لا داعي.. للقمة العربيةَ!
بقلم د. عبد الله هلال
مسكينة هي الأنظمة العربية.. فقد أثبت اجتماع مجلس الجامعة العربية الأخير مدى طفولية وعبثية الأنظمة الرسمية التي لا تتحرج من إثبات أنها لا تملك إلا الرضوخ للإرادة الأمريكية وبالتالي الصهيونية. ففي الوقت الذي توحش فيه الكيان الصهيوني وأسفر عن حقيقته- عملا لا قولا- في ابتلاع الضفة الغربية كلها ومنها القدس والمسجد الأقصى، وبُعيد فضح جهاز مخابراته في انتهاك سيادة دولة عربية والعبث بوثائق سفر عدة دول أوربية، بالإضافة إلى فضحه عالميا من خلال تقرير جولدستون عن محرقة غزة.. لم يتجرأ العرب ويستغلوا الموقف لصالح قضيتهم، بل لم يجرؤوا حتى على مقاطعته أو سحب مبادرتهم الاستسلامية التي سبق أن مزقها العدو وألقاها في وجوههم. (النتن ياهوه) يقول ليل نهار إنه لن يعطيهم شيئا، ويقرن القول بالعمل.. ولا يُخفي أن المفاوضات مجرد وسيلة لتضييع الوقت، والعرب تائهون هائمون نائمون؛ لا يدرون ماذا يفعلون. رئيس السلطة الفلسطينية (المنتهية ولايته) يبذل كل جهده لإرضاء العدو على حساب شعبه وقضيته، ونظرا لضعف موقفه وعدم شرعيته وانكشاف علاقته المريبة بالعدو ورفض أغلبية الشعب الفلسطيني له، وللتفاوض.. كان لابد من البحث عن غطاء للعودة إلى المفاوضات العبثية، فلم يجد بالطبع غير الغطاء العربي المتهرئ، وكان يمكنه بالتأكيد ألا يلجأ للعرب الحاضرون الغائبون، ولكنه "مزنوق". كنا نظن أن الأحداث الساخنة؛ مثل الاستيلاء على الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال وبدء خطوات الاستيلاء على المسجد الأقصى وانكشاف عملية الموساد في دبي سوف تشجع العرب والسلطة على رفض التفاوض وسحب المبادرة البائسة.. ولكن من قال إن العرب لهم قرار مستقل؟!. والغريب أن (النتن ياهوه) مارسَ هوايته في إذلال العرب قبيل الاجتماع بضم المقدسات الإسلامية للتراث اليهودي، وعقب الاجتماع مباشرة بالهجوم على المسجد الأقصى، وبناء مغتصبات جديدة بالقدس وهو مطمئن تماما أن الأنظمة العربية لن تثور لكرامتها، فهي صماء بكماء عمياء!.
ليت العرب يدركون أن ما يحدث للفلسطينيين من قتل وطرد من الديار لن يكون قاصرا على فلسطين، وأن العدو يضمر للجميع ما يقترفه هناك، فسواء وجدت مقاومة أو استسلام؛ هذه سياسة ثابتة: منع العرب من تحقيق أي تقدم في أي مجال.. فسياسة الاغتصاب والتدمير وحرق المنشآت والإنجازات أولا بأول، وكذلك سياسة قتل أكبر عدد من المسلمين أو العرب- خصوصا المدنيين، سياسة ثابتة تـُفتعل لها المناسبات، وقد حدث هذا كثيرا من قبل في مصر ولبنان وفلسطين، وسوريا والعراق (المفاعل النووي)، وحتى العدو الأمريكي ينفذ السياسة نفسها كما حدث في العراق وأفغانستان من تدمير للبنية الأساسية لكي نظل في حالة انشغال دائم بالبناء والتعمير ولا نجد الوقت للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والعسكري. فالعدو الصهيوني يدرك جيدا أنه لن يستطيع القضاء على المجاهدين من أبطال المقاومة الفلسطينية، بل ولا يقدر على مواجهة من يحبون الموت ويسعون للشهادة.. وجيشه الجبان المخنّث لا يقدر على القتال (... إلا في قرى محصنة أو من وراء جُدر)- كما جاء بالقرآن الكريم، ولكن المطلوب دائما هو تدمير إنجازات الشعب الفلسطيني، وإبقائه فقيرا محاصرا حتى يتم القضاء عليه أو طرده من وطنه، ثم يأتي الدور على دولة عربية أخرى.
كان أمام الأنظمة العربية بعد انكشاف حقيقة العدو عالميا أن تحشد وراءها دول العالم الإسلامي ودول عدم الانحياز في مقاطعة العدو والتضييق عليه اقتصاديا لو أنها تجرأت وألغت الاعتراف به وأنهت العلاقات الآثمة معه.. فهذه الدول أقرب إلينا وسبق للدول الأفريقية أن قطعت علاقاتها مع العدو مجاملة لمصر بعد حرب 1967، ولم تعد هذه العلاقات إلا بعد أن استطاع الثعلب الصهيوني تكبيل مصر بعلاقات دبلوماسية، ليعود إلى أفريقيا من البوابة المصرية للأسف. وعندما أراد أن يتسلل إلى الصف العربي كما تسلل إلى الصف الأفريقي؛ كرر العملية نفسها مع السلطة الفلسطينية.. ليكبّل العرب السذج بعلاقات آثمة دبلوماسية وتجارية لم يجرؤ أحدهم على المساس بها!. وعندما فاض الكيل، وثارت الشعوب، وبادرت دول أخرى غير عربية بفعل ما يجب فعله عربيا ودوليا وقطعت علاقاتها مع العدو وطردت سفيره.. كان التصرف العربي الضئيل (لمن تجرأ، وليس الجميع) خجولا وساذجا: استدعاء السفير للتشاور، (تجميد) العلاقات......!!.
وعلى عكس ما نؤمن به وننادي به دوما من حتمية الوحدة العربية وأهمية التقاء القادة العرب, وفي ظل الظروف المأساوية العربية التي تمر بها أمتنا.. فإننا لا نرى أن هناك جدوى من اجتماع القمة العربية. ذلك أن الخطب جلل, والأمة التي تواجه الظلم والإحباط لن تحتمل مزيدًا من الإحباط.. والحلف الصهيوني الأمريكي يراهن كعادته على زرع اليأس في نفوسنا لنصل إلى قناعة «مزيفة» باستحالة الانتصار عليه, لأن مشكلته- كما هو معلوم- ليست في الحكومات العربية (الواهنة، المستسلمة له) ولكن في الشعوب المؤمنة بحقوقها وبوعد الله تعالى للمؤمنين بالنصر والتمكين. فهل هناك شك في أن العدو يفرح بالقمم العربية التي تأتي في ظروف حالكة وتظن الشعوب العربية المقهورة أنها طوق النجاة الذي جاء في موعده, ثم تفاجأ هذه الشعوب بأن الجبل قد تمخض وتمخض ولم يلد شيئا?َ. لاشك أن القمة العربية تملك من الصلاحيات والإمكانات ما تلبي به طموح الجماهير العربية المتعطشة لأي إنجاز.. ولكن هل يتوقع أحد أن تخرج علينا القمة العربية المنتظرة بأي شيء في مواجهة غطرسة الحلف الصهيوني الأمريكي?!. كيف ذلك وهم الذين سبق لهم أن صبروا على العدو- أثناء محرقة غزة العام الماضي- لأكثر من ثلاثة أسابيع، واستكثروا على الشعب الفلسطيني عقد اجتماع طارئ سريع ولو لشد أذره فقط، وقرروا أن يناقشوا الأمر (على هامش) قمة اقتصادية.. فالوقت ليس من ذهب، واستشهاد ألف فلسطيني إضافي- حتى تجتمع القمة- ليس مشكلة!. وقد قالت الشعوب العربية كلمتها في استفتاء جماهيري لصالح المقاومة وضد الاستسلام والتطبيع، ولكن الأنظمة البائسة لا تهمها الشعوب. الجماهير قالت لتذهب القمة الاقتصادية إلى الجحيم، فإنقاذ أهل غزة أولى من كل شيء، والأنظمة تعامت والتزمت الصمم والبكم. لم يتحرجوا من مواقف تركيا وفنزويلا وبوليفيا، وقرروا الاستمرار في سياسة التبعية التي لا يحسنون غيرها. فهل هناك أمل في القمة، أي قمة؟!.
• هل يمكن أن يعلن العرب قرارا جريئا بعودة المقاطعة, وتوسيع مجالها لتشمل كل من يساعد أو يجامل العدو الصهيوني على حساب الحق العربي?.. سيقولون: العلاقات الدولية والمصالح و.... فهل يمكن إذًا مقاطعة العدو نفسه?!.. أشك، علما بأن العالم لا يستطيع الاستغناء عن العرب، ولكنه يمكن أن يستغني عن الكيان الصهيوني.
• هل يستطيع العرب اتخاذ قرار «حقيقي» بوقف التطبيع مع العدو وقطع (وليس تجميد) العلاقات معه وسحب الاعتراف به وباغتصابه لفلسطين?.. أم أن القرار العجيب السابق بوقف التطبيع مع استثناء المطبّعين(!!) هو الممكن الوحيد, والذي لم ينفذ أيضا للأسف?!.
• هل يجرؤ العرب على العودة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة والمطالبة بإلغاء عضوية الكيان الصهيوني لأنه لم يلتزم بقرار التقسيم، ولم ينفذ شرطا واحدا من شروط العضوية.. أشك، بل وأتحدى أن يجرؤ نظام عربي على ذلك.
• هل يجرؤ العرب على وقف محاكمة ومطاردة واعتقال أعداء الحلف الصهيوني الأمريكي ومقاومي التطبيع?.. هل يمكن الإفراج عن هؤلاء المناضلين على سبيل الضغط على العدو, أو كهدية من القمة العربية للجماهير المنتظرة لأي بارقة أمل?.
• هل يجرؤ العرب على فك الحصار عن غزة وإغاثة أهلها المعذبين دون ذنب اقترفوه؟!.
• هل يمكن أن نصرخ في وجه مجلس الأمن ونقول له: كفى ظلما وكفى تسترا على العدو الصهيوني وحمايته وهو المحتل الغاصب، وأن نهدد بالانسحاب من الأمم المتحدة?!. لماذا نرضي بالقليل ولا نحصل عليه, ثم نرضي بالأقل فالأقل ولا نحصل على شيء, ونظل نتنازل ونتنازل دون أن نشعر بالندم?!.
• هل يجرؤ العرب على (التهديد) بتقليل الصادرات النفطية للدول التي تتعامل مع العدو وتتجاهل حقوق شعب محاصر اغتصبت أرضه وطرد وعذب واعتقل؟.
• هل يمكن أن نقول للحلف الصهيوني الأمريكي لا?.. لا لقتل الشعب الفلسطيني وتشريده بمباركة أمريكية ودولية.. لا لاستمرار احتلال العراق.. لا لمحاولات فصل جنوب السودان ونشر الفتن في دارفور.. لا لوصم الجهاد ضد المحتل الغاصب بالإرهاب.. لا للعبث في مناهج التعليم وأساليب الدعوة الإسلامية?.
إذا لم تكن القمة العربية مؤهلة للإجابة عن هذه الأسئلة, ومواجهة الطغيان الصهيوني.. فما جدواها?!. إن الحد الأدنى الذي تنتظره الجماهير العربية من القمة هو اتخاذ خطوة عملية- حتى وإن كانت التهديد بالحرب- لوقف اغتصاب المقدسات، وكسر حصار غزة، والتأكيد على شرعية الجهاد حتى تحرير القدس, كفى حديثا عن المفاوضات, والمسيرة السلمية (الخيار الاستراتيجي!).. الوقت وقت جهاد ومقاومة بهدف إزالة الاحتلال, وليس وقت استجداء العدو وظهيره الأمريكي. ولتعلم القمة العربية أن العدو نمر من ورق، وأن كل إنجازاته كانت بتواطؤ عربي، فهو يستثمر الوهن العربي جيدا، ولكنه لا يملك مقومات الاستمرار في احتلال فلسطين.
- إن الانحناء يغري بالامتطاء، والقمة البائسة لن تفعل شيئا لصالح العرب وقضيتهم الاستراتيجية، فما جدوى القمة إذا كانت مضارها أكثر من نفعها؟.. وأخشى ما نخشاه أن ينجح الحلف الصهيوأمريكي كالعادة في تحويل القمة العربية إلى طوق نجاة لإنقاذ السفاح (النتن ياهوه) من ورطة الموساد في دبي، وللتغطية على عمليات تهويد القدس، ولمنع إطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثالثة بسبب الحصار والاستيلاء على المقدسات.. فقد نجح العدو مرارا في تحويل هزائمه وكبواته إلى انتصار سياسي؛ بسبب الخيبة العربية الرسمية.
abdallah_helal@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق