البرنامج النووي.. نقلة نوعية لمصر
بقلم د. عبد الله هلال
بقلم د. عبد الله هلال
الأهرام المسائي 5 مارس 2008
وعلي الرغم من اصابة كثيرمن المصريين والعرب بالإحباط لتوقف الحديث عن هذا البرنامج مع مطلع القرن الحادي والعشرين ولسبع سنوات عاد بعدها لتصدر الأخبار فإن واقع الحال يؤكد رسوخ الفكرة وثبات المواقف من حيث المبدأ, إذا اعطينا الموضوع حجمه الحقيقي كمشروع استراتيجي ضخم يحتاج بطبيعة الحال إلي وقت وأناة.
فإذا استعرضنا تواريخ الأحداث المختلفة المتلاحقة التي مر بها البرنامج النووي المصري نشعر علي الفور بان هذا المشروع ظل حيا في وجدان ضمير الشعب المصري وحكوماته المتعاقبة, فقد أنشئت لجنة الطاقة الذرية برئاسة عبد الناصر شخصيا بعد ثلاث سنوات فقط من تحرك الجيش والتخلص من الملكية عام1952 وفي يوليو1956 أبرمت مصر اتفاقا ثنائيا مع الاتحاد السوفيتي, وفي سبتمبر من العام نفسه وقع عقد إنشاء المفاعل البحثي الأول, وفي يوليو1957 انشئت مؤسسة الطاقة الذرية, وفي العام نفسه أصبحت مصر عضوا مؤسسا بالوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كما حصلت علي معمل للنظائر المشعة من الدنمارك وفي عام1961 بدأ تشغيل المفاعل البحثي الأول. وعلي الرغم من حداثة عهد مصر بالتقنية النووية في هذا الوقت فلم يتوقف الطموح المصري عند البحوث النووية( علي أهميتها) وبدأ التطلع الفعلي الجاد إلي الاستفادة الكاملة من الطاقة النووية بعد سبع سنوات فقط من انشاء مؤسسة الطاقة الذرية, إذ أعلن في1964 عن مناقصة لإنشاء محطة نووية بقدرة150 ميجاوات لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر(20000 متر مكعب يوميا) وهذا يؤكد بالطبع قمة الطموح المصري لعدم التخلف عن العصر والتأكيد علي حقنا في امتلاك هذه التقنية المهمة ولكن وكما هو معروف, فقد توقف المشروع بسبب عدوان1967.
بعد انتصار1973 مباشرة عاد المشروع بقوة بالإعلان عن مناقصة في عام1974 لإنشاء محطة نووية بقدرة600 ميجاوات بسيدي كرير ولكن للأسف توقف المشروع مرة أخري حرصا علي السيادة المصرية من التدخلات الامريكية عندما ط طلب الجانب الامريكي حق التفتيش علي المشروع المصري في عام1981 انضمت مصر لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لتبديد المخاوف الخارجية( الغربية) من البرنامج النووي المصري, والتأكيد علي أنه برنامج سلمي الغرض منه المساهمة الفعالة في عملية التنمية وبعد ذلك مباشرة(1983) قررت الحكومة تخصيص جزء من عائدات النفط لتغطية انشاء محطة الضبعةبالساحل الشمالي وفي العام التالي وقعت مصر اتفاقية للتعاون النووي مع كندا وأخري مع استراليا في هذا الوقت تزايد التفاؤل بقرب قطف ثمار الجهود المصرية المتواصلة لتأسيس البرنامج النووي المصري.
ولكن الأقدار كانت تقف بالمرصاد لطموحاتنا, فوقع حادث تشير نوبل في عام1986 وأحدث هزة عنيفة وردة عالمية( غير مبررة) ضد التقنية النووية واستخداماتها السلمية, وتوقف بالطبع العمل في محطة الضبعة وحدث كمون نووي مصري عقب هذه الحادثة لست سنوات أعقبها في عام1992 صحوة جيدة بتوقيع عقد إنشاء مفاعل مصر البحثي الثاني بقدرة22 ميجاوات مع الأرجنتين وبإنشاء هذا المفاعل التجريبي عاد الأمل, وعاد الحديث عن البرنامج النووي المصري مجددا, حتي بدأ القرن الجديد بتغيراته العالمية وعولمته ليعود المشروع إلي الكمون( مؤقتا) ثم يعود الأمل من جديد وبقوة ابتداء من العام الماضي(2007) بعد نشر تقرير المجالس القومية المتخصصة بوجوب البدء فورا في تنفيذ محطة الضبعة والتحذير من عواقب التأخر في ظل التوقعات بنضوب النفط والغاز مع الزيادة الهائلة في الاستهلاك.
ويظن الكثير من الناس خطأ ان الحديث عن البرنامج النووي يعني الحديث عن الاستخدامات العسكرية, فيصاب البعض بالنشوة والشعور بالعزة, ويصاب البعض الآخر بالخوف من الدخول في مشكلات مع القوي العالمية المتربصة بالدول النامية وللأسف يجهل الكثيرون مسألة الاستخدامات السلمية وفوائدها وأهميتها, وهذا موضوع في غاية الأهمية لان برنامجا طموحا كهذا لابد أن يحظي بالفهم الصحيح وبالرضا الشعبي والاطمئنان الكامل لإمكانية التشغيل الآمن وانعدام احتمالات التلوث والإضرار بالإنسان والبيئة, وهذا لن يتأتي دون وعي وفهم وإدراك لحقيقة الأمر فضلا عن الشفافية والصراحة الواجبة في مثل هذه الأمور.
والأهم من ذلك هو ضرورة الإجابة عن السؤال المهم هل نحن في حاجة إلي الطاقة النووية لإحداث طفرة تنموية كبيرة؟
من هذه الطاقة النووية الهائلة والرخيصة والنظيفة في توليد الكهرباء وتحلية مياه البحروتشخيص وعلاج الأمراض السرطانية وغيرها واقتفاء الأثر والكشف عن الجريمة, وتعقيم الأدوات وحفظ المواد الغذائية, ومقاومةالحشرات وغير ذلك من التطبيقات العلمية والصناعية والزراعية التي لا يمكن الاستغناء عنها في العصر الحديث والمهم أن كل هذا يتم دون إضافة الملوثات التقليدية للبيئة.
ولعل أهم فوائد البرنامج النووي السلمي بالنسبة لمصر الان وفي المستقبل هي توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر, بالإضافة إلي وضع اقدامنا علي أعتاب تقنية متقدمة تؤدي بطبيعتها إلي التقدم في أغلب المجالات الصناعية والتقنية فالحصول علي كهرباء رخيصة ونظيفة سوف يساعد علي احداث تنمية سريعة وذات عائد اقتصادي مفر لان الكهرباء صارت في عصرنا الحاضر اساسا لأي تقدم وشرطا للتنمية وعلي الرغم من توافر كهرباء نظيفة من السد العالي, إلا أنها لا تكفي خططنا التنموية ونضطر لاستخدام محطات حرارية تلوث البيئة وتهدر ثروتنا النفطية, اما الكهرباء النووية فقد ثبتت جدواها اقتصاديا ونظافتها بيئيا لأن الطاقة النووية تعتمد كما اسلفنا علي الطاقة الكامنة داخل المادة, وليس علي حرق مواد كربونية ملوثة مثل كل أنواع الوقود الأحفوري المتوافرة حاليا, والمهددة ايضا بالنضوب.أما أعظم الفوائد بالنسبة لمصر فهي عملية تحلية مياه البحر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق