تناقضات عجيبة... في المسألة النووية!
بقلم د. عبد الله هلال
المصريون: بتاريخ 2 - 7 - 2009
تتوالى الأحداث التي تثبت عوار العولمة وسياسة الكيل بمكيالين، خصوصا عند وجود أمة تتحكم فيها أنظمة استبدادية مستسلمة أمام أمم أقوى معادية.. فالانحناء كما نقول دوما يغري بالامتطاء. وكما هو واضح فالعولمة ما هي إلا اجتياح غربي لثقافتنا وقيمنا ومواريثنا الحضارية، وليست وسيلة لإزالة الحدود وجعل العلم وتطبيقاته وخيراته متاحة لجميع البشر. ونتحدث هنا عن واحدة من أهم إنجازات العلم في العصر الحديث؛ وهي التقنية النووية. فعلى الرغم من وجود معاهدة دولية الهدف منها تشجيع دول العالم على الاستخدام السلمي للطاقة النووية ومنع انتشار ظاهرة التسلح النووي.. فقد تسببت هذه المعاهدة- التي توصف بأنها أسوأ معاهدة عالمية- تسببت في تقسيم العالم إلى فريقين غير متكافئين؛ فريق لم يوقع على المعاهدة ولم يكبَّل بقيودها المغرضة.. وصار بالتالي حرا طليق اليدين، يصنع الأسلحة النووية، ويُجري تجاربها، ويمارس دور "الفتوة" على جيرانه وأعدائه دون حساب أو مساءلة؛ وفريق رضخ للابتزاز أو صدق الوعود الزائفة بتلقي المساعدات الفنية والتقنية للاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، فوقـَّع على المعاهدة.. وصار معرضا للتفتيش والمساءلة وانتهاك حرمات بيته من داخله، ولم يحصل في الوقت نفسه على المساعدات الموعودة.. لأن الحدأة لا يمكن أن تلقي بالكتاكيت كما هو معروف!. وبالطبع فإن لكل أمة وزنها، سواء كانت من الفريق الأول أو الفريق الثاني.. فالأمم الخانعة المستسلمة تـُحرم من كل شيء وتـُضرب بقسوة إن حاولت رفع رأسها، والأمم الحرة الجريئة المحتمية في شعوبها من خلال صناديق الانتخابات تنتزع حقها من بين أنياب الأسود، فتأخذ مكانها تحت الشمس؛ أمة عزيزة مُهابة.
وإذا استعرضنا الواقع النووي الحالي نجد تناقضات عجيبة، ونجد الإصرار الغربي المحموم على منع المسلمين من مجرد الاقتراب من التقنية النووية والاستفادة منها كمصدر رخيص للطاقة.. ناهيك عن اقتناء أسلحتها، المحرمة على أمثالنا. فالعدو الصهيوني الذي لم يوقع على معاهدة منع الانتشار النووي يفعل ما يشاء بالتعاون الكامل مع كل القوى الغربية التي لم تبخل عليه بكافة الإمكانات التي مكنته من امتلاك ترسانة من الأسلحة النووية. وقد أوضحنا في المقال السابق كيف كانت التفرقة الصارخة في التعامل مع كل من الهند وباكستان بعد انضمامهما المفاجئ معا للنادي النووي.. نادي الأقوياء. وها نحن نشهد ما يعانيه الشعب الباكستاني على أيدي حكامه عملاء الحلف الصهيوني الأمريكي، الذي يسعى لإحداث الفتنة داخل باكستان كذريعة للتدخل وتجريدها من سلاحها النووي. وإذا انتقلنا إلى البرنامج النووي الإيراني نجد الإصرار الغربي على وقف هذا البرنامج، على الرغم من توقيع إيران على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، والتي لا تمنع الدول الموقعة من تجهيز الوقود النووي اللازم لتشغيل محطات القوى النووية (السلمية). ويحاول الحلف الصهيوني الأمريكي الإيقاع بين إيران وجيرانها العرب، كما يهدد العدو الصهيوني بضرب إيران؛ ولكنه يخشى صواريخها ويفكر جيدا في نتائج أية مغامرة قبل أن يُقـْدم عليها. ولكننا نلاحظ المعاملة المختلفة تماما مع إيران من قِبل أمريكا والغرب، على عكس التعامل مع العراق وسوريا وليبيا.. فالحوافز والإغراءات لإيران، والضرب والحصار للعرب!؛ هل هي الجرأة التاريخية على العرب المتفرقين المستبدين؟!!.
أما أعجب ما في الموضوع النووي فهو الموقف من كوريا الشمالية، الدولة الفقيرة الضعيفة التي تكاثر عليها الغرب وحرّم عليها- بالقرارات الدولية المُلزمة- التجارب النووية والصاروخية.. ولكن هذه الدولة الصغيرة التي لا تقدر على إطعام شعبها؛ أدركت أن وضعها الدولي لن يتحسن إلا بامتلاك القوة، بل والإعلان عنها لتضع العالم كله أمام الأمر الواقع، فلم تلق بالا للتهديدات الغربية وقامت بتكرار التجارب النووية والصاروخية التي تثبت أنها قوة حقيقية مُهابة يجب التفكير جيدا قبل التورط في إغضابها أو استفزازها. وأمام هذا الأمر الواقع والجرأة الكورية في حيازة مصادر القوة التي يمتلكها الغرب ويسعى لحرمان الآخرين منها.. أصيب الغرب المغرور بالشلل، وعلى الرغم من القرارات الدولية التي تتجاهلها القيادة الكورية، فقد بدءوا يبحثون عن وسائل لاسترضائها وتشجيعها على الجلوس معهم للتفاوض!.
وعلى الجانب العربي فقد فوجئنا بصحوة نووية عجيبة، نرجو ألا تكون (كلامية) بإيعاز من أمريكا؛ لسحب البساط من تحت أرجل الإيرانيين، وإيهام الجماهير العربية- التي ربما تكون معجبة بالسياسة النووية الإيرانية- بأن العرب أيضا يملكون برنامجا نوويا.. خصوصا وأن الناس العاديين لا يفهمون الفرق بين البرنامج النووي السلمي والعسكري. فقد أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك الأردن واليمن اعتزامها إنشاء محطات قوى نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، كما أعلنت مصر عن العودة مجددا لبرنامجها النووي السلمي الذي سبق أن توقف أكثر من مرة. ونتمنى أن تكون هناك جدية وصدق في ممارسة حقنا الطبيعي في الاستفادة من التقنية النووية التي يمكن أن تفتح الأبواب للتقدم التقني في مجالات أخرى عديدة. فكما أوضحنا في مقال سابق؛ تتطلب التقنية النووية إجراءات وممارسات واحتياطات إدارية وعلمية وفنية فائقة الدقة والصرامة.. وغير مسموح في المحطات النووية بأية نسبة من الإهمال أو التراخي أو التواكل أو الكسل، أو بأقل احتمال من الخطأ؛ وإن ضؤل. وهذا من شأنه أن يوفر للدولة الممارسة لهذا النشاط جيشا من الخبراء والتقنيين البارعين المبدعين الذين يمكن أن يكونوا جاهزين وقادرين على الإدارة الناجحة لأي عمل تقني آخر. ومن المهم أن يدرك العرب أن اقتحام المجال النووي يحتاج إلى الاعتماد شبه الكامل على النفس، واستقلال الإرادة، وعدم الإفراط في الثقة في (الصديق الأمريكي) أو غيره، والإيمان بأن التنمية الحقيقية والجادة يجب أن تكون معتمدة على العقول والسواعد الوطنية، وليس على التقنية المستوردة؛ المعلبة.
وعموما نستطيع أن نتفاءل.. فقد أعلن أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد تعاقدت بالفعل لإنشاء محطة نووية كبرى، نرجو أن تكون بداية لانطلاقة نووية عربية.. كما تكرر الإعلان عن قرب التعاقد لإنشاء أول محطة نووية مصرية. ولكن الواقع الدولي يجعل تفاؤلنا حذرا.. فقد ترددت الأنباء الكاذبة والغريبة التي تروجها الدوائر الغربية عن اكتشاف "جزيئات" يورانيوم مخصب في كل من مصر وسوريا!. ويدل وصول هذه التقارير (الملفقة بالمناسبة) إلى وسائل الإعلام على نوايا شريرة لابتزاز الحكومات الضعيفة، القابلة للابتزاز!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق