل الإعلام التي اضطرت إلى نشر وإظهار بطولاتهم؟
ليت الحكومات العربية تعلم أنها لو أنفقت ما في الأرض جميعا فإنها لن تستطيع أن تشتري احترام العالم لأن هذا الصنف لا يباع ولا يشترى، المطلوب من العرب هو الانتصار على الهوي والاقليمية والتبعية واتخاذ موقف جماعي صادق ولو مرة واحدة، اختلفوا كما شئتم في كل شيء ولكن نتوسل إليكم أن تتفقوا على سياسة خارجية واحدة في مواجهة حرب الإبادة التي تهددكم جميعا.. ألم تستمعوا إلى المثل الشعبي «أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب»؟.
لو علمت أمريكا - المرتمية في أحضان العدو الصهيوني- أن العرب ربما يغضبون ويتخذون موقفا منها لتراجعت عن هذا الانحياز الأعمى، ولو علم الاتحاد الأوروبي الذي ناصر العدو في مؤتمر ديربان وهدد بالانسحاب.. لو علم أن مصالحه الكثيرة في بلادنا مهددة لما فكر في ذلك. والسؤال الخطير المستخلص من هذه المواقف هو: كيف نجحت الدبلوماسية الصهيونية في حشد هؤلاء المؤيدين لها؟.. كيف يتفوق سفير صهيوني واحد في كل عاصمة أوروبية على اثنين وعشرين سفيرا عربيا؟!.. ماذا يفعل هؤلاء السفراء إذاً؟.. ولماذا لا تكون هناك مؤسسة عربية للتنسيق بين هذا العدد الغفير من السفراء لفعل شيء لصالح العرب وقضاياهم؟!
العدد 524 الخميس 25 من جمادى الاخرة 1422هـ 13 من سبتمبر 2001م
___________________________________
الثبات على المبدأ حتى الموت.. عبارة طالما سمعناها من المفكر الإسلامي الراحل الأستاذ عادل حسين. وقد طبق الفقيد على نفسه ما آمن به، فثبت على الحق كالجبل ولم تهزه الأعاصير عندما اجتمعت كل شياطين الدنيا- المحلية والدولية- عليه وعلى ما يمثله وما يدعو إليه.. فلم يقبل بأقل من الحق والعدل المطلق، ورفض المزايدات والألاعيب السياسية والمغريات جملة وتفصيلاً، وأجبر الطغاة على الظهور بوجوههم الحقيقية بعد أن نزع عنها أقنعة الزيف والتضليل.
وقد أثبت الشعب المصري الأصيل أن ما جاهد عادل حسين من أجله لم يضع هباءً، فتوافدت جموع المواطنين شيوخاً وشباباً لتلقي على جثمانه النظرة الأخيرة وتشارك في تشييعه إلى دار الحق والعدل.. داعين المولى تبارك وتعالى أن يعوضه في الآخرة عما لاقاه من ظلم في الدنيا.
أما الحكومة، فقد عبّرت كعادتها عن هشاشتها وفقدانها الثقة في نفسها.. فأرسلت آلاف الجنود وعشرات الضباط والمصفحات لتحرسه ميتاً في جامع عمر مكرم.. وكأنها تخشاه وهو ميت كخشيتها منه وهو حي، أو لعلهم ظنوا أنه ربما تعود إليه الروح، فيقود الجماهير الحزينة المتعطشة للحرية إلى حيث تنال حريتها وتدك معاقل الطغيان!. لم يكتفوا بالتضييق عليه في حياته وأبَوا إلاَّ أن يضيقوا عليه وعلى أحبابه في آخر لحظة له في ديناهم الفانية. كما لم يكتفوا «بالمشاركة» في الجنازة فلازموه خطوة بخطوة إلى القبر، وانتشروا في منطقة المقابر بشكل يوحي بأنهم في ميدان حرب.. ولم ينصروفوا إلا بعد أن تأكدوا أن القبر قد أُغلق عليه بإحكام، ولم يروا بالطبع روحه الطاهرة وهي تطل عليهم من علٍ وتسخر من سذاجتهم!
لفت نظري أن أحد الجنود يجفف دموعه ويكاد ينتحب.. فأقبلت عليه ورَبَّتُّ على كتفه وسألته: هل أنت حزين على عادل حسين؟.. فقال: إنني حزين لأنني لم أصلًّ الجمعة، ولا أدري إن كان قد تهرب من الإجابة خوفاً، أم أنه بالفعل يبكي ضياع الفريضة.. فكلا الموقفين محزنان ويؤديان إلى البكاء. وقد لاحظت أن طوابير الجنود وكثيرين من الضباط واقفون في موضع الاستعداد أثناء الصلاة، ولم يشاركوا في صلاة الجمعة.. وهي صلاة جامعة لابد من تأديتها مع الجماعة. وهذا أمر غريب وعجيب لأنه ليس هناك احتمال على الإطلاق أن تنقلب الصلاة إلى مظاهرة أو معركة.. والصلاة لا تسقط عن المسلم لأي عذر، حتى في الحرب حيث أمرنا الله تعالى بأداء صلاة الخوف. ترى هل هناك تعليمات بعدم المشاركة في الصلاة؟.. وهل هذا صواب يا فضيلة المفتي؟.. ومن المسئول عن ذلك؟.. ولمصلحة من؟!
إذا كان الخوف يلازم الحكومة حتى من المصلين، ومن الموتى.. فعليكم بصلاة الخوف. الخوف من الشعب!!.
د. عبد الله هلال
العدد 500 الخميس 27 من ذى الحجة 1412هـ - 22 من مارس 2001م
هزتني المصائب المباغتة التي سقطت على رءوس الشعب الأمريكي الذي عايشته أثناء دراستي بجامعة ولاية فلوريدا وأيقنت أنه شعب مسالم ودود، يختلف كليًا عن حكوماته المغرورة بقوتها ومنعة بلادها.. فقد صدّق الشعب المسكين أنهم في مأمن من أي عدوان عليهم حيث يحتمون بمحيطين كبيرين وترسانات هائلة من الأسلحة الفتاكة، وجيوش ومخابرات تنتشر في كل مكان بالداخل والخارج.. ولذلك فقد كانت الصدمة أكبر بكثير من الهجوم نفسه، ووجد الأمريكيون أنفسهم وجهًا لوجه مع الخوف والرعب والقلق الذي طالما صدرته حكوماتهم للأمم الأخرى وظنوا أنهم في مأمن منه.
لقد أدرك الأمريكيون أخيرًا أن الدنيا ليست ملكًا لهم، فهي «يوم لك ويوم عليك».. وأن التعايش مع الشعوب الأخرى بالحق والعدل هو السبيل للعيش الآمن في سلام. وعلى الرغم من اعتراف بعض الكتاب والساسة الغربيين بهذه الحقيقة، وتلميحهم إلى ضرورة أن تعيد واشنطن تقييم سياساتها الخارجية المنحازة دائمًا للباطل، فقد كان الموقف على الجبهة العربية كالعادة في غاية العجب، حيث تحولت الولايات المتحدة فجأة وفي غمضة عين إلى دولة صديقة ومظلومة من الإرهاب العالمي، ولم يذكر أحد أن هذا ثأر وانتقام من الطبيعي أن يحدث بعد أن صار أغلب سكان الكرة الأرضية لديهم ثأر قديم أو جديد في رقبة الحكومات الأمريكية. فقد تباري المساكين (العرب) في نفاق الحكومة الأمريكية وكأنهم أمريكيون أكثر من أمريكا، وكأنما يريدون أن يقولوا لها إنك على الحق ولا داعي لإعادة التفكير في سياساتك البريئة غير المنحازة!. يحدث هذا رغم أن جريدة الأهرام (الرسمية) الصادرة في اليوم نفسه الذي شهدت فيه أمريكا الجحيم (الثلاثاء 11 سبتمبر) كان عنوانها الرئيسي «واشنطن تجدد معارضتها إقامة مناطق عازلة في الأراضي الفلسطينية»، وكان رأي الأهرام بعنوان «الموقف يزداد تدهورًا وأمريكا لا تزال منحازة لإسرائيل»، وفي الصفحة الثامنة خبر عن مظاهرة شعبية عنوانه «احتجاجًا على انحياز أمريكا لإسرائيل».!!.
والشيء الأغرب أن المنافسة تتزايد بين أغلب الحكومات العربية لكي ينالها شرف الاشتراك في التحالف الدولي المزمع لمحاربة «الهواء» الذي يسمونه الإرهاب.. وكأن الذين هاجموا المواقع الاستراتيجية الأمريكية جيش معروفة مواقعه. وأغلب الظن أن المخابرات الأمريكية سوف تفشل في التوصل إلى الجهة التي خططت ونفذت هذا الهجوم المبهر، ولكنهم سوف يبحثون عن «شماعة» لإرضاء الشعب المخدوع، وبالطبع فإن الشماعة الأضعف والأقرب إلى خداع الأمريكيين بها هي العرب والمسلمون. فكيف نشارك أمريكا في ضرب إخواننا ظلمًا وعدوانًا؟!!
ألم يحدث أن هاجمت أمريكا السودان وأفغانستان ظلمًا لإقناع مواطنيها بأنها انتقمت لضرب سفارتيها؟. أليس من الأفضل (لنا وللشعب الأمريكي) أن نصارح الحكومة الأمريكية بأن ما حدث لها هو رد فعل طبيعي لسياساتها المنحازة للعدو الصهيوني؟.. ماذا لو أن هذا الهجوم الجريء وقع في الهند مثلاً أو كوريا، هل هذا «التباكي» كان سوف يحدث؟.. أم أنه النفاق؟!
د. عبد اللّه هلال
العدد 525 الخميس 3 من رجب 1422هـ 20 من سبتمبر 2001 م
وكأن الشعب المصري على موعد مع الحزن والألم في يوم البهجة والفرحة، ليأتي العيد حزينًا كئيبًا.. اللطمات والحرق والقتل تنهال علينا من كل صوب، وفي وقت واحد: المجرمون الصهاينة يحرقون ويقتلون المدنيين العزل في العيد دون أن يلومهم أحد.. والإهمال الحكومي يحرق فلذات أكبادنا من المواطنين الفقراء ويغتال فرحة العرائس ليلة عرسهن ويحول العيد والفرح إلى مأتم كبير.. والمتعصبون الهندوس يحرقون المسلمين جهارًا نهارًا دون «كلمة عتاب» من أي دولة إسلامية!.
أما عن قطار الموت، وكالعادة في كل كارثة، فقد سارعت الحكومة باتهام الركاب وإدانة الضحايا المساكين على لسان رئيس الوزراء، وعلى لسان الوزير المضحى به والذي قال ماذا نفعل والركاب يسرقون الطفايات والمواطنون يحطمون زجاج النوافذ بالطوب؟!!.. وكأن الحكومة «المسكينة» التي تدعي أجهزتها أنها تعرف «دبة النملة» لا تملك من الصلاحيات والسلطة ما يمكنها من فرض القانون على الجميع!!. والحكاية بالتأكيد هي الشيخوخة وهشاشة العظام التي تمكنت من الجهاز الإداري للدولة وأصابته بالشلل والوهن وفقدان الذاكرة بحيث لم يعد هناك جدوى ولا فائدة من عمليات الترقيع التي تضطر إليها الحكومة كلما وقعت كارثة.
وعلى الرغم من هول كارثة القطار المحترق ودلالاتها، فهي ليست الكارثة الأولى ولن تكون الأخيرة.. ولولا ارتفاع حجم الضحايا وبشاعة المشهد لأمكن للحكومة وآلتها الإعلامية التغطية على الموضوع. ونعتقد أن كل يوم تقريبًا يشهد حوادث مشابهة لنفس الأسباب وربما بنفس الأعداد، ولكنها حوادث متفرقة تتوزع دماء أصحابها بين القبائل، ولا تجد من يجمعها في جدول واحد. وقد دخل بنا الخُبث الحكومي في متاهات أسباب اندلاع الحريق وهل هو الماس الكهربائي أم أسطوانة الغاز.. وكلها أسباب تدين الحكومة العاجزة، ولكن أيًا كان السبب- ومعظم النار من مستصغر الشرر- فالمشكلة الأساسية هي انعدام وسائل الأمان والوقاية وكذلك وسائل النجدة.. ولا يختلف هذا القطار المحترق عن غيره من القطارات، فكلها تعاني آفة الإهمال وكلها معرضة لنفس المصير. وبنظرة سريعة على الحوادث التي وقعت خلال أسبوع العيد الحزين وحده يتبين لنا مدى وخطورة ما آل إليه الجهاز الحكومي المشلول.. فقبل يوم من كارثة القطار داهم مترو مدينة نصر الآمنين العابرين للمزلقان ليسحق سيارتين بركابهما، واحترقت عربة في قطار الشرقية ولولا لطف الله لتكررت كارثة قطار الصعيد، وانهارت ثلاثة منازل فوق رءوس الشعب المسكين في دمياط والمحلة الكبري والمنصورة في ثلاثة أيام متتالية.. ودفنت العرائس ليلة عرسهن تحت الأنقاض، هذا غير حوادث الطرق المعتادة والتي وصلنا فيها إلى المرتبة الأولى على مستوى العالم!. وهكذا صرنا ضحايا العجز الحكومي.. فلا الحكومة قادرة على أداء واجبها في تأمين حياة الشعب ومنع الكوارث، ولا هي مستعدة لأي طارئ!. وفي العالم كله هناك استعداد دائم لمواجهة الحوادث الطارئة.. هناك اختبارات دورية على أجهزة السلامة والأمان.. هناك حوادث وحرائق وهمية لتدريب الناس على كيفية التصرف عند اللزوم.. هناك قيادات مدربة وعيون ساهرة متحفزة لسرعة التحرك واستباق الحدث، ونحن للأسف ليس لدينا شيء من ذلك!.
- أتذكرون كارثة الباخرة «سالم إكسبريس»؟.. هل تغير شيء من «الحال المائل» لهذه البواخر؟.. هل هناك ما يمنع من تكرار هذه الحادثة؟.. أتحدي أن يكون هناك أي تغيير!
- هل تذكرون حافلة المعتمرين التي احترقت بالأردن ولم ينج منها أحد؟.. هل هناك أي إجراء لمنع تكرار الكارثة؟!
- أتذكرون حريق برج المعادي عندما «اكتشفت» الحكومة أنها ليس لديها سلالم تناسب هذا الارتفاع؟!.. وهل لديها الآن شيء؟.. أشك!
- هل تذكرون عندما أطاحت الرياح الشديدة بلوحات الإعلانات لتسقط على رءوس المساكين وتحطم السيارات وتقتل وتصيب الآمنين؟.. لقد ظلمتم القضاء والقدر، ولم تفكروا لحظة واحدة في تأمين الناس رغم سهولة ذلك!
- وفي ظل هذا العجز الكامل هل هناك ما يمنع من حدوث كارثة أكبر في مترو الأنفاق مثلاً أو نفق الأزهر؟.. لا تقولوا هناك أجهزة مراقبة، فالمشكلة في البشر الذين يتعاملون مع الأجهزة.. ولا ينبغي الانتظار حتى تداهمنا الحوادث، بل يجب أن نكون مدربين على حوادث وهمية.
- هل أجهزة الإطفاء القليلة الموجودة في بعض الحافلات ومواقع العمل صالحة ومجربة؟.. هل هناك في كل وقت من يستطيع استخدامها؟.. هل يعرف أصحاب السيارات الخاصة كيف يستخدمون الطفايات المهملة في سياراتهم؟.. أشك!
- هل فكر أحد في احتمال سقوط طائرة (لا قدر الله) فوق مئات السيارات الموجودة دائمًا عند عنق الزجاجة بجوار المطار؟!.. لماذا نضع البيض كله في سلة واحدة وننام مطمئنين؟!
العدد 547 الخميس 23 من ذي الحجة 1422هـ 7 من مارس 2002م
«تحية إلى قناة الجزيرة».. كان عنوان أول مقال لي بجريدة «آفاق عربية»، والذي نشر في 7 يناير 1999، وعندما طالع القراء هذا المقال في ذلك الوقت لم تكن القنوات الفضائية قد انتشرت مثل هذه الأيام.. ذلك أن المشاهدين لم يكونوا يتصورون أن هناك فرقًا بين أية قناة عربية وأخرى حيث استسلم الجميع للإذاعات والقنوات الموجهة رغم ما بها من سموم مخبأة داخل العسل. ولذلك فقد كان رد الفعل لدى قراءة ما كتبت عن قناة الجزيرة يتسم بالتعجب وعدم التصديق!. وقد حدث ما توقعت وبدأ الناس يتسابقون في شراء أطباق الارسال الفضائي سعيا إلى الحصول على الخدمة الإعلامية المحايدة الخالية من النفاق والطبل والزمر الذي تقتصر عليه القنوات المعبرة عن الطغاة والمستبدين. وقد أثبتت قناة الجزيرة من خلال تغطيتها لأحداث الهجوم المباغت على أمريكا وما تلاه من استقواء أمريكي على الشعب الأفغاني وعلى أغلب الحكومات العربية والإسلامية.. أثبتت أن العرب لهم صوت وأن لديهم ما يفخرون به.. لدرجة أنها أزعجت الحلف الأمريكي الصهيوني الذي دأب على احتكار الإعلام العالمي، والذي تخلى عن تظاهره باحترام الرأي والرأي الآخر وأخذ يهاجم القناة الفتية الصادقة، ويضيق عليها، ويحاول حصارها.. ولم يكن الهجوم الحقير بالطائرات على مكتبها في كابول إلا تعبيرا صادقا عن رأيهم الحقيقي في حرية الرأي عندما تتعلق بشعوب غير شعوبهم. وقد وصل الأمر إلى التفكير الأمريكي في بث قناة منافسة للجزيرة.. ولكن هيهات!.
والحقيقة أن الشيء الوحيد الايجابي على الساحة السياسية العربية في هذه الأيام الحالكة التي نتلقي فيها الصفعات ونُمنع حتى من الاحتجاج، كان هو وجود تلك القناة التي صار اسمها يتردد على لسان الشعوب الغربية قبل العربية عند متابعة أنباء الحملة الإجرامية على أفغانستان، ونظن أنه لولاها لما كان هناك ذكر للعرب إلا فيما يبثه الأعداء من افتراءات.
وإذ نجدد التحية إلى قناة الجزيرة وإدارتها وكل من يعمل بها.. نرجو من القائمين عليها التفكير في امكانية استثمار هذه الثقة وتلك الشهرة والمصداقية لدى الغرب ببث ارسال إضافي باللغة الإنجليزية، سواء كقناة مستقلة، أو كجزء من ارسال القناة العربية الحالية. فأمتنا الآن في مهب الريح وهي أحوج ما تكون إلى توصيل كلمة حق عنها إلى هؤلاء المخدوعين الذين يحتكرهم الإعلام الصهيوني. وهذه الفكرة مطروحة الآن في أروقة الجامعة العربية وغيرها، ولكن لا نظن أن الواقع العربي الأليم سوف يسمح بشيء من ذلك على المستوى الرسمي، فالعروبة اليوم ليس لها صاحب، والإسلام ليس له دولة.. وكلنا يقذف بالمسئولية على الآخر.. كما أن الخبرة الإعلامية العربية في وضعها الراهن لا تبشر بأي خير.. وطالما أن «الجزيرة» هي الأمل الوحيد من الناحية الواقعية فنرجو أن تتقبلوا هذه المسئولية القومية والدينية.
ولديّ أيضا اقتراح بإذاعة نتائج الاستفتاءات المعبرة التي تجرى على موقع الجزيرة بشبكة الانترنت بنشرات الأخبار حتى تعم الفائدة.. وأخيرا نرجو منكم عدم وضع اسم الدولة العبرية في تبويب الأخبار بالشبكة مع أوروبا (أوروبا وإسرائيل!)، فأين هذه الدويلة الحقيرة من أوروبا؟.. إنها في الواقع محتل لأرض عربية وبالتالي فهي يجب أن تصنف كنقطة سوداء على الخريطة العربية وليس كجزء من أوروبا!.
العدد 540 الخميس 26 من شوال 1422هـ ،10 من يناير 2002م
فهل مبادرة الاستسلام العربية التي أقرتها القمة البائسة هي بالفعل مبادرة عربية؟ أم أنها مبادرة شارونية ألبسها السفاح بوش ثوبًا عربيًا؟.. وإذا كانت شارونية فلماذا رفضها المجرم شارون، ولماذا بصق في وجه القمة العربية على الملأ؟.. وكيف استطاع راعي البقر أن يجمع العرب- بحمائمهم وصقورهم! - على كلمة سواء لأول مرة، ولكن لصالح العدو؟!.. ولماذا عجز العرب عن الرد على تلك الوقاحة الصهيونية الأمريكية ولو بسحب هذه المبادرة الاستسلامية؟!!
الواقع أن العرب الآن (على المستوى الرسمي بالطبع) قد أصيبوا بحالة من «شلل الإرادة» أمام الحلف الصهيوني الأمريكي.. وكأنه نجح في تنويمهم مغنَطيسيًا، وبالتالي فقد جاءت الفرصة لإعادة تقسيم المنطقة والتخلص من أي مقاومة للمشروع الصهيوني. وظن راعي البقر أن الظروف ملائمة للتخلص من العراق ثم الاستدارة إلى إيران فسوريا ولبنان.. فأرسل الجنرال اللئيم زيني لتبريد الجبهة الفلسطينية لحين الانتهاء من العراق بعد إجراء مسرحية قرار مجلس الأمن بإنشاء «دولة فلسطينية».. وأرسل نائبه الوقح «تشيني» لتحذير الحكومات العربية من معارضة غزو العراق (بالكلام طبعًا) أو السماح لشعوبهم بالتظاهر ضد أمريكا. ولكن الثعلب شارون أبى إلا أن يستثمر الموقف لصالحه هو أولاً خوفًا من أي يقظة عربية أثناء ضرب العراق، وأصر على ذبح الشعب الفلسطيني والتخلص من السلطة وشرطتها وبنيتها التحتية لكي يتمكن من فرض مخططه الشيطاني دون معارضة فلسطينية.. فطلب من بوش تركه ليقوم بإخماد» الجبهة الفلسطينية» بدلاً من تبريدها، لتبدأ أكبر مذبحة بشرية عرفها التاريخ على مرأى ومسمع من العالم كله.. وبدلا من أن يقبل شارون بالمبادرة الاستسلامية التي صممها بنفسه فقد بصق في وجه القمة العربية وأهان كل الحكومات العربية لكي يثبت للشعب الفلسطيني أنه وحيد وليس له ظهر عربي أو إسلامي وأنه ليس أمامه إلا الاستسلام. وبدلاً من أن تتحرك الجيوش العربية لنصرة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة، تحركت جيوش قوات الأمن لقمع المتظاهرين في الدول العربية!
والشيء العجيب أن الحكومات العربية تعلم علم اليقين بمخططات الحلف الصهيوني الأمريكي، وتدرك أن الدور قادم عليها، ولكنها مشلولة الإرادة وتصر على الاستمرار في الحكم رغم هذا الفشل والعجز، وتقمع شعوبها المنادية بنصرة الشعب الفلسطيني.. مع أن هذا التحرك الشعبي الجبار الذي أرعب الطغاة كان يمكن أن يكون سندًا لهذه الحكومات لكي تتجرأ وتقول «لا». وعلى الرغم من كل ما يحدث في فلسطين السليبة، مازلنا نسمع عن «الخيار الاستراتيجي للسلام» الذي لن تكف عن ترديده الحكومات العربية حتى وإن دخل السفاح شارون إلى غرف نومهم!
وقد جاء الخطاب الوقح للرئيس الأمريكي ليؤكد مشاركته الفعلية في جريمة إبادة الشعب الفلسطيني ورغم قوله إن الجيش الإسرائيلي قضي أسبوعًا في اجتثاب الإرهاب الفلسطيني فقد قامت جريدة الأهرام بالتدليس على القراء وإظهار عناوين مخادعة تجمل صورته أمام الشعب المصري.. والنتيجة المحزنة أننا نترك الشعب الفلسطيني يموت أمامنا دون أن تهتز لنا شعرة!
. وزير التربية والتعليم كعادته لم يضيع الفرصة لإفساد التعليم لصالح السياسة وقرر وقف الدراسة بحجة الانتخابات، مع أن الانتخابات المزعومة تجرى في يوم واحد، وفي بعض المدارس وليس كلها.. وشمل ذلك المدارس الخاصة التي لا تجرى بها انتخابات.. وكل ذلك مفهوم لمنع التظاهر ثلاثة أيام حتى ينتهي شارون من مهمته.
. على الجماهير العربية أن تصعّد من جهادها لفضح التخاذل الرسمي، ويجب على العمال العرب الإضراب عن شحن وتفريغ الطائرات والسفن الصهيونية والأمريكية والأوربية، خصوصًا الناقلات النفطية.
. أحيانًا أشعر بأن الرجل الوحيد «في الوطن العربي» هو السيد حسن نصر اللّه - أمين عام حزب اللّه!.
د. عبد اللّه هلال
العدد 552 الخميس 28 من محرم 1423 هـ 11 من أبريل 2002م
_________________________________
دولة فلسطينية!!
لماذا يتبنى الخطاب الإعلامي العربي وجهة النظر الصهيونية؟.. ولماذا يحرص الساسة العرب على عدم إغضاب العدو وعلى ترديد المصطلحات المضللة التي يختارها بعناية ويطلقها في وسائل إعلامه لنرددها نحن كالببغاء؟!.
لقد لاحظت- على سبيل المثال- أن هناك حرصًا غريبًا ومريبًا على المطالبة بـ«دولة فلسطينية».. هكذا دون تحديد أي شيء، دولة نكرة لا يعرف أحد مواصفاتها أو حدودها أو حجمها أو صلاحياتها.. المهم أن تكون هناك دولة والسلام!، حتى وإن كانت دولة ورقية يمتلكها العدو ويتحكم في مداخلها ومخارجها وسياساتها ومصيرها. إننا ندرك أن حكومات هذا الزمن الرديء لن تجرؤ على المطالبة بـ«تحرير فلسطين»، ولكن لماذا لا نقول تحرير الأراضي المحتلة بدلاً من المصطلح النكرة (إقامة دولة فلسطينية)؟.. ولماذا لا يطالبون بالكثير لكي يحصلوا على القليل؟.. ألم يغير العدو جلده مرات عديدة ويبتلع الجديد لكي نطالب به وننسى القديم؟.. ألم تتناسى الحكومات العربية قرار التقسيم الذي صدر عن المنظمة الدولية - المنحازة للعدو في عام 1947 لتتشبث بالقرارين 242 و833، ثم تتناساهما وتتشبث باتفاقية أوسلو الهزيلة؟.. ماذا حصدت السياسات العربية المفرّطة غير صفعات شارون وإهاناته؟!.
ومن المصطلحات السيئة التي يحرص عليها الساسة العرب ووسائل إعلامهم عبارة (مشكلة الشرق الأوسط) بدلاً من القضية الفلسطينية أو مشكلة فلسطين.. فالعدو يتحاشى بالطبع ذكر كلمة فلسطين لكي ينسي العالم أن هناك دولة تسمى فلسطين وشعبًا فلسطينيًا يسعى لتحرير أرضه.. ولكن ما عذرنا نحن، وما أهدافنا من ترديد مصطلح الشرق الأوسط وإغفال فلسطين؟.
كذلك فإن إعلامنا يتجنب ذكر المقاومة الفلسطينية أو الجهاد الفلسطيني لتحرير الأراضي المحتلة ويردد المصطلح الرديء «تزايد العنف في الشرق الأوسط»!. أيضًا مازلنا نقول «عملية السلام» رغم الحرب الشرسة التي يديرها العدو ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
وعندما بدأت أمريكا (تفشُّ غًلّها) كالثور الهائج في الشعب الأفغاني المسكين، استخدم الإعلام الصهيوني عبارة «أولى حروب القرن» لكي يصرف النظر عن الحرب الحقيقية التي بدأ بها القرن الجديد في فلسطين.. وأسرع الإعلام العربي كالببغاء يردد هذه العبارة متناسيًا أن هناك حربًا نازية تستخدم فيها الدبابات والطائرات والصواريخ والقنابل العنقودية ضد مواطنين أبرياء لا يمتلكون سلاحًا للدفاع عن أنفسهم.. حرب قذرة يتعمد فيها العدو قتل الأطفال والنساء وهدم البيوت واغتيال القيادات السياسية، أليست هذه الحرب هي أولي حروب القرن؟!!.
. وهذه نصيحة أرجو أن تصل إلى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وأن يستمع إليها ويفكر فيها.. ذلك أنه يكثر من الابتسام والضحك في مقابلاته واجتماعاته رغم الدماء الغزيرة التي تنزف من قلوب شعبه ورغم مسيرة الشهداء اليومية، ولا ندري سر هذا الابتسام المفـْرط في زمن حزين يدعو إلى الكآبة؟. ألم تقرأ يا سيدي سيرة صلاح الدين الأيوبي، البطل الذي حرر القدس والذي كان يرفض أن يبتسم طالما بقيت القدس أسيرة؟. كما نرجو من الزعيم الفلسطيني أن يلغي هذه المراسم العجيبة التي يحرص عليها كلما زاره ضيف أو كلما زار هو دولة أخري، فالوقت وقت جهاد وحرب.. وليس وقت مظاهر فارغة واستعراض لحرس الشرف.
- فلسطين .. لا تحزني، فقد أنجبت ألف صلاح الدين.
العدد 535 الخميس 14 من رمضان 1422هـ 29 من نوفمبر 2001م
___________________________________
رفقًا بالمصريين المسافرين
لي صديق يهيم في حب مصر.. كلما رأيته أجده لا يمل من الحديث عن عظمة أرض الكنانة وإمكانات التفوق والتقدم والتحول إلى دولة عظمى.. ولهذا الصديق قدرة عجيبة على تخصيص جُل وقته لخدمة المجتمع مهما واجه من مصاعب.. ذات يوم وجدت صديقي مكتئبًا ويشعر بالغربة رغم وجوده داخل الوطن ووجود الوطن داخله.. إذا نظر إلى الشارع أحزنه المظهر العام من قذارة ومطبات وانسداد مروري.. وإذا ذهب إلى مصلحة حكومة اصطدم بالكسالى والمزوغين وطالبي الرشا (جمع رشوة).. وإذا نظر إلى صحيفة أو قناة تلفازية شعر بالهمًّ والحزن من الانهزامية والتدليس وتضخيم التفاهات... وإذا استذكر لأولاده دروسهم شعر بالدوار من القلق على مستقبل الوطن.
تسلح الصديق بالصبر وقاوم، ولكنه عندما شعر بأنه أصبح ضمن المستضعفين في الأرض ركبه القلق وتذكر قول الحق تبارك وتعالي: {ألم تكُن أرضُ اللهِ واسعة فتهاجروا فيها}؟ [النساء: 97].. وقرر قبول العمل في دولة شقيقة رغم أن وجوده في مصر يشبه وجود السمك في الماء، فرارًا بأولاده من تلوث الماء والهواء و الغذاء.. وبحثًا عن نظام تعليمي لا يخرب عُقول النشء.. وهربًا من الاكتئاب الذي يطارده كلما فكر في المواقف السياسية العجيبة للحكومة.
وعلى الرغم من تشجيع الحكومة للهجرة وترك الوطن لتستريح من مسئولية المهاجرين، فقد فوجئ الصديق بإجراءات عجيبة لا بد أن يقوم بها ليقتلع نفسه من حبيبته مصر.. «كعب داير» على المكاتب والمصالح الحكومية، وكأن الحكومة تقصد أن يكون آخر عهد المسافر بالوطن هذه البهدلة لكي يكره مصر ولا يعود مرة أخرى!. نظرت إلى الأوراق التي انتهى لتوه من اعتمادها من مكتب التصديقات فذهلت من كم الأختام والتوقيعات التي حجبت البيانات الأصلية في كل شهادة أو بيان.. أختام بعضها فوق بعض، لا ندري ماذا يميز «نسرًا» عن الآخر!. في إحدى الأوراق أحصيت أحد عشر ختمًا، منها خمسة أختام «للنسر الشريف». والعجيب أن بعض التوقيعات والاعتمادات لا بد للحصول عليها من زيارة معظم أحياء العاصمة، لا ندري لماذا لا يوضع نظام متحضر يقلل من هذا الكم الهائل من التوقيعات والاختام ويجمعها في مكان واحد أو أماكن متقاربة.. خصوصًا أن أغلب هذه الاعتمادات صورية ولا يوقع عليها المسئول المعني ولا يراها وإنما يتركها لموظف صغير لا يفعل شيئًا سوي وضع الختم مع توقيع غامض؟!.. على سبيل المثال لماذا يُعتمد بيان درجات تلميذ يبغي التحويل من سكرتير عام المحافظة؟، وهل يقوم هذا السكرتير بذلك العمل بنفسه؟.. أم أنها البيروقراطية والتخلف الإداري؟!!.
د. عبد اللّه هلال
العدد 575 الخميس 12 من رجب 1423هـ 19 من سبتمبر 2002م
___________________________________
كيف تغرق القاهرة في شبر ماء؟!
نعمة المطر، التي يترقبها كل البشر ويُصلُّون من أجل دوامها وعدم انقطاعها تتحول في بلادنا إلى «نقمة» لأن حكومتنا لا تعرف رأسها من رجليها، ولا تدرك أولويات البلاد ولا مطالب العباد. فقد أدى هطول الأمطار لدقائق معدودة إلى تكوين البرك والبحيرات وجريان الأنهار في شوارع القاهرة مما أدى إلى تعطل السيارات وتوقف حركة المرور.. كالعادة كلما مرت سحابة فوق سماء العاصمة!.
وقد تعجبت من كمًّ المياه الحائرة التي لا تجد لها تصريفًا على الرغم من أن اللّه تعالى خلق لها قانون الجاذبية لكي تسير بمحض إرادتها إلى حيث تتجمع ويستفاد منها دون أن تتسكع وتتراكم وتصبح عبئًا على الناس.. هذا إن وُجدت حكومة تفهم أن رصف الشوارع في كل أنحاء الدنيا يتم بميول للاستفادة من قانون الجاذبية. وقد رأينا في كل بلاد اللّه (المتخلف منها والمتقدم) أن الأمطار الغزيرة، بل والسيول، تتساقط ليل نهار والناس تسير في الشوارع دون أن تبتل أحذيتهم لأن المياه تعرف طريقها إلى قنوات وترع تحملها إلى الحقول أو الأنهار. أما في قاهرة المعز، عاصمة «أم الدنيا»، فقد تجوَّلتُ في هذا اليوم بمنطقة مصر الجديدة (وليس القديمة!) لأجد حكومتنا السنية وقد غرقت في شبر ماء. في مطلع كوبري المطار بحيرة مياه أصابت التوصيلات الكهربية لسيارتين أغلقتا الكوبري.. في شارع المطار برك وبحيرات.. شارع النزهة تحول إلى مستنقع وهاجمت المياه الطافحة منه الشوارع الجانبية لتتحول الأخيرة إلى ترع تجري فيها المياه بسرعة وتمنع المرور.. أمام المحكمة السيارات توقفت بعد أن عجز قادتها عن اجتياز البحيرات، وعمال البلدية المساكين يحاولون إزاحة المياه بأدوات بدائية. وفي الأماكن (المهمة) جاءت السيارات لشفط المياه.. وكأنهم يُخرجون لسانهم لقانون الجاذبية!
منذ فترة قصيرة شاهدنا شركات المقاولات وهي تقوم بحفر الشوارع المهمة (مثل شارع المطار) لإنشاء شبكة تصريف مياه الأمطار.. ولا ندري أين هذه الشبكة؟.. وكيف تسلمها المسئولون بهذه الرداءة؟.. هل تم التحقيق مع أحد؟.. هل عوقب أحد؟.. هل توجد شبكة بالفعل؟!. ليتنا نجد من يرد علينا لأننا لم نلحظ سوى إضافة حفر ومطبات جديدة تضاف إلى البالوعات.. حيث لم يكلف المقاولون أنفسهم استخدام «الميزان» لكي تكون غرف تصريف الأمطار في مستوى أقل من الشارع.. بل إن أغلبها أعلى من الشارع!!
• ترى.. لماذا لا تؤمن الحكومة بقانون الجاذبية؟.. هل لأنه لم يصدر عن مجالسها المزورة؟!!
د. عبد اللّه هلال
العدد 542 الخميس 10من ذي القعدة 1422هـ 24 من يناير 2002م
___________________________________
هل رأيت شبرا الخيمة يامحافظ القليوبية؟!
لن أملّ من الحديث عن قضية النظافة العامة وتنبيه المسئولين إلى مواقع الخلل في نطاق مسئولياتهم.. فالنظافة ليست فقط مظهرًا حضاريًا، ولكنها قيمة إنسانية وآدمية في حد ذاتها.. والحفاظ عليها حفاظ على الصحة ووقاية من الأمراض، وفيها راحة نفسية للمواطنين، وتشجيع للسياحة.
وفي منطقة شبرا الخيمة تخرج من محطة مترو الأنفاق بنظافتها وجمالها (النسبي) لتفاجأ بأنك دخلت دولة أخرى تنتمي إلى العصور الحجرية.. حيث أكوام القمامة والأتربة والباعة المنتشرون دون نظام أو ذوق. وقد وصل الأمر إلى تكدس الأتربة فوق جسر (كوبري) المشاة ودرجات السلم، ولا أدري كيف يصعد التراب بهذه الوفرة إلى هذا الارتفاع؟. ووسط هذا الجو «المترب» تجد عشرات الباعة وقد تبوءوا الجسر وحولوه إلى سوق حقيقي يصعب السير في طرقاته.
وإذا عبرت هذا الجسر إلى محطة حافلات شبرا الخيمة تشعر أن الدنيا قد تحولت إلى شيء آخر لا يمت إلى الآدمية بصلة.. ضوضاء تخرق الأذن وتصيب بالصمم.. روائح كريهة.. قمامة وقاذورات تحجب الأرض تمامًا..... آسف، لا أستطيع أن أكمل الوصف!. لقد شعرت عندما مررت من هناك أن هذه المنطقة لا يمكن أن يكون قد رآها مسئول صغير أو كبير، إلا إذا كان الموظف الذي تتبعه لا يرى ولا يشم ولا يشعر بما حوله.. وليست السيد المحافظ يقوم فورًا بزيارة مفاجئة لهذه المنطقة، ولكنني أنصح سيادته بأن يصطحب معه سيارة إسعاف حفاظًا على حياته!.
د. عبد اللّه هلال
العدد 505 الخميس 9من صفر 1422هـ 3من مايو 2001م
___________________________________
صح النوم.. يا عرب!
في «ديربان» بجنوب إفريقيا حيث مؤتمر مكافحة العنصرية أثبتت المنظمات العربية غير الحكومية جدارتها وتفوقها على الوفود الحكومية المكبلة بالسياسات التابعة، واستطاعت هذه المنظمات أن تفضح العنصرية الصهيونية وأن تجبر العدو الصهيوني وذيله الأمريكي على الانسحاب من المؤتمر. وهذا النجاح العظيم هو نفسه النجاح «الشعبي» العربي في ميادين كثيرة عندما تتحرر المنظمات والجماعات من القيود الحكومية.. وأبرز الأمثلة: المنظمات الجهادية في فلسطين ولبنان، والنقابات المهنية في مصر.. وغير ذلك الكثير مما يثبت أن الإنسان العربي جدير بالنصر وجدير بالنهضة والتقدم إن وجد حريته، وأخذ فرصته في الإبداع وإعمال العقل.
وأخشي ما أخشاه أن يفشل العرب في استثمار هذا النجاح الذي تحقق في جنوب إفريقيا وأن يعودوا إلى الركون إلى الدعة والراحة معتبرين أنهم حققوا النصر، وانتهى الأمر. أكتب هذا الكلام ومجلس الجامعة العربية يستعد للانعقاد بعد ساعات، ويدي على قلبي لأن الجبل العربي كلما تمخض لا يلد إلا فأرًا ميتا للأسف. فآخر اجتماع عربي كانت نتائجه مضحكة حيث قرر وزراء الإعلام العرب مكافأة الغرب على انحيازه للعدو الصهيوني بصرف مليون دولار للدعاية للقضية الفلسطينية في وسائل إعلامهم!.
هل الدعاية للقضايا القومية والاستراتيجية تحتاج إلى الأموال أم تحتاج إلى المواقف الجريئة التي تجبر العالم كله على احترامنا والاعتراف بحقوقنا؟.. ألم تتعلم الحكومات العربية من أطفال فلسطين وشبابها الذين فرضوا قضيتهم العادلة على الدنيا كلها دون أن يدفعوا مليما واحدا لأي من وسائل الإعلام التي اضطرت إلى نشر وإظهار بطولاتهم؟
ليت الحكومات العربية تعلم أنها لو أنفقت ما في الأرض جميعا فإنها لن تستطيع أن تشتري احترام العالم لأن هذا الصنف لا يباع ولا يشترى، المطلوب من العرب هو الانتصار على الهوي والاقليمية والتبعية واتخاذ موقف جماعي صادق ولو مرة واحدة، اختلفوا كما شئتم في كل شيء ولكن نتوسل إليكم أن تتفقوا على سياسة خارجية واحدة في مواجهة حرب الإبادة التي تهددكم جميعا.. ألم تستمعوا إلى المثل الشعبي «أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب»؟.
لو علمت أمريكا - المرتمية في أحضان العدو الصهيوني- أن العرب ربما يغضبون ويتخذون موقفا منها لتراجعت عن هذا الانحياز الأعمى، ولو علم الاتحاد الأوروبي الذي ناصر العدو في مؤتمر ديربان وهدد بالانسحاب.. لو علم أن مصالحه الكثيرة في بلادنا مهددة لما فكر في ذلك. والسؤال الخطير المستخلص من هذه المواقف هو: كيف نجحت الدبلوماسية الصهيونية في حشد هؤلاء المؤيدين لها؟.. كيف يتفوق سفير صهيوني واحد في كل عاصمة أوروبية على اثنين وعشرين سفيرا عربيا؟!.. ماذا يفعل هؤلاء السفراء إذاً؟.. ولماذا لا تكون هناك مؤسسة عربية للتنسيق بين هذا العدد الغفير من السفراء لفعل شيء لصالح العرب وقضاياهم؟!
- صح النوم يا عرب.. صح النوم.
العدد 524 الخميس 25 من جمادى الاخرة 1422هـ 13 من سبتمبر 2001م
___________________________________
عادل حسين .. والشرطة والصلاة!
الثبات على المبدأ حتى الموت.. عبارة طالما سمعناها من المفكر الإسلامي الراحل الأستاذ عادل حسين. وقد طبق الفقيد على نفسه ما آمن به، فثبت على الحق كالجبل ولم تهزه الأعاصير عندما اجتمعت كل شياطين الدنيا- المحلية والدولية- عليه وعلى ما يمثله وما يدعو إليه.. فلم يقبل بأقل من الحق والعدل المطلق، ورفض المزايدات والألاعيب السياسية والمغريات جملة وتفصيلاً، وأجبر الطغاة على الظهور بوجوههم الحقيقية بعد أن نزع عنها أقنعة الزيف والتضليل.
وقد أثبت الشعب المصري الأصيل أن ما جاهد عادل حسين من أجله لم يضع هباءً، فتوافدت جموع المواطنين شيوخاً وشباباً لتلقي على جثمانه النظرة الأخيرة وتشارك في تشييعه إلى دار الحق والعدل.. داعين المولى تبارك وتعالى أن يعوضه في الآخرة عما لاقاه من ظلم في الدنيا.
أما الحكومة، فقد عبّرت كعادتها عن هشاشتها وفقدانها الثقة في نفسها.. فأرسلت آلاف الجنود وعشرات الضباط والمصفحات لتحرسه ميتاً في جامع عمر مكرم.. وكأنها تخشاه وهو ميت كخشيتها منه وهو حي، أو لعلهم ظنوا أنه ربما تعود إليه الروح، فيقود الجماهير الحزينة المتعطشة للحرية إلى حيث تنال حريتها وتدك معاقل الطغيان!. لم يكتفوا بالتضييق عليه في حياته وأبَوا إلاَّ أن يضيقوا عليه وعلى أحبابه في آخر لحظة له في ديناهم الفانية. كما لم يكتفوا «بالمشاركة» في الجنازة فلازموه خطوة بخطوة إلى القبر، وانتشروا في منطقة المقابر بشكل يوحي بأنهم في ميدان حرب.. ولم ينصروفوا إلا بعد أن تأكدوا أن القبر قد أُغلق عليه بإحكام، ولم يروا بالطبع روحه الطاهرة وهي تطل عليهم من علٍ وتسخر من سذاجتهم!
لفت نظري أن أحد الجنود يجفف دموعه ويكاد ينتحب.. فأقبلت عليه ورَبَّتُّ على كتفه وسألته: هل أنت حزين على عادل حسين؟.. فقال: إنني حزين لأنني لم أصلًّ الجمعة، ولا أدري إن كان قد تهرب من الإجابة خوفاً، أم أنه بالفعل يبكي ضياع الفريضة.. فكلا الموقفين محزنان ويؤديان إلى البكاء. وقد لاحظت أن طوابير الجنود وكثيرين من الضباط واقفون في موضع الاستعداد أثناء الصلاة، ولم يشاركوا في صلاة الجمعة.. وهي صلاة جامعة لابد من تأديتها مع الجماعة. وهذا أمر غريب وعجيب لأنه ليس هناك احتمال على الإطلاق أن تنقلب الصلاة إلى مظاهرة أو معركة.. والصلاة لا تسقط عن المسلم لأي عذر، حتى في الحرب حيث أمرنا الله تعالى بأداء صلاة الخوف. ترى هل هناك تعليمات بعدم المشاركة في الصلاة؟.. وهل هذا صواب يا فضيلة المفتي؟.. ومن المسئول عن ذلك؟.. ولمصلحة من؟!
إذا كان الخوف يلازم الحكومة حتى من المصلين، ومن الموتى.. فعليكم بصلاة الخوف. الخوف من الشعب!!.
د. عبد الله هلال
العدد 500 الخميس 27 من ذى الحجة 1412هـ - 22 من مارس 2001م
___________________________________
على نفسها جنت أمريكا.. كفى نفاقًا!
هزتني المصائب المباغتة التي سقطت على رءوس الشعب الأمريكي الذي عايشته أثناء دراستي بجامعة ولاية فلوريدا وأيقنت أنه شعب مسالم ودود، يختلف كليًا عن حكوماته المغرورة بقوتها ومنعة بلادها.. فقد صدّق الشعب المسكين أنهم في مأمن من أي عدوان عليهم حيث يحتمون بمحيطين كبيرين وترسانات هائلة من الأسلحة الفتاكة، وجيوش ومخابرات تنتشر في كل مكان بالداخل والخارج.. ولذلك فقد كانت الصدمة أكبر بكثير من الهجوم نفسه، ووجد الأمريكيون أنفسهم وجهًا لوجه مع الخوف والرعب والقلق الذي طالما صدرته حكوماتهم للأمم الأخرى وظنوا أنهم في مأمن منه.
لقد أدرك الأمريكيون أخيرًا أن الدنيا ليست ملكًا لهم، فهي «يوم لك ويوم عليك».. وأن التعايش مع الشعوب الأخرى بالحق والعدل هو السبيل للعيش الآمن في سلام. وعلى الرغم من اعتراف بعض الكتاب والساسة الغربيين بهذه الحقيقة، وتلميحهم إلى ضرورة أن تعيد واشنطن تقييم سياساتها الخارجية المنحازة دائمًا للباطل، فقد كان الموقف على الجبهة العربية كالعادة في غاية العجب، حيث تحولت الولايات المتحدة فجأة وفي غمضة عين إلى دولة صديقة ومظلومة من الإرهاب العالمي، ولم يذكر أحد أن هذا ثأر وانتقام من الطبيعي أن يحدث بعد أن صار أغلب سكان الكرة الأرضية لديهم ثأر قديم أو جديد في رقبة الحكومات الأمريكية. فقد تباري المساكين (العرب) في نفاق الحكومة الأمريكية وكأنهم أمريكيون أكثر من أمريكا، وكأنما يريدون أن يقولوا لها إنك على الحق ولا داعي لإعادة التفكير في سياساتك البريئة غير المنحازة!. يحدث هذا رغم أن جريدة الأهرام (الرسمية) الصادرة في اليوم نفسه الذي شهدت فيه أمريكا الجحيم (الثلاثاء 11 سبتمبر) كان عنوانها الرئيسي «واشنطن تجدد معارضتها إقامة مناطق عازلة في الأراضي الفلسطينية»، وكان رأي الأهرام بعنوان «الموقف يزداد تدهورًا وأمريكا لا تزال منحازة لإسرائيل»، وفي الصفحة الثامنة خبر عن مظاهرة شعبية عنوانه «احتجاجًا على انحياز أمريكا لإسرائيل».!!.
والشيء الأغرب أن المنافسة تتزايد بين أغلب الحكومات العربية لكي ينالها شرف الاشتراك في التحالف الدولي المزمع لمحاربة «الهواء» الذي يسمونه الإرهاب.. وكأن الذين هاجموا المواقع الاستراتيجية الأمريكية جيش معروفة مواقعه. وأغلب الظن أن المخابرات الأمريكية سوف تفشل في التوصل إلى الجهة التي خططت ونفذت هذا الهجوم المبهر، ولكنهم سوف يبحثون عن «شماعة» لإرضاء الشعب المخدوع، وبالطبع فإن الشماعة الأضعف والأقرب إلى خداع الأمريكيين بها هي العرب والمسلمون. فكيف نشارك أمريكا في ضرب إخواننا ظلمًا وعدوانًا؟!!
ألم يحدث أن هاجمت أمريكا السودان وأفغانستان ظلمًا لإقناع مواطنيها بأنها انتقمت لضرب سفارتيها؟. أليس من الأفضل (لنا وللشعب الأمريكي) أن نصارح الحكومة الأمريكية بأن ما حدث لها هو رد فعل طبيعي لسياساتها المنحازة للعدو الصهيوني؟.. ماذا لو أن هذا الهجوم الجريء وقع في الهند مثلاً أو كوريا، هل هذا «التباكي» كان سوف يحدث؟.. أم أنه النفاق؟!
د. عبد اللّه هلال
العدد 525 الخميس 3 من رجب 1422هـ 20 من سبتمبر 2001 م
___________________________________
قطار الموت.. والشيخوخة الحكومية!
وكأن الشعب المصري على موعد مع الحزن والألم في يوم البهجة والفرحة، ليأتي العيد حزينًا كئيبًا.. اللطمات والحرق والقتل تنهال علينا من كل صوب، وفي وقت واحد: المجرمون الصهاينة يحرقون ويقتلون المدنيين العزل في العيد دون أن يلومهم أحد.. والإهمال الحكومي يحرق فلذات أكبادنا من المواطنين الفقراء ويغتال فرحة العرائس ليلة عرسهن ويحول العيد والفرح إلى مأتم كبير.. والمتعصبون الهندوس يحرقون المسلمين جهارًا نهارًا دون «كلمة عتاب» من أي دولة إسلامية!.
أما عن قطار الموت، وكالعادة في كل كارثة، فقد سارعت الحكومة باتهام الركاب وإدانة الضحايا المساكين على لسان رئيس الوزراء، وعلى لسان الوزير المضحى به والذي قال ماذا نفعل والركاب يسرقون الطفايات والمواطنون يحطمون زجاج النوافذ بالطوب؟!!.. وكأن الحكومة «المسكينة» التي تدعي أجهزتها أنها تعرف «دبة النملة» لا تملك من الصلاحيات والسلطة ما يمكنها من فرض القانون على الجميع!!. والحكاية بالتأكيد هي الشيخوخة وهشاشة العظام التي تمكنت من الجهاز الإداري للدولة وأصابته بالشلل والوهن وفقدان الذاكرة بحيث لم يعد هناك جدوى ولا فائدة من عمليات الترقيع التي تضطر إليها الحكومة كلما وقعت كارثة.
وعلى الرغم من هول كارثة القطار المحترق ودلالاتها، فهي ليست الكارثة الأولى ولن تكون الأخيرة.. ولولا ارتفاع حجم الضحايا وبشاعة المشهد لأمكن للحكومة وآلتها الإعلامية التغطية على الموضوع. ونعتقد أن كل يوم تقريبًا يشهد حوادث مشابهة لنفس الأسباب وربما بنفس الأعداد، ولكنها حوادث متفرقة تتوزع دماء أصحابها بين القبائل، ولا تجد من يجمعها في جدول واحد. وقد دخل بنا الخُبث الحكومي في متاهات أسباب اندلاع الحريق وهل هو الماس الكهربائي أم أسطوانة الغاز.. وكلها أسباب تدين الحكومة العاجزة، ولكن أيًا كان السبب- ومعظم النار من مستصغر الشرر- فالمشكلة الأساسية هي انعدام وسائل الأمان والوقاية وكذلك وسائل النجدة.. ولا يختلف هذا القطار المحترق عن غيره من القطارات، فكلها تعاني آفة الإهمال وكلها معرضة لنفس المصير. وبنظرة سريعة على الحوادث التي وقعت خلال أسبوع العيد الحزين وحده يتبين لنا مدى وخطورة ما آل إليه الجهاز الحكومي المشلول.. فقبل يوم من كارثة القطار داهم مترو مدينة نصر الآمنين العابرين للمزلقان ليسحق سيارتين بركابهما، واحترقت عربة في قطار الشرقية ولولا لطف الله لتكررت كارثة قطار الصعيد، وانهارت ثلاثة منازل فوق رءوس الشعب المسكين في دمياط والمحلة الكبري والمنصورة في ثلاثة أيام متتالية.. ودفنت العرائس ليلة عرسهن تحت الأنقاض، هذا غير حوادث الطرق المعتادة والتي وصلنا فيها إلى المرتبة الأولى على مستوى العالم!. وهكذا صرنا ضحايا العجز الحكومي.. فلا الحكومة قادرة على أداء واجبها في تأمين حياة الشعب ومنع الكوارث، ولا هي مستعدة لأي طارئ!. وفي العالم كله هناك استعداد دائم لمواجهة الحوادث الطارئة.. هناك اختبارات دورية على أجهزة السلامة والأمان.. هناك حوادث وحرائق وهمية لتدريب الناس على كيفية التصرف عند اللزوم.. هناك قيادات مدربة وعيون ساهرة متحفزة لسرعة التحرك واستباق الحدث، ونحن للأسف ليس لدينا شيء من ذلك!.
- أتذكرون كارثة الباخرة «سالم إكسبريس»؟.. هل تغير شيء من «الحال المائل» لهذه البواخر؟.. هل هناك ما يمنع من تكرار هذه الحادثة؟.. أتحدي أن يكون هناك أي تغيير!
- هل تذكرون حافلة المعتمرين التي احترقت بالأردن ولم ينج منها أحد؟.. هل هناك أي إجراء لمنع تكرار الكارثة؟!
- أتذكرون حريق برج المعادي عندما «اكتشفت» الحكومة أنها ليس لديها سلالم تناسب هذا الارتفاع؟!.. وهل لديها الآن شيء؟.. أشك!
- هل تذكرون عندما أطاحت الرياح الشديدة بلوحات الإعلانات لتسقط على رءوس المساكين وتحطم السيارات وتقتل وتصيب الآمنين؟.. لقد ظلمتم القضاء والقدر، ولم تفكروا لحظة واحدة في تأمين الناس رغم سهولة ذلك!
- وفي ظل هذا العجز الكامل هل هناك ما يمنع من حدوث كارثة أكبر في مترو الأنفاق مثلاً أو نفق الأزهر؟.. لا تقولوا هناك أجهزة مراقبة، فالمشكلة في البشر الذين يتعاملون مع الأجهزة.. ولا ينبغي الانتظار حتى تداهمنا الحوادث، بل يجب أن نكون مدربين على حوادث وهمية.
- هل أجهزة الإطفاء القليلة الموجودة في بعض الحافلات ومواقع العمل صالحة ومجربة؟.. هل هناك في كل وقت من يستطيع استخدامها؟.. هل يعرف أصحاب السيارات الخاصة كيف يستخدمون الطفايات المهملة في سياراتهم؟.. أشك!
- هل فكر أحد في احتمال سقوط طائرة (لا قدر الله) فوق مئات السيارات الموجودة دائمًا عند عنق الزجاجة بجوار المطار؟!.. لماذا نضع البيض كله في سلة واحدة وننام مطمئنين؟!
- وفي انتظار الكارثة التالية نتساءل عن العدد الحقيقي لضحايا قطار الموت، فنحن نعرف أن العربة الواحدة تحمل عددًا لا يقل عن العدد المعلن، وأن أتون النيران التي لم تجد من يطفئها ربما لم يبق أثرًا للعشرات وربما المئات.. ونتساءل عن أولويات الإنفاق، وهل المتحف «الكبير» والمدرب «الأجنبي» للمنتخب أولى من تأمين حياة وسلامة المواطنين؟.. وهل القوانين التي «سمحت» بترك الناس يحترقون لا تسمح بإجراء استثنائي لاستخراج شهادات الوفاة للضحايا المساكين؟!.. وهل وصل الفقر الإداري إلى درجة العجز عن تكليف وزير جديد، وإسناد وزارة النقل المثقلة بالأعباء والمصائب إلى وزير سبق أن أثبت فشله في وزارة الكهرباء ولم يفلح في صنع شيء في وزارة الصناعة؟!!.. لك الله يا مصر.
العدد 547 الخميس 23 من ذي الحجة 1422هـ 7 من مارس 2002م
___________________________________
نجدد التحية إلى قناة (الجزيرة)
«تحية إلى قناة الجزيرة».. كان عنوان أول مقال لي بجريدة «آفاق عربية»، والذي نشر في 7 يناير 1999، وعندما طالع القراء هذا المقال في ذلك الوقت لم تكن القنوات الفضائية قد انتشرت مثل هذه الأيام.. ذلك أن المشاهدين لم يكونوا يتصورون أن هناك فرقًا بين أية قناة عربية وأخرى حيث استسلم الجميع للإذاعات والقنوات الموجهة رغم ما بها من سموم مخبأة داخل العسل. ولذلك فقد كان رد الفعل لدى قراءة ما كتبت عن قناة الجزيرة يتسم بالتعجب وعدم التصديق!. وقد حدث ما توقعت وبدأ الناس يتسابقون في شراء أطباق الارسال الفضائي سعيا إلى الحصول على الخدمة الإعلامية المحايدة الخالية من النفاق والطبل والزمر الذي تقتصر عليه القنوات المعبرة عن الطغاة والمستبدين. وقد أثبتت قناة الجزيرة من خلال تغطيتها لأحداث الهجوم المباغت على أمريكا وما تلاه من استقواء أمريكي على الشعب الأفغاني وعلى أغلب الحكومات العربية والإسلامية.. أثبتت أن العرب لهم صوت وأن لديهم ما يفخرون به.. لدرجة أنها أزعجت الحلف الأمريكي الصهيوني الذي دأب على احتكار الإعلام العالمي، والذي تخلى عن تظاهره باحترام الرأي والرأي الآخر وأخذ يهاجم القناة الفتية الصادقة، ويضيق عليها، ويحاول حصارها.. ولم يكن الهجوم الحقير بالطائرات على مكتبها في كابول إلا تعبيرا صادقا عن رأيهم الحقيقي في حرية الرأي عندما تتعلق بشعوب غير شعوبهم. وقد وصل الأمر إلى التفكير الأمريكي في بث قناة منافسة للجزيرة.. ولكن هيهات!.
والحقيقة أن الشيء الوحيد الايجابي على الساحة السياسية العربية في هذه الأيام الحالكة التي نتلقي فيها الصفعات ونُمنع حتى من الاحتجاج، كان هو وجود تلك القناة التي صار اسمها يتردد على لسان الشعوب الغربية قبل العربية عند متابعة أنباء الحملة الإجرامية على أفغانستان، ونظن أنه لولاها لما كان هناك ذكر للعرب إلا فيما يبثه الأعداء من افتراءات.
وإذ نجدد التحية إلى قناة الجزيرة وإدارتها وكل من يعمل بها.. نرجو من القائمين عليها التفكير في امكانية استثمار هذه الثقة وتلك الشهرة والمصداقية لدى الغرب ببث ارسال إضافي باللغة الإنجليزية، سواء كقناة مستقلة، أو كجزء من ارسال القناة العربية الحالية. فأمتنا الآن في مهب الريح وهي أحوج ما تكون إلى توصيل كلمة حق عنها إلى هؤلاء المخدوعين الذين يحتكرهم الإعلام الصهيوني. وهذه الفكرة مطروحة الآن في أروقة الجامعة العربية وغيرها، ولكن لا نظن أن الواقع العربي الأليم سوف يسمح بشيء من ذلك على المستوى الرسمي، فالعروبة اليوم ليس لها صاحب، والإسلام ليس له دولة.. وكلنا يقذف بالمسئولية على الآخر.. كما أن الخبرة الإعلامية العربية في وضعها الراهن لا تبشر بأي خير.. وطالما أن «الجزيرة» هي الأمل الوحيد من الناحية الواقعية فنرجو أن تتقبلوا هذه المسئولية القومية والدينية.
ولديّ أيضا اقتراح بإذاعة نتائج الاستفتاءات المعبرة التي تجرى على موقع الجزيرة بشبكة الانترنت بنشرات الأخبار حتى تعم الفائدة.. وأخيرا نرجو منكم عدم وضع اسم الدولة العبرية في تبويب الأخبار بالشبكة مع أوروبا (أوروبا وإسرائيل!)، فأين هذه الدويلة الحقيرة من أوروبا؟.. إنها في الواقع محتل لأرض عربية وبالتالي فهي يجب أن تصنف كنقطة سوداء على الخريطة العربية وليس كجزء من أوروبا!.
- أما الملاحظة الوحيدة أو النقد فهو يتعلق بـ«أولى حروب القرن».. ذلك أن الحرب الأولى في هذا القرن العجيب هي الحرب الدائرة ضد الشعب الفلسطيني .. أليس كذلك؟!
العدد 540 الخميس 26 من شوال 1422هـ ،10 من يناير 2002م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق