يبدو أن الكيان الصهيوني يعيش الآن حالة من الجوع والتعطش للدماء.. فالدماء الفلسطينية الغزيرة التي تتدفق يوميا بالضفة الغربية وقطاع غزة تعتبر ضئيلة بالنسبة لهم, فهي علي غزارتها لم تعد تشبع النهم الصهيوني للدماء. وأغلب الظن أن قادة الكيان قد غلبهم الشوق إلي وجبة دسمة من الدماء, فبدأوا بالتدرب والاستعداد للحرب من خلال أكبر مناورة في تاريخ الدولة العبرية, والتي استمرت لخمسة أيام.
وقد عكست نوعية التدريبات ما يعانيه الكيان الصهيوني من رعب من سلاح الصواريخ, الذي احدث خللا كبيرا في موازين الصراع.. فقد انتهي زمن الحروب الخاطفة وحصر المعارك خارج حدود الدولة العبرية, إذ أثبتت الحرب الأخيرة مع حزب الله فعالية الصواريخ وتهديدها للعمق الصهيوني. ويزيد من القلق الصهيوني أن هذه الصواريخ لا يمكن منعها أو التحكم فيها, فهي ليست مستوردة من حلفاء الكيان المغرور. وبالطبع فلا يمكن أن يصدق أحد أن هذه المناورات الضخمة وغير المسبوقة هي مجرد روتين ليس له هدف عدواني.. انها بلا شك استعداد لحرب جديدة.
والسؤال المطروح علي طاولة البحث الآن هو: لماذا يستعد الكيان الصهيوني للحرب؟. وإلي أين تتجه الآلة الحربية الصهيونية هذه المرة؟ إذا بحثنا في مفردات الصراع ومسببات الحرب التقليدية نجد أنه ليست هناك أي مهددات قوية مباشرة تواجه الكيان ويخشي أن يفاجأ بها.. فالجبهات المحيطة إما باردة( سوريا ولبنان) وإما معاهدة( مصر والأردن) وإما معاندة( المقاومة الفلسطينية واللبنانية). فهل يخشي الصهاينة الجبهة الباردة وهم واثقون أن سوريا قانعة بحالة اللا سلم واللا حرب ولم تفكر حتي في الرد علي الغارة العدوانية الصهيونية التي احرجتها؟, ولبنان المقاومة قانع بما حققه من انتصار علي الجيش الصهيوني, ولبنان( الدولة) مشغول بمشكلاته الداخلية. لا يوجد إذا غير الجبهة المعاندة..
ولكن هل تستحق المقاومة الشعبية التي لا تمتلك جيوشا ولا دبابات أو طائرات, هل تستحق إجراء مناورات بهذا الحجم؟! واضح ان الجبهة المعاندة وفكرة المقاومة ذاتها هي الدافع الأصلي والجرح الدامي الذي يؤرق الصهاينة في فلسطين المحتلة وأمريكا.. فالمقاومة اللبنانية أحرجتهم ومرغت سمعة جيشهم في التراب, والمقاومة الفلسطنية لم تنكسر رغم المجازر والمحارق والحصار والسجن الكبير الذي يعيش فيه الفلسطينيون, والمقاومة العراقية ـ كفكرة وأداء ـ تؤرقهم أيضا. وزاد من القلق اعتماد المقاومة علي نفسها بتصنيع الأسلحة محليا, فهي( أي الاسلحة) رغم بساطتها تؤرق المستوطنين الصهاينة الذين نزحوا من أوطانهم إلي فلسطين لكي يعيشوا لا ليموتوا أو يصابوا.
لا شك أن الصهاينة( أي الحلف الصهيوني الأمريكي) يتوهمون أنه يمكن الخلاص من هذه المقاومة الشرسة التي فشلوا في السيطرة عليها, ويسعون الي ذلك بكل إمكاناتهم, ويظنون أن القضاء علي المقاومة سوف يريحهم الي الأبد من هذا الصراع الذي لايريد أن ينتهي.. ولكن أين هو ميدان المعركة؟!.. يعتقد قادة الكيان الصهيوني أن سوريا تهرب من المواجهة المباشرة معه.. وتشن الحرب عليهم من وراء ستار, من خلال المقاومة, وأنها وحليفتها إيران هي التي تدعم هذه المنظمات وتمدها بالمال والمأوي والعتاد. لذا فأغلب الظن أن الحرب القادمة التي يستعد لها الحلف الصهيوني الأمريكي سوف تتجه إلي سوريا( ومعها حزب الله اللبناني) أو إيران, أو كليهما معا, والاحتمال الأول أقوي, ولكنه لا ينفي الاحتمال الثاني.
ويصعب بالطبع ضرب سوريا وإيران معا في وقت واحد, فهذه مجازفة خطيرة. وإيران لديها أسلحة يمكن أن تطول العمق الصهيوني, لذا فمن المتوقع ان تشارك أمريكا في الحرب القادمة, لأن الساسة الأمريكيون باتوا يعتقدون أنهم في حاجة إلي عملية كبيرة تغطي علي فشلهم في العراق وأفغانستان قبل الانتخابات الرئاسية, وإيران عدو مشترك للطرفين.. لذا فالاحتمالات كلها واردة. فإن هاجمت أمريكا( بمفردها) إيران فالكيان الصهيوني مهدد بالرد الانتقامي, وإن آثرت أمريكا الابتعاد وعدم المجازفة وحاربت من خلال وكيلها الصهيوني, أو أن يشتركا معا( علنا أو سرا).. ففي كل الأحوال يحتاج الكيان الصهيوني إلي التعبئة الداخلية والاستعداد الجيد الذي عكسته المناورة الأخيرة, والتي تدربوا فيها علي مواجهة الضربات الموجعة باستخدام الاسلحة الكيماوية والبيولوجية.
ماذا فعل العرب في المقابل؟.. هل استعدت الدول العربية لمواجهة احتمالات توسعة الصراع أو التعرض لهجمات انتقامية أو عارضة؟, إن القوات والقواعد الأمريكية المنتشرة في عدد من الدول العربية تجعل هذه الدول مسرحا محتملا لهجمات ومعارك بين القوات الإيرانية والقوات الأمريكية.
كما يمكن ان يستغل الكيان الصهيوني( كعادته) جو الحرب وضبابيته ويصطاد في الماء العكر, ويضرب عصفورين بحجر واحد, بتدمير بعض المواقع العربية الاقتصادية أو العسكرية المنتقاة, بطائرات تبدو إيرانية.. ملصقا التهمة بإيران للإيقاع بينها وبين الدول العربية. يجب علي هذه الدول أن تعد جبهاتها الداخلية لمواجهة أسوأ الاحتمالات كما يفعل الصهاينة.. إن الاستعداد المسبق والتدريب يقلل الخسائر ويمنع الفوضي وانهيار الروح المعنوية للشعوب. افيقوا يا عرب فالحرب حرب, وخسائر الحروب غير المتوقعة ثقيلة.. ويمكن تقليلها بالاستعداد واليقظة. أما إذا كانت بعض الاطراف العربية لا تبالي بالحرب القادمة اطمئنانا وثقة بالحماية الأمريكية, فهي بلا شك تكون واهمة, وتستجير من الرمضاء بالنار.. فأمريكا ليس لها صديق إلا المصلحة الشخصية والكيان الصهيوني, وقد سبق لـ بوش أن اعتراف بأن سبب موقفه المعادي لإيران هو معاداتها للصديق الصهيوني, وتشجيعها لمقاومة الاحتلال!.. ومعروف أن أمريكا لم تخلص يوما لأحد, ولا حتي لحلفائها في الحرب العالمية الثانية. لقد خلق الله تعالي الكائنات جميعا مدافعة بطبعها عن وجودها وحياتها, ولولا ذلك
لما استمرت الحياة.. فلا أقل من الاعتماد علي النفس واتخاذ الحيطة والحذر, حماية للأمن القومي العربي. إن أخشي ما نخشاه هو ألا يكتشف العرب أن أمريكا هي إسرائيل إلا بعد فوات الأوان, وبعد خراب مالطة.. وحتي لوكانت أمريكا دولة صديقة افتراضا, أو كانت دولة غير ظالمة جدلا, فكيف تقف إلي جانب العرب وهم لا يعتمدون علي أنفسهم؟!.. إن أمريكا( أو غيرها) لن تكون عربية أكثر من العرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق